أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نرمين خفاجى - شعوذات حكام بأمرهم















المزيد.....

شعوذات حكام بأمرهم


نرمين خفاجى

الحوار المتمدن-العدد: 2594 - 2009 / 3 / 23 - 04:17
المحور: كتابات ساخرة
    


عشرة قرون من الاختفاء لم تكن كافية لمحو حقبته التاريخية ،التى تحولت إلى حفرية من الصرخات ، عاد الآن بحضور طاغ ،حلقت روحه المضمخة برائحة دهن البنفسج – وصفة من طبيبه الخاص لعلاج المناخوليا - الممتزج بعرق المعذبين فى أجوائنا الغبراء ، لقد جثم على قلب مصر ربع قرن من الزمان روى خلالها كرسى عرشه بدماء الضحايا، أفزعته نكات وسخريات المصريين ،طارده صداها فى صحوه ومنامه ،على الجدران والأوراق ،وارتفعت مع أثير الهواء حتى غطت المحروسة بأكملها، قال عنه ابن إياس الحنفى : كانت مدة خلافته بالديار المصرية والبلاد الشامية خمسة وعشرين سنة فكانت على الناس اشد الأيام ، وقتل فى هذه المدة جماعة من العلماء والفقهاء ،واعيان الناس ،مالا يحصى عددهم " بدائع الزهور فى وقائع الدهور" .
عاد بعد أن تشابهت الأيام والأحداث والضحايا،وبعد أن صار التطابق بينهما لا يفرقه سوى الملابس العصرية والنقلات التكنولوجية التى لامست أدوات التعذيب والقمع والترهيب فأدخلتها إلى عصر الكهرباء .
استدعى تكرار حوادث التعذيب والاغتصاب بأقسام الشرطة المصرية ،صورة العبد مسعود "آلة الاغتصاب البشرية "التى أطلقها الحاكم بأمره "الأول" على الأسواق المصرية. وحيث أن مسعود يعد الأب الروحى لكل البلطجية بدءا من فرج وسلومة لأقرع "اللى مابيرحمش" وأبو دراع وغيرهم من البلطجية العظام فى كل عصر وأوان .لذلك اهتم بأمره ابن إياس فقال : كان الحاكم بأمر الله يتعاطى حسبة القاهرة بنفسه ، فيلبس جبة صوف ابيض ،ويركب على حمار أشهب يسمى "القمر"ويطوف أسواق مصر والقاهرة ومعه عبد اسود طويل عريض ، يمشى فى ركابه يقال له مسعود فأن وجد أحدا من السوقة غش فى بضاعته أمر ذلك العبد مسعود بان يفعل به الفاحشة العظمى ،وهو اللواط فيفعل به على دكانه والناس ينظرون إليه حتى يفرغ من ذلك والحاكم واقف على رأسه ،وقد صار مسعود هذا مثلا عند أهل مصر إذا مزح بعضهم مع بعض يقولوا "احضر له مسعود ".
ومع النقلة التكنولوجية الهائلة التى يتميز بها عصرنا تم استنساخ العبد مسعود إلى مئات وربما الآلاف من النسخ الموزعة على أقسام الشرطة ومقار امن الدولة المنتشرة كشبكات عنكبوتية تطوق قاهرة المعز وأقاليم المحروسة تحت شعار غامض "الشرطة فى خدمة الشعب"! ثم تحول وإحنا قاعدين إلى شعار أغمض منه " الشعب والشرطة فى خدمة الوطن " !!.وبذكر أقسام الشرطة وجهاز الشرطة والناس الحلوة اللى مشرفينا فى كل شارع وحارة وعلى النواصى والقهاوى والمظاهرات والاعتصامات ،لذلك وجب التنويه "عشان كل واحد يعرف نفسه ".إن جهاز الشرطة أتولد مع الدولة " توأم يعنى" وتعتمد عليه الدولة بشكل اساسى فى تنفيذ أوامرها وفرض سلطانها وهيبتها على الشعب ،أما زمان "قوى" فى المجتمعات البدائية البسيطة الجميلة الأولى لم يكن هناك جهاز للشرطة يعكنن على الشعب حياته لصالح قلة "مندسة" من الحكام تستأثر بالثروة والسلطة، وإنما كان هناك نظام متفق عليه داخل كل قبيلة لتقسيم العمل ونشر الأمن وإقرار العدالة ،وبالطبع لم تظهر هناك اى من عمليات التعذيب ولا البهدلة وقلة الأدب التى صاحبت دولة القانون والمؤسسات المتحضرة!!. لذلك فعندما يهتف المتظاهرون "امن الدولة كلاب الدولة" لا يكون الهدف هنا هو سب رجال الأمن الأوفياء لدولتهم توأمتهم حبيبتهم وإنما فقط لتوضيح "التايتل" الوظيفى وقد لزم التنويه حتى لا يظن بنا رجال الأمن ظن السوء .
نعود إلى الدولة الفاطمية (القرن العاشر الميلادى) حيث رأى الخليفة الحاكم بأمر الله أن استخدام العبد مسعود بهذا الشكل هو الحل الناجع لعلاج المصريين من أمراض السرقة كالغش فى الميزان واحتكار السلع.ولم يكن ذلك مستغرب منه وخاصة بعد أن قال عنه يحيى بن سعيد الانطاكى : كان سبب بغى الحاكم فى جميع ما يقصده من هذه الفعال العجيبة صنف من سوء المزاج فى دماغه أحدث له ضربا من ضروب المناخوليا وفساد الفكر منه منذ حداثته ،فأن من المتعارف فى صناعة الطب انه قد يكون فيمن يعتريه هذا المرض انه يقوم فى نفسه أوهام ويتخيل أمورا وعجائب وان قد يكون منهم من يظن بنفسه انه نبى ومنهم من يتوهم انه الإله بنفسه.
أما فى العصر الحديث فقد رأى الحاكم بأمره "الثانى" أن استخدام البلطجة فى الشوارع والتعذيب والاغتصاب فى أقسام الشرطة ومقار امن الدولة يعد وسيلة ناجعة لكسر عين الشعب وإرهابه حتى يصمت عن السرقات المنظمة والغير منظمة التى يقوم بها الحاكم وعائلته وحاشيته لثروات وممتلكات هذا الشعب الذى تحمل ولا زال يتحمل بصبر بدأ ينفد سبعة آلاف سنة قمع باللحم المفروم والصوص الأحمر أنتج خلالها أهراما عظيمة ستر بها ذله على مر العصور .
ومن العدالة أن نذكر للحاكم بأمره الأول انه قد أدار احد اعنف الأزمات الاقتصادية فى تاريخ مصر مستخدما خوف الشعب منه لأول وآخر مرة فى الخير،فقد ذكر لنا التاريخ أن النيل انخفض منسوبه فى احد أعوام حكمه فارتفعت الأسعار ،وهنا توجهت جماهير شعب مصر إليه فى قصر الزمرد يستغيثون به فقال لهم :- إذا كان الغد أتوجه إلى جامع راشدة وأعود فأن وجدت فى طريقى مكانا خاليا من الغلة ضربت عنق صاحب ذلك المكان على بابه ،فلما توجه إلى جامع راشدة ،وعاد بعد العصر وجد الغلال قد امتلأت بها الطرقات وشبعت أعين الناس ثم انه قرر مع أصحاب الغلال أن لا احد يدخر فى بيته شيئا من الغلال ثم قرر معهم سعر كل صنف من الغلال بثمن معلوم لا يزيد ولا ينقص فعند ذلك سكن الرهج الذى كانت فيه الناس ووقع الرخاء بمصر وسائر أعمالها وكان الحاكم شديد البأس إذا أمر بشيء لا يرجع عنه ولا يرادد فيه ."ابن إياس – بدائع الزهور".
أما عن أزماتنا الاقتصادية الحديثة فقد اتهم تقرير صادر عن الأمم المتحدة النظام الحالى بأنه المتسبب فى إفقار أكثر من نصف المصريين ، حيث يضع ميزانية الدولة فى جيب الأجهزة الأمنية بينما يلقى بالفتات لقطاعات الإسكان والصحة والتعليم ،وقد أدت هذه السياسة التى أنتجت الفقر إلى زيادة معدلات الجريمة بكل أنواعها ،ويقارن التقرير بين مصر ومثيلاتها من الدول النامية حيث أن متوسط دخل الفرد فى مصر يصل إلى 600 دولار اى 3500 جنيه فى السنة ويعد هذا الدخل اقل من متوسط دخل الفرد فى عشرات الدول النامية المماثلة لظروف مصر الاقتصادية .
تدنى الدخل أدى إلى وقوع أكثر من 70% من المصريين تحت خط الفقر بما يستتبعه ذلك من الحصول أو اللاحصول على خدمات متدنية من صحة وتعليم وخلافه .
والآن وبعد أن صرنا فى عداد الشحاذين وصارت دولتنا الحديثة فى الدرك الأسفل من سلم تطور الدول.
من هنا بالضبط ولدت شرارة المقاومة بتكرار الاعتصامات والاضرابات للعمال والموظفين ولكنها اختلفت بحكم التطور عن مقاومة المصريين للحاكم بأمرالله الذى جن جنونه من سخريات المصريين الذين شككوا فى نسبه إلى آل البيت وتركوا له الأوراق والرقاع فى كل مكان مليئة بالسباب كما تمادوا فى اللعب به فوضعوا له فى إحدى جولاته بالفسطاط تمثالا لامرأة ترتدى حجاب وبيدها ورقة كأنها مظلمة فلما قرأ الورقة كاد أن يسقط من على حماره من كثرة الغيظ فقد امتلأت بكافة أنواع السباب والتهكم فأمر بإحراق المرأة والتنكيل بها فلما اخبر بأنها دمية ازداد جنونه وبدأ يعد العدة لمعاقبة المصريين على قلة أدبهم .أما بعد أن ادعى الالوهيه : "وعن للحاكم أن يدعى الربوبية وقرب رجلا يعرف بلأخرم ساعده على ذلك وضم إليه طائفة بسطهم للأفعال الخارجة عن الديانة وشاع الحديث فى دعواه الربوبية وتقرب إليه جماعة من الجهال فكانوا إذا لقوه قالوا السلام عليك يا واحد يا احد يا محى يا مميت " ابن الصابى تكملة تاريخ ثابت بن سنان.
هنا زاد لعب المصريون به باستنساخ الرقاع التى تسخر منه وتوصيلها إليه والتى كان اشهرها بيتين من الشعر هما.
بالظلم والجور قد رضينا وليس بالكفر والحماقة
إن كنت أعطيت علم غيب فقل لنا من كاتب البطاقة
اختمرت الفكرة فى عقل الحاكم لعقاب المصريين على سلاطة اللسان "استدعى القواد والعرفاء وأمرهم بالمسير إلى مصر وضربها بالنار وقتل من ظفروا به من أهلها ..فاستمرت الحرب بين العبيد والعامة والرعية ثلاثة أيام ،والحاكم يركب فى كل يوم إلى القرافة ويطلع الجبل ويشاهد النار ويسمع الصياح ويسأل عن ذلك فيقال له العبيد يحرقون مصر وينهبونها فيظهر التوجع ويقول : لعنهم الله ! من أمرهم بهذا !" ابن تغرى بردى ،النجوم الزاهرة .
وبعد أن احترق أكثر من ثلث المدينة ونهبت الأموال وسبيت النساء وقتل من الناس مالا يحصى ..أخيرا عفا الحاكم بأمره عن الشعب المنكوب ولكن هل عفا الشعب بدوره عنه ؟ الإجابة كانت بقتل الحاكم بأمره فى سنة 1021 ميلادية بعد ربع قرن من المسخرة والقتل والقوانين العجيبة التى قلبت نهار مصر إلى ليل وليلها نهار وحبست النساء وحرمت أكل الملوخية وذلت الشعب بكل ملله من مسلمين وأقباط ويهود .
ومن انتقام الحاكم بأمره الأول إلى انتقام الحاكم بأمره الثانى ،الذى اتخذ من قانون الطوارىء صولجان للحكم فملأ معتقلاته بأكثر من 25 الف مواطن ،واطلق المفسدين ليقوموا بتجريف الثروات،وتخريب المؤسسات،وقتل روح التعليم لتجهيل الشعب،ولا يزال العجوز المحنط بقصر العروبة وابنه الحاكم المنتظر ،يتربصون بنا الدوائر،ولا ندرى متى تزول الغمة، ويثور هذا الشعب على حاكم طال زمانه فألحقه بأشهر طاغية فى تاريخ مصر الوسيط .



#نرمين_خفاجى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة الفرنسية وملحمة الحرافيش
- على هامش الاحتفال بيوم المرأة المصرية ..قراءة فى دفتر احواله ...
- انا وطنى وبنشد وبطنطن
- على مقهى التهييس السياسي


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - نرمين خفاجى - شعوذات حكام بأمرهم