أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - سجون العقل العربي المعاصر















المزيد.....

سجون العقل العربي المعاصر


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2454 - 2008 / 11 / 3 - 09:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أُتيح لي أن أقوم بدراسة ومراقبة ومتابعة العقل العربي خلال العقود الأربعة الأخيرة من جوانب مختلفة . تابعت وراقبت ودرست تلك "الظاهرة" من زاوية كوني أحد أبناء المنطقة الناطقة باللغة العربية ؛ كما تابعت ذات الظاهرة من موقع الدارس الذي كتب وأصدر أكثر من عشرين مؤلف باللغة العربية والإنجليزية (منها خمسة كتب تتعلق كلية بالعقل العربي والثقافة العربية) ؛ كما أُتيح لي أن أتعامل مع العقل العربي والثقافة العربية من زاوية خاصة جداً عندما كنت رئيساً لشركة بترول عالمية بالمنطقة العربية وهو ما أتاح لي أن أتعامل مع المنتج النهائي للثقافة العربية وهو الإنسان الناطق بالعربية في مواقع العمل , ورابعاً وأخيراً فقد أُتيح لي أن أتعامل مع هذه الثقافة العربية وهذا العقل العربي عندما منحتني الظروف فرصة التعامل مع طلابٍ عرب كنت أحاضر عليهم في موادٍ مختلفة للدراسات العليا تدخل كلها ضمن علوم وتقنيات الإدارة الحديثة التي درستها لطلبة الماجيستير بعدة جامعات في البلدان العربية . من هذه الزوايا ؛ ومن خلال إهتمام شديد ومتابعة مُدققة ومن خلال رحلة تعامل عارم مع ظاهرة "العقل العربي المعاصر" لقرابة أربعة عقود خَلصتُ فيها لما وضعته في كتابي الأحدث "The Arab Cultural Enchained " الذي تعده حالياً للنشر دار جامعة كامبريدچ للنشر . في هذا الكتاب وصفت العقل العربي المعاصر بأنه كيان مأسور في ثلاثة سجون أو مسلسل بثلاثة قيود : قيد التفسير الماضوي المُتحجر المُناقض لحقائق العلم والتقدم والمدنية للدين ؛ ثم ثانياً قيد الثقافة منبتة الصلة بالعلم والعالم المعاصر والتي نتجت عن التاريخ العربي وجغرافيا الجزيرة العربية السياسية ثم بعد ذلك (وهو الأهم) مؤسسات وبرامج تعليمية لا تُرسخ قيم المدنية والتقدم و الإنسانية إنما تُرسخ كل ما هو مناقض ومضاد لكل القيم وثالثاً وأخيراً فإن هناك سجن ثالث أو قيد ثالث يَحول بين العقل العربي والتقدم وهو إشكالية فلسفية واقعة بين هذا العقل ومفهوم المعاصرة والتقدم تجعله رافضاً لها ، بل ويراها كغزو ثقافي لقلعته الفكرية وموروثه الحضاري والثقافي .
أما السجن الأول الذي يفصل بين العقل العربي وبين المعاصرة والتقدم والإنخراط في مسيرة الحضارة الإنسانية السائرة كما يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط نحو الفكرة العليا فهو الفهم الماضوي القرون أوسطي البدوي للدين . فعدد كبير من المسلمين المعاصرين لا يُقدم لهم تفسيراً أو فهماً للدين سوى ذلك الفهم الذي يروجه أعداء العقل ومخاصمو الفكر الحر بدءاً من إبن حنبل (القرن العاشر الميلادي) وإنتهاءاً بمؤسس الحلف الوهابي السعودي في الجزيرة العربية في سنة 1744 (محمد بن عبد الوهاب الأب الروحي للوهابية التي تعانقت دعوته بعد موته وتضفرت وتدافرت مع فكر أبي الأعلى المودودي) وفكر الإخوان المسلمين المصريين ثم جاءت دولة إسلامية معاصرة تأسست منذ ثلاثة أرباع القرن لتجعل نفسها ليست فقط جهة تطبيق هذا الفهم إنما جهة نشره وتصديره وتمويل عملية إنتشاره في كل مكان يُفتح أمامها على سطح الأرض . هذا التفسير أو الفهم للدين لا مجال فيه للغير (مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً أو أي شئ أخر) ولا مجال فيه للمساواة بين المرأة والرجل ولا مجال فيه للتعايش مع الآخرين ولا مجال فيه لفتح الآفاق أمام العقل الإنساني لينطلق ويتألق بالإبداع وأن يتعلم وفق منظومة التفكير والإبداع ، ولا مجال فيه حتى لتفسير كلمة الجهاد بأنها تعني الدفاع عن النفس ؛ إنما يظل تفسيرها القرون أوسطي البدوي بأنها أداة نشر دين معين على كل البشرية بالسيف .
منذ تسعة قرون كان هناك تياران داخل الحياة الفكرية للمسلمين : تيار العقل الذي بدأه المعتزلة وصعد به إبن رشد (الذي عاش في الأندلس منذ أكثر قليلاً من ثمانية قرون) إلى مقامٍ عالٍ ممكن أن نسميه المقام الأرسطي (نسبة إلى الفيلسوف الأعظم أرسطو طاليس) , وكان هناك أيضاً تيار يُحارب العقل ويرفع من قيمة النص وإليه يُنسب الكثير مثل أحد الائمة السنة الأربعة وهو أحمد بن حنبل ومثل الغزالي الذي عاش ومات قبل أكثر من تسعةِ قرون . ومن سوء حظ المسلمين أن التيار العام في مُجتمعاتهم بقيادة الحلفاء "وقتئذ" نسفوا مدرسة العقل نسفاً مُتمثلاً في حرق مؤلفات إبن رشد وإتجهوا كلياً لمدرسة النص والنقل والتقليد رافعين مقام الغزالي لأعلى درجة وسموه من وقتها بحجة الإسلام وهو الذي رفض أن العقل قادر على معرفة الحقيقة وإدراكها . منذ ذلك الوقت والعقل العربي في عملية تآكل وتأخر وتراجع وتقوقعٍ على الذات لا تتوقف .
أما السجن الثاني الذي يرزخ العقل العربي داخل زنزانته فهو ممناخ ثقافي عام إنتشرت فيه قيم القبيلة العربية والقيم السلبية للقبيلة العربية وإنتشرت فيه قيم الذاتية (عوضاً عن التسامح) والإنغلاق على الذات (عوضا عن الإنفتاح على الآخر) كما لم يكن بوسع المُجتمعات العربية بسبب ذلك أن تستقبل وتتشرب قيم التعددية وقبول الآخر والإيمان بعالمية العلم والمعرفة وحسن إستقبال حركة حقوق الإنسان وحقوق المرأة ناهيك عن رفضٍ مُؤسس على قواعدٍ صلبة لأهم مُنجز للحضارة الإنسانية وهو الديمقراطية . وتترجم نظم التعليم في المجتمعات العربية هذه المنظومة الثقافية السائدة التي تقف حائلاً بين العقل العربي واللحاق بمسيرة التقدم الإنساني ويكفي أن يُطالع الإنسان برامج تعليم دولة مثل المملكة العربية السعودية ليرى الإنسان كيف تُبذر البذور لإنتاج إنسان غير صالح للإنخراط في المسيرة الإنسانية ومسيرة التقدم والمدنية بل ويكفي إلقاء نظرة على كل من قادة الرأي في مُجتمعٍ كهذا لإدراك قوة الصلة بين المناخ الثقافي والتعليمي العام في هذه المُجتمعات وحالة التقوقع داخل الذات الماضوية في بعض المُجتمعات العربية .

وأخيراً ، فقد أفرزت المؤسسات الدينية والإعلامية والثقافية والتعليمية والمجتمعات الناطقة باللغة العربية حالة ذهنية ترى أن الدعوة للمعاصرة والتقدم واللحاق بركب المدنية والدعوة للإنخراط في مسيرة الإنسانية هى عنوان آخر لقبول الغزو الثقافي وضياع الخصوصية الثقافية العربية .

إن مشكلة المجتمعات الناطقة باللغة العربية أو معظمها وكذلك مشكلة عدد من المجتمعات الإسلامية غير العربية لا تحل بالمواجهات العسكرية والأساليب الأمنية والإغراءات أو العقوبات الإقتصادية فكل ذلك لا يغوص للجوهر ، فالجوهر معرفي وثقافي بشكلٍ أساسي وبالتالي فإن التعامل الأول والأكثر نفعاً معه هو التعامل بالعقل والمعرفة .



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طارق حجي - سجون العقل العربي المعاصر