أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الرزاق عيد - أسافل سوريا يحاكمون فضلاءها (2)















المزيد.....


أسافل سوريا يحاكمون فضلاءها (2)


عبد الرزاق عيد

الحوار المتمدن-العدد: 2479 - 2008 / 11 / 28 - 09:44
المحور: الصحافة والاعلام
    


في عهد الاسد الابن ... دعوات مثقفي سوريا للاصلاح هي خيانة لأنها "تضعف الشعور القومي"
إن تحطيم الضمير الاجتماعي والمجتمعي لصالح تعميم ( ثقافة الكابريه ) بوصفها المعادل الثقافي لقيم اقتصاد سوق : حيث قوى الإنتاج تتمثل بـ (تجار الشنطة- والمهربين للسلاح والمخدرات –لصوص القطاع العام ) الذين سيغدون أساطين سوق (الاقتصاد الاجتماعي) بفضل التضامن المخابراتي ونزولهم إلى السوق بقوة (القانون) -الذي غدا (تثبيتا عصابيا ) عند الأسد الابن لكثرة ما يردده-القانون-هذيانيا بتاثير المحكمة الدولية على الأغلب- نقول : بفضل قوة القانون الذي يصنعونه (ثوريا) تأسيسا على وسائل الانتاج المتمثلة : ( المسدس –الدبابة –المدفع-) ، ليبيعوه انفتاحا وعولمة من خلال موقعهم في عملية عولمة الاقتصاد السوري ، أي من خلال (عوألته: من العائلة) ، مما ينتج معادله القضائي في صورة الثلاثية (السائية) : (البزنس –السكس –العسس) وتأويل هذا الشعار الذي يلتبس دلاليا عبر (الغموض الخلاق) المنتج باطنيا بالتوازي مع هيمنة خطاب الباطن المدعم فقهيا (ايرانيا) بأموالها الطاهرة في شراء دين الشعب السوري ، وتأويل هذا الغموض في: إن كان لديك معاملة عند القضاء ، فآخر ما ينبغي التفكير به هو ألمعية المحامي ومعرفته بالقوانين ، بل قدرته المفتاحية إلى القضاة الذين لا ينفتحون إلا بـ ( البزنس :المال –السكس :الدعارة – أو العسس :المخابرات) ، تأسيسا على المصفوقة القانونية لسوريا الحديثة كما بناها الأسد الأب ، وكما يواصل الشبل المشوار في قيام القضاء على الثلاثية (السائية) المشار إليها في صورة ( السمسار والديوث والمخابرات) ، وتلك هي القيم الثورية ، التي يربى عليها المخابرات ويكلفون بتعميمها (ثوريا) عبر تعميم ثقافة الكابريه التي لا يجد المجتمع الأهلي وسيلة للدفاع عن ضميره الاجتماعي والأخلاقي تجاهها سوى المزيد من الإنكفاء والإنسحاب والإنغلاق على الذات ومن ثم التطرف وانتشار النزوع إلى العنف الذي يذكيه نظام العصابات باتجاه تبرير احتكارهم الطائفي لمصادر القوة الأمنية والمسحلة .
ولعل أفضل وسيلة لتشخيص المصفوفة القانونية السورية ، هي العودة إلى حورات (الأسد الإبن) على الفضائيات وهو يمارس هذياناته القانونية أمام الفضائيات العربية والعالمية عن ارهاب وخيانة مثقفي سوريا الداعين إلى الحرية والاصلاح والتغيير السلمي الديموقراطي باعتبار هذه المطالب جرائم يعاقب عليها القانون في سوريا الأسد لأنها تضعف "الشعورالقومي وتوهن نفسية الأمة" فتجبر رئيس الأمة على المفاوضات مع اسرائيل والإ حتماء بها من المجتمع الدولي ومن شعبها المتطلع إلى الحرية والديموقراطية بوصف أية ديموقراطية عربية هي العدو الرئيسي لإسرائيل إذا ما فكر العرب في انتهاجها ،أي إذا ما امتلك العرب سلاح التفوق الاسرائيلي المتمثل بالديموقراطية ، ولذلك فإن سكوته على الإهانات الاسرائيلية والأمريكية الجوية إنما يتحمل مسؤوليته فداء حوراني ورياض سيف بسبب ما سببوه من وهن لنفسية (رئيس الأمة واضعاف لشعوره القومي ، وعلى هذا فهو يطالب الوفود الأوربية التي تدعوه للإفراج عن المعتقلين بأن يعترفوا بأنهم خونة ليعفو عنهم ، طبعا إن تناقضا من هذا النوع لاحل له إلا بالإحالة إلى عيادة نفسية ؛ حيث لادلالة ينطوي عليها طلب (شبل الأسد) سوى أن القانون يبريء الخائنين والأمر كذلك ، وباعتباره رجل دولة ملتزم بالقانون فلا يستطيع أن يعفو عنهم إلا باعترافهم بالخيانة ، فاعترافهم يبرئهم من مسؤولية اضعافهم لشعوره القومي ولجوئه إلى اسرائيل ومناشداته وتوسلاته للتدخل الأمريكي في المفاوضات ، أو أن ثمة تأويل أخر لهذا (الغموض الخلاق) يوميء إلى أن اعترافهم بالخيانة تتيح لهم أن يكونوا وطنيين شرفاء وفق قواعد المدرسة الأسدية في تعريف الوطنية والخيانة مثلما جسدها (الأب القائد القومي) في ممارساته القومية حيث استلم سوريا وهي قاعدة المشروع الوطني والتحرري السوري في غنى الحياة الثقافية والسياسية التي لم يكن قد وأد رفاقه في حزب البعث كل الميراث الديموقراطي والستوري والبرلماني لتجربة المجتمع المدني في الخمسينات ، نقول استلمها وكلها شبابا وفتوة وذكاء وحيوية فقاد جيشها في هزيمة حزيران 1967 أمام اسرائيل ، ووفق مصفوفته القانونية والحقوقية في فهم الوطنية ، فقد كوفيء على هذه الهزيمة-التي ليس ما يضارعها في تاريخ سوريا- بأن رفع نفسه عسكريا وسياسيا بأن غدا رئيسا لسوريا ، ووفق هذه المتوالية في فهم الوطنية راحت تزداد أعداد صفاته بوصفه المبتدأ والخبر والأول والآخر ، وباعتبار أن هذه الصفات خاصة بالذات الإلهية فإنه ووفق المنطق الأسدي المؤسس على قاعدة هزيمة حزيران التي أسست لعظمته وقيادته ،والتي أنتجت بدورها الخطاب (المعكوس) الذي يوصف وفق منظور الدراسات الألسنية بـ(الدلالة المعاكسة للجملة ) – وهو نظام الخطاب البعثي المزدوج الذي توّجه حافظ الأسد، حيث وفق هذه القاعدة الأسلوبية يمكن للباحث أن يستنبط المغزى التأويلي في الخطاب البعثي من خلال قاعدته الازدواجية القائمة على دلالته العكسية ، فإذا قلت : وحدة فإن المقصود هو التشظي و(القطرية) وفق المصطلحات البعثية الخاصة ، وإذا قلت : حرية فلا معنى لها –وفق هذه التنضيدة التأويلية- سوى الاستبداد ، ومن ثم تجربة الحريات الكابوسية التي أشاعها حافظ الأسد على طريق (المسخ والتفئير) الوطني والقومي ، وإذا قلت : الاشتراكية فما عليلك وفق هذه القاعدة الأسلوبية لـ(الدلالة المعاكسة للجملة ) ، سوى قراءة المغزى في هذا الاشتراك الشعبي في العبودية من جهة ، واشتراك العائلة الأسدية بنهب ثروات البلاد من جهة أخرى ...
وعلى أساس هذه المصفوفة النظرية (الأسدية) ، فإنه يصح منطقيا – وفق مبدأ العظمة الحزيرانية في انتاج الهزيمة المشار إليها- القول : إن هذه الصفات الإلهية باعتبارها خاصا الهيا ، فلا بد من اللجوء إلى القاعدة الاسلوبية اللسانية عن (الدلالة المعاكسة ) التي ستتيج لنا الاستنباط بأن تعدد صفات الأسد التي تتجاوز ( عدد الصفات الإلهية ) ليست إلا تعدد (الصفات شيطانية) لكن بدون مواهب الشيطان وذكائه وخفة ظله ...
ووفق هذه القاعدة راح يعيد بناء سوريا قانونيا وقضائيا على طريق تفئيرها وإعادتها إلى غابة لا تتسع سوى لأسديته ، وليسلمها لإبنه بعد أن أطفأ شعاعها وألقها وروح الرجولة في شعبها ، ليسلمها لابنه ولم يبق لها صديق في العالم سوى ايران واسرائيل ، حيث غدت اسرائيل هي القوة الوحيدة في العالم القادرة على التأثير في القرار الدولي بعدم تدخله في تأهيل هذا البلد بوصفه بوابة الحضارات الانسانية ، وهو أعظم وأهم وأحوج للعالم من أن يترك كرهينة في يد عصابة من المأفونين المرضى بالنهم الغريزي ، الذي هو الجوع المزمن أو هو وفق أفلاطون :الجوع الذي لاقرار له ، فمهما ألقيت في فم (وحش الجوع) فإنه لا يشبع ، فاليمين الاسرائيلي الصهيوني المتعصب هو المدافع الوحيد الفعال عالميا عن هذا الوحش الذي يلتهم سوريا فلا يشبع ، وعلى هذا فإن (شبل الأسد) لا يخشى من تطبيق هذياناته القانونية القائمة على المعكوس الدلالي ما دام الراعي والحامي الاسرائيلي موجودا ، وهو الوحيد الذي يفهم قواعد المنطق الأسدي للأب والأبن عندما يتحدث عن (العدو الاسرائيلي ) أو الامبريالية الامريكية منذ خمسين سنة ، وأول مثال على فهم اسرائيل قواعد الدلالة المعاكسة للجملة في الخطاب الأسدي- الذي سيغدو لاحقا الخطاب البعثي وراهنا الخطاب القومي العربي الهتاف لصمود دمشق الأسد الممانعة- هو الرد على على القائلين لابن غوريون قبل حرب حزيران : إن سوريا (تتياسر) ، فضحك واثقا من معرفته السر الأسدي قائلا : لا تخافوا فسوريا (تتطيف) ...
وعلى هذا فإن الملفوظ القانوني الذي يتحكم بلسان الأسد (الشبل) أو بنصف لسانه على الأقل – يعكس المسكوت عنه في خبيئة نفسه عن الطريقة التي وكل بها دستوريا في استكمال نهج أبيه على طريق اتمام نقل سوريا من دولة وطن الى غابة أوغاد وفق أحلام أبيه .
حيث تشكل له صور فداء حوراني ورياض سيف كوابيس تذكره دائما بأن سوريا أعصى عليه وعلى أبيه وعلى عصاباتهم العائلية والطائفية من تحويلها إلى غابة الأسد التصحيحية ، تصحيح الكائن من طبيعته الأصلية ليضع له قلب فأر كقلب فأر تولستوي الذي لم تفلح معه كل قدرات الساحر المعجزة في تحويله الى كائن لايخشى القط ، فأعاد صياغة تشكيله في شكل قط ، لكنه سرعان ماهرب أمام القط الأصلي دون فائدة ... فأعاد صياغته في شكل كلب لكن دون فائدة ، حتى قرر في المآل أن يصنعه في شكل أسد ، لكنه مالبث أن لاذ بالفرار امام القط الأصلي ، ليعلن الساحر عجزه عن تحريره من فأريته لأنه يستطيع أن يمنحه (شكل) أسد لكن لا يستطيع أن يمنحه( قلب) أسد ، ولذا سيظل يفر أمام القط ...لأن الأسد لن يهزم القط إن كان الأسد بقلب فأر ...
حكاية تولستوي هذه ، هي حكاية حافظ الأسد مع القط الاسرائيلي ، وربما تلك الحكاية تفسر عقدته (الأسدية) ، ولذا لم يكن قادرا ( بأسديته ) أن يحقق ما عجز عنه ساحر تولستوي عندما جعل مملكته السلطانية مملكة حيوانات مفترسة لكنها جميعا بقلب فأر ، بما يتناسب مع أسديته في مواجهة القط الإسرائيلي ، ولذا لاتفسير لهذه الوحشية المنفلتة من عقالها لدى أبناء الأسد وزبانيته سوى الخوف من المجتمع ، لأن كل مظاهر قوتهم الأسدية يسكنها قلب فأر ، وعلى اعتبار أن القضاء بمثابة القلب للأمة ، فإنهم حولوها الى مؤسسة ( فأرية ) على غرار هذا النموذج ( القاضي الحلاق وأمثاله من المسوخ الذين يطلقون أحكامهم دون أن يتجرؤوا أن ينظروا في عيون امرأة كفداء حوراني أو رجل مثل رياض سيف الذين عجزوا عن ( تفئيره ) في ( مجلس مسوخهم : برلمان الدمى ) .
ليس هناك أولوية تتقدم على مواجهة هذا النظام للمناضلين من أجل الحرية والسيادة الوطنية فاسرائيل تذلنا عبر انتهاك سيادتنا الوطنية ( جغرافيا ) ، وتوكل اذلالنا الوطني السياسي والروحي والوجداني والأخلاقي لهذا النظام الذي يقدم لها هذه الخدمات مقابل البقاء ، إنه إذلال نجحت به هذه العصابات الخلاسية النغلة المستوطنة سرطانيا ، وهو ما عجزت عنه العصابات الصهيونية في اذلال الشعب الفلسطيني الذي لايزال يقاوم رغم الخلل الهائل في ميزان القوى بين الشعب الفسطيني والقوة الاسرائيلية ، بالضد مما ينصحنا العقلاء المعتدلون منا باعتدال الخطاب ، نظرا لأن ميزان القوى بعد اعتقال قيادة اعلان دمشق أصبح لصالح السلطة ، وكأن هناك وقتا ( داخليا ) في يوم من الأيام كان لصالح المعارضة... !
ليس هناك معارضة في سوريا بالمعنى الكلاسيكي المتعارف عليه عالميا ، لأن عصابات المافيا في سوريا أخرجت سوريا من العالم ، هناك مقاتلون من أجل الحرية ، والقتال من أجل الحرية لاشروط له أو عليه سوى الحرية ذاتها ، هناك سيوف سلها التاريخ ضد طغم تريد افشال مسيرته ، فدفع بهم غيرعابئين بوحشية الخصم ، بما فيها "الاصطدام مع النظام " الذي كان ولا يزال يحتكر دائما وأبدا القوة ، وذلك ( لمن استطاع إليه سبيلا ) ، ومن لم يستطع فلا جناح عليه ، لكن على الأقل فليصمت احتراما أخلاقيا للمستطيعين من الأصدقاء الذين شاءت يد البطش الاعتباطية المقيدة وفق تعبير (حنة أرندت) أن تعصف بهم ليدفعوا اتاوة حرياتنا جميعا ، لا أن يفت بعضدهم بالحديث عن ( التضحيات المجانية ) أو بأنهم " ليسوا مثالا للتغيير " ، وأن عليهم أن يغيروا ذاتهم ، ليثبتوا أهليتهم للتغيير ... ومن ثم التعريفات المتلاعبة بالألفاظ عن الشجاعة في هجاء الشجاعة والتنكر لها باسم تحرير الذات ونسيان النظام ، ونحن هنا لانشير إلى أولئك الذين الذين يضعون أنفسم في موقع حيادي بين السلطة والنظام ، ويعطون لأنفسهم أدوارا وهمية- لم يعد أحد بسوريا مغشوشا بها – للمصالحة بين أطراف المعارضة أوبين المعارضة والسلطة ، بل نتحدث عن مثقفين موهوبين بحق قدموا تضحيات كبرى – كل شبابهم في السجون- وهي تضحيات مقدرة لهم إذ كانت بمثابة ضرائب حقيقية دفعت كسلفة لانفجار الوعي الديموقراطي بهذه الشجاعة في سوريا ، وهي ضرائب ( تتجاوز فروض العين إلى فروض الكفاية ) ، وهي كافية لأن تسقط عنهم أي تكليف اضافي ، ولذا نتمنى عليهم الكف عن الدور (الترشيدي والتعقيلي) الذي يبرر أداءهم المعتدل (الثري بمادته النظرية ) والتي يفتقد لها الأدب السياسي السوري ، وليس لي أو لغيري أن يزاود عليهم بعلو الصوت ليجعل منه علو كعب ، فليعيشوا تجربتهم -التي نقدرها- كما يريدون ، لكن ليدعونا نعيش تجربينا كما نريد بدون نصائح ...
لقد سمعت الكثير من التساؤلات حول العنصر الأدبي المجازي : (المشاعري والعاطفي ومن ثم التعبوي) في كتابتي والتي كثيرا ما لا يتذوقه الحس السياسي الاحترافي (الحزبوي) ، حتى أن بعضهم يخلط بينه وبين التطرف إلى الحد أنهم يتجنبون نشره ، ويلح التساؤل حول إن كان العنصر الأدبي هذا لا يؤثر على حقيقة الصورة التي يقدمها نصنا لبلدنا سوريا ، وهذا التساءل ينطوي على الكثير من المشروعية ... لكني قلت وأقول بأن لدي عشرات الكتب من مؤلفاتي التي تلح على منهجية ( موت المؤلف) والغاء حضور الذات في النص ، والاعتناء باستقلالية النص عن كل ما يخارجه من مرجعيات سوى مرجعية ذاته المستقلة عن ذات الكاتب ... إلى آخره مما تأثرنا به في دراستنا الأكاديمية في فرنسا في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات ، التي أدت في كثير من الاحايين لتشكي القاريء من شدة الجفاء النظري والقحط المشاعري ، فقررت أن أعود إلى نصيحة غرامشي الداعية إلى ضرورة عبور الكتابة بوابة لقلب والوجدان لتحقيق التراسل الداخلي مع القاريء ، سيما عندما يكون الموضوع يخص سوريا ، ولاسيما عنما يتعلق الأمر بنظامها الوالغ في دمها ، والذي عبرنا أكثر من مرة بأنه ما دون الدولة ، ما دون السياسة ، ما دون المدنية ، وبالتالي ما دون النقاش ، فلا "أقل من أن نسكب بعض العبرات بين يدي شعبنا عله يجد في بكائنا تعزية وسلوى" حسب تعبيرشيخ طفولتنا المنفلوطي ، الذي يأتي تعبيره العاطفي هذا أكثر انطباقا على وضع سوريا اليوم من أي خطاب نظري رفيع ينصب على موضوع وضيع فحواه هذا النظام الرقيع ، الذي يستحيل مقاربته دون استشعار الألم على حالات الخراب المعمم التي طالت كل حيزات الحياة الاجتماعية والسياسية والتعليمية والصحية ويناظرها خراب أخلاقي ينال من الأنا الوطنية السورية من خلال تحقير وتتفيه مؤسسة القضاء في صورة هذه المحاكم التراجيكو-ميدية المدعي بها(شبل) الأسد باتهام مواطنيه بالخيانة والإرهاب ، والقاضي فيها من الحثلات التي ترسبت في شبكة أبيه عندما كان يقوض سوريا الحديثة منذ حركة تصحيحه للكائن السوري على طريق افساده و(تفئيره) وصولا إلى امثال (النوري والحلاق ... الخ ومن على غرارهم من حثالات المدن المكلفين بالمهمات القذرة : من نوع هؤلاء القضاة الموظفين الأمنيين ، أو من النوع الذين يفاوضون عن النظام (الطائفي) لرمي الخيانة والتعامل مع اسرائيل عن كاهلهم إلى وكلاء من حثالات المدينة من الطائفة السنية ، لكي يبقى حافظ أسد وذريته أبطال (التشارين) في الإعلام ، لكنهم رعايا اسرائيل عند ما يجد الجد ، كما نشاهد اليوم ونعاصر ونتقرى ...
كيف لنا أن نحبس العواطف والمشاعر ونحن نرى اخوتنا واحباءنا من خير ما أنتجته سوريا وطنية وثقافة وكرامة وفضلا وهم يحكمون ويضربون ويسجنون ونتحدث عن الأمر بحيادية وندعوهم بأكاديمية عالية الموقع الوظيفي –منخفضة السوية الأخلاقية- إلى المصالحة وطي "صفحة العنف السياسي" ، وكأن ما جرى في المحاكمة هو العفو عنهم وليس الحبس لسنتين ونصف ...! بل إننا نكاد نشعر بأن اللغة العربية بكل تراثها الهجائي لا يمكن لها أن تطال صورة حكام على هذه الدرجة من الصغار حتى من آل كافور الاخشيدي الذين يقرف الموت من قبض نفوسهم لفسادها وتفسخها ، فعوضا عن أن يواروا وجوههم خجلا من كل هذا العار الوطني والقومي الذي يجلبونه لأوطانهم ، وكل هذا الجوع والفساد واللصوصية والانحلال الأخلاقي والخراب الوطني لمجتمعاتهم ، فهم يمضون بمحاكمة ما تبقى من أمل بمستقبل الأمة من خلال محاكمة فضلائها ونبلائها :
آل العبد الله ( علي وبنوه ) الذين يمثلون آل ياسر الحركة الديموقراطية الذين موعدهم الحرية ، كما كما كان موعد آل ياسر الجنة ، وآل البني ( أكرم وأنور ) المختارين درب الجلجلة ، وجبل العرب الأشم في صورة جبر الشوفي ، وحلب لاتزال تتحدى مخرزهم بعيون الفنان طلال ابو دان ومحمد حاجي درويش ، بل كيف تأتى لهذه القاضي أن يطيع سادته عندما ينظر بعيون نقاء سوريا في صورة الدكتور وليد البني الذي يقارب (هبل الأول) عمرا ، والذي يقضي فترة حكمه في السجن –بعد أن قضى خمس سنوات من قبل- معبرا في طهرانيته السياسية عن شعار إحدى مسرحيات الراحل سعد الله ونوس ( الموت ولا التعريص مع دولة هذه الأيام ) ، هكذا كانت صور هؤلاء شهداء الحرية تضغط على ذاكرة الشاب (المتمجد ) بمجد أبيه صاحب الهزيمتين: هزيمة الوطن باحتلال اسرائيل للجولان في سنة 1967 ، وهزيمة الوطن بتدمير مدنه وسحق مجتمعه بالثمانينات باسم المعركة مع الأصولية لتي لم يتجاوز مقاتلوها العشرات ، وهكذا لن يستطيع المتمجد بمجد أبيه الطاغية إلا وأن يستشعر فضيحته الدستورية الرئاسية عندما ينظر في عيون قديسة كفداء حوراني أسيرة سوريا لدى نظامه المستوطن ، أو عيون نائب دمشق الوحيد بأصوات دمشق وليس بأصوات المخابرات: رياض سيف المتصوف الزاهد بسلطتهم وثروتهم وهو يتحدى جوعهم ونهمهم للثروة وشهواتهم التسلطية والدموية ، تؤرق (الشبل) الشرعية الوراثية عندما يرى صحفيا كفايز سارة الألطف والأرق والأكثر اعتدالا في تحمل كابوسيتهم التي طالت حتى المتعاطفي مع اعلان دمشق كمروان العش ومصطفى الدالاتي ، الذين يتحدث (ابن الأسد) عن كل هؤلاء الوطنيين الديموقراطين بكل تعبيراتهم السياسية : قومية ويسارية وليبرالية ، وعن خيرة ممثلي ضمير اسلامها المستنير السمح العذب في شفافيته الأخلاقية والروحية متجلية في السلوك الشخصي والوطني للطبيبين : الدكتور أحمد طعمة والدكتور ياسر العيتي ، فعن كل هؤلاء يقول ابن سيد الارهاب في سوريا ، : إنهم ارهابيون ويضعفون الشعور القومي ويؤقتون أجنداتهم على أجندات الخارج ...
نقول : إذا لم يستطع الأسد الأب بكل إرهابه الطاغوتي الهولاكي أن يستأصل خيرة ممثلي ضمير سوريا الوطني والمدني بمخالبه المباشرة وبالشوكة والغلبة ، فلن يستطيع الإبن (المتمجد) بمجد طغيان أبيه أن يستأصلهم بالشوكة وسكين (القانون) غير المباشرة ، فهاهم يواصلون ويتواصلون منذ طلائع محكومي ربيع دمشق ، مرورا بمحكومي اعلان بيروت –دمشق ، وصولا إلى قادة اعلان دمشق ، ويوازيهم بشكل يومي وبكل المناسبات عشرات بل ومئات الأبطال الأكراد الذين يصعب تعدادهم لكثرتهم وفي طليعتهم القياديين محمد موسى ومشعل التمو ، ومئات من أبنائنا الطلاب الجامعيين ، لتكتمل صورة الوطن في السجن .



#عبد_الرزاق_عيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسافل سوريا يحاكمون فضلاءها (1)
- حول طائفية النظام في سوريا!
- حزب الله- بين ولاية الفقيه الإيراني ووصاية الرفيق البعثي ولد ...
- حزب الله بين ولاية الفقيه الإيراني ووصاية الرفيق البعثي 2من ...
- حزب الله بين ولاية الفقيه الإيراني ووصاية الرفيق البعثي 1 من ...
- قومنة الدين -ثيوقراطيا- في ايران
- المثقف العربي و-وطنية- ولاية ملالي إيران1 من 3
- حزب الله : بين خامنئي وابن جبرين
- هل مآل الحلم القومي العربي اليقظة على كابوس طهران آيات الله ...
- باغتيال سمير قصير اغتيل منبر النهار كمنبر للمثقفين السوريين
- الخطاب الاعلامي السوري - الدعوة إلى حقوق التساوي مع اسرائيل ...
- التوقيع الشفوي: تقرير علني للأمن السياسي
- اليبان الانقلاب - حول بيان الاخوان المسلمين ضد الإساءة إلى ش ...
- هزمهم حيا وهزمهم شهيدا
- اطلقوا الرصاص على ماضيكم الأسود لكي لا يطلق المستقبل عليكم ا ...
- رسالة إلى الأخوة في حزب الله: دعوة إلى المقايضة: هل تبادلون؟
- سوريا : البحث عن دولة ومجتمع ! ؟
- إعلان دمشق : هل يؤسس البديل للنظام السوري المتداعي ؟
- هل يقود البعث السوري البلاد إلى الاحتلال ؟
- النخب السورية.. الديمقراطية وشرط العلمنة


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الرزاق عيد - أسافل سوريا يحاكمون فضلاءها (2)