أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - حوار في المبادئ مرة أخرى- 1 (من أجل توضيح الاختلافات)















المزيد.....


حوار في المبادئ مرة أخرى- 1 (من أجل توضيح الاختلافات)


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 2547 - 2009 / 2 / 4 - 08:33
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أنهى د. كاظم حبيب رده على ما كتبت بالقول "هذه الحلقة هي الأخيرة والتي تنهي نقاشي المباشر مع السيد سلامة كيلة ولن أعود إليه، بعد أن وضح كل منا موقفه". إذن أعتذر له عن ميلي لاستمرار الحوار، حيث أنني أرى أن هناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى توضيح أكثر، ونقاش أوفى. وبالتالي من حقه أن يرد أو لا يرد. وأوضح ابتداءاً أن الهدف لا يكمن في "تسجيل نقاط" بل أنني أعتقد بأن الحوار هو الذي يبلور الأفكار، لأنه يوضحها أولاً، لهذا لا أميل إلى "تجاور وجهات النظر" بل إلى تصارعها. والمسائل المطروحة ليست مسائل عابرة بل تشكل سياسة أحزاب، وبالتالي تحكم نشاطها، وليس من الممكن تحديد أخطاء هذه الأحزاب دون نقاشها. كما لا يمكن تجاوز "الأخطاء" التي وقعت فيها دون تحديدها بدقة. وهو الأمر الذي يسمح ببلورة رؤية جديدة تنطلق من التجربة كما تنطلق من متغيرات الواقع.
ولاشك في أنني لمست في رد د. حبيب ما يوجب استمرار الحوار، ولهذا أعتذر لأنني أثقل عليه.
حول الماركسية، وحول لينين وستالين:
للماركسية مرجعية طبعاً:
حين الحديث عن الماركسية بشكل عام لا يبدو أن هناك خلاف، لكن تبدو المسائل أعقد حينما يجري تحديد المواقف والسياسات. لهذا أوافق على أن الماركسية هي "منهج علمي يُستخدم لفهم الواقع من خلال تحليله واستيعاب حركة التاريخ والقوانين الموضوعية الفاعلة واتجاهات التطور واستخلاص النهج الذي يساعد المناضلين على العمل لتغيير ذلك الواقع". لكن هذا التحديد العام يفتح على اختلافات بيّنة في الرؤى والمواقف. هنا يطرح السؤال: لماذا؟ هذه مسألة تحتاج إلى تدقيق، وربما تكون مرتبطة بالفصام ما بين "النظري" والواقعي. أي بين التحديد العام للماركسية وبين المقدرة على تمثلها، وبالتالي تحويلها إلى منهجية في تحليل الواقع، أو تكرار هذه الصيغة العامة دون مقدرة على تمثل الجدل المادي، وبالتالي استمرار سيادة المنطق الصوري.
من هذه الزاوية أرى أن إشارات د. حبيب إلى أنه "لا يجوز احتكار الماركسية"، وأنه "ليست هناك مرجعية معينة في هذا الصدد"، تستلزم النقاش. حيث أن الماركسية ليست نظرية مجردة، ولا هي أداة في البحث الأكاديمي (رغم أهمية هذه المسألة)، بل هي أداة منهجية لتأسيس رؤية طبقة في نضالها من أجل انتصارها، هي الطبقة العاملة. لهذا فقد أسرع وصنّفني بأنني لست ماركسياً بل أحمل الفكر القومي، وبالتالي وضعني خارج رؤية الطبقة العاملة في صف البرجوازية الصغيرة. وبالتالي لنتجاوز "الحساسيات الشخصية"، ونناقش انطلاقاً من أن كل منا يعتقد بأن رؤيته هي الصحيحة، وأنه الماركسي، دون أن يعني ذلك –على الأقل من قبلي- تجريد الآخر من ماركسيته، لأنني كما أشرت في الرد السابق لا أرى بأن المسألة هي مسألة "وضع في صف"، بل أنه حتى الماركسي يمكن أن يكون لا ماركسياً في بعض التحليلات والمواقف، ويمكن ألا يكون ماركسياً بالمرة. لهذا ينصبّ النقاش على ماركسية التحليلات وليس على أي شيء آخر، وعلى ماركسية المواقف وليس على كون الشخص ماركسي أو غير ماركسي. فربما يكون الشخص ماركسياً لكنه يخطئ في تحليل أو موقف أو سياسة. وإلا لماذا نقول بأن ماركس ليس نبياً، وبالتالي فهو يخطئ، وأن لينين كذلك يمكن أن يخطّأ، وكل الماركسيين الآخرين. لقد تناقض لينين مع بليخانوف في مجمل السياسة التي يجب أن يتبعها حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي، لكنه كان يصرّ على ضرورة قراءة كل كتاباته الفلسفية لأنه ليس ماركسياً من لا يقرؤها كما أشار.
وبالتالي في التحديد مستويان، الأول ينطلق من أنه يمكن لكل ماركسي أن يخطئ التحليل، وبالتالي يتجاوز الماركسية فيه، سواء نتيجة خطأ معرفي أو نتيجة ميل طبقي. والثاني ينطلق من أنه يمكن أن لا يستطيع الشخص امتلاك المنهجية الماركسية ويبقى على منهجيته الصورية، وبالتالي يطرح تصوراً لا يعبّر عن الطبقة العاملة، وهنا لا يكون ماركسياً.
هنا يجب أن نتوقف عند أن "ليست هناك مرجعية" في الماركسية. ليس من فكر لا مرجعية له، لكن الفارق يكمن في طبيعة المرجعية ذاتها. وإلا لن يكون ممكناً التمييز بين فكر وآخر. وكون الماركسية ليست نظرية مجردة بل تستلزم تحوّلها إلى رؤية لطبقة، إلى أيديولوجية طبقة هي الطبقة العاملة، تكون هناك مرجعية منهجية عامة هي الجدل المادي، الذي يفرض تجاوز المنطق الصوري، أو الوضعية، وبناء تحليل الواقع على أساسه. وهنا تصبح قوانين الجدل هي المرجعية لضمان اتساق التحليل وعلميته. ثم هناك الرؤية الطبقية ومدى تعبيرها عن مصلحة هذه الطبقة بالمعنى العام التاريخي وبالمعنى المحدد الظرفي. وربما يكون هناك تداخل بين المسألتين، وهنا يمكن تصنيف الذين لا ينطلقون من المنهجية الماركسية ولا يطرحون مصالح الطبقة خارج الماركسية بغض النظر عن إدعائهم.
فمثلاً يشمل الجدل المادي مفهوم التناقض، وبالتالي إذا لم نحدد مجمل التناقضات في الواقع المعيّن، وما هو التناقض الرئيسي فيها وما هي التناقضات الثانوية، وكيف يحل التناقض الرئيسي، وكيف تحل التناقضات الثانوية، نكون بعيدين عن الانطلاق من الجدل المادي، وربما نميل إلى تحديد صوري لتناقض ما نعطيه الأولوية. ومثال العراق واضح في هذا المجال، حيث كيف يمكن أن نحدد التناقضات؟ طبعاًُ الآن وليس زمن الدكتاتورية؟ أليس الاحتلال الإمبريالي الأميركي هو الذي يؤسس لكل الوضع العراقي القائم؟ وبالتالي يكون التناقض الرئيسي مع الاحتلال، وهذا منطق عام مارسه الماركسيون منذ زمن بعيد. وبالتالي كيف يمكن أن نحل هذا التناقض؟ أليست المقاومة هي الشكل الرئيسي في هذه الحالة؟ هذه مسائل عامة إجاباتها واضحة في تاريخ الماركسية، ولم تتغيّر لأن الحالة ذاتها تتكرر. ثم كيف ننظر إلى القوى الأصولية، في السلطة وفي "المقاومة"؟ هل أن "الإرهاب" هو الخطر الرئيسي؟ وهل نتشارك مع قوى طائفية في الحكم، وتحت الاحتلال؟ هذه المسائل أظن بأن الإجابات عليها في العراق ليست منطلقة من الجدل المادي، بل من رؤى بعيدة عنه. وبالتالي كيف نحدد الموقف من الحزب الشيوعي العراقي على ضوء ذلك؟
هذا التحديد ينطلق من المنهجية وليس من "ميزان القوى"، ويلعب ميزان القوى دور في تحديد الخطوات العملية فقط، وهذا ما سوف أتناوله حين مناقشة مسألة أن "السياسة هي فن الممكن".
وبالتالي في النظر إلى الماركسية هناك ما هو "ذاتي" وهناك ما هو موضوعي. بمعنى أنه يمكن أن يُطرح الرأي والرأي الآخر، وأن يعتقد كل طرف بأنه يطرح وجهة نظر فقط، بحيادية طبقية تامة. لكن كل شخص لا يطرح رأياً لا يعتقد في صحته، وبالتالي خطأ الرأي الآخر، ولو نسبياً. وكان يمكن أن تبقى المسألة عند هذه الحدود، لكن المسائل المطروحة ليست أفكاراً في قضايا تاريخية يمكن أن تبقى مجال حوار طويل دون إدعاء صحة أو خطأ أي منها، فلسنا في مجال بحث أكاديمي يخص التاريخ أو الاقتصاد، أو ..ألخ، بل هي مسائل تخص صراع طبقي واقعي، تخص سياسات أحزاب وأدوارها، وبالتالي فإن انتصار أي منها يعني إما النصر لطبقة أو الهزيمة، إما الفشل أو النجاح. وهنا يبدأ الميل لتحويل الفكرة "الذاتية" إلى حقيقة موضوعية، وبالتالي نفي الفكرة الأخرى. وهذا هو الصراع الفكري الذي أصرّت الماركسية على ممارسته.
من هذا المنطلق أكمل الحوار مع د. حبيب.
إما الرأسمالية أو الاشتراكية:
النقطة الأخرى التي تستوجب الحوار هي مسألة "التقويل"، حيث أن د. حبيب ينطلق في رده على ما كتبت من أن البديل الذي أقول به رفضاً للرأسمالية هو الاشتراكية، رغم أنه "يكتشف" بأنني لا أطرح "مباشرة" بناء الاشتراكية في المرحلة الراهنة، بل تبنيها. فيظل ينطلق من رفض الاشتراكية لأن "شروط البلاد غير مؤهلة للاشتراكية"، حيث أن "سيرورة المجتمع لا تخضع للرغبات"، بل أن "لها قوانينها الموضوعية". وبالتالي يحصر النقاش في هذه الـ: إما، أو، رغم أنني أوضحت تفصيلاً بأنني لا أخضع لهذه الـ: إما، أو. وكنت أركز على أن الخلاف ليس هنا بل في تحديد الطبقة التي يجب أن تقود النضال من أجل تحقيق المهمات الديمقراطية.
هذا النقاش يؤشر إلى مسألة منهجية إشكالية، حيث توضع المسائل في ثنائيات دائماً، وحيث ليس من الممكن أن نرى مسألة إلا ونستحضر "نقيضها". حتى لو حلفنا كل الأيمان بأننا لا نرغب في هذا الاستحضار. لهذا بدوت مع د. حبيب أنني أطرح الاشتراكية الآن وهنا، رغم ملاحظته التي لم تدخل في متن النقاش، وإلا كان كفّ عن التركيز علة الظروف الموضوعية التي لا تسمح بتحقيق الاشتراكية، لأنني متوافق معه في ذلك. لكنني أبدو مع الذين يطرحون الاشتراكية داعياً للرأسمالية وفق ما يريد د. حبيب. ولو كان اضطلع على الحوارات العديدة على موقع الحوار المتمدن لكان اعتبر أنه في صفي وليس في أي مكان آخر (يمكن العودة مثلاً للحوار مع عصام شكري، وأيضاً مع عادل سمارة). إذن، أين أنا بالضبط؟ أو بالأساس لماذا هذا التصنيف المتناقض، حيث أبدو من قبل الذين يطرحون الاشتراكية كهدف راهن رأسمالياً، وأبدو لمن يطرحون الرأسمالية كهدف راهن اشتراكياً؟
أوضح طبعاً أنني اشتراكي دون لبس، وأنطلق من الماركسية، وأسعى لانتصار الاشتراكية. فهذه مسائل لا أتردد فيها. لكن أظن بأن هناك إشكالية منهجية تحكم هذا وذاك، لأن المسألة بالنسبة لهما هو: إما، أو، وليس من خيار ثالث. وهنا بالضبط نلمس المنطق الصوري واضحاً. بالمعنى العام طبعاً هناك الرأسمالية وهناك الاشتراكية، وليس من وسط بينهما. لكن هذا التحديد صوري، لأن الواقع أغنى من هذه الثنائية، وهذا ما لا يحله سوى الجدل المادي، الذي لا يكتفي بالتحديد الصوري، بالشكل، بل يغوص عميقاً في الواقع، ليفكك معنى الرأسمالية، ومعنى الاشتراكية، وليرى الطبقات ويرى كذلك المهمات، ولماذا ارتبطت هذه المهمة بهذه الطبقة؟ وهل هي في "رباط أبدي" أم أن الظرف الموضوعي فرض هذا الربط، وبالتالي يمكن أن تحملها طبقة أخرى؟ أو هل ستبقى الطبقة التي حملتها في لحظة معنية بحملها إلى الأبد؟ وبالتالي يصبح لدينا مستويات متقاطعة ومتنافرة معاً، مستوى المهمات التي يفرضها الظرف الموضوعي، والتي لا تطور دون تحقيقها. ومستوى الطبقة التي تتقاطع مصالحها مع تحقيق هذه المهمات أو لا تتقاطع. ودون هذا التمييز لن يفهم الموقف الذي طرحه لينين، وبات هو خيار التطور، والذي أقول به. حيث سيبدو أن في قعر المنطق الصوري هذا تلمس حسي لا يستطيع أن يرى مثلاً تحقيق الوحدة القومية، أو بناء الصناعة، أو التحديث، إلا ملتصقة بالبرجوازية. وبالتالي لا يتخيل بأن هذه البرجوازية يمكن أن تتخلى عن تحقيق هذه المهمات. وأيضاً من "الجريمة" أن تفكر الطبقة العاملة في تحقيقها قبل أن تفكر ببناء الاشتراكية. أكثر ما يقال هو أن تتساعد كل الطبقات في تحقيقها في إطار رأسمالي كما يطرح د. حبيب، وهو ما سوف أناقشه تالياً.
هنا تعقيد الواقع غائب، غير ملموس، مجهول، نتيجة كون المنطق الصوري هو الحاكم. المنطق الصوري لا يستطيع أن يؤسس لوعي مجمل التكوين لأنه يظل في الأشكال. لهذا لا من خيار سوى الرأسمالية أو الاشتراكية. وهذا يقتضي أن يتوهم كل طرف سياسة لم تفض إلا إلى الفشل، لأنها ليست مبنية على وعي الواقع بل قامت على مسبقات ذهنية لا تستطيع تضمن كل تعقيد الواقع.
إذن، ليس بديل الرأسمالية راهناً هو الاشتراكية، لكن ليست الرأسمالية هي ما هو راهن، لقد باتت من الماضي ويجب تجاوزها.
لينين وستالين:
هذه الدعوة لتحقيق الاشتراكية يحمّل لينين مسئوليتها، حيث حين وصل البلاشفة إلى السلطة طرح لينين بناء الدولة الاشتراكية، "وكان في هذا مخطئاً ومتسرعاً"، رغم أنه كان يقول باستحالة ذلك قبلئذ. ورغم أنه أدرك سنة 19/20 الأخطاء التي ارتكبها فطرح سياسة النيب "والذي أدرك فيها أهمية عدم قفز المراحل وحرقها، بل لا بد من انجاز مهمات الثورة الديمقراطية بقيادة الحزب الشيوعي".
ورغم الارتباك في تحديد سياسة لينين إلا أن النتيجة التي توصل إليها د. حبيب هي أن لينين أدرك أهمية انجاز المهمات الديمقراطية بقيادة الحزب الشيوعي. هنا مفصل كل الخلاف، حيث أن هذه الصيغة لا تعني تحقيق الاشتراكية لأن الواقع لا يحتمل ذلك، لكنها تشير إلى أن المهمات الديمقراطية يجب أن يحققها الحزب الشيوعي. وعلى فكرة هذه هي فكرة لينين منذ البدء، والتي يُتهم بأنه عبرها قد "روسن" الفكر الماركسي، والخلل الذي ارتكبه بتصديره إلى العالم كله.
لكنه يعود ليؤكد على النقد الأساس للينين، الذي تصور وأغلب قيادة الحزب "قرب نهاية الرأسمالية وقرب إمكانية بناء الاشتراكية"، والذي عده هروب إلى الأمام "بكل معنى الكلمة". ماذا طرح لينين إذن؟ بناء الاشتراكية أو تحقيق الحزب الشيوعي لمهمات ديمقراطية؟ يجزم د. حبيب بأن اتجاه المدرسة اللينينية الذي كان يهيمن على الأحزاب الشيوعية كان يقول ببناء الاشتراكية في بلد متخلف. هل كان طرح الحزب الشيوعي العراقي، ومجمل الحركة الشيوعية العربية يدعو إلى تحقيق الاشتراكية؟ ربما يبدو التناقض جلياً هنا، حيث يشير في شرح طويل لسياسة الحزب الشيوعي العراقي التي لم تكن تفكر في ذلك على الإطلاق، بل طرحت ما لازال يدعو إليه، أي "التطور الرأسمالي". وهو يوضح ذلك جيداً. أشير إلى ذلك لكي أبني عليه تالياً حين النقاش حول لينين وستالين. حيث أن "ستالين كان لينينياً واعتمد اللينينية في الممارسة العملية، وطرح أفكاره الخاصة فيما يخص بناء الحزب والدولة والمجتمع الاشتراكي"، وهو يشير هنا إلى كراس ستالين "في سبيل تكوين بولشفي"، الذي يحوي هذه المسائل.
لكن إذا كان ستالين لينينياً فلماذا فرض على مجمل الحركة الشيوعية في الوطن العربي (وفي مناطق أخرى في العالم) سياسة تقوم على تحقيق "التطور الرأسمالي"؟ د. حبيب يكرر محقاً بأن سياسة الأحزاب الشيوعية كانت تقرر في موسكو، فهل يعتقد بأن كل السياسة التي سبقت فرضه "نظرية التطور اللارأسمالي" هي فرض كذلك؟ وهو هنا يكون قد تكلم في مسائل متناقضة: لينين وستالين على هديه دعيا إلى بناء الاشتراكية والأحزاب الشيوعية عملت من أجل "التطور الرأسمالي"، لكن هذه الأحزاب خاضعة في سياساتها لـ "الأخ الأكبر". كيف يستقيم ذلك؟ وهو الآن يعود، بعد نقد الأخطاء التي وقع فيها هو والحزب إلى الفكرة الأولى، التي هي "التطور الرأسمالي"، متجاوزاً القفز عن المراحل والتسرع الذي حكم لينين.
هل ستالين هو لينين؟ هذه هي الصورة التي رسمت وفق الرواية الرسمية السوفيتية، والتي كانت أساس كل وعي الأحزاب الشيوعية. وتدريس كتب ستالين حول: "أسس اللينينية" و"مسائل اللينينية"، وأيضاً "في سبيل تكوين بولشفي"، كانت تعطي هذا الانطباع، بل تكرسه. وربما كان التوافق مع ذلك مقبولاً حينما كان د. حبيب والأحزاب الشيوعية تلتزم بالخط السوفيتي، لكن ألا يحق له أن يعيد النظر في هذه المسألة بعد أن تبين خطأ "المدرسة الفكرية" التي تعلموا منها؟ لقد كان من مصلحة ستالين أن يظهر ذاته كلينيني، كما فعل تروتسكي أيضاً، في الصراع على الإرث بعد وفاة لينين. وكان من مصلحته أن يتكرّس هذا التصور. لكن ألا يحق لنا التشكك قليلاً؟
طبعاً لازلت أناقش الوضع قبل نشوء فكرة "التطور اللارأسمالي" التي بزغت بعد موت ستالين. لأصل إلى ما يطرح د. حبيب اليوم وليس قبل ذاك. وسوف نلمس هنا بأن د. حبيب الذي كان يؤسس على هذا الربط، ويعتبر بأن لينين كان يفرض إجبارياً على الأمم أن تمر بمرحلة التطور الرأسمالي، ينقلب اليوم وهو يرفض لينين إلى اتهامه بعكس ذلك. بمعنى أنه لم يشكك في هذا الربط، وبالتالي لم يجهد في إعادة دراسة لينين. لهذا بدا مرتبكاً فيما يقول حوله كما أشرت قبلاً. فمن يدرس لينين بعيد ثورة أكتوبر يلحظ بأن كل إصراره تركز على انجاز المهمات الديمقراطية، ولقد دعا إلى القيام بالثورة تحت شعار "ليس تطبيق الاشتراكية" بل انجاز المهمات الديمقراطية. وظل يكرر هذه المسألة قبل سياسة النيب وبعدها. هذه المسألة هي ما لم يستطع "العقل" أن يستوعبها. كيف يصل إلى السلطة ولا يحقق الاشتراكية؟ فالمهمات الديمقراطية هي من اختصاص البرجوازية؟ وبالتالي لماذا يصل إلى السلطة أصلاً؟
ما فعله لينين هو أنه توصل عبر التحليل الملموس للواقع الملموس إلى تصور يقول بأن الواقع الروسي المتخلف يفرض تجاوز الإقطاع، وهذه مسألة كانت قد أنجزتها البرجوازية، لكن البرجوازية الروسية لم تعد معنية بها، فهي متداخلة مع الإقطاع ذاته، إذن من يحقق هذه المهمة؟ أكرر: أن يحقق هذه المهمة؟ ولقد توصل إلى أن نشوء الطبقة العاملة ووجود حزبها، وقوة الفلاحين الثورية، كلها هي التي يجب أن تحقق ذلك. في هذا اختلف مع تروتسكي الذي اتهمه بأنه يسعى إلى انتصار الرأسمالية، وأنه تخلى عن تحقيق الاشتراكية. وكذلك اختلف مع المناشفة الذين كانوا "على العهد" يكررون الفكرة الماركسية الأولى حول ضرورة التطور الرأسمالي قبل طرح مسألة الثورة الاشتراكية، تماماً كما كانت تطرح الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي، وما يطرح د. حبيب. لقد وقع لينين بين الحدين لأنه رفض كل منهما، ليس لسبب ذاتي، بل لأنه حلل الواقع تحليلاً شاملاً قبل أن يصدر أحكامه، أو يضع مخططات للتطور مسبقة التحديد. وهنا لم يكن دوغمائياً بل ديالكتيكياً. وهذه الفكرة البسيطة هي التي شكلت إضافة حقيقية في الفكر الماركسي بعد ماركس، والتي كانت في أساس انتصار الاشتراكية في مناطق واسعة من العالم.
ستالين عمل قفزة حينما قرر إلغاء الملكية الخاصة. هي هذه الخطوة صحيحة؟ هذا ما يفترض دراسة التجربة الاشتراكية، والظروف الموضوعية آنئذ. وبالتالي فإن التحول الاشتراكي ارتبط بستالين وليس بلينين. لكن هذا هو ما عممه ستالين عالمياً حينما أصبح هو الحزب؟ سياسة الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي، والتي كانت في رباط وثيق بالمركز السوفيتي لم تطرح ذلك، بل طرحت كما أشرنا "التطور الرأسمالي". إذن، هي لم تتشرب "المدرسة الفكرية اللينينية"، أو تشربتها عبر الستالينية بالتحديد كما أشرنا للتو. فلماذا إذن فرض ستالين الاشتراكية في روسيا، ثم في بلدان أوروبا الشرقية، ولم يفرضها على فكر الأحزاب التابعة له في الوطن العربي؟
ليست المسألة مسألة عدم فرض، فكل الحديث هو عن إتباع وفرض سياسة المركز. لكن، وهنا نلمس المسافة بين لينين وستالين، ما تبلور في وعي ستالين (أو ما عمم خدمة لإستراتيجية الاتحاد السوفيتي) هو أنه لا يمكن الانتقال من الإقطاع إلى الاشتراكية دون المرور "جبرياً" بالمرحلة الرأسمالية. ووفق ذلك رسمت سياسة الأحزاب الشيوعية منذ سنة 1937 على وجه التحديد، بعد أن كانت تتبلور كسياسة لينينية قبل ذاك. وهذا هو الذي تعمم كونه الماركسية، والذي حوّل الماركسية إلى "شيء أشبه بالدين" والى "عقيدة جامدة حقاً"، لهذا لازالت تتكرر. هذا "الصراع" بين اللينينية والستالينية كان واضحاً في الصين، حيث تمسك ماو تسي تونغ بالخط اللينيني ورفض الالتحاق بالبرجوازية (الكومنتانج) من أجل تحقيق التطور الرأسمالي الذي كانت تعد به. إذن، ستالين تخلى عن الخط اللينيني، في الوقت ذاته الذي كان يعيد صياغة الرؤية اللينينية، هذه التي كانت أساس تثقيف الأحزاب الشيوعية. وهو ما أنتج سياساتها التي أودت بها إلى الفشل. هنا الأساس الإستراتيجي كان يقوم على خطأ، ولم تتعلق المسألة بأخطاء فقط.
وسنلمس هنا أنه بحجة رفض الخط الذي عممته "المدرسة اللينينية"، والذي هو الخط الستاليني، جرى رفض الخط اللينيني الذي كان ستالين قد مسحه من تفكير الحركة الشيوعية، ليعاد طرح ما قال به الرفيق ستالين بالضبط. أي "التطور الرأسمالي". لقد رفضت الاشتراكية من أجل التطور الرأسمالي شكلاً، لكن الذي رُفض في الواقع هو الطرح اللينيني الذي لا يدعو إلى بناء الاشتراكية في بلد متخلف بل يدعو لأن يطرح الحزب الشيوعي على عاتقه تحقيق المهمات الديمقراطية التي يطرحها الواقع، لأن ذلك هو طريق تحقيقها. بمعنى أن الحزب الشيوعي الذي يعمل من أجل بناء الاشتراكية يكون معنياً على ضوء التحليل الملموس للواقع بتحقيق مهمات سابقة للاشتراكية كانت البرجوازية في أوروبا قد حققتها. وتحقيقها هو الذي يطرح مسألة الانتقال إلى الاشتراكية. هل أن هذه المسألة معقدة؟
إذن، لقد رُفض لينين وبقي ستالين، مع كل "المدرسة الفكرية" التي أسسها. ليبدو أننا لم نستفد من تجربتنا ذاتها، حيث لم نلمس بأن برجوازية قد مالت لأن تحقق هذه المهمات وتؤسس نمطها، وأن الخيار البديل كان في نظم البرجوازية الصغيرة التي لاحظنا أين وصلت.
وهنا سنلمس كم أن تأثير المنطق الصوري لازال فاعلاً. حيث لازالت المسائل توضع في ثنائيات، ولم يستطع "العقل الماركسي" وعي التعدد والتنوع. وبالتالي فهم الواقع بتنوعه وتعدده. ليكون ممكناً ملاحظة أن خيار البرجوازية في تحقيق المهمات الديمقراطية قد بات من الماضي مذ غدت الرأسمالية نمطاً عالمياً، كما أوضحت في الرد السابق. ولهذا دخلت الفئات الوسطى إلى حلبة الصراع لأن الأحزاب الشيوعية لم تتقدم كما فعلت في الصين أو فيتنام أو كوبا. ونحن نلمس مصير تجارب هذه الفئات، حيث أنها لا تستطيع التقدم أكثر مما فعلت لأنها تميل إلى تحقيق مصالحها الذاتية قبل أن تتحقق مصالح المجتمع ككل.




#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الميل نحو اليسار: لكن أي يسار؟
- عن غزة والوضع العربي
- عن أهداف الحرب على غزة
- حوار في المبادئ-4أخير (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د ...
- حوار في المبادئ-3 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كاظ ...
- حوار في المبادئ-2 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كاظ ...
- حوار في المبادئ -1 (على هامش الحوار حول الحرب في غزة مع د.كا ...
- حول تناول الحرب على غزة: ملاحظات في أسس النظر
- الحرب على غزة من منظور العقل الليبرالي- حوار مع د. كاظم حبيب
- حول تحالف قوى اليسار في العراق
- ليست نهاية الرأسمالية
- عن أفول -الوطنية الفلسطينية- وصعودها
- أزمة الرأسمالية: بنيوية
- أزمة الرأسمالية ومهماتنا
- ملاحظات على الوثيقة الحزبية: الأردن وفلسطين والمشروع الصهيون ...
- الحزب، السلطة، وأزمة الاشتراكية
- عن نهاية حل الدولتين في فلسطين
- يسار في اليمين ملاحظات على مشروع برنامج جبهة اليسار من أجل ا ...
- وضع المعارضة السورية على ضوء المتغيرات الراهنة
- مناقشات حول الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين -2 - الدف ...


المزيد.....




- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...
- وزير الخارجية البولندي: كالينينغراد هي -طراد صواريخ روسي غير ...
- “الفراخ والبيض بكام النهاردة؟” .. أسعار بورصة الدواجن اليوم ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- م.م.ن.ص// تصريح بنشوة الفرح
- م.م.ن.ص// طبول الحرب العالمية تتصاعد، امريكا تزيد الزيت في ...
- ضد تصعيد القمع، وتضامناً مع فلسطين، دعونا نقف معاً الآن!
- التضامن مع الشعب الفلسطيني، وضد التطبيع بالمغرب
- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - حوار في المبادئ مرة أخرى- 1 (من أجل توضيح الاختلافات)