أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - إرهاصات... لحظة الخروج من الزمن المهدور















المزيد.....

إرهاصات... لحظة الخروج من الزمن المهدور


أحمد الناجي

الحوار المتمدن-العدد: 798 - 2004 / 4 / 8 - 10:18
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


رغم توقد الذهن واستشرافه لكل تداعيات الاحتلال حاضر العراق الحالي وملمات المستقبل القادمة، لم يكن بالإمكان تخطي ذلك المشهد الرمزي الذي استطاعت لقطاته المنقولة عبر الأثير، التعبير بصورة وافية عن بديهية نهاية النظام الديكتاتوري في 9 نيسان 2003، بعد أن اختصرت تلك الدقائق المعدودة الكثير من المعاني حين جاءت تجلياتها مقاربة للواقع، وقد تجلى أكثرها حقيقة عندما عكس ذلك المنظر عن محدودية قدرات العراقيون، فلم يستطيعوا لوحدهم الإطاحة بالتمثال، بل لزم مشاركة مكننة قوات الاحتلال المتحفزة لإبداء المساعدة في أخراج سيناريو الصورة اللحظية تلك على أحسن وجه، وكان مفاجأة بحق، أصابت العالم بالذهول، تطايرت لها قلوب المظلومين في الهواء فرحاً.
كيف لي التعامي عن حزم الفرح والغبطة المتقاطرة، التي بدأت تنهمر زخاتها دون استئذان لتستوطن شغاف مكامنها الذي هجرتها منذ زمن بعيد، كيف لي تمرير نشوة اكتناز الأمل التي تزداد مع كل ركلة قدم كان يتلقاها هشيم ذلك الهيكل البرونزي ذو السحنة السوادء صنم الجلاد المتحجر القلب.
جاءت في صباح اليوم التالي معاول تبديد هواجس الخوف، ضربات نعال أبو تحسين المنهالة على رسم الطاغية، ذلك ما تيسر في تلك الساعة لدى هذا الصامت المتعب، المنطلق في رحلة تيه الى وسط بغداد فلم يكن يحسب أن لقطة واحدة منها ستفترش شاشات التلفزيون وتسكن في ذاكرة العراقيون بعد أن التقطتها عدسة مصور بالصدفة، كانت تجوب شوارع بغداد تسعى للسبق الصحفي، فازت به عن جدارة واستحقاق.
لقد كانت لحظة الوعد التي طالما انتظرها الصامتون بالترقب الوجل تشتاق اليها الروح المتعبة التي لم تزل تحتفظ بعد بقاموس معاني الأشياء الحقيقية، رغم كل دوران مكائن الاستلاب المبرمج، وكل ما علاها من ذبول وشحوب، لكنها معذورة ما عادت تحتمل استضافة اليأس، ولا مقاربة الخواء ولا حتى سماع أنين الآخرين، لم تعد تكترث بإداء طقوسها في دثار الأحلام المؤجلة بعد أن تضاءلت حد التلاشي، واستحال السكون الرتيب، عذابات لا نهاية لها، عزمت على الترجل بعدما انفرطت روح المغامرة بعيداً عن مثاباتها، وما عادت تعنيها الآن، راحت تعد نفسها للرحيل بعيداً عن مشاريع التدجين وعوالم الارتهان القسري، تبغي توديع الجسد المتعب المرصوف من قبل تطوعاً على قوائم الخسران، ثم جاءت الانعطافة، مخاض العهد الجديد، تتعالى عن بعد أصوات، صارت في حكم تقادم الزمن طي النسيان، لم تألفها منذ أمد، أناشيد لا تخلو من حزن تعلن عن بداية زمن الحرية، ونهاية عالم الجور، والظلم، والظلام، والزور، تشيح عن خاتمته المخزية، تبشر بانهزام المهرج الكبير بعد أن خلع عدة المباهاة الكاكية، وفضل الانسحاب في جنح الليل متشحاً بالذل، آثراً سلامته في الانزواء الذي صار بالصيت المجلل بعد حين.
انتفضت تلك الروح الملعونة لمجرد رؤية اقتراب دبيب خرافة، تتشبث تجميع بقايا قوتها، ترتجي الإمساك بحلمها المنبلج للتو، منتشية، تفرد متسع للترقب، ومتابعة الأحداث المتسارعة، ترى تَسَيُدَ شريعة الجياع، إثر هروب السجان، عرض شيق لشريط دائما ما يتكرر، في كل الأزمان، الأعراف، الثورات، لم يحسن يوما ما كل الجلادين حسابه، حين يتفجر من وسط السكون والرهبة ذلك الانفلات الهادر، يتنامى في رمشة عين، يتشكل تلقائياً محروساً بالجوع ذلك الفعل الجمعي العفوي الذي يحاول فيه المظلومين بسط شريعتهم، يتقدم كل هواجسهم مشروع القصاص من الجلاد، أو شخوصه المتناثرة في الشوارع، جوامد الزينة الترهيبية، بعض من نتاج المنافقين، ذلك ما تيسر في متناول اليد افتراسه، على الأقل في تلك الساعة، كردة فعل سريعة، أو محاولة ثأرية لتبديد أهوال المغانم، ما حصدوه من مآسي ومرارات، كانت تنصب على رؤوسهم كل سنين القهر.
راحت تكز بأسنانها، تروم تكسير كل القيود، تسابق الزمن، تحث الخطى مسرعة، ترمق انفلاتها من هاجس الصمت ملاذها المكين الذي توحدت معه في وحشة الحياد داخل الوطن المرتهن للزمن الموقوف، تريد أن تقتنص خيوط الأمل المنشود الذي بانت تتلألأ في لحظات الشروع، انطلاقة العهد الجديد، راضية به حتى ولو وسط الخراب، تتمايل رقصاً، تتفاءل فرحاً، ذلك هو العناد بجدارة لها القدوة التفاحة عناد أمنا حواء خير شفيع في محاولة تحسبها المنعطف، كي تمسك بتلابيب اللحظة الخرافية تلك وتقضم نشوتها، ولو لحين قبل أن تفر الى يد سراقها المتحفزين.
لم استطع حينها إخفاء أسارير الابتهاج، كيف لا تركب محياي البسمة، الفرحة، الالق في تلك الدقائق الفاصلة التي بان فيها زيف حقيقة الطاغية تحت أنظار عيون الملايين من العراقيين، والعالم أجمع، الكل يترقب فيها هشاشة تلك العوالم المعتمة المخيفة التي عشنا في كنفها ردحاً من الاستبداد والقهر.
أنها لحظة الفرج...
أنها لحظة تبديد العتمة عن بلاد النهرين...
أنها لحظة كبح جماح الطغيان...
أنها لحظة إنهاء الصلف المتهور بالمكر...
أنها لحظة استعادة خيوط الأمل...
أنها لحظة فاصلة بين زمنيين...
أنها لحظة الانعتاق من براثن أسواط الترهيب والترغيب...
أنها لحظة تنسم الحرية التي لم نألف وربما لا نجيد التعامل معها بعد...
أنها لحظة الفكاك من الأسر بعد أن تناسلنا في أقفاصه المظلمة أجيالا، سنقص عليهم بعد حين حكاياتنا الموجعة التي توطنت أساطيرها في الذاكرة منذ أمد، دون أن يفارقنا حلم الغد، بأن لا يروا ويعيشوا مثل تلك الحقبة السوداء التي ولت الى حيث لا أدري وليكن الجحيم.
أنها لحظة حضور الأمنية التي تشوهت من كثرة استجدائها في الزمن الجدب...
أنها اللحظة الذي أتسع فيها الزمن كي أمر بعجالة أنثر الحلوى على الأحياء من معارفي، أزف البشرى على الشهداء الذين راحوا الى بارئهم شموخاً في أقبية القهر والدولاب الدموي الدوار، وكل المعذبين من الأموات، المكابدين في الزمن المهدور الذين لم يسعفهم الحظ بإدراك ساعة الخلاص، دون أن أنسى أو يغرب عن بالي الهمس لهم بجسامة ما هو آت من أيام موحشة كأداء، النفق المظلم الذي أعد بإتقان، هذا الوعد الجاثم فوق الرقاب الى حين، كارثة الاحتلال الذي سننوء به لاحقاً وما يترتب على ذلك من جسامة التحديات التي ستعصف تداعياتها مستقبلاً بالبلد الذي مكث تحت رحى الحصار أكثر من ثلاثة عشر عام، ولا ندري كم السنين والدماء والمعاناة سيكلفنا أرث النضال الأجوف.

أحمد الناجي
العراق



#أحمد_الناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنَّ مَنْ يأخذ دوره في البناء وسط الخراب.. ذلك هو الذي قلبه ...
- تأملات في الذكرى السبعين لميلاد الحزب الشيوعي العراقي... صار ...
- قمة تونس تنفض قبل إنعقادها، يشهر العرب فيها سلاح الانبطاح
- قمة تونس تنوء بثقل احباطات الماضي وجسامة الحاضر
- التاسع من نيسان يوم أمريكي محض وقدرنا أنه حدث في العراق
- صدام محطة مريرة لفظها العراقيون من ذاكرتهم ودفعوا ثمنها غالي ...
- بغداد .. أي ذاكرة هذه التي تتوقد بعد كل هذه السنين
- الدم ينتصر على السيف


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - أحمد الناجي - إرهاصات... لحظة الخروج من الزمن المهدور