أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (3)















المزيد.....

فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (3)


عبدالحكيم الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 2333 - 2008 / 7 / 5 - 10:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-أما تدرج الوحي في أنزال الشرائع حسب تطور عقل الانسان وحاجاته لضبط علاقته بغيره من بنى الانسان ، ومعرفة قوانين استعمار الأرض ، فهي قد تجلت في قصة ابنى آدم (واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق) ففي أحكام النكاح مثلا جاء في الأثر عن ناس من الصحابة ،أن آدم كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى الأخر. وفي أحكام القصاص وعقوبة القتل(قال لأقتلنك ، قال إنما يتقبل الله من المتقين ، لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) فكانت عقوبة القتل آخروية (إني اريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار) ولكن بعد تكاثر الناس وتدافعهم في الحياة تنزل قوله تعالى(من أجل ذلك كتبنا على بنى اسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) ثم (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن )،وهكذا الوحي في تدرج ملحوظ حسب تطور العقل البشري وحاجاته لضبط جدلية الحياة وتوفير الأمن وتأسيس قواعد الاجتماع السياسي،فكان قوله(إنما جزؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا .. الآيات) بمعنى تأمين حياة الناس دولة ومجتمعا وعدم ترويعهم وتفزيعهم،ولما كثر متاع الناس وأموالهم،كان قوله(والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، ثم توالت الآيات التي تحكم علاقة الناس بعضهم ببعض بحسب ظروف بيئاتهم وتقلب معاشهم وتغير مساكنهم.

ومما يلحق بركب ما تقدم آنفا أن القرآن الكريم في تنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم تنزل على مكث حسب تطور عقل متلقيه وظروف بيئته وحاجاته الانسانية ،كما قال تعالى(وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا)،وقد بينت السيدة عائشة رضي الله عنها ذلك بقولها:إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار،حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء :لا تشربوا الخمر،لقالوا:لا ندع الخمر أبدا، ولو نزل: لا تزنوا ، لقالوا:لا ندع الزنا أبدا ...(البخاري)

- أما عن مراحل نمو وتطورالعقل البشري فقد أشار الحديث أنه:(أول ما خلق الله العقل ،فقال له :أقبل فأقبل ، ثم قال له:أدبر فأدبر.ثم قال الله عز وجل :وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أكرم علي منك ، بك آخذ وبك أعطي وبك أثيب وبك أعاقب).ولا ريب أن هذا العقل قد مر بمراحل متعدد في إطار تعامله مع الأشياء والذوات والقيم،ففي مرحلة العقل الفطري كان التعرف على الأشياء والذوات(وعلم أدم الأسماء كلها)قال ابن عباس:هي هذه الاسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودواب وسماء وأرض وسهل وبحر وخيل وحمار وأشباه ذلك .ولا فرق بين أن يكون تعلم هذه الاشياء جملة واحدة وعلى التفصيل أو أن يكن تعلمها بطريق البحث .ثم كانت مرحلة العقل الإحيائي الباحث عن العلاقة بين الإشياء من ناحية وبين الذات والقيم من ناحية أخرى كما يمكن تصوره من خلال الآية الكريمة(كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ، فهدى الله الذين آمنوا لما ختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). اي أن وحدة الأمة كانت فيما هو من مقتضى أصل الفطرة من الأخذ بما يرشد إليه العقل في الاعتقاد والعمل ، فكان الناس يهتدون بعقولهم والنظر المحض في الآيات الدالة على وجود الصانع ، ووجوب شكره ، ثم كانوا يميزون الحسن من القبيح ، والباطل من الصحيح ، بالنظر في المنافع والمضار، أو الإتفاق مع ما يليق بالله –على حسب ما يرشد إليه العقل- أو ما لا يليق به سبحانه.

وفي تقديري أن العقل بمزاولته البحث عن الحسن والقبيح والباطل والصحيح يتجه إلى العقل التقابلي الذي يقوم على أساس النظر إلى الأشياء من خلال المقابلات بين الأشياء والقيم كما جاء ذلك في آيات كثيرة منها(ومن آياته أنك ترى الارض خاشعة ، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، إن الذي أحياها لمحي الموتى)،(أم له البنات ولكم البنون)،(وأنه هو أضحك وابكى)(والشمس والقمر،والنجم والشجر)وهذه النقلة ما بين العقل الفطري الإحيائي ثم التقابلي كانت خاضعة لسنن التدرج في الفهم والتعلم وتنوع الشرائع كما أشارت إلى ذلك الآيات(ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون)،(وعلمك ما لم تكن تعلم )(ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل).

وأحسب أن ذلك كان تمهيدا لتحول العقل من عقل تقابلي إلى عقل برهاني باحث عن كل شيء بالبرهان والمنطق والاستدلال كما تجلى ذلك في قصة إبراهيم عليه السلام وتعامله مع(القلق المعرفي)(1)حين تعرف على الله سبحانه من خلال ملكوته(وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ...فلما جن عليه اليل رءا كوكبا، قال هذا ربي ، فلما أفل قال لا أحب الأفلين ، فلما رءا القمر بازغا ، قال هذا ربي ... فلما رءا الشمس بازغة قال هذا ربي ،هذا أكبر...)!! كذلك لما طلب إبراهيم عليه السلام معرفة فلسفة الإحياء والإماتة (وإذا قال إبراهيم رب أرني كيف تحى الموتى ، قال أولم تؤمن ، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي..)، وأيضا في استخدامه لأساليب المناظرة والدفاع عن حقائق الإيمان والغيب(ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن اتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت ، قال أنا أحي وأميت، قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب).

وعلى أرضية العقل البرهاني والمنطقي الاستدلالي(هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)كانت دعوة القرآن الكريم إلى التفكر والتدبر،ومعرفة المعاني ودلالات الألفاظ ، تمهيدا للمرحلة الآخيرة من مراحل تطور العقل وتدرج الوحي، والتي تعد بحق العمدة في فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع ،وذلك بتأسيس العقل المقاصدي الذي يدراك ضوابط العلاقات الجدلية بين فهم دلالات النصوص ومقاصد الوحي،وبين متغيرات الواقع ومستجدات التدافع البشري. وعند وصول العقل طوره النهائي واكتمله في أحسن تقويم حيث صارعقلا مقاصديا يحسن التعامل مع العلاقة الجدلية بين الثابت(=مقاصد النصوص)والمتغير(=الواقع المتجدد)بعقل مقاصدي يلتزم دلالات الأحكام ومقاصدها لا حرفيتها ، ويتعاطى مع كلياتها ويراعي جزئياتها ،ويعتبر حركية الواقع لا سكونيته ،وتجدد حاجات الانسان لا تحنطها عند حاجات الأسلاف !! ولما تمت عملية تشكل العقل المقاصدي وخرج إلى حيز الوجود انقطعت عمليات اصطفاء الرسل وأنزال الكتب ، فصار عقلا مقاصديا نيط به التكليف الشرعي ،من حيث إقتداره على استجلاء معاني الخطاب الإلهي واستهداءه إلى مقاصده فهما وتنزيلا، بمعيارية تدور في فلك تركيبية وترتيبية ؛ ترتيبية(=معرفة مراتب المصالح والمفاسد ،وخير الخيرين وشر الشرين)،وتركيبية(=القدرة على استقراء الجزئي وتشكيل الكلي ،ورد الجزئي إلى الكلي ، وأحسان التعامل مع الكليات).

ولا أخال أن تلك العقلية المقاصدي التي استطاعت التعامل من مقاصد الوحي بعقلية مقاصدية تراعي ظروف الزمان والمكان والانسان،قد تجلت في عقلية بن الخطاب ومن صار على دربه كالإمام علي،و السيدة عائشة .ولكن لم تستمر هذه العقلية إلا إلى فترة وجيزة وهي فترة ما قبل الفتنة وتدوين العلوم الدينية،وما لبث العقل أن تقههر إلى الأطوار البدائية من عقل فطري أو تقابلي قياسي !!






#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والازدراء المركب (3)
- المرأة والازدراء المركب(2)
- تطور العقل وتدرج الشرع (2)
- فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (1-3)
- المرأة والازدراء المركب (1-5)
- الإمام الشافعي راح ضحية ضربة قاتلة من مالكي !!
- الإمام الشافعي وحقيقة شعاره رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خ ...
- الإمام الشافعي ومشروعه الأصولي
- الإمام الشافعي ...وتوظيف النسب في السياسديني.
- الإمام الشافعي...وقيمة حرية الرأي !!
- هل الملائكة تلعن المرأة من أجل شهوة الرجل؟!!
- الإمام مالك...وقيمة حرية الرأي!! (2)
- الإمام مالك ...وقيمة حرية الرأي (1-2)
- لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة... وإشكالية الفهم
- أبو حنيفة ضحية الفكر التأثيمي !!
- قراءة نقدية لحديث(النساء ناقصات عقل)5
- السلف .. والرأي الأخر
- قراءة نقدية لحديث(النساء ناقصات عقل..)4
- الرسول ...والرأي الأخر
- قراءة نقدية لحديث النساء ناقصات عقل 3


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (3)