أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - حصيلة عام من رئاسة ساركوزي لفرنسا من 6 آيار 2007 إلى 6 آيار 2008















المزيد.....



حصيلة عام من رئاسة ساركوزي لفرنسا من 6 آيار 2007 إلى 6 آيار 2008


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 2307 - 2008 / 6 / 9 - 10:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كانت مشكلة نيكولا ساركوزي أنه طموح ومستعد لعمل أي شيء لتحقيق طموحاته حتى لو كان عبر أساليب الكذب والمبالغة وتقديم الوعود الجذابة والمغرية . فقد وعد بتحسين الأوضاع المعيشية والاجتماعية ورفع القدرة الشرائية وتطوير الجامعات وتحقيق التنمية وتحسين الأداء الاقتصادي وإحداث الإصلاحات الإدارية والدستورية اللازمة وتحديث قوانين العمل وتحسين وترسيخ وتمتين مكانة فرنسا في الساحة الدولية، باختصار إحداث قطيعة تامة وشاملة وكاملة مع السياسات التي اتبعتها الحكومات السابقة اليسارية واليمينية التي تعاقبت على السلطة . وهو حذر من الجميع ويحب الشهرة والانفراد بالرأي والقرار ولايطيق أية منافسة من جانب أي كان فيلا فريق عمله أو طغيان شعبية أحد من العاملين معه لاسيما رئيس الوزراء الذي يريده مجرد أداة تنفيذ لقراراته وسياسياته وتوجيهاته حتى لاتتكرر التجربة المريرة التي عاش هو فصولها بين جاك شيراك رئيس الحزب الديغولي من جهة ورئيس وزراء فرنسا الأسبق إدوارد بالادور من جهة ثانية، والذي زادت شعبيته فطمع بمنصب الرئاسة فرشح نفسه منافساً لسيده ومعلمه وصاحب الفضل عليه جاك شيراك لشغل منصب رئاسة الجمهورية وكان نيكولا ساركوزي وزيراً في حكومة بالادرو فانحاز إلى جانبه ضد شيراك الذي كان له الفضل في اكتشافه وتقديمه للمسرح السياسي وصعوده المذهل في مناصب متعددة فقد تبناه منذ اليوم الأول لخوضه معترك السياسة شاباً في العشرين من عمره سنة 1975 ، لكن ساركوزي غدر بسيده وولي نعمته جاك شيراك وانضم إلى فريق بالادور لتحقيق مآربه وطموحاته اللامحدودة. فحصلت القطيعة والكراهية وروح الانتقام بين الرجلين مجسدة بمنافسة غير شريفة ومناكفة حادة تصل إلى تبادل الاتهامات والتشهير والتهديدات المبطنة بين الرجلين ، ولازلنا نتذكر عبارة جاك شيراك سنة 2006 التي أذل وأهان بها ساركوزي ووضعه في موقعه الحقيقي عندما أدلى بمناسبة المقابلة التلفزيونية الرسمية التي تجرى تقليدياً في 14 تموز من كل عام، وهو اليوم الوطني الفرنسي قائلاً بشأن نيكولا ساركوزي :" أنا أقرر وهو ينفذ " فاغتاض ساركوزي وقرر رد الصاع صاعين واندلعت حرب إعلامية وكلامية شعواء بين الرجلين. سيطر ساركوزي على الآلة الحزبية التي أسسها شيراك وهي الاتحاد من أجل حركة شعبية UMP بحركة شبه إنقلابية وأزاح من طريقه، وبمختلف الأساليب ، بالترهيب والترغيب، كل المنافسين له في القيادة المطلقة لليمين لكي يكون هو المرشح الوحيد بلا منافس للانتخابات الرئاسية. وبالفعل خاض ساركوزي حملة انتخابية شرسة ومضنية ضد مرشحة الحزب الاشتراكي سيغولين روايال وفاز عليها . وها قد مضى عام على تسلمه موقع المسؤولية الأولى في فرنسا أي رئاسة الجمهورية فماذا حدث وماذا تحقق؟
كان لابد من هذه المقدمة التمهيدية الطويلة قبل الولوج لحصيلة عام من رئاسة ساركوزي لفرنسا لفهم خفايا الأمور وما كان يجري في الكواليس خاصة وأن سيناريو شيراك بالادور يبدو أنه سيتكرر مع ساركوزي ورئيس حكومته فرانسوا فيون الذي لمع نجمه مؤخراً وصار لابد لساركوزي أن يزيحه من طريقه ويتخلص منه وهو يناور فعلاً في هذا الاتجاه للتخلص من فرانسوا فيون إن آجلاً أم عاجلاً.
مرت سنة على الانتخابات الصاخبة وسنة على الرئاسة التي علقت عليها الكثير من الآمال. ويمكننا القول بلا تردد أن ساركوزي في ردب أو مأزق أو طريق شبه مسدودة. فشعار حملته " القطيعة" مع أساليب ومناهج الماضي كان فعالاً خاصة عندما أعلن ساركوزي مقولته الشهيرة:" إعمل أكثر تكسب أكثر" واعداً الفرنسيين بزيادة قدراتهم الشرائية ومدخولهم الشهري أو معاشاتهم سواء في القطاع الخاص أو العام. لكنه اصطدم بالحقيقة المؤلمة التي كان يعرفها ولم يصارح بها الفرنسيين وهي إفلاس الدولة وخواء الخزينة فصار عليه أن يعترف بعد سنة من رئاسته أنه لم يستطع تحقيق وعوده في هذا المجال. أفل نجم ساركوزي بسرعة وهبطت شعبيته إلى الحضيض وهو الأمر الذي لم يحدث لأي رئيس فرنسي سابق بعد عام من ممارسته السلطة العليا. وتسبب في هزيمة نكراء لحزبه في الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر آذار الماضي مما يؤشر على انتهاء شهر العسل بين الإليزيه والشعب الفرنسي.
وبالرغم من ذلك يستمر نيكولا ساركوزي في نهجه ونشاطه الذي يثير انتباه الرأي العام العالمي والفرنسي والمراقبين المحترفين للمشهد السياسي الفرنسي.
لم يسبق للجمهورية الخامسة أن أضفت مثل هذا الطابع الديناميكي لفرنسا.حتى صار الآخرون يطلقون على ساركوزي صفة الـ " السوبر رئيس super président" لأنه أفلح في فرضه حضوره في مختلف المحافل والجبهات . فقدم حياته الخاصة مشهداً استعراضياً لوسائل الإعلام كأنه أحد مشاهير السينما الهوليودية الذي تتعقب الصحف فضائحه وغرامياته فطلق زوجته السابقة وتزوج أخرى في غضون بضعة أشهر وحاول إغراء شخصيات يسارية لتتعاون معه في حكومته ونجح في استمالة البعض منهم وعلى رأسهم وزير خارجيته اليساري برنارد كوشنير رئيس جمعية أطباء بلا حدود سابقاً ووزير لدى الرئيس الإشتراكي الراحل اليساري فرانسوا ميتران. واعتقد ساركوزي أنه بفضل طاقته المتفجرة وصراحته المعهودة وجرأته ومثابرته، التي فرضها عبر وسائل الإعلام سوف تضمن له ولاء الفرنسيين وتأييدهم لطريقته الخاصة والجديدة والمختلفة في الحكم . لكن جهده باء بالفشل وكانت محاولاته بلا طائل ولم تكن أكثر من فقاعة في هواء كما وصفها جاك شيراك لبعض المقربين منه.
ولكننا لايمكننا أن نحسم بالقول أنه لم يحقق شيئاً خلال الـ 365 يوماً المنصرمة . فقد خفض الضرائب، ومنح استقلالية ذاتية للجامعات، وألغى ضريبة الدخل على ساعات العمل الإضافية، وباشر بإصلاح أنظمة التقاعد الخاصة... وغير ذلك من المبادرات التي تتوائم وتتماشى مع وعوده الانتخابية والتزاماته فلماذا إذاً هذه الحصيلة السلبية وحالة الإحباط في الشارع الفرنسي إزاء عمل الرئيس؟ أولاً لأنه جعل من " الحزمة الضرائبية paquet fiscal" إحدى أهم أولوياته وفي مقدمة إصلاحاته مما خلق انطباعاً أنه قدم على طبق من فضة هدية للأغنياء ونسي ناخبيه من طبقات الشعب الفقيرة والفئات المسحوقة التي صدقت وعوده وصار يطاردها اليوم ويضيق عليها الخناق ويشكك في صدقيتها لاسيما العاطلين عن العمل وأصحاب معونة الحد الأدنى RMI. وثانياً لأن الظروف التي تمر بها الأوضاع الاقتصادية العالمية ليست على مايرام وتتسم بالأزمات المالية ومضاربات البورصات وأسعار العملات، كانخفاض قيمة الدولار وارتفاع قيمة العملة الأوروبية اليور وما يترتب على ذلك من خلل في الدورة الاقتصادية والنشاط التجاري وعمليات الاستيراد والتصدير والمضاربات المالية وتهريب رؤوس الأموال وحالات الكساد والركود الاقتصادي الناجمة عن حالة الاضطراب الاقتصادي والمالي العالمي مما أثر سلباً على الدورة الاقتصادية الفرنسي وأطاح بآمال تحقيق النمو المنشود الذي وعد ساركوزي بالبحث عنه ولو بأسنانه على حد تعبيره في إحدى خطاباته.
كان هم نيكولا ساركوزي الأساسي هو استعادة هيبة ومكانة فرنسا على الرقعة العالمية. وقد أحدث ساركوزي قطيعة مع التقليد الديغولي أو العقيدة الدبلوماسية الديغولية في كثير من الملفات، وأفلح في فرض معاهدة أوروبية مبسطة بديلاً عن الدستور الأوروبي الذي لم تصوت لصالحه شعوب أوروبية كثيرة. لكنه لم ينجح في خلق ديناميكية أوروبية جديدة خاصة مع ألمانيا. ومع ذلك مازال يأمل أن يحقق بعض الإنجازات بمناسبة رئاسة فرنسا للإتحاد الأوربي لمدة ستة أشهر قادمة ابتداءاً من 1 تموز القادم 2008 .أول ملاحظة يمكننا تسجيلها على حصيلة هذا العام من الممارسة الرئاسية هي أن ساركوزي الذي وعد بالقطيعة اضطر إلى التعامل بواقعية وتفهم، مع " الإستمرارية" بسبب الضعف الذي أصابه بعد فشل المبادرات التي أطلقها بضجيج إعلامي وتسويق فاشل ، كحزمة الضرائب ، والأزمة الاقتصادية في الخريف الماضي الناجمة عن الظرف الاقتصادي الدولي المتدهور، والإصلاحات الدستورية والمؤسساتية التي لا تحظى بقبول أو تأييد جماهيري، وخفض عدد الموظفين في دوائر الدولة ورفع سنوات الخدمة قبل التقاعد وغير ذلك. وقد أعلن ساركوزي صراحة نيته في تسخين العلاقات الفرنسية الأمريكية وتجاوز مرحلة البرود إن لم نقل العداء الذي نجم بين الدولتين بسبب الموقف الفرنسي من مسألة الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 . وبات واضحاً أن سياسة ساركوزي الخارجية تلاقي ردود أفعال متفاوتة ومتباينة، بعد النتائج التي حققها من جولاته في الخارج في الهند والصين وليبيا ومالطا والأردن وإسرائيل وبالطبع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها والعقود والصفقات الكبيرة التي نجح في إبرامها. وقد اعترف في 24 نيسان من على شاشة التلفزيون أنه " ارتكب أخطاء " تسببت في انحدار شعبيته لدى الفرنسيين حيث وصفه البعض بالنرجسية والبعض الآخر بالنزعة البونابارتية ( نسبة لنابليون بونابارت) والبعض الثالث دمغه بحب الظهور وجذب الأنظار ، وهو يعتقد أن الفرنسيين لن ينتقدوه أو يلوموه لمحاولاته عمل شيء ما للتغيير وإن فشل في جهوده. وقد عرف ساركوزي بزلاته الكلامية وطول لسانه وتعابيره الشعبوية التي تستخدم من قبل العامة وأبناء الشوارع كما حدث له من خلال ملاسنة كلامية وضيعة مع أحد العارضين في المعرض الزراعي رفض مصافحته حتى لايوسخ يده ويلوثها، فرد عليه الرئيس ساركوزي بجملة غير مؤدبة وسوقية معناها إذهب أيها الوضيع، وقد شاهد هذا المشهد أكثر من 3 ملايين مشاهد. كما أن الفرنسيين دهشوا من تصرفه بمجرد وصوله إلى قصر الإليزيه عندما رفع مرتبه الشهري من 7084 يورو إلى 19331 يورو .

ساركوزي بعيون غير فرنسية:

يبقى نيكولا ساركوزي لغزاً خارج الحدود الفرنسية. فالبعض يراه تجسيداً لإصرار وعزم فرنسا على استعادة مكانتها العالمية لكنه غير مقتنع تماماً بقدرته على تحويل الكلام والخطابات إلى أفعال ملموسة. بسبب إخفاقاته الداخلية المتكررة. فقبل أقل من شهرين من رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي يشكك الكثير من القادة والزعماء الأوروبيين من السمة المتقلبة وغير المضمونة في شخصيته حيثل لا يمكن توقع التصرفات والمزاجية التي يتحلى بها سيد الإليزيه كما أشيع عنه في بروكسل عاصمة الإتحاد الأوروبي. فلقد طلب من ساركوزي الدفاع عن معاهدة لشبونة في إيرلنده عندما عرضت هذه الأخيرة نص المعاهدة للاستفتاء الشعبي العام في 12 حزيران وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس اللجنة الأوروبية خوسيه مانويل باروزو متواجدين .وفي سعيه الحميم لبدء مرحلة عودة فرنسا لموقع الصدارة في أوروبا أثار ساركوزي حيرة واضطراب محاوريه ونظرائه الأوروبيين من أسلوبه وطرقه غير المألوفة. فالكثير من مشاريعه التي قدمها أثارت غضب وإنزعاج أقرانه. فاضطر إلى أن يراجع نفسه وأساليبه ويخفض من طموحاته المتوقدة إزاء الإتحاد المتوسطي على سبيل المثال لا الحصر وهو الملف الذي ساهم في تدهور علاقاته مع المستشارة الألمانية السيدة أنجيلا ميركل. وقد علق موظف أوروبي رفيع المستوى في بروكسل على ذلك قائلاً:" الحدس جيد بلا شك ، لكنها كمبادرة، ومنذ البداية، قدمت بصورة سيئة للشركاء الأوروبيين الذين ترجموها وفسروها كأنها أداة ومحاولة فرنسية للهيمنة على أوروبا ". وقد لمس الألمان أن ساركوزي غير ثابت كما كانوا يخشون، وخفيف ومتسرع، أو حسب تعبيرهم " من الصعب علينا مسك الخيط من أوله مع ساركوزي" ، كما جاء على لسان مصدر مقرب من الحكومة الألمانية. ولم تفلح كافة المحاولات لردب الصدع الناجم عن برود العلاقات بين قطبي الاتحاد الأوروبي بالرغم من المديح الذي أعلنه ساركوزي للمستشارة الألمانية في الأول من آيار في إكس لا شابيل بمناسبة منحها جائزة شارلمان خاصة والجميع يعرف حذر وارتياب ساركوزي الغريزي من الألمان.
فتهجماته المتكررة ضد البنك المركزي الأوروبي ، وسعيه الدؤوب للدفاع عن المصالح الصناعية الفرنسية وتصوراته الشخصية المتميزة ومفهومه الخاص عن الاتحاد المتوسطي أخضع الثنائي الفرنسي ـ الألماني الشهير لاختبار قاسي وامتحان عسير قد يطيح به في المستقبل. فطريقة عمله وإبرازه لنفسه أثناء المفاوضات بشأن معاهدة لشبونة أثارت حفيظة الأمان ضده وأبدوا انزعاجهم من سلوكه. ومن هنا فإن آفاق رئاسة فرنسا للاتحاد الأوربي المقبلة ومع شخص مثل ساركوزي تثير مخاوف وقلق برلين. :" سوف يكون ذلك درساً صعباً ورياضة عسيرة وفي نفس الوقت تجربة تعليمية وتربوية مفيدة للرئيس الفرنسي " كما علق نفس المصدر القريب من الحكومة الألمانية.
توزعت التعليقات لدى جيران فرنسا الجنوبيين في الجنوب الأوروبي الذي بدأ ساركوزي معهم غزلاً صريحاً، بين المديح المفرط والحاجة إلى وضع بعض المسافات ، والمعني هنا أصلاً دولتان هما إيطاليا وإسبانيا.
من المتوقع أن تسير الأمور على ما يرام مع سيلفيو بيرلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي الجديد الذي تعتبره باريس حليفاً طبيعياً حتى لو توجب على بيرلسكوني معالجة الملف الحساس المتعلق بشراء شركة الخطوط الفرنسية لشركة آليتاليا الإيطالية التي تعاني من صعوبات مالية قد ترغمها على الإفلاس وإغلاق الشركة. فيما العلاقة ليست بهذه البساطة والبداهة مع رئيس الوزراء الإشتراكي الإسباني جوزيه رودرغيز زاباتيرو، بيد أن إسبانيا تكيل الثناء لرئيس الدولة الفرنسية على موقفه المساند والقوي ضد الإرهابيين في منظمة الإيتا ETA الإنفصالية وعزمه على التعاون والتنسيق مع إسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي علماً بأن روما ومدريد أظهرتا بعض التردد والتلكؤ بصدد قضية الإتحاد المتوسطي الذي يشملهما باعتبارهما دولتين متوسطتين فقررتا الخوض في هذا الموضوع بحذر وتأني كونهما لاينخدعان بما يختفي خلف حماسة شريكهما الفرنسي وحقيقة نواياه في هذا المشروع.
لاتتوفر فرصة كبيرة لشخصية الرئيس الفرنسي في إغراء دول الشمال ألأوروبي أي الدنمارك والنرويج والسويد وفلنده وإستونيا . وقد نشرت صحيفة سفنسكا داغبلاديت Svenska Dagbladet السويدية المحافظة معلقة:" يتعين على ساركوزي أن يعيد النظر في أجندته التي فتن بها الفرنسيين لأنها لاتنفعه مع شعوب الشمال . إنه رجل السياسات الإستعراضية، والذي تحول نفسه كشخص إلى مشهد استعراضي مفصل على شخصه".
في حين رأت المملكة المتحدة ، أي بريطانيا، في شخص الرئيس الفرنسي " أملاً في التغيير الراديكالي". و " إجراء الإصلاحات الضرورية التي تحتاجها فرنسا للدخول في القرن الواحد والعشرين" حسب ما نقلت وسائل الإعلام البريطانية. فانجلترا رأت في الليبرالية التي دعا إليها ساركوزي استعادة للنكهة التاتشرية بصيغة ـ غلوازية ـ أي فرنسية" . إن بطء الإصلاحات قد زرع الشكوك حيال قدرة الرئيس الفرنسي بيد أن هذا الضعف البادي في أداء ساركوزي عوضه الإفتتان الذي مارسته زوجته عارضة الأزياء والمغنية السابقة كارلا بروني على الشعب البريطاني إبان زيارة الدولة التي قاما بها لبريطانيا في نهاية مارس آذار الماضي حيث كان الانجليز مهووسين بأناقة وجمال السيدة الأولى الفرنسية الأنيقة كما كتبت الصحف الإنجليزي’.
القطيعة مع التقليد الشيراكي هو الهدف الذي حدده لنفسه نزيل الإليزيه وقد لمس الكثيرون في أصقاع الأرض هذا التغيير مع الإرث الشيراكي السابق الذي كان طاغياً ومعروفاً كخط سياسي فرنسي ثابت ومعروف إزاء القضايا الدولية والإقليمية والأوروبية. بدءاً من الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد أن تنسى التوترات التي ولدت بين واشنطن وباريس بسبب أزمة حرب العراق . وفيما عدا شغف الأمريكيين بمتابعة أخبار طلاق وزواج الرئيس الفرنسي، يرغب القادة الأمريكيون في قلب صفحة الماضي القريب والبدء بمنطق جديد من التعاون الاستراتيجي مع فرنسا ساركوزي كما يسمونها اليوم بدلاً من فرنسا شيراك حسب قول جوستين فيس الباحث في مؤسسة بروكينغس . الإدارة الأمريكية انتظرت بصبر قرار الحكومة الفرنسية العودة إلى البنية القيادية العسكرية لحلف الناتو أو الحلف الأطلسي وإعلان الرئيس الفرنسي في نيسان الماضي إرسال 700 جندي إضافي إلى أفغانستان مما أثار ارتياح واشنطن حتى لو كانت تعرف أن هذا العدد متواضع ولايفي بالغرض كتعبير عن المساهمة الفرنسية عسكرياً في الملف الأفغاني الذي تميزه فرنسا عن الملف العراقي.
الحكم والتقييم الروسي للرئيس الفرنسي الجديد مازال غير واضح في موسكو التي كانت تعتبر جاك شيراك " صديق روسيا" وبالرغم من تسرعه لتهنئة الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين بفوز حزبه في الانتخابات التشريعية في ديسمبر 2007، إلا أن العلاقات بين الرئيسين ظلت دافئة. وقد أبدى الرئيس بوتين انزعاجه من التقاء ساركوزي بأعضاء من منظمات غير حكومية تنشط في مجال حقوق الإنسان إبان زيارته لموسكو في أكتوبر الماضي. وقد شعر الصينيون أيضاً ، بعد وصول ساركوزي لسدة الحكم، أن الدعم الفرنسي غير المشروط للصين قد ولى . فزيارة رئيس الدولة الفرنسية لبكين في خريف 2007 قد طمئن نفوس الصينيين بعد ترقب وتلهف دام شهور عديدة حتى لو كان قد حث الحكومة الصينية على تحمل مسؤولياتها الدولية بشكل أفضل إلا أن قضية إقليم التيبت قد أحدثت أزمة في العلاقات الفرنسية ـ الصينية عندما هدد الرئيس ساركوزي بمقاطعة احتفالات افتتاح الألعاب الأولمبية .
وفي أفريقيا حيث التطلع إلى ما ستكون عليه العلاقات الفرنسية ـ الأفريقية مابعد مرحلة جاك شيراك، لم يحدث أي خرق يذكر بهذا الصدد، فتدهور صورة فرنسا تسارع وتفاقم حسب ما ورد في تقرير تحليلي في الكي دورسيه في وزارة الخارجية الفرنسية . فالخطاب الذي ألقاه الرئيس الفرنسي الجديد في داكار في تموز 2007 قد غذى سوء الفهم القائم . وفي لبنان، حيث تتوفر أرضية تقليدياً ملائمة للدبلوماسية الفرنسية ، رحبت المعارضة اللبنانية والنظام السوري في أول وهلة ببدايات الحوار الذي أقره الرئيس ساركوزي مع دمشق قبل أن تتضح الأمور ويكتشف قصر الإليزيه حقيقة التدخلات السورية والإيرانية في الشأن الداخلي اللبناني مابعد مرحلة الإنسحاب العسكري السوري من لبنان، حيث تغيرت قناعات وتوجهات الإليزيه وتحولت للحوار والتنسيق مع الدول العربية " المعتدلة" المرتبطة بشكل أو بآخر بملف الأزمة اللبنانية لاسيما العربية السعودية ومصر وقطر والإمارات العربية المتحدة. الذين يؤيدون قوى الرابع عشر من آذار أي قوى الحكومة والمولاة بزعامة فؤاد السنيورة وسعد الحريري .
ولو نظرنا بشيء من الدقة والتمعن لوجدنا أن الدبلوماسية الفرنسية طبعت اليوم بدمغة " نهاية الديغولية".

فخلال أقل من عام أجرى نيكولا ساركوزي تغييراً جذرياً في مستوى ونوعية علاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية وكأنه يريد بذلك دفن الإرث الديغولي مرة وإلى الأبد . فلم يعد قصر الإليزيه في عهد ساركوزي ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية عظمى متغطرسة ومغامرة تهدد السلام العالمي بعقيدتها في الحرب الوقائية وبالتالي يجب معارضتها كما كان شائعاً في عهد جاك شيراك آخر آساطين الزعماء الديغوليين في فرنسا. فقد تحولت على لسان ديبلوماسيي ساركوزي إلى حليف استراتيجي وحامية للحريات ولفرنسا تأريخياً ، وتأثيرها في العالم مؤكد، وعلى فرنسا أن تكون وفية لها وتقدم لها فروض الطاعة والعرفان شأنها في ذلك شأن بقية الشعوب الأوربية الأخرى السائرة في ركب الولايات المتحدة والدائرة في فلكها. وقد تبنى الإليزيه إطروحة الأمريكيين القائلة بأن الخطر اليوم في القرن الواحد والعشرين، والذي حل محل الخطر الشيوعي السابق هو خطر التطرف والتشدد الإسلاموي وأن على الديموقراطيات على ضفتي المحيط الأطلسي أن تتعاون فيما بينها وتتكاتف وتتضامن وتنسق فيما بينها داخل العائلة الغربية الواحدة . هكذا يمكن تلخيص رؤية ساركوزي ووزير خارجيته بيرنارد كوشنير.
وقد وضع الرئيس الفرنسي الجديد الخطوط العريضة لعودة فرنسا إلى حضن القيادة العسكرية المركزية للحلف الأطلسي. وأعلن بلا لبس أوتردد بأنه صديق حميم لإسرائيل . وأبدى موقفاً أكثر تشدداً وصلابة حيال الطموحات النووية الإيرانية وأعرب عن استعداده في تجهيز مئات الجنود الفرنسيين لمحاربة الجهاديين الإسلامويين على الأرض الأفغانية إلى جانب الأمريكيين وتحت قيادتهم.
إن تصور وفهم نيكولا ساركوزي للتهديد الإرهابي له ثقله في الصياغة العامة لسياساته الخارجية . ولهذا الموقف صلة بسيرة وتجربة ساركوزي المهنية والسياسية والحكومية فقبل وصوله إلى الإليزيه كانت خبرته في المسائل الدولية تقتصر بالأساس على موضوعة محاربة تنظيم القاعدة . وقد شغل لمرتين منصب وزير الداخلية في الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر. إحتلت اهتماماته الأمنية حيال مخاطر المجموعات المتطرفة، موقعاً جوهرياً ومركزياً في خطاباته وزياراته إلى الخارج سواء في العالم العربي أو دول آسيا. فتعاون القوى والمؤسسات الأمنية كان أمراً تم إبرازه والتأكيد عليه من قبل الوزير ساركوزي آنذاك. لكنه حرص في نفس الوقت في ذلك الحين على عدم ربط اختياراته باختيارات وأولويات جورج دبليو بوش . بيد أن خطابه أمام الكونغرس الأمريكي في نوفمبر 2007 كان بمثابة لحن غزلي وسمفونية تمجيد ومديح لأمريكا وقيمها أكثر مما هو مدح وتكريم لمنجزات إدارة بوش فكانت الرسالة مقننة بفعل قوة تردد وارتياب الرأي العام الفرنسي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها . وقد ضوعفت ودعمت سياسة التقارب مع الحلف الأطلسي بدفاع متحمس من أجل أطروحة الدفاع العسكري الأوروبي.
ومن ملامح سياسة ساركوزي الخارجية الأخرى اتباعه طريقة " القبضة القوية" أو أسلوب اللكمة ذات المردود الإعلامي القوي في التعامل مع ملفات معقدة جداً وكانت النتائج مخيبة للآمال. كما كان الحال عند التعامل مع قضية الرهينة الكولمبية ـ الفرنسية إنغريد بيتانكور وفي ما يخص الأزمة السورية ـ اللبنانية والوقوع في فخ الصعوبات والمشاكل العويصة بخصوص العملية العسكرية الأوروبية أوفور Eufor في تشاد ونفس التسرع اللامجدي بشأن التدخل في موضوع دارفو في السودان. بينما نجح قصر الإليزيه في تحقيق نجاح ملموس في قضية الممرضات البلغاريات المعتقلات في ليبيا بتهم نقل عدوى وجرثومة السيدا / الآيدز إلى الأطفال الليبيين لكن الحقيقة التي يجب عدم إغفالها هو أن الإليزيه ماكان له أن ينجح بدون الجهود القطرية الفعالة والخفية التي حصد الفرنسيون نتائجها الإعلامية لوحدهم دون أن يأتي أحد على ذكر قطر في هذا الملف. فالعلاقة الفرنسية القطرية ليست مسألة عارضة أو جانبية بل أن لقطر دور كبير وجوهري في إعادة توجيه سياسة فرنسا العربية وهي اليوم أكثر اهتماماً وانتباهاً والتفاتاً لمنطقة الخليج التي تتمركز وتتكثف فيها المصادر المالية الضخمة وفرص الصفقات والعقود المربحة والمغرية وكذلك بما تتمتع به هذه المنطقة من أهمية استراتيجية ورهانات دولية كبيرة. الفصل الجديد الذي فتح في سجل العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ينطلق من نظرة أكثر واقعية لقدرات فرنسا الحقيقية . فصورة فرنسا اضطربت واختلطت ملامحها في أفريقيا والعالم العربي لكن الإيليزيه يعتقد أنه مازال يمتلك مجالاً للمناورة والتحرك فواشنطن شجعت سراً دولاً في أوربا الوسطى من أجل دعم وتأييد فكرة أوروبا الدفاعية أو ذات الدفاع الأوروبي الموحد والمشروع الفرنسي المسمى الأوفور Eufor .
الترحيب الأمريكي للمشروع الفرنسي الخاص بالاتحاد المتوسطي لم يساعد في إزالة الفيتو الألماني الذي رفعته أمام هذه المبادرة ذات الصبغة الفرنسية والنفعية المقتصرة على فرنسا كما صاغها ساركوزي أكثر مما هي ذات مردودات أوروبية. وفيما يتعلق بحقوق الإنسان، فإن العام المنصرم والعام الحالي أظهر على أن الإيليزيه ينوي التحرك في فضاءات محددة فليس وارداً التضحية بعلاقات باتت شبه راسخة مع موسكو وبكين وبعض القادة والزعماء العرب والأفريقيين من أجل مبدأ احترام حقوق الإنسان. وحيال الدول الصاعدة لاسيما في أوروبا الشرقية والوسطى تنوي فرنسا التأكيد على خصوصيتها وفي هذا الإطار سوف تنزلق بقايا السياسة الديغولية. إن هذا النجاح النسبي على صعيد السياسة الخارجية لم ينجح في إخفاء أو تخفيف وقع الفشل في إطلاق العملية الاقتصادية وتحقيق النمو المرتجى والمتوقع والمنتظر وبالتالي إعاقة عملية التحديث والتطوير والخروج من الأزمة الاقتصادية ذات الأبعاد الدولية والأوروبية والمحلية. مما دفع الحكومة الفرنسية إلى تبني مقاربة جديدة أكثر براغماتية في التعامل مع النقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة بمسائل حقوق المواطن والحقوق الدستورية والصحة والبيئة والهجرة والقضاء والعدالة والأمن المدني والتربية والتعليم والتقاعد الخ ...



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو كنت وزيراً للكهرباء
- اليد الخفية
- الكون الغامض: ماقبل ومابعد نقطة الصفر
- باريس-بغداد قصة حب مشبوهة
- العراق: هل سيتحرر بلد السواد يوماً؟
- العراق: متى ستنتهي دوامة العنف؟ نظرة من الداخل 3
- العراق بلد تتقاذفه الأهواء: نظرة من الداخل 2
- العراق : نظرة من الداخل 1
- هل هناك فراغ في الكون؟
- العراق الدروس والعبر
- العراق: النزيف الدائم ؟
- لماذا كل هذا الحقد على العراق؟
- العراق وتحديات الواقع: لعنة النفط وآفتا الفساد والإرهاب
- الخوف من الإسلام أم الخوف على الإسلام؟
- العراق : المأزق الدائم؟
- الإسلاموية والحضارة الغربية صدام أم وئام ،مقدمة لبحث سيوسيول ...
- العراق وإيران وأمريكا : معادلات الصراع القادم أو الشوط الأخي ...
- العراق بانتظار التطورات الغامضة
- خصخصة الجيوش
- العراق : الأرض الخراب


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - حصيلة عام من رئاسة ساركوزي لفرنسا من 6 آيار 2007 إلى 6 آيار 2008