أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال سبتي - نصوصٌ من - بريدٌ عاجلٌ للموتى















المزيد.....

نصوصٌ من - بريدٌ عاجلٌ للموتى


كمال سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 747 - 2004 / 2 / 17 - 07:59
المحور: الادب والفن
    


 كتابةٌ في معنى الشاعر
-1-

سيُقالُ للشاعر : ماذا تفعل في هذا الصباح ؟
سيقول الشاعر : أحرّرُ خطاباً في المودة.
*
كلُّ منفى لا يغيّرُ منفيَّهُ : علامة استفهام.,
يجرّ المنفى معذبيه عادة إلى واحدة من حالتيه : الخواء التام.. أو الإمتلاء المعرفيّ..
*
الشاعر ليس بطلاً أسطورياً.
الشاعر : خوفٌ من كلّ شيءٍ ، وردّ فعلٍ يائسٍ لكلّ شيء.
الشاعر ليس ذلك الفارسَ الهمام ، الذي لا يخشى الصعاب. فتضافُ مغامراته البطولية إلى تجربته الشعرية.
لا. هذه كذبة.
أعود منذ أيام إلى رامبو ، بل أنا منشغلٌ به هذه الأيام. أتذكره حين أذهب إلى الجامعة ، وفي العودة إلى البيت ، وحين أبدأ الكتابة ، أتذكّره أيضاً ، فأحاول أن أخصّه بشيء. ثمّ أغيّر فكرتي ، قائلاً : ليس هذا وقتَ رامبو.
وهو وقته ، كلّ وقتٍ نعيشه هو وقت رامبو. غير أنّ تاريخ القمع الذي تربينا عليه منذ الصغر يقمع فينا تلك الرغبة الدائمة : التلذذ بكتابة شيء إلى ذلك الشاعر.
كتابة شيء في الصباح إلى رامبو : لجوءٌ روحيّ إليه ، يسعفنا من كلّ منفى.
" الحياة الحقّة غائبةٌ " ، قال رامبو. سأحاولُ ثانية أن أتذكّرَه ببراءة نصه وعدوانيته..
سأحاول ثانية أن أتذكّره ، لاجئاً إليه.. وسامعاً نشيدَ السفر.
*
سيُقال للشاعر : ماذا تفعلُ في الصباح ؟
سيقول الشاعرُ : أحرِّرُ خطاباً في المودّة.
*
منذ رأيتُ ذلك الشاعر الذي يحترف المنفى وامرأته عدّادَةَ النقود وهي تحدّق في عينيّ ، مستغربة من خروج شعريّ ،غير حزبيّ ، وأنا أكتبُ كلَّ يومٍ عن فرحٍ الخروج الشعريّ . أكتبُ :
كلّ خروج لا يعي شعريته : سفرٌ سياحيّ .
                      
-2-

ذات مرة ، جلسَ حكيمٌ صينيّ ليفكّر في الشاعر فقال : لن تكونَ شاعراً حتى ترى الصينَ كلّها.
يخرج الشاعرُ من شنغهاي مسافراً إلى المدن كلّها ، إلى الناس كلّهم ، ليعود بالحكمة إلى شنغهاي . إِذاكَ ، سيُسمّى شاعراً.
لم يخطر ببال الحكمة الصينية ، أنّ السفرَ الطويلَ قد يحمل معه موتاً طويلاً للشعر. كانت الحكمة الصينية ترى في الحياة عاملاً حاسماً في تكوّن المعرفة الشعرية . وعلى الشاعر حتى يسمّى شاعرأً أنْ يختبرَها في السفرِ الطويل ، ورؤيةِ الصين كلّها.
ربطت الحكمة منحَ لقبِ شاعرٍ بالسفر.
تمنحُ الحكمة لقبَ شاعرٍ بعد العودة من السفر.
ما همَّها أن يكونَ السفرُ طويلاً وهو طويلٌ طولَ الصين كلّها.
ومن الحكمة هذه ، استعرتُ عنوانَ مجموعتي الشعرية الثالثة "حكيمٌ بلا مدن".
غير أنَّ العودة ، وهي هنا فعلٌ أوديسيوسي ، قد لا تتحقق. سنعود إلى رامبو في رسالة الرائي : إذا لم تر المجهول ، فإنك حاولت الذهاب إليه ، والطريق إليه تجربة أيضاً.
لم تقل الحكمة الصينية إنّ على الشاعر أن يُنفى.
لم تقلْ هذا أبداً.
النفيُ عقابٌ ، ولم يشأ الحكيمُ الصينيّ أنْ يعاقبَ الشاعر. لقد أراد أن ينصحَهُ بتعلم الحياةِ مع الحكمة المقروءة.
وفي تذكّر آخر لقصة تُروى عن مكانٍ آخرغير الصين ، نتعرّفُ على حاكم كان يريد التخلصَ من شاعر يكتبُ عنه – ضدّه ، ليلَ نهار ، فاستشار الحاشية ، ليدلّوه على سجن انفراديّ في مكانٍ قصيّ ، في هذا العالم..
ساقوا الشاعر إلى سجنه القصيّ وحيداً متوحداً ، تفصلُ بينه وبين الحاكم مسافاتٌ بعيدة. كان الوقت يمرّ هنيئاً على الحاكم حتى سمعَ قصيدة جديدة ضدّه ، كتبها الشاعرُ نفسه. لم ينم الليلَ ، كما تقول القصة ، فأرسل إلى الحاشية سريعاً : تعالوا ، قولوا لي : ماذا أفعل ؟
أحدُ رجال الحاشية ، وكان داهية ، قال :
لقد أرسلناه إلى سجنٍ انفراديّ ، في مكانٍ قصيّ ، ولكنّ الفصول الأربعة توالت عليه ، فكتبَ شعراً.
فأمر الحاكم أنْ يُساقَ الشاعرُ إلى مكانٍ لا تمرُّ عليه الفصول ألأربعة ، كيما يكفّ عن كتابة الشعر ، ويموت. وتقول القصة : لقد تحقّقَ للحاكم ما كان يريده.
حين لا يرى الشاعرُ الفصولَ الأربعة يموت.
وحين يموت الشاعر ينام الحاكمُ ليلَهُ سعيداً.
يموتُ الشاعرُ عند كتابته قصيدةً في مدحِ صفات الحاكم ، فإذاك سيقول الحاكم : لقد تخلّصتُ منه ، ليفعل الآن ما يشاء. أو حين يُنفى إلى مكان لا يرى فيه الفصولَ الأربعة.

                                 أبريل 1994 مدريد

كتابةٌ تحتَ الصفر
-1-


لم أكتب رسالة إليك ، الهاتف الذي لم يرنّ إلاّ ساعة التفكير بمستتشفى الطوارىء ، سيرنُّ بعد مغادرة البيت.
تلك عادة جديدة.
*
فكرتُ في زيارة لندن. ثمّ أزحتُها ، أعني لندن ، عن طاولة الكتابة.
لم أكتب قصيدة إِلاّ لأحمد.
*
في درس الفلسفة ، كان الأستاذ الإسبانيّ يحدثنا عن ديكارت. وكنت تَعِباً. كان ابنُ سينا ، الشيخ الرئيس ، وحده ، يحاول إيقاظي بالفلسفة المشرقية ، قلتُ في نفسي لقد قرأ الفارابي حتى يعرفَ أرسطو. تذكّرتُ نهراً بعيداً ، ومقهى خرباً كنتُ ألتقي فيه صحابَ المدرسة الأولى. لم تكن الطفولة النهرية : قصيدة. قلت هذا ، وبدأت أستمعُ إلى أستاذ الفلسفة ، قاطعته : لقد سُجِنَ ابن رشد ، ولم يقل الغزاليّ شيئاً عن دخول الصليبيين إلى القدس ، وأماتَ الفلسفة.
كنتُ تعِباً ، وكانت " براهين ديكارت لإثباتِ وجودِ الله" تنهارُ عليّ كانهيار ذلك الجسر الوحيد أيّام الحرب ، الجسرِ الذي عرفته أيام القراءة الأولى.
هل أنتَ معنا ؟ قال أستاذ الفلسفة.
لم أقلْ شيئاً ، غادرتُ الدرسَ ، قانعاً بكلّ ما سمعت.
*
لم أكتبْ رسالة إليك. الهاتف الذي رنّ بعد رحيلي إلى مستشفى الطوارىء : عادة يومية لي ، تذكرني بالثورة : قصيدة بريتون التي لم تكتمل.

-2-

- كم الوقت الآن أيها السيد ؟
- لا أعرف..
-  في أية مدينة نحن ؟
- لا أعرف..
*
جلسَ الشاعرُ وحيداً يتذكرُ تأملاتٍ قديمة. كان يتآخى معها في بغداد التي أصبحت ماضياً وذكرى لا تحين.
قالَ في نفسِهِ : أنا وحيد..
قال في نفسه: بغداد.. وحيدة أيضاً.

*
لكنه تذكّرَ فجأةً مدينة طفولته أيضاً : الناصرية.
كان يمضي ليله أحياناً في محطة القطار ، منتظراً وصولَ القطار النازل من بغداد ، أو الصاعد إليها. كان يحبّ مشهد السفر وهو فتى يانع ، في الخامسة عشرة من عمره.
وحزنَ إذ تذكّرَ الآن مشهدَ قطارٍ آخرَ بين نيرودا واهرنبورغ في رحلة من روسيا إلى الصين. كان القطارُ يمرّ بالمدن السوفيتية ، فيرى المسافران من خللِ نافذة العربة تماثيلَ ستالين المنتصبة وصورَه ، فأمّا اهرنبورغ القريب من ستالين فكان غاضباً ، في لحظةِ المكاشفة مع النفس. وأمّا نيرودا فلم يقل شيئاً كما يقول هو نفسه في مذكراته. ويضيف : لم يكن الحزبُ قد قرّرَ شيئاً في شأن ستالين ، فانتظرتُ حتى المؤتمر العشرين ، عندما دانَ الحزبُ ستالين.
المشهدانِ مشهدا قطار.
المشهدُ الأوّلُ بريءٌ وحالمٌ بالسفر.
والمشهدُ الثاني ملوّثٌ بالحزب.

          تموز 1994 مدريد

 

 


سوليداد

بورخس الذي كان أعمى ويديرُ مكتبة في بوينوس آيريس ، كان يرى كلّ شيءٍ ، إِلاّ دمَ سوليداد* في سريرها مع زوجها.
أيّدَ بورخس الإنقلابيين العسكرَ في الأرجنتين علناً ، عندما وصفهم بأنهم فرسانٌ ، فلطّخَ جانباً من حياته الشاقة.
دهمَ العسكرُ سوليداد وزوجَها بالرمّانات اليدويةِ وبالرشاشات.
أبقتْ سوليداد وزوجها طفلين : أحدهما كان عمره سنة وستة أشهر ، والثاني كان عمره ستة أشهر.
شبّ الطفلانِ وأصبحا صديقينِ لشاعر عراقيّ قادمٍ من الجهة الأخرى من العالم.
ومات بورخس في قلبِ الشاعر العراقيّ..
كم كان بورخس قريباً مني.
كم كنتُ أحبّه.
هل خطرَ في بالي ذاتَ مرةٍ بأنني سأمتنعُ عن ذكرِ اسمِهِ حتى لا أؤذي المرأةَ التي أحبّ ؟


• سوليداد ، الشقيقة الكبرى لزوجتي السابقة ماريا شير، الأرجنتينية من أمّ إسبانية ، قتلها العسكر مع زوجها في بيتهما ببوينوس آيريس ، عقب الإنقلاب الدامي في الأرجنتين الذي قاده بيديلا في الرابع والعشرين من آذار عام 1976 . فغادرت العائلة كلّها ، بعد المقتل ، إلى إسبانيا.
 

                                     شباط 1994 مدريد
** " بريدٌ عاجلٌ للموتى" كتابٌ توثيقيّ ، سرديّ وشعريّ ، يصدر قريباً عن دار مخطوطات في هولندا.
جريدة " البلد" ، بيروت..



#كمال_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثلاثة نصوص من - بريدٌ عاجلٌ للموتى
- الشّاعرُ وَأُخْوَةُ يوسُف..
- شيءٌ عن السّيّاب : صِلَةُ قُربى..
- حكاية في الحانة
- الشاعر شهيدا ..
- مكيدةُ المصائر
- آخرونَ قبلَ هذا الوَ قت
- حكاية في الحانة
- مكيدةُ المصائر
- القصيدة ملجئي الوحيد للثأر
- البلاد
- الحرب والشعر
- اِبْنُ رُشْد ..
- آخِرُالمُدُنِ المُقَدَّسَة
- جراح الضحايا
- أُدباءُ الحَفيز!
- جلسةٌ قبل الحرب
- فــي الأصــلِ الشـّـعـريّ


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال سبتي - نصوصٌ من - بريدٌ عاجلٌ للموتى