أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صائب خليل - الأستاذ شاكر النابلسي ونظرية الحسد في تفسير التأريخ















المزيد.....



الأستاذ شاكر النابلسي ونظرية الحسد في تفسير التأريخ


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2378 - 2008 / 8 / 19 - 05:30
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من المرات النادرة جداً، التي ندمت فيها على ما كتبت، كان حين امتدحت الأستاذ شاكر النابلسي عندما استنكر موقف المثقفين العرب من إعدام جزار العراق صدام حسين، فقد رأيت بصيص أمل يأتي من جارنا الغربي ألذي لم أعتد منه سوى الأذى والتآمر وسرقات النفط المشبوهة (ي) ودعم جزاري الشعب العراقي والبكاء عليهم.

ندمت، ليس لأني غيرت موقفي من صدام حسين، لكن لأني علمت أن النابلسي لم يقل ما قال تضامناً مع الشعب العراقي، بل فعل ذلك تضامناً مع الموقف الأمريكي الذي شاءت الصدف النادرة أن تمر خطوط مصالحه مع مصلحة العراق (كما رأيتها) في تلك اللحظة من الزمن. وما أن افترق الخطان وتنافرا، حتى توضح لأي فريق كان الأستاذ النابلسي ينتمي، فقد بقي مع الخط البياني الأمريكي مودعاً ومناقضاً وضارباً الخط العراقي الذي سار بالضد من الأول، وانتمى الكاتب الأردني بعد ذلك بوضوح وإخلاص إلى الموقف الأمريكي حتى عندما يكون الدفاع عنه مستحيلاً ومثيراً للإبتسام وهز الرأس عجباً.

بشكل عام، يعاني الإعلام الأمريكي من مشكلة هامة، هي اضطراره إلى التكلم مع جمهور متنوع في مستوياته الثقافية. وتتجلى مثل هذه المشكلة في أن خير ما يثير حماس المتخلفين من الناس للخطط الأمريكية وتصوراتها، هو بالذات أكثر ما يثير اشمئزاز الناس الأكثر ثقافة ووزناً. وكذلك، وبفضل الإنترنت والفضائيات، صار الجميع يرى ما يقال للجميع، و لم يعد سهلاً توزيع الإعلام المناسب للمستوى الثقافي المناسب، لتجنب ردود الفعل السلبية تلك. لذلك قسم الأمريكان إعلامييهم إلى مستويات، وطبيعي أنه كان الإعلام الرخيص السهل من حصة البعض الذي قبل به، واستلم الباقي الإعلام الأكثر صعوبة في الكشف عن إلاعيبه، والأكثر اقتراباً من الحقيقة احياناً.

من الإعلام الرخيص الموجه للبسطاء من الناس، تقديم صورة ملائكية صعبة التصديق، تطوع الأستاذ شاكر النابلسي بالدفاع عنها في مقالاته، و تتمثل بأن الأمريكان، جاءوا لتحرير الشعب العراقي المسكين، بدافع من طيبتهم البالغة التي دفعتهم الى التضحيات الهائلة في كوريا الجنوبية واليابان، "ولكن الرأي العام الأمريكي والكونجرس لم يحسبا حساب الفوارق الكبيرة بين اليابان وكوريا الجنوبية وبين العراق، من حيث التركيبة السكانية والدينية والطائفية، وكانوا يظنون أن الشعب العراقي سوف يستقبل الجيش الأمريكي بالورود والرياحين كما تم بالفعل في كردستان العراق. وأن الشعب العراقي سيقبل على الانتخابات التشريعية والتصويت للدستور العراقي الجديد وغير ذلك من خطوات بناء الدولة العراقية الحديثة، بكافة قواه السنية والشيعية والكردية".

إن كانت هناك ميزة للأستاذ شاكر النابلسي فهي قدرته على تكثيف عدد كبير من المغالطات والتلفيقات في جملة واحدة، مشفوعة بالإهانة الموجهة لشعوب المنطقة دائماً، لحساب أي شعب آخر على الأرض، لايهم.
فهل استقبل الكوريون الجنوبيون واليابانيون الأمريكان بالورود والرياحين بفضل "تركيبتهم السكانية والدينية والطائفية" المتفوقة على العراقيين؟ أم أن الوجود الأمريكي والحكومة المؤيدة له فرضا فرضاً على الكوريين وبفضائع يشرحها وليام بلوم في كتاب "قتل الأمل"؟ هل تبادل اليابانيون والجنود الأمريكان الرياحين أم تجارب إبادة المدن؟ هل كان اليابانيون حينها يمتلكون "تركيبة سكانية ودينية وطائفية حضارية، أم أن صور فضائعهم في منشوريا وهم يحملون رؤوس قتلاهم التي قطعوها بالسيف تغزو العالم؟ وإن كانت لهم تلك "التركيبة" المتفوقة الجميلة، فلماذا لم يجد الأمريكان المدفوعين بالخير لهم، وسيلة لإيصال ذلك الخير، غير تجربة القنابل الذرية المخترعة تواً على مركزي مدينتين مزدحمتين بالسكان؟
الم يستقبل الشعب العراقي الأمريكان بالورود حتى بانت منهم فضائح الفلوجة والرمادي وأبو غريب وحديثة؟ ألم يقبل الشعب العراقي على الإنتخابات والديمقراطية وصوت لها وخاطر بحياته من أجلها؟ ومن الذي يتآمر اليوم ليمرر قراراته بعيداً عن برلمانه والبرلمان العراقي، ويلجأ إلى أخس الأساليب لمخاتلة ممثلي الشعبين، العراقي والأمريكي، وعزلهما وإخفاء المعلومات عنهما ؟ أهو الشعب العراقي أم الحكومة الأمريكية واقرب الناس اليها في الحكومة العراقية؟

يأسف النابلسي على خيبة أمل الأمريكان بالشعب العراقي، ويلاحظ أن الرأي العام الأمريكي بدأ يتراجع عن مواقفه المؤيدة للتضحيات، و طبعاً لن تجد أثراً لفضائح أبو غريب و بلاك ووتر في تحليل النابلسي لأسباب ذلك, وليس هناك أيضاً أثر لإكتشاف الرأي الأمريكي لكثرة الأكاذيب التي دفع بها الى تلك الحرب في تراجع تأييده واكتشافه خداع حكومته.
لكن، لحسن حظ الشعب العراقي الناكر للجميل، والمجنون الرافض للخير والتضحيات، أن "الرئيس بوش كان قوياً وصبوراً وعنيداً كذلك. ولعل صفاته هذه قد أفادت الشعب العراقي ومستقبل العراق أكثر مما أفادت أمريكا، التي لن تتخلى عن العراق بهذه السهولة بعد أن خسرت أكثر من 300 مليار دولار في العراق وأكثر من 4000 جندي، بفضل التدخل الإيراني – السوري في شؤون العراق الداخلية" (أ)

يتلمس النابلسي طريقه قليلاً قبل الولوج في تبرير سياسة إسرائيل ودعم أمريكا لها في فضائعها، لكنه يجد أخيراً طريقة لتبرير هذا الدعم الذي لايتناسب مع هذا الخير المفرط الذي يغمر روح السياسة الأمريكية، فيقول:
ولو وجدت أمريكا بلداً عربياً، له من الإمكانية العسكرية والاقتصادية والعلمية والسياسية، ولديه لوبي قوي كاللوبي الصهيوني (إيباك) المؤثر على القرار السياسي الأمريكي الخارجي في واشنطن، لما توانت في تعيينه شرطياً للمنطقة، وحارس أمن المنطقة، وبرتبة عسكرية رفيعة. فلا يوجد حتى الآن دولة عربية واحدة، أو شرق أوسطية، تصلُح لهذا الدور الأمريكي المهم والحيوي في المنطقة، ولم توجد مثل هذه الدولة، خلال نصف قرن مضى"!! (ب)

إذن، لم توجد دولة عربية تستحق شرف هذا " الدور الأمريكي المهم والحيوي في المنطقة"، دور إسرائيل في المنطقة، ولو أنها وجدت، لحصلت عليه بلا شك!
كم أود أن أصدق النابلسي، فاحترم الدول العربية في هذا الأمر على الأقل!

الدمار الذي تسبب به بوش في العراق وأفغانستان ليس كبيراً، يطمئننا النابلسي، فالطبيعي أنه كان يفترض أن يضرب العالم العربي بالقنابل النووية "كما فعل هاري ترومان الرئيس الديمقراطي في 1945، عندما ضرب هيروشيما ونجازاكي. ولكن من حُسن حظ العالم العربي، ومنطقة الخليج والعراق بالذات، أن هذه البلدان هي المنتجة الرئيسية للطاقة الحيوية عصب الصناعة الأمريكية والغربية بشكل عام، مما حال دون الانتقام منها، كما تمَّ مع اليابان عام 1945".
لا تجد عبارات استنكار على ذلك "الإنتقام" وطبيعته في سطور النابلسي طبعاً، ولكن لنا أن نتساءل على الأقل: ألم تقل أنهم جاءوا الى اليابان ليمنحوها الخير وأن تركيبة اليابان سمحت بتلقي ذلك الخير على عكس طبيعة الشعب العراقي السيء؟ أم أنك تقصد أنهم ذهبوا للإنتقام فنشروا الخير صدفة؟ أم أن الخير متأصل في كل شيء أمريكي حتى الإنتقام؟ لماذا لم ينتقم الأمريكان من أذى العراقيين لهم بمثل هذا الخير إذن, ولماذا كانت ردود فعل جنودهم تخريباً ودماراً واغتصاباً؟ هل للتركيبة السكانية في العراق علاقة بذلك؟ ربما...

يكتب النابلسي أيضاً: "ثم جاءت "حملة تحرير العراق" في 2003. وهذه الحملة – رغم كل الأسباب والأعذار الموجبة لها – كانت ردّ فعل انتقامي واضح، لكارثة 11 سبتمبر 2001، من عصابات الإرهاب، التي تُعشش في جحور وكهوف جبال أفغانستان وباكستان. وكان في مخيال البيت الأبيض، ما يؤكد أن جذب وتجميع عناصر الإرهاب على أرض العراق وإبادتها دفعة واحدة، هو الطريق السليم بدلاً من السماح لها بالقدوم عبر المحيطات إلى أمريكا، ومحاربتها على الأرض الأمريكية. ومن هنا، تحوّل العراق إلى أرض معركة محروقة"..

أولاً، هل هي رد أنتقامي أم أستراتيجية مقصودة؟ لكي لا ندخل في جدل طويل سنفترض الصدفة الغريبة، وهي أن "الرد الإنتقامي" هذا "تمخض" عن "استراتيجية مناسبة" ونناقشها بصفتيها.

فأما "الإنتقام" فيفترض أن هناك علاقة بين العراق أو صدام وجريمة 11 سبتمبر, وهذا يذكرني بأكثر من مقالة وخبر تتحدث عن استمرار اعتقاد بعض الأمريكيين بوجود تلك العلاقة رغم كل ما اكتشف وما صرح به عن عدم وجودها، حتى من قبل الحكومة الأمريكية نفسها، ويستخدم أصحاب هذه المقالات تلك الإحصاءات كدليل على جهل الشعب الأمريكي وتأثره بدعاية إدارة الحرب، وأنه لايعلم عن الدنيا شيئاً حيث تشير أحدى هذه الإحصاءات الى المدى الذي أمكن فيه خداع الناس بالدعاية حتى بلغ مصدقي هذه الفرضية في أميركا إلى 70% عام 2004. (ج)

بينما أستخدم كاتب آخر إحصائية لعام 2007 ليبين مستغرباً الجهل الأمريكي، حيث أن ثلث هذا الشعب مازال حتى ذلك الوقت جاهلاً عدم وجود أية أدلة على تلك العلاقة. (د)
ويبدو لي أن هذا يجب أن يدفعنا الى التساؤل عن مستوى المعلومات التي يستند اليها الأستاذ النابلسي حين يكتب لنا، حين يكون ضمن الثلث الجاهل لما يدور حوله من الشعب الأمريكي بتقدير هذه الإحصاءات.

وأما من ناحية كون الهجوم خطة لجمع الإرهاب في العراق وإبادتها، فهي إدانة مباشرة للسياسة الأمريكية التي لاتتورع عن تدمير بلاد بهذه الطريقة لمجرد أن الأمر يناسبها! لكن النابلسي لايرى في ذلك ضيراً على ما يبدو, ولايقلل من لومه للعراقيين الذين منعت تركيبتهم المتخلفة أن يقبلوا خطة الأمريكان التي كانت تهدف الى، أو جعلت بالصدفة، من بلادهم "أرضاً محروقة" كما يعبر النابلسي، دون أن "تهتز له جملة"!

أخيراً يحار النابلسي في كيفية إقناعنا بـ "عظمة" بوش، والذي سجل أدنى مستوى قبول شعبي من أي رئيس أمريكي في التأريخ، ويبدوا أنه يعترف باستحالة مهمته فيأمل على الأقل أن يقوم "التاريخ حقاً بإنصاف الرئيس بوش بعد خمسين عاماً" حيث سيقرأ احفادنا بأن بوش كان "قاهر الإرهاب". (هـ)

لاشيء جديد في هذا عند الحديث عن شاكر النابلسي، فمقالاته تطفو على مثل هذه "التمارين القيمة لإكتشاف المغالطات" كما أود وصفها، لكن ما أثار في نفسي الرغبة في الكتابة كانت مقالة للنابلسي يشرح لنا فيها "لماذا انتشرت صورة الأمريكي القبيح؟" كما يقول العنوان، فتهيء نفسك لتزيد من علمك واطلاعك، فإذا بالنابلسي يصدمك بقوله: "ما من غني وقوي وعظيم إلا محسود."!! وتتخيل نفسك قد وقفت بالخطأ أمام فتاحة فال، أو أنه خطأ "إنترنيتي"، لكن النابلسي يستمر بأصرار قائلاً: "هذا على مستوى البشر والأفراد في كل زمان ومكان، وكذلك الحال بين الدول"!!
إذن فأنت أمام نظرية جديدة لتفسير التأريخ الدولي عن طريق "الحسد"، ويبدو أن للنابلسي مصادره العلمية التي لم يخبرنا بها لفحص مستوى الحسد بين الشعوب فيقول:
"لقد تمركز الحقد والحسد لأمريكا في دول أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والشرق الأوسط، وجزء من أوروبا كفرنسا في عهد الديجولية خاصة."

وفي هذا نلاحظ باستغراب أن كل من روسيا والصين لم "تحسدا" أميركا، ولم تفعل ذلك اليابان أيضاً! ومع ذلك نلاحظ أولاً أن الحسد قد "تمركز" في معظم أنحاء العالم! وأنه شمل دولاً شديدة التنوع والإختلاف فما هي الصفات التي تجعل من الدول حسودة وتشمل فرنسا وأوربا إضافة إلى الشرق الأوسط؟
لحل المشكلة والوصول الى هدفه الدائم والأبدي في تحقير الشرق كما بينت في مقالة سابقة لي (و) فأنه يتخلص من الدول الأوربية بوضعها خلف كلمة "فيما عدا" ويستمر قائلاً:
" وفيما عدا بعض الدول الأوروبية، فإن الدول والشعوب الحاقدة والحاسدة لأمريكا، هي دول ضعيفة وفقيرة، وتنتظر من أمريكا أن تفعل لها المعجزات باقتصادها وسياستها، دون أن تكون في هذه الدولة أرضية صالحة ومهيأة، لاجتراح مثل هذه المعجزات لو صحّت، وصدقت."
ما نعرفه هو أن "الحسد"، أبعدنا الله عنه، يتكاثر بين كائنات متقاربة النوع والحجم...يمكن تخيل فأراً يحسد جرذاً اكبر منه ويخترع له المساوئ لتقليل قيمته وحجمه، وأن الفأر ربما كان في الحقيقة أقوى منه وأسرع، لكن أن يحسد الفأر فيلاً، فهو أمر غريب!
يستمر النابلسي في تركيزه على السيئين الأكثر سوءاً في العالم، فيقول: "لكن الكراهية والحقد والحسد العربي لأمريكا، تفوق كل كراهية، وكل حقد، وكل حسد"!!!
كيف؟ يفسر لنا ذلك أنه "من المعروف" ...."أن الفرد العربي والشعب العربي عموماً، هو من أكثر الشعوب حسداً للغني والقوي والمسيطر."
ومادامت هذه المعلومة الأثنية "معروفة" بهذا الشكل، فلا مبرر لتقديم مصادرها، لكنها تسببت في أن " جاء ذُكر الحسد والحاسدين في القرآن الكريم، واضحاً وصريحاً في عدة آيات وسور"...
ثم يغرق النابلسي في سور القرآن "ممسكاً به متلبساً" بالإثباتات على شدة حسد الشعب العربي....ولاينسى أن يمر على بضعة أبيات من الشعر العربي تشكو من الحسد والحساد.
لا أدري أن كانت الكتب المقدسة للمسيحية واليهودية والكونفوشيوسية خالية من ذكر الحسد، فلم يخطر ببالي أن أحلل هذا العامل وأثره في التأريخ السياسي للشعوب. ولكن على أية حال، فلو أشارت هذه الكتب الى ضرورة الإبتعاد عن الحسد، فلربما كان ذلك دليلاً على أخلاقية تلك الأديان الرفيعة وليس على انتشار تلك الظاهرة بين شعوبها، على العكس مما يستنتج منها حول الإسلام والعرب والتي يقول النابلسي أنها" تدلنا على مدى تغلغل الحسد في النفس العربية، وتأثيرها في حياة العرب."

لكن "لعل مثل هذه الأدبيات المختلفة، موجودة في كل تراث الأمم الأخرى."...."ولكن حسد وحقد العرب على دولة كأمريكا مضاعف جداً. بل إن كل من يقترب من أمريكا وسياستها بشكل ايجابي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يُرشق في الشرق الأوسط بالحجارة، وتنهال على رأسه اللعنات، وتملأ وجهه البصقات."
وحين يكاد النابلسي يقنعنا بنظرية الحسد في تحليل التأريخ هذه، يعود فيشوش الأمر قائلاً: " ذلك أن كراهية العرب المضاعفة لأمريكا لها أسبابها الخاصة ، وتتلخّص في مساندة إسرائيل ودعمها بلا حدود، وعدم المساعدة على حل القضية الفلسطينية، ومساندة أمريكا لأنظمة الحكم الخليجية وغيرها من أنظمة الحكم العربية، وغزو أمريكا للعراق.. الخ. وهو الاستنتاج الرئيسي الذي توصلت إليه "اللجنة الفرعية للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان بلجنة الشئون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأمريكي"، في تقريرها الصادر يوم 11 يونيو 2008 بعنوان "تراجع سمعة الولايات المتحدة دولياً : لماذا ؟" "
وخلُصت الأبحاث، إلى أن سبب زيادة قُبح وجه أمريكا في العالم وفي العالم العربي والإسلامي خاصة، يعود – إضافة للأسباب السابقة الخاصة بالعرب والمسلمين - إلى أن الحرب الأمريكية على الإرهاب، بما انطوت عليه من مبادئ مثيرة للجدل، مثل الضربات الإستباقية، والتقسيم الثنائي للعالم بين محوري الخير والشر، فضلاً عن استدعاء مقولات صدام الحضارات، قد أثرت على تحوّل حالة التعاطف الدولي مع الولايات المتحدة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001 إلى شعور بالاستياء تجاه السياسات الأمريكية، لدرجة أن بعض القائمين على مؤسسات استطلاع الرأي أكدوا أن تأييد الولايات المتحدة لم يشهد تدنياً إلى هذا المستوى في أية من فترات تاريخها بما في ذلك الحرب الباردة. (ز) (ح).
وأين ذهب الحسد إذن؟ ولماذا نحتاج الى البحث عن تبريرات عجيبة إن كانت هناك أسباب مفهومة ودراسات علمية تبينها؟ هذه الإنقلابات المفاجئة ليست جديدة في مقالات شاكر النابلسي ففي مقالة سابقة له لاتقل "حيوية" عن هذه دعا النابلسي الشعب العراقي إلى قبول بقاء القوات الأمريكية لأن الإنسحاب يعني "أن ينحر العراقيون بعضهم بعضاً بشكل كلي كما ينحرون بعضهم بعضاً الآن بشكل جزئي."، فهو حريص على السلام بين طوائف الشعب العراقي، لكنه في مقالة أخرى يدعوا بشكل غريب الفصائل الفلسطينية لحل مشاكلها بطريقة غير بوس اللحى:

"قرأنا في التاريخ، أن الغرب عندما يختلف مع الآخر، ولا يجد وسيلة للتوافق، أو لتنازل الآخر عن رأيه، أو خططه، يعلن الحرب بين الدول، أو بين الفرقاء في الدولة الواحدة. فمصالحة المناسف والكنافة والقهوة المُرّة لا توجد في قاموس السياسية الغربية. ومصالحة "عفا الله عما مضى" لا يعرفها الغرب، ولا الأطراف المتنازعة. فأوروبا لم تستقر، ولم ينتشر فيها الهدوء والأمان، بعد أكلت أن المناسف والكنافة وشربت القهوة المُرّة مع هتلر وموسوليني، ولكنها استقرت بعد أن قدمت أكثر من عشرة ملايين ضحية ثمناً لهذا الأمن والاستقرار".

أن أي شخص يفهم العربية سيفهم أن النابلسي يدعو الفلسطينيين إلى أن يهتدوا بأوروبا وحل مشاكلهم بطريقة حازمة قد تكلفهم بضعة ملايين، لكنها في النهاية تحصل على الأمن والإستقرار! أنه يقول " فلم تلجأ اسبانيا إلى "بوس اللحى" ورقص نساء الجمهوريين السامبا مع رجال فرانكو. بل شنوا حرباً أهلية استمرت ثلاث سنوات، راح ضحيتها مليون قتيل، ثمناً لعودة الشرعية، ووضع الأمور في نصابها الصحيح".

وبعد تقديم العديد من المراجع التأريخية حول حكمة أوروبا في قتل الملايين للوصول إلى السلام والشرعية، لإثبات هذا الحل العبقري، يصدمنا النابلسي إذ ينقلب فجأة كلاعب سيرك ساحر فيقول:"وأرجو أن لا يفهم الأغبياء والظلاميون ودبابير كتّاب إيلاف من أصحاب الطنين والرنين، بأنني أدعو إلى حرب أهلية بين فتح وحماس لوضع الأمور في نصابها الصحيح."!!

إن عدنا الى بعض مقالات النابلسي الأخرى لنبحث عن بعض جذور نظريته في " تفسير التأريخ عن طريق الحسد"، نجد بعض آثار ذلك "الحسد" في مكان آخر. ففي مقال له بعنوان: "هل سنشرب نفطنا في عام 2020؟" (5) يلقي النابلسي اللوم على الأمة الشريرة، "امة الإستهلاك التي تنتظر الهلاك" لولا قدوم الغرب لإنقاذها. يلومها على جشعها لأنها لم تبذل جهداً لوضع حد لأسعار نفطها وتركت السوق ترتفع به ليصيب البشر بالضرر! (ط) ويهاجم فيها الدول العربية النفطية التي لم تقف غيرها، متناسياً أن بلاده كانت تعمتد على صدقات النفط "الإجبارية" من العراق والسعودية والإمارات والكويت فلا يذكر من ذلك أي شيء. (ي)

ولا يتمالك النابلسي نفسه فتنفلت منه مشاعر "الحسد" صريحة واضحة حين يقول: "فمن المفروغ منه القول، أن الثروة الهائلة التي هبطت خلال السنين الثلاث الماضية على الدول الخليجية هي أسطورة الأساطير، وحلم الأحلام." حتى يستنتج بارتياح: " وبعد مائة سنة أو أكثر، سوف تصبح هذه الثروة كحكايات ألف ليلة وليلة الأسطورية. "، وسر أرتياحه أن أصحاب النفط هؤلاء تجرأوا على "مزاحمة اليابانيين والصينيين في تسابقهم لشراء المنشآت الغربية المعروضة للبيع في الأسواق العالمي" وطبعاً لايجوز للعرب او "العربان" كما يسميهم أحياناً مثل ذلك، وتفسير الفرق في مشاعره هو أن " اليابانيين والصينيين عندما يشتروا هذه الأصول المختلفة بمبالغ ضخمة، لا يحملون في طيات هذه الصفقات أية أيديولوجيات دينية أو قومية، لكي تنفذ إلى الأسواق، بصحبة المبالغ الطائلة." !! (ك)

لابد من الإشارة هنا إلى أن الأستاذ النابلسي، صاحب "نظرية الحسد لتفسير التأريخ" ليس كاتباً هاوياً استسهل النشر في الإنترنيت، بل باحث معروف يدعى إلى المؤتمرات، بل ويسلم رئاسة مؤتمرات! لذا نرجوا أن يكون بحثنا في نظريته مفيداً.
في ختام بحثنا لجهد النابلسي لتفسير التأريخ الدولي عن طريق الحسد، لابد أن نشير، إكمالاً للبحث إلى نظريات أخرى عنت بالأمر. فمن الواضح أن توجه جهود النابلسي النظرية كان للبحث عن أسباب الموقف العدائي من قبل شعوب العالم، وخاصة الشعوب العربية، بالضد من الأمريكان القادمين اليها بالخير. أي أن نظرية الحسد هذه يمكن تصنيفها ضمن النظريات التي تحاول الإجابة عن السؤال الذي اطلقه الرئيس الذي لن نفهم عظمته قبل 50 عاماً، حين سأل متلفتاً مندهشاً: "لماذا يكرهوننا؟"

فيما يلي (ل) روابط إلى المحاولات الأخرى عدا نظرية "الحسد" للنابلسي، للإجابة عن هذا السؤال، وهي محاولات قيمة "لاتتخير" (كما يقول العراقيون) على نظرية الحسد وهي جديرة جميعاً بالقراءة لمن أراد تعميق معرفته بالموضوع، لكنها للأسف بالإنكليزية، وأخص منها بالتوكيد الرابط رقم 4، لمن قد لايجد الوقت للباقين، وكذلك يحتوي الرابط رقم خمسة بعض أفلام الفيديو التي لاتمثل بلا شك أقوى أسباب "الحسد" للأمريكان في العراق، لكنها تعطي فكرة لطيفة، وأخيراً يمكن التفرج على الرابط رقم 7 الذي يحتوي صوراً لاننصح المرضى وسريعي التأثر بمشاهدتها، وهي جميعاً إضافة الى المقالات في الروابط الأخرى تلقي المزيد من الضوء على "نظرية الحسد" الجميلة وتغنيها!


(أ) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=140445

(ب) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=141769

(ج) http://www.huffingtonpost.com/2007/09/12/poll-shows-1-in-3-america_n_64104.html

(د) http://www.huffingtonpost.com/2007/09/12/poll-shows-1-in-3-america_n_64104.html

(هـ) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=143512

(و) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=121851

(ز) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=142794

(ح) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=171&aid=143700

(ط) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=171&aid=121073

(ي) إكشفوا اين اختفت المنحة النفطية الكويتية للأردن قبل توقيع المنحة العراقية ومد انابيب النفط
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=120437

(ك) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=142192

(ل) محاولات أخرى تنافس "نظرية الحسد" لتفسير التأريخ والإجابة عن السؤال لماذا يكرهوننا؟
1. http://www.csmonitor.com/2001/0927/p1s1-wogi.html
2. http://www.fff.org/comment/com0602d.asp
3. http://www.lengel.net/gbs/image/hateus.html
4. http://www.doublestandards.org/enemies.htm
5. http://www.antiwar.com/blog/2007/02/04/why-they-hate-us-some-examples
6. http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2007/07/20/AR2007072001806.html
7. http://www.informationclearinghouse.info/article14069.htm
8. http://www.strike-the-root.com/4/hambidge/hambidge2.html
9. http://www.informationclearinghouse.info/article8979.htm
10. http://www.informationclearinghouse.info/article14301.htm
11. http://www.informationclearinghouse.info/article14987.htm
12. http://www.informationclearinghouse.info/article17963.htm
13. http://www.informationclearinghouse.info/article9696.htm
14. http://www.informationclearinghouse.info/article3762.htm
15. http://www.informationclearinghouse.info/article6616.htm
16. http://informationclearinghouse.info/article13044.htm
17. http://www.informationclearinghouse.info/article19288.htm
18. http://www.informationclearinghouse.info/article8218.htm



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايها الكرد نشكو لكم قادتكم
- أسبابي الأربعون لرفض المعاهدة
- مراجعة خفيفة لما جرى من أحداث ثقيلة حول كركوك
- لنتعلم الحكمة من الذين وقعوا معاهدات قبلنا
- بضعة أسئلة إلى الداعين الى عقد -معاهدة جيدة- مع أميركا
- الفريسة القاتلة
- مدرسة الأمريكتين – قصة معمل لتفريخ الدكتاتوريات والسفاحين
- أربعون سبباً لمعارضتي المعاهدة الأمريكية 1 – ألأسباب العامة
- التصويت السري وكركوك - أيهما الهدف وأيهما الوسيلة؟
- أحتفالية غير اعتيادية بيوبيل الثورة العراقية
- ليس باسمي - تصرفات علمانيي تركيا تشوه صورة العلمانيين
- لو كان الشهرستاني كردياً...
- كيف ندعم مفاوضينا في المعاهدة؟
- مرحى أيتها البرلمانيات العراقيات!!
- طالباني يبصق على مشاعر شعبه- هذا الرجل لايمثلني
- هل يمكن مناقشة السياسة بالمفاهيم الأخلاقية؟ مع رد على السيد ...
- لم الفزع من رفض المعاهدة؟ 3- 3 الدكتور عبد الخالق حسين ونظري ...
- لم الفزع من رفض المعاهدة؟ 3-2 مناقشة موقف د. كاظم حبيب
- بل لماذا هذ الفزع من رفض المعاهدة؟ 1-2
- بعد اتفاقية طهران سقطت آخر مبررات المعاهدة


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صائب خليل - الأستاذ شاكر النابلسي ونظرية الحسد في تفسير التأريخ