أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار صبري - عاشقة اسمها حواء قصة قصيرة















المزيد.....

عاشقة اسمها حواء قصة قصيرة


انتصار صبري

الحوار المتمدن-العدد: 2543 - 2009 / 1 / 31 - 07:43
المحور: الادب والفن
    


كانت أسيرة حرب, هربت وحيدة.. تاهت في الحدائق الندية الخالية من أي عطر ينبعث في نفسها حزنا.
تمتمت باسمه

- آدم ..

وجدت وجوهاً كثيرة تلتف حولها .. ثرثرة تحيط بها من كل جانب, وكأنها شيطانة جاءت على أرضٍ طاهرة. أمسكت رأسها المتضخمة من حديثهم ..وآمنت بجدوى الصمت فقد كان الجميع يتكلمون دون أن يعوا معنى لثرثرتهم,. هو الوحيد الذي جازف وأقترب منها ..منعوه من الاقتراب منها وأخذوا يتهموه بالجنون..قائلين:
- هذه الأرض لا تحمل أنثى فهي خطيئة بشرية وعليها أن تموت. والاقتراب منها هو قمة الجنون

صرخت بجرأة يفتقدها رجال الأرض:
-عليك أن تكون مجنونا , هم من يدفعونك إلى الجنون ليميتوا فيك القدرة على الاحتجاج..
نسى نفسه أنصت لصوتها وتجاهل أصواتهم...رافعا عينيه نحوها يرهف السمع لهمسها.. يتحرك ناحيتها بخطوات طفل, يبتسم بألفة وحنان, أيقنت أنه هو من جاء لينقذها من الهول.. اقترب منها أكثر, سمع صوتا بطيئا يعنفه فابتعد فجأة..
نظرت حولها وجدت عيونا كالذئاب.. اغرورقت عيناها بالدموع.. وأثقل الحزن قلبها.. تركها وجرى بعيدا مرددا قائلا:

-لا أريد أن أكون بن للخطيئة.

أخذوها إلى مكان يشبه أسطوري مرعب.. كان الرعب فوق تحملها..أما هو فقد خلا بنفسه أياما لينساها.. ولكنه تأكد من شيء يمس قلبه, وفي خلوته تسلق شجرة وأكل من ثمارها ثم مال إلى غدير فارتوى من ماءه فعكست له مرآة المياه وجهين!!.وجهه ووجهها..قاوم النظر إليها.. أغمض عينيه..هجره النوم وكلما غفا تظهر له فلا يستطيع تحمل البريق المنبعث منها والمتدرج في مغارة أحلامه يتبعه ويرميه في هاوية لا قرار لها فيدفعه إلى الاستيقاظ..

أما هي فكانت وحيدة وسط الليل البهيم.. تخزها برودة الأرض ويسرقها الإرهاق.. اقتربت منها سحابة النوم وغطتها فبدت كملاك نائم.. وأشرقت الشمس على الجزيرة الخالية من أي أنثى,

أما هو فلم يذق طعم الرقاد.. وظل غارقا في دموعه .. يمر الضوء بأصابعه على الأشياء ليحكيها..غاب مع الصمت خلف الجدران تمتم :

- حواء..

جرى نحوها.. نسى العقاب, ونسى الخطيئة التي ستحرقه.. تقدم.. فتح بابا.. ظهر لهما طوق نجاة طوق نجاة, لم يتفوها بكلمة.. كانت النظرات كلمات بلا حدود..وجد فيها نصفه الآخر المفقود الذي عاش يبحث عنه دون جدوى..اقترب منها رآها حلمه المستحيل..وأخذ كل منهما يتحدث مع نفسه في الخفاء دون أن يسمعه الأخر..لكن العيون هي التي تتحدث:

- أنتَ الآن منقذي الوحيد في هذا العالم الوحشي..أهمس لي يا سيدي.. وبح لي بما يجول في خاطرك..فكلماتك تلملم أشتاتي وتوقظ صحوتي.. قل واعترف لي ..بأنك تهواني..لا تصمت..لا تتردد.

- مذ رأيتك أدركت إنكِ نصفي المفقود.. أتساءل من وضعك هكذا داخلي.. ولماذا أخفيتك داخل ضلوعي, وأغمضت عليك جفون عيوني حتى لا يعلم أحد عنك شيئا إلا من خلالي..

فجأة جاءت القبيلة..

أمسك به رجالها متلبسا من وجهة نظرهم بالخطيئة.. أدانوه.. عاقبوه.. أشعلوا النار واحضروا الحجارة ليرجموها ويرجموه, نظر لها متوسلا أن ترحمه.. أن تنقذه ولو بكذبة..أي كذبة تخلصه منهم لكنها غاصت في الصمت.. بصقوا في روحه حتى تمتلئ كل عروقه بالسموم.. أخذ يصرخ:

- ألستِ أنتِ الآن خطيئتي ؟!!

ينهشه السؤال يسري في لحمه.. يدق على عظامه.. وبقيت هي في الصمت وبقي هو معلقا دون جواب, تدور نفسه في نفسه, تحفر وتحفر وتحفر.. يعوي كذئب جريح, مات شعوره وعاد لأصله رجل من القبيلة بلا قلب, وأخذ يضربها.. يضربها.. لا تقاوم.. فقط تنظر إليه بعطف وهي راقدة في ظلمها صامتة, منتصرة.. تنظر إلى وجهه ببراءة ترعبه فلا يعرف إذا ما كان نائما أم صاحيا وانهار عند حد البكاء.. فعليه حسب أعراف القبيلة أن يقتلها أو يموت..رفع وجهه للسماء رأى بقع النجوم تنطفئ واحدة تلو الأخرى..ينظر لها باستفهام.. يتحسس نصل سكينة تحت ثوبه.. لا يقدر على تنفيذ القرار..فيما هي ترقب الأمر بصمت اخرس.. صاح قاضي القبيلة:

- إن لم يقتلها عذبوه ونفذوا فيه وفيها الحكم
خرجت عن صمتها صارخة:
- ما الخطيئة التي اقترفناها لنرى كل هذا الظلم؟!!

وأخذ هو يصرخ :

- كيف تتحول أنثى بكل هذه البراءة إلى خطيئة كبرى!! كلكم كذابون.. حواء هي الأمان والأمومة والحنان والعطف وقوة الاحتمال والبراءة.. هي..
أجابوه بغضب هادر كالطوفان:
- هي من أغرت أدم بالأكل من الشجرة المحرمة وهي المسئولة عن طرده من الجنة, وهي المسئولة عن الشر والرذيلة في دنيا البشر.. وكل من يريد الفوز بالآخرة عليه أن يقاوم فتنتها. فبنات حواء لابد أن يخضعن لأورد آدم ويسلمن قيادهن إلى الأبد.. لأن آدم سبقها في الخلق ولأنها خرجت منه من ضلع اعوج..

صرخت نافية رافضة:
- إلى متى ستظل حواء ضحيتكم؟ ماذا تركتم للجاهلية, عودوا إلى رشدكم, واعلموا الله ميز وآدم عن جميع المخلوقات وأن هبوطهما إلى الأرض رسالة ربانية, وان الذي وسوس لهما هو الشيطان الذي عصى ربه.. هل نسيتم أن آدم وحواء كلاهما ندما على ما فعلا, وحملا رسالة الله إلى الأرض ليعمرا الكون.. عودوا إلى كتاب الله فهو خير دليل..أصابهم الخرس, فما بعد القرآن دليل.. ولكن ما زالت تحرضهم عادات في داخلهم ورثوها منذ آلاف السنين .
نظرت للجميع من حولها..قالت مذهولة:
- كيف لا توجد أنثى واحدة في عالمكم أليس الأنثى هي من أنجبت الرجل
قالوا

- نحن نأخذ كل طفل من أمه ليعيش هنا في عالمنا ونحرم علينا الإناث
وأمروا بتعذيبها حتى الموت على مرأى وسمع عاشقها.. وأخذوا يضربونها بغل يلفون على قبضاتهم شعرها الأسود الطويل..يطوحون برأسها في الهواء, ثم يغمرون رأسها في الماء,, تشهق وتشهق حتى تكاد تموت كل مرة.. فيما هو عاجزا يتعذب,ولكن عيونهم الجبارة أخذت في الانطفاء رويدا رويدا.. تتوسل له ألا يرحمها وأن لا يقع في هواها, فيشيح بوجهه عنهم بعيدا.. فيعودوا إلى ضربها من جديد, ينزعون قميصها عن صدرها تتحول عندها إلى صرخة متصلة تتردد في كل مكان.. وتسقطت على وجهها ساكتة يداها مغلولتان خلف ظهرها تتشنجان في محاولة يائسة للتعلق بالفراغ.. فيما عاشقها فقد أخذه العجز إلى الجنون..


:
الأديبة المصرية انتصار صبري



#انتصار_صبري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أبدأ شهريار ؟
- امرأة جديدة بلا أحزان
- قوافل الشهداء
- قَطَرَات مِنْ رَوْحِيِ
- روحٌ أنا من ألف ليلة


المزيد.....




- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...
- فرنسا: مهرجان كان السينمائي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في تد ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - انتصار صبري - عاشقة اسمها حواء قصة قصيرة