أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسن شعبان - تطور الأوضاع في عالمنا المعاصر















المزيد.....


تطور الأوضاع في عالمنا المعاصر


حسن شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 2557 - 2009 / 2 / 14 - 09:33
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


(1)

منذ العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أصبحت المنافسة الحرة في ذمة التاريخ . فالمنافسة الحرة أدت إلى تركز وتمركز الإنتاج والرأسمال، وهذا التركز الهائل عند مرحلة من مراحل تطوره أدى إلى الاحتكار، وتشكلت الاتحادات الاحتكارية الجبارة للرأسماليين.
ولم تعد البنوك تقوم بدور الوساطة في الدفع، ولكنها قامت بتجميع العائدات النقدية بشتى أنواعها ووضعتها تحت تصرف طبقة الرأسماليين، وأصبحت الاحتكارات هي القائد في الحياة الاقتصادية بأكملها، وانتقلت الرأسمالية إلى مرحلة أعلى من مراحل تطورها، وكان القرن العشرين هو نقطة التحول من الرأسمالية القديمة؛ سيطرة رأس المال بوجه عام، إلى مرحلة الرأسمالية الحديثة؛ سيطرة رأس المال المالي.
وكان التقدم الصناعي الهائل الذي أحدثته الثورة الصناعية قد أدى إلى تطوير وزيادة الإنتاج بدرجة كبيرة، وضاقت الأسواق القومية بهذا الفيض الواسع من الإنتاج ولم تعد ترضي طموحات الرأسماليين في تحقيق الأرباح، ومن أجل البحث عن أسواق لتصريف الإنتاج، ومن أجل الحصول على المواد الخام والأيدي العاملة الرخيصة إستولت الدول الرأسمالية على مناطق واسعة في أنحاء العالم، في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية واستخدمت أحط وأبشع أنواع القهر والعنف والاستغلال المباشر لشعوب المستعمرات.
وإذا كانت الثورة الصناعية قد أدت إلى طفرة هائلة في تطور الرأسمالية في أوروبا، إلا أنه في المستعمرات التي وضعت يدها عليها، أبقتها قسراً في أنماط إنتاج متخلفة؛ أنماط إنتاج ما قبل الرأسمالية، وحالت دون أي إمكانية للتطور الرأسمالي في هذه البلاد.
وأدى التطاحن فيما بين البرجوازيات القومية في أوروبا إلى اشتعال الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) من أجل اقتسام المستعمرات ومناطق النفوذ، وكانت تخدع الطبقة العاملة والجماهير في بلادها وتؤكد لها أنها تحارب من أجل الوطن، ودفاعاً عن الحرية والثقافة وتحرير الشعوب، ولكنها كانت من جانب الطرفين المتحاربين، حرباً إمبريالية، حرب غزو ونهب ولصوصية.
وأدت أزمة النظام الرأسمالي إلى زيادة قوة ونفوذ الحركة النقابية العمالية والأحزاب الاشتراكية الديموقراطية، واستطاعت أن تنتزع بعض الحقوق عبر كفاح طويل وتضحيات ضخمة.
وقبل نهاية الحرب إستطاعت الطبقة العاملة الروسية أن تحقق إنتصاراً تاريخياً وظهرت أول دولة إشتراكية في التاريخ عام 1917 .
وعلى العقدين التاليين تعرض النظام الرأسمالي لكثير من الاضطرابات والفوضى، وشهد أزمات دورية طويلة وطاحنة، لعل أشهرها كان أزمة الكساد العظيم (1929 – 1933) التي بلغت الذروة في مدتها ونتائجها التدميرية، فقد تراجع الانتاج الصناعي، وارتفعت نسبة البطالة، وإستخدمت الرأسمالية جهاز الدولة في قمع الطبقة العاملة.
وسرعان ما أدى التطاحن بين هذه الإمبرياليات إلى إشتعال نار الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) التي كانت أكثر ضراوة، وأعنف تدميراً وبلغ عدد ضحايا هذه الحرب خمسون مليوناً من البشر وخرجت أوربا من هذه الحرب منهكة ومفلسة وشهدت ألمانيا إنهياراً إقتصادياً شاملاً، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية التي دخلت الحرب قرب نهايتها إلى جانب الحلفاء خرجت من هذه الحرب وإقتصادها أكثر إنتعاشاً، وقد أتاح الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية المناخ لرأس المال الاحتكاري للخروج من أزمته الطاحنة، وحققت الرأسمالية العالمية معدلات نمو مرتفعة نسبياً وخاصة مراكزها المتطورة، وأدت فترة الرواج والتوسع التي إمتدت من نهاية الحرب وحتى الستينات من القرن العشرين إلى تحسن ملموس في مستوى المعيشة شملت كل طبقات المجتمع.

(2)

وشهد العالم صعود وإنتصار حركات التحرر الوطني في العديد من البلدان المستعمرة وإنتزاع إستقلالها السياسي.
وكان غروب شمس الاستعمار القديم، عصر السيطرة العسكرية والسياسية المباشرة، وموت الإمبراطوريات القديمة، وبزوغ شمس الاستعمار الجديد، عصر الاستعمار الاقتصادي والسياسي، وميلاد الامبراطورية الأمريكية التي مهدت الطريق لميراث الامبراطوريات القديمة في مجرى حشد وقيادة المعسكر الرأسمالي في مواجهة المعسكر الاشتراكي ومحاربة الشيوعية والديموقراطيات الشعبية والحركة العمالية في العالم بإنشاء حلف الأطلنطي، وكان رأس المال الأمريكي سباقاً في إستثمار الأموال التي تراكمت في أعقاب الحرب في الخارج، ونشطت في ربط البلدان التي كانت مستعمرة بشبكة من الأحلاف العسكرية، والاتفاقيات الاقتصادية، والمساعدات العسكرية، التي تؤدي إلى ربط هذه البلاد بالإقتصاد الرأسمالي العالمي وتعميق آليات النهب والتبعية عن طريق تشجيع ودعم أنظمة الحكم العسكرية وربطها بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي، والمبادلات التجارية غير المتكافأة، وخلق طبقة من الوكلاء المحليين تحت إمرة رأس المال الاحتكاري الدولي وفي نفس الوقت الوقوف ضد أي تنمية مستقلة حقيقية (رفض تمويل مشروع السد العالي في مصر).
وفي الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي إمتدت حتى نهاية الستينات من القرن العشرين، كانت أوروبا واليابان قد تعافتا من آثار الحرب التدميرية، وسادت فترة رخاء وتوسع هائل، وحققت الاحتكارات الرأسمالية أرباحاً طائلة.
كما شهدت هذه الفترة نشوء وتنامي الشركات العابرة للقارات والمتخطية للحدود القومية، والتي باتت تتحكم بمقادير هائلة من السيولة الدولية ووضعت الأساس لظاهرة تدويل الإنتاج ورأس المال، تدويل عمليات تركز الانتاج وتمركز رأس المال.
ومع مطلع السبعينات من القرن العشرين كانت الاحتكارات الرأسمالية قد أستكملت سيطرتها على السوق العالمية، وسارع ذلك من التوسع الهائل في تركيز الإنتاج وتمركز رأس المال على النطاق الدولي، وتحولت الاحتكارات الرأسمالية إلى مؤسسات ضخمة وعملاقه، ولذلك توسع وتداخل وتشابك مجالات نشاطها مع الاحتكارات المالية (البنوك وشركات التأمين) ومشاركتها في عمليات التمويل والمضاربة، وزادت عمليات الائتمان التي كانت تقوم بها المصارف الخاصة في بلدان السوق الأوروبية المشتركة والبنوك الأمريكية على النطاق الدولي، واتسع نطاق تصدير رأس المال إلى البلدان المتخلفة، وإرتبطت القروض بشروط إقتصادية وسياسية مجحفة، ومارست الاحتكارات الرأسمالية العالمية عمليات نهب الفائض الاقتصادي للبلدان التابعة بأشكال مختلفة، وتوظيفة في خدمة تراكم رأس المال الاحتكاري وتعاظمت الأرباح وتراكمت طوال فترة السبعينات، وساعد ذلك البلدان الرأسمالية في رشوة الطبقة العاملة في بلادها في مجرى محاربة الشيوعية وصراعها مع المعسكر الاشتراكي وحركات التحرر الوطني.
وكان العالم قد شهد تبلور معسكرين كبيرين المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي الذي ساند وقدم المساعدات المالية والاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية لكثير من حركات التحرر في العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، والمعسكر الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية التي قامت عن طريق وكالة المخابرات المركزية بتدبير الانقلابات العسكرية، وغذت الحروب الصغيرة والمحدودة في أماكن متفرقة من العالم للحفاظ على إنتعاش إقتصادها العسكري، وتحقيق الأرباح الطائله من مبيعات السلاح.

(3)

وشهدت فترة الرواج والتوسع التي إمتدت من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية السبعينات تعاظم وتراكم الأرباح الرأسمالية.
وشهدت بداية السبعينات طفرة هائلة في أسعار البترول، مما أدى إلى تراكم أموال طائلة لدى الدول المصدرة للنفط، وقامت هذه البلاد بإيداع هذه الأموال في البنوك الأمريكية والأوربية والمؤسسات المالية والدولية.
ومع مطلع الثمانينات أصبح لدى الاحتكارات العملاقة سيولة تفوق مجموع إحتياطيات البنوك المركزية في دول العالم الرأسمالي، مما أدى إلى تفاقم أزمة الفوائض المالية المتراكمة لديها، وتعاظمت سماتها الطفيلية وازدادت توحشاً.
ففي إطار التقسيم الدولي الجديد للعمل فقد تخصصت البلدان الرأسمالية في الشمال، في الصناعات عالية التكنولوجيا والتي تحتاج إلى مهارات ذهنية وقامت بنقل الصناعات الملوثة للبيئة، والصناعات التي تحتاج إلى أيدي عاملة كثيفة ورخيصة، والصناعات البتروكيماوية والتي لا تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة، وصناعات التجميع (راديو، تلفزيون، سيارات) وصناعة الأسمنت، قامت بنقلها إلى بلاد الجنوب وذلك بهدف إبعاد هذه الصناعات عن بلادها نظراً لمعارضة وجودها من قبل جمعيات مناهضة تلوث البيئة، وجماعات حقوق الإنسان.
(4)

من المعلوم أن الدورات الإقتصادية – تعاقب فترات الرواج وفترات الكساد – صفه ملازمة للإقتصاد الرأسمالي وتكمن في طبيعته نظراً للتناقض بين الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج والطبيعة الإجتماعية للإنتاج.
وكانت الأزمة الشاملة التي شهدها العالم الرأسمالي في بداية السبعينات، أيذاناً بانتهاء فترة الرواج والتوسع التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وجاءت هذه الأزمة أكثر حدة وأسرع تلاحقاً، ولعل أبرز سماتها أزمة النقد العالمية وأزمة الطاقة والمواد الخام ونتيجة لتعمق جوانبها، شهدت هذه الفترة الحرب الكورية والحرب الفيتنامية التي استنزفت أمريكا إقتصادياً وسياسياً، بالإضافة إلى تحملها نفقات سباق التسلح النووي، والجزء الأعظم من ميزانية حلف الأطلنطي، وشهدت هذه الفترة كذلك ثورات عديدة في بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية (اليمن، البرتغال، أنجولا، نيكاراجوا، أفغانستان، سقوط نظام الشاه في إيران، وتصاعد النضال الوطني الفلسطيني).
وقد أدى إتساع نطاق الأزمة وشدتها وشمولها إلى أنخفاض معدلات النمو الاقتصادي في البلدان الرأسمالية، وإلى مزيد من التضخم والكساد، وإنتشار البطالة بشكل مخيف.
وكان من نتيجة الإفراط في عمليات تصدير رؤوس الأموال إلى بلاد الجنوب، والشروط المجحفة للقروض والمساعدات، وشروط التبادل الدولي غير المتكافأة ونتيجة لتحويل الأرباح إلى المراكز الرأسمالية علاوة على أن الطبقة الرأسمالية المحلية تقوم بتهريب الأموال إلى الخارج، وإنغماسها في عمليات المضاربة في البورصات العالمية، وعمليات غسيل الأموال والتجارة المحرمة (تجارة السلاح، تجارة المخدرات، تجارة العملة، تجارة الدعارة). كان من نتيجة ذلك كله مزيد من نهب ثرواتها وتعميق التخلف والتبعية.
ونتيجة أزمة الديون الخارجية، وزيادة أعباء خدمة الديون – الأقساط + الفوائد – التي فاقت حجم الديون الأصلية، إمتنعت بعض الدول عن تسديد ديونها، وخضعت بعض الدول للشروط المذلة التي تضعها المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي، صندوق النقد، منظمة التجارة العالمية) والتي تمس سيادة الدول المدينة، والتدخل المباشر في شئونها الإقتصادية والاجتماعية (إعادة هيكلة الاقتصاد، رفع الدعم، بيع القطاع العام، الخصخصة، فصل العمال، خفض الأجور، رفع الأسعار). وتخلي هذه الدول عن سياسات التنمية المستقلة، وإتباع سياسة الانفتاح الاقتصادي، وإعتماد إقتصاد السوق، وفتح الأبواب أمام تدفق رؤوس الأموال الأجنبية وإعطاء التسهيلات الجمركية، والاعتفاءات الضريبية، وحرية تحويل الأرباح للخارج.
كل ذلك أدى إلى إرتفاع في الأسعار، وانخفاض الأجور، وتردي الأحوال المعيشية للجماهير الشعبية وزيادة المعاناة (الفقر، المرض)، وزيادة حدة التضخم والكساد، وانتشار البطالة وزيادة حدتها.
وكان من نتيجة عدم قدرة الصناعات المحلية على منافسة السلع والمنتجات الأجنبية، إفلاس هذه الصناعات، وإهمال القطاع الصناعي والزراعي، وصعود القطاع الخدمي أدى إلى إختلال التوازن بين قطاعات الإقتصاد، والاتجاه إلى الخدمات (السياحة، الاتصالات، المرافق) ودخلت البلدان المدينة في دوامة إعادة جدولة الديون (نادي باريس، نادي لندن) والإنصياع لشروط المؤسسات المالية الدولية التي تعمل في خدمة الإحتكارات الرأسمالية.
وفي التحليل الأخير تعميق التخلف والتبعية، ودمج إقتصاد هذه الدول بالسوق الرأسمالية العالمية.

(5)

كانت أمريكا قد وضعت نهاية للحرب العالمية الثانية بأبشع جريمة في تاريخ البشرية بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما ونجازاكي وإستسلام اليابان وهزيمة النازي في روسيا.
وإحتلت موقع القيادة في المعسكر الرأسمالي، وكانت قد تقدمت بمشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا التي دمرتها الحرب ويتلخص المشروع في تقديم المساعدات الاقتصادية لأوربا الغربية، خاصة الدول المهددة بأزمة إقتصادية، حتى لا تسقط في يد الأحزاب الشيوعية، وعقدت معاهدات صلح مع الدول التي تحالفت مع ألمانيا (إيطاليا، رومانيا، بلغاريا).
وتقدم ترومان بمشروع النقطة الرابعة ويدور حول المحاور الآتية :
- التأييد المطلق للأمم المتحدة.
- كسب الشعوب بالعمل على الاصلاح الاقتصادي.
- تقديم المعونات لتحسين مختلف بلاد العالم.
وكل هذا في حماية حلف الأطلنطي.
وبدأت تخطط لإستعادة أوربا الشرقية من دائرة النفوذ السوفيتي، وكرست كل جهودها لمحاربة الشيوعية ومحاصرة الاتحاد السوفيتي، ودخلت في معركة طويلة لاستنزافه إقتصادياً (سباق التسلح النووي، غزو الفضاء)، وعاثت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فساداً في كافة أنحاء العالم طوال فترة الحرب الباردة، فقامت بعمليات الاغتيالات للزعامات الوطنية، وتدبير الانقلابات العسكرية لإسقاط حكومات وإقامة نظم عميلة بشكل مباشر، وأنشأت ومولت وأوت المنظمات الإرهابية لاستعمالها أينما تشاء (حرب أفغانستان).




(6)

شهد العقد الأخير من القرن العشرين إنهيار المعسكر الاشتراكي وتفككه، وسارعت دوله إلى الارتباط بالسوق الرأسمالية العالمية، وإعتماد إقتصاد السوق، وأدى إنهيار المعسكر الاشتراكي إلى إنتهاء مرحلة القطبية الثنائية، وإنهيار التوازن الدولي، وأحكمت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها على قمة المعسكر الإمبريالي، وباتت قطباً واحداً يحاول فرض هيمنته على العالم بشتى الأساليب، وتسعى الدول الكبرى لحل أزمتها على حساب الدول الصغرى، وشرعت أمريكا في محاولاتها لإعادة صياغة العالم على الطريقة الأمريكية، وفرض الديموقراطية الأمريكية بالقوة المسلحة، فهاهي تحتل أفغانستان، وتحتل العراق، وتفرض عليها حكومات عميلة، وتتحرش بسوريا، وإيران، وكوريا، وتتدخل في المشاكل الداخلية للدول (السودان، فلسطين) وتفرض عليها أسلوب معالجتها لمشاكلها وبالطريقة التي تضعها في إطار التبعية لها.
لقد أعادت أمريكا للاستعمار سيرته الأولى؛ السيطرة العسكرية والسياسية المباشرة، لتدعيم أركان الامبراطورية الأمريكية بفرض السيطرة على مناطق البترول والمواد الخام.

(7)

قامت الثورة الصناعية الأولى على اكتشاف البخار والفحم، وإزدهرت صناعات النسيج والحديد والنقل. وقامت الثورة الصناعية الثانية على اكتشاف الكهرباء والبترول، وإزدهرت صناعات السيارات والطائرات والسلع الاستهلاكيه المعمرة.
والثورة الصناعية الثالثة تقوم على إستخدام الذرة والإلكترونيات والمعلومات والهندسة الوراثية. وشهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين ثورة هائلة في مجال العلوم والمعلومات والتكنولوجيا، وسيطرت عليها الاحتكارات الرأسمالية العملاقة، واستحوزت على حقوق الملكية الفكرية، وإحتكرت تجارة العلم والتكنولوجيا وسيطرت عليها سيطرة كاملة من براءات الاختراع إلى الانتاج والتوزيع، وبدلاً من المساهمة في تخفيف حدة الأزمة الرأسمالية العالمية، فاقمت من شدة الأزمة، وأصبحت الرأسمالية أكثر توحشاً وطفيلية، هيمنت على السوق العالمية، وألحقت بلاد الجنوب بالسوق الرأسمالية العالمية، وفرضت عليها التخلف والتبعية وأصبح فرض الحصار الإقتصادي يشكل عقوبة صارمة لها مثلما حدث في العراق وليبيا وصربيا والسودان.

(8)

إذا كان القرن الثامن عشر قرناً فرنسياً، والقرن التاسع عشر قرناً بريطانياً، فإن القرن العشرين يعتبر قرناً أمريكياً، كانت الولايات المتحدة الأمريكية منذ أوائل القرن تهيئ نفسها وتستعد لهذا الدور (بناء الإمبراطورية الأمريكية).
دخلت الحرب العالمية الأولى متأخرة بعد أن كان الجميع قد إستنزفت قواهم وحسمتها بعد عام واحد من إشتراكها فيها، وحسمت الحرب العالمية الثانية وبينما خرجت أوروبا من الحرب منهكة ومدمرة ومفلسة خرجت أمريكا من الحرب وإقتصادها أكثر إنتعاشاً وطرحت مشروع مارشال وسارعت رؤوس الأموال الأمريكية لإعادة إعمار أوروبا وتحقيق مزيد من الأرباح. وتقدمت لترث الإمبراطورية القديمة، وتوطيد دعائم الإمبراطورية الأمريكية باخضاع الجنوب بمجمله لما تفرضة الامبريالية الأمريكية المتوحشة، بوضع يدها على المناطق الاستراتيجية في العالم، وتفكيك أي قدرة على المقاومة الاقتصادية (عن طريق تخريب البنى الحتية الصناعية والعلمية والاجتماعية عن طريق الحرب إذا لزم الأمر)، والسياسية (عن طريق إقامة أنظمة تابعة وبذلك تلغي أي إمكانية لقيام ديموقراطية)، والعسكرية (عن طريق الاحتلال العسكري المباشر).
إستراتيجية الإمبراطورية الأمريكية إذن هي فرض الديموقراطية على الطريقة الأمريكية على بلاد الجنوب بوجه عام والمنطقة العربية بوجه خاص وفي المقدمة منها العراق ومصر. ويجيئ إحتلال العراق ولفترة طويلة جزء من الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة العسكرية على العالم.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إعادة تشكيل النظام الإقليمي المرتقب بدمج الإقتصاد الاسرائيلي في اقتصاديات المنطقة وعلى الأخص الإقتصاد المصري. فإذا تتبعنا السياسة الأمريكية تجاه مصر منذ منتصف القرن العشرين نجد أن :
في الوقت الذي رفضت أمريكا إمداد مصر بالسلاح، ورفضت تمويل مشروع بناء السد العالي للحيلولة دون تمكين الإقتصاد المصري من التقدم على طريق التنمية المستقلة بالإعتماد على القدرات الذاتية، فإنها إتخذت موقفاً محايداً في حرب 1956 (العدوان الثلاثي على مصر – إسرائيل، فرنسا، بريطانيا)، رداً على تأميم قناة السويس المصرية، ليس رغبة منها في مناصرة الحق ودرءاً للعدوان، وإنما بهدف الاجهاز على بريطانيا العظمى والإيعاز لاسرائيل بأن المستقبل في أحضان أمريكا.
وخرجت بريطانيا وفرنسا تجر أذيال الهزيمة، وفهمت أسرائيل الرسالة الأمريكية ولم تخرج من الحرب خالية الوفاض، بل حصلت على حرية المرور من خليج العقبة وبعد أن كان البحر الأحمر بحيرة عربية، أصبح مرتعاً للأساطيل الأمريكية، وتقدمت بمشروع ملأ الفراغ في الشرق الأوسط ومشروع النقطة الرابعة.
في حرب 1967 قدمت كل الإمكانيات لإسرائيل فاحتلت الضفة والقطاع وسيناء والجولان وجنوب لبنان.
وفي حرب 1973 قامت أمريكا بتطويق العبور المصري وحصلت إسرائيل على مكاسب لم تحصل عليها في كل الحروب السابقة وأهمها على الإطلاق الاعتراف والتطبيع.
لم تكن إذن هذه الحروب فقط صراع بين العرب وإسرائيل، وإنما هو صراع ضد الصهيونية العالمية والإمبريالية والامبراطورية الأمريكية التي تستهدف الهيمنة والسيطرة على المنطقة العربية، وإخضاع مصر لشروطها وفرض دمج الإقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاد المصري.

(9)

مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين كانت الامبراطورية الامريكية تتربع على عرش العالم الرأسمالي بلا منازع واصبحت بالفعل القطب الأول في قمة النظام الرأسمالي العالمي. تتمطى منظمة الأمم المتحدة وتسخر مؤسساتها في خدمة أهداف ومصالح الامبراطورية الامريكية – البنك الدولي، صندوق النقد الدولي،...- فتحت الأبواب لتجميع وتمويل وتدريب مؤسسات وجماعات وجمعيات وأفراد من كل العالم الاسلامي باسم الدين وشحنتهم إلي افغانستان لمحاربة الشيوعية والاتحاد السوفيتي، ساندت كل الانظمة الاستبدادية في أنحاء العالم لقمع شعوبها وإلحاق اقتصادها بالسوق الرأسمالي العالمي، اجتاحت العراق وأرادت أن تصنع منه نموذجا يحتذى في العالم عامة ومنطقة الشرق الأوسط خاصة وحددت ملامح الشرق الأوسط الجديد. ولم يكتمل العقد الأول من هذا القرن إلا وأسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يغوص حتى أذنيه في مستنقع العراق لا يعرف كيف يهرب ولا كيف يستمر وتورطت في أحداث كثيرة حول العالم – منطقة البلقان، الصومال، السودان، أثيوبيا – وتتحرش ببلدان أخرى – سوريا، لبنان، إيران دول أمريكا اللاتينية- ثم تعصف بالنظام الرأسمالي أزمة طاحنة أشد وأعمق وأكثر انتشارا من كل مثيلاتها من الأزمات المالية والاقتصادية التي شهدها القرن العشرين فالمؤسسات المالية والاتمانية في أمريكا تعلن افلاسها وعمالقة صناعة السيارات "الثلاثة الكبار" جنيرال موتورز فورد وكرايسلر، وفي السيويد شركتي فولفو وساب اوتوموبيل اللتان تمتلكانهما فورد وجنيرال موتورز متعثرتان وعلى وشك الإفلاس. وفي اليابان تكشف إحصاءات نشرها معهد "تايكوكو داتانيك" المتخصص أن الشركات اليابانية أعلنت إفلاسها في العام 2007 وصل إلي 10959 شركة وتوقعت أن يصل عدد الشركات التي تعلن إفلاسها بنهاية العام 2008 إلي 12500 شركة.
ومع أن الأزمة مازالت في بدايتها والمتوقع أن تصل إلي كل مفاصل النظام الرأسمالي، وتهدد بانهيار وزوال الرأسمالية كنظام اقتصادي اجتماعي بلغ درجة الوحشية أشاعت الفقر والجوع والمرض في كل بلاد الجنوب، والافلاس والبطالة والركود الاقتصادي في الشمال.



#حسن_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة الرئيس فى أمريكا
- فى الصراع العربى – الصهيوني
- الأزمة الراهنة.. هل تطيح بالرأسمالية؟
- جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد
- مستقبل اليسار في مصر .. مرة أخرى..
- مستقبل اليسار فى مصر


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسن شعبان - تطور الأوضاع في عالمنا المعاصر