أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - حميد طولست - إعداد النشأ ليس قصرا على الأمهات















المزيد.....

إعداد النشأ ليس قصرا على الأمهات


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 2521 - 2009 / 1 / 9 - 08:41
المحور: حقوق الاطفال والشبيبة
    


أواخر شهر فبراير، تباشير الربيع تدق الأبواب، و الجلسة شاعرية ممتعة تحت أشعة الشمس المتسللة عبر أغصان أشجار نادي رجال التعليم؛ الرواد كثيرون مستسلمون لبهجة نور هذه الصبيحة الدافئة، وحلاوة أشعتها المشرقة..
فجأة ارتفع صراخ طفل في حوالي الثامنة من عمره.. وارتفعت حرارة بكائه، وطفق يطوف على الموائد والممرات كما يُطاف بالكعبة، يصرخ ويبكي.. توالى طوافه، وزاد ضجيجه، وكلما أنهى جولة قصد والده المستغرق في ثرثرة لا تنتهي، والواضح أن الطفل كان يحاول أن يعبر لوالده عما يضايقه، فلا يملك الأب إلا أن يدفعه جهة أمه لانشغاله بالهذر اللامنتهي، فتصده هي الخرى لانغماسها في ثرثرة خاوية مجانية.. و يتكرر المشهد عدة مرات دون أن يبالي الأب بلوعة ولده، ودون أن تحاول الأم تفهم شكواه.
ذكرتني تراجيدية مشهد الطفل الممزق الحائر بين إلحاح حاجته الإنسانية "البول" وغياب اهتمام والديه به؛ بقولة برنار تشو الشهيرة: " لست معلما للأمهات ولا مدرسا للأطفال، ولكن أحتقر المرأة إذا تزوجت ولم تقم بواجبها كأم وزوجة في آن معا! وأمقت الرجال، إذا تزوجوا ورزقوا أطفالا وجعلوا حياة أطفالهم كالجحيم. إن من لا يستطيع القيام بحق الأبوة والأمومة، ينبغي أن لا يكون أبا أو أما .
هنا ساءلتني نفسي هل كان الشاعر صائبا حين أنشد:
إذا النساء نشأن في أمية رضع الرجال جهالة وخمولا
فماذا يمكن أن يرضع هذا الطفل البريء من تصرف والد لا مبالي، وأم لاهية، وهما من رجال التربية والتعليم "زعما" أي "ياحسرة" بدارجتنا المغربية؟ أو ليس تقويم النشء وتهذيبه وإعداده ليكون شعبا طيب الأعراق من مسؤوليات الرجل أيضا ورجال التعليم بالخصوص؟؟؟؟. إن لحب الأم واهتمامها، في الطفولة الأولى أهمية كبرى توازي أهمية الفيتامينات والبروتينات بالنسبة إلى الصحة الجسدية. و لا تصل ذروة تلك الحميمية بين الطفل وأمه إلا في العائلات الصغيرة النووية، بخلاف العائلات الكبيرة الممتدة، حيث تكون علاقة الطفل بأمه أقل وثوقا، وذلك بوجود نسوة أخريات يمثلن دور الأم، كالجدات والعمات والخالات..
وتربية الطفل والعناية به، علم -من مسؤولية الأب والأم قبل رجال التعليم - له قواعده وطرقه الأساسية التي يجب تطبيقها بعناية فائقة حتى يحقق المجتمع مكانته الفضلى بين المجتمعات. ولا يُتمكن من ذلك، إلا إذا أُتيح للأطفال أن يحققوا دواتهم و إمكاناتهم إلى حدها الأقصى. فالعناية بالأطفال أساس تقدم البلدان، وكلما كان اهتمام مجتمع ما بهم، كلما تقدم وتحضر وازدهر، وكلما تقدم المجتمع كلما ازدادت عنايته بأطفاله، حتى إن أفضل طريقة لمعرفة مستقبل بلد من البلدان ليست هي التعرف على ومدخراته المالية وأرصدته البنكية ومقدار ثرواته الباطنية من معادن ثمينة، بل أن نعرف كيف يعامل أطفاله؟ ومقدارعنايته بهم؟ مصداقا لمقولة أحد فلاسفة القرن الثالث قبل الميلاد الصينيين: إذا وضعتم مشاريع سنوية فازرعوا القمح. وإذا كانت مشاريعكم لعقد من الزمن فاغرسوا الأشجار. أما إذا كانت مشاريعكم للحياة بكاملها فما عليكم إلا أن تثقفوا وتعلموا وتنشئوا الإنسان "..
فالكثير من الآباء لا يفهمون ولا يعرفون أن أهم تعليم هو الذي يتلقاه الطفل في مرحلة حياته الأولى، وأن هذا التعليم بالذات يحدد نمو الطفل اللاحق برمته، و يميلون مع الأسف الشديد، إلى الاعتقاد بأن الأطفال ينمون وينضجون من تلقاء أنفسهم، كالحيوانات والنباتات متأثرين بحمولات الأمثال الشعبية" المربي من عند ربي" إذ لا وجود لهدف واضح في طرائق التربية وأسلوبها السائدين في مجتمعنا. فالآباء والأمهات، وحتى المربون بصفة عامة، هم من الهواة في ممارسة فن الأبوة والأمومة، وفن التربية بصفة عامة.. فلا يربون الأطفال بالاستناد إلى نظم تربوي واضحة أو خطط بيداغوجية معينة. فالطرائق والأساليب التقليدية تبقى مسيطرة على جل مواقفهم، العصا خرجت من الجنة" والعصا ما تخلي اللي يعصى". وكما هو مطلوب من الأبوين أن يتفهما طفلهما، يُنتظر من المدرس أو المشرف التربوي أيضا، أن يكون ودودا ومتحمسا لعمله، بحيث يمثل دورا رئيسيا في نمو الطفل. والواقع أن مساعدة الطفل على تنمية طاقاته، لا تتسم فقط بما يقدمه المعلم أو المربي من دروس وإرشاد، بل بمدى استجابتهما لحاجات الطفل وطريقة التعامل معها.
فللعلاقة الحميمية بين الطفل وأمه في الطفولة الأولى، أهمية كبرى توازي أهمية الفيتامينات والبروتينات بالنسبة إلى الصحة الجسدية. أما في مجتمعنا فنجد أن هناك عوامل تحد من تلك العلاقة، وهما الأمية والفقر اللذان يجعلان الأم مرهقة في البيت وخارجه، الشيء الذي يجعل الطفل في سن مبكرة جدا في عهدة أشقائه.
أما علاقة الطفل بأبيه في المرحلة الأولى من حياته تبقى علاقة ضيقة، بحيث أن الأب لا يبدأ اهتمامه بالصبي إلا عندما تظهر عليه بعض معالم رجولته المقبلة. أما البنت فتبقى بعيدة عن اهتمام الأب مدة أطول، وهي لا تبلغ، على أية حال، المكانة التي يحتلها شقيقها. والواقع أن التفاعل الحميم بين الطفل وأمه و أبيه لا تزدهر وتثمر إلا في العائلة الصغيرة النووية.
ومن المفارقات الغريب والخطيرة في نفس الآن، أن يبدل الناس جميعهم الجهود الجبارة لتلقي كل أنواع التداريب والتكوينات للفوز بالوظائف والنجاح في الأعمال التي يقومون بها، ولا يفكرون في الاستعداد للوظيفة العائلية الخطيرة و التدريب على كل ما يتعلق بتربية الأطفال ورعايتهم.والأشد غرابة هو أنه من بين كل الأجهزة والأغراض والأشياء التي يدخلها الزوجان إلى بيتهما خلال حياتهما، هناك جهاز واحد يدخل البيت بدون كتالوج يبيّن كيفية استخدامه والتعامل معه، مع العلم بأن دليل تشغيل هذا الجهاز يكاد يكون بأهمية الجهاز نفسه إن لم يكن أهم، وهذا الجهاز اسمه: الطفل، ولذلك يقضي الزوحان عمرهما وهما يحاولان معرفة كيفية استخدامه وفك شيفراته ورموزه وأرقامه السرية، وطريقة تصليح أعطاله، وأسلوب إعادته إلى حالة ضبط المصنع من دون جدوى!!

ولذلك، يبقى معظم الآباء والأمهات والمربون بصفة عامة، هم من الهواة في ممارسة فن الأبوة والأمومة، وفن التربية الذي لا يمكن تحقيق الفعالية في مجالها إلا بالتدريب اللازم، وبمعرفة حاجات الطفل النمائية، والطرق المناسبة لتربيته والعناية به... هذا المشروع الذي إذا ما فشلوا فيه ولم يتمكنوا من أداء مهمتهم أداء حسنا، فإن المجتمع كله يدفع الثمن، وليس هم وأطفالهم فحسب.

فالحرية شرط من شروط النمو العقلي السليم للطفل. والتربية الحرة حقا، تنشئ أحرارا بالفعل. لان الأطفال لا يستطيعون تحقيق نمو سليم إلا إذا تمتعوا بحرية كافية في اللعب والدراسة والتخيل.. فهم في حاجة ماسة إلى قدر كبير من الحرية في المرحلة السابقة للدراسة، كما في المرحلة الدراسية الأولى وكل مراحلها،وذلك للقضاء على روح التسلط الجامد المسلط عليهم. ولا يتيسر ذلك إلا إذا ربي الأطفال والشباب تربية قوامها الفهم الصحيح والأمن النفسي والحرية في غير فوضى والتفكير المتفتح المرن. وتحقيق كل هذا سهل وممكن بواسطة آباء وأمهات مدربين، اختاروا دور الأبوة والأمومة عن قناعة ولم تخترهم هي، إلى جانب مدرسين ومربين أكفاء متفهمين مؤهلين لهذه المهمة الخطيرة يحبون عملهم ويهتمون به ويخلصون إليه. وهذا يحتاج إلى وعي ومعرفة ومسؤولية وإرادة وضمير مهني وأخلاقي.
وعلى هذا الأساس، يجب أن نتذكر دائما حين نتعامل مع الأطفال، أننا كنا أطفالا مثلهم. وبهذا يمكن أن نتجنب الآلام التي يعانيها العديد منهم. فمهنة التربية والتعليم جد صعبة، ولكنها نبيلة ورسالتها شريفة، فلا يمكن بخسها واحتقارها.. فالمطلوب والواجب على الآباء والأمهات والمربين والمدرسين وكل الساهرين على تنشئة الأطفال، من قريب أو بعيد، أن يتلقوا التداريب والتمارين اللازمة لتنشئة أطفالهم تنشئة صحيحة، وان يكثروا من مطالعة كتب التربية وعلم النفس وكل علم ومعرفة متتعلقة بالطفل وتربيته والعناية به حتى ينشأ نشأة صالحة ويسهم في التقدم وإنشاء حضارة.



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة التسول ...
- قادة من ورق
- آفة الفقر والجوع
- لماذا لا يلمع ويثرى إلا مدعو النضال والوطنية ??!
- تشابه الأحياء الشعبية
- الحوار المتمدن تجربة لا نهائية ناجحة
- الآخرون !
- حماية المستهلك ..في زيادة راتبه .
- سلوكات مستفزة وغريبة ببيوت الله
- حوار افتراضي مع المرحوم محمد شكري الكاتب الذي صارع البقاء لي ...
- التطرف
- حوار مع الأديبة والشاعرة الكويتية بسمة عقاب الصباح
- حميرنا وحمار أوباما
- الإدارة والإداريون
- العزوف عن القراءة
- سيارة البلد لا تطرب
- قيمة الإنسان من ماركة سيارته
- النقل المدرسي
- تعزيز منظومة النقل وتحقيق جودتها
- دردشة مع سائق طاكسي!!!


المزيد.....




- الصراع في السودان يعطل الدراسة ويحول مؤسسات التعليم إلى مراك ...
- وزير المهجرين اللبناني: لبنان سيستأنف تسيير قوافل إعادة النا ...
- تقرير حقوقي يرسم صورة قاتمة لوضع الأسرى الفلسطينيين بسجون ال ...
- لا أهلا ولا سهلا بالفاشية “ميلوني” صديقة الكيان الصهيوني وعد ...
- الخارجية الروسية: حرية التعبير في أوكرانيا تدهورت إلى مستوى ...
- الألعاب الأولمبية 2024: منظمات غير حكومية تندد بـ -التطهير ا ...
- لبنان: موجة عنف ضد اللاجئين السوريين بعد اغتيال مسؤول حزبي م ...
- الأمم المتحدة: -لم يطرأ تغيير ملموس- على حجم المساعدات لغزة ...
- مع مرور عام على الصراع في السودان.. الأمم المتحدة?في مصر تدع ...
- مؤسسات فلسطينية: عدد الأسرى في سجون الاحتلال يصل لـ9500


المزيد.....

- نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة / اسراء حميد عبد الشهيد
- حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب ... / قائد محمد طربوش ردمان
- أطفال الشوارع في اليمن / محمد النعماني
- الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة / شمخي جبر
- أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية / دنيا الأمل إسماعيل
- دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال / محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
- ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا ... / غازي مسعود
- بحث في بعض إشكاليات الشباب / معتز حيسو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الاطفال والشبيبة - حميد طولست - إعداد النشأ ليس قصرا على الأمهات