أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل/ أنين الناي















المزيد.....

صباحكم أجمل/ أنين الناي


زياد جيوسي
كاتب واعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 2304 - 2008 / 6 / 6 - 09:08
المحور: الادب والفن
    


الأربعاء,حزيران 04, 2008

رام الله تشرق شمسها باكرا حين أكون قد صحوت قبلها، أنتظر معانقتها حينما تطل بخدر ناعم ونور يتسلل إلى سماء المدينة، أنظر من نافذتي متكاسلا وأنا أحتسي فنجان قهوتي، أتأكد من وجود بعض كسرات الخبز المبللة بالماء، طعاما للحمام الذي اعتاد أن يأتي إلى النافذة فيلقي عليّ تحية الصباح متناغمة مع هديله الجميل، ترافقني أشواق لحروف خمسة لا تفارقني أبدا، أحرص عليها وأضم ذكراها بين الضلوع، أرتدي ملابس خفيفة وأخرج لمعانقة المدينة، فليس أجمل من المعانقة مع الفجر الندي، قبل أن تنهض عيون المدينة من نومها فتمتلئ بالفوضى، فاشعر أني بتجوالي أراقصها، أضمها إلى صدري، أنظر في عينيها الجميلتين، أغوص بهما، فتأتي نسمة ناعمة تلقي بشعرها الناعم ليداعب وجهي، فابتسم لها وأنا الذي بحثت عنها زمنا حتى وجدتها، كانت فيه الحلم الذي أحلم، متمنيا يوم اللقاء، حتى كان بعد سنوات طويلة من الغياب، فتجددت قصة العشق الطفولي من جديد، وعهد على حب ووفاء ومواصلة بلا غياب.
فآه من عشقك يارام الله كم رافقني في سنوات الغياب، كيف كان كل يوم يتغلغل في روحي أكثر، فلم يفارقني أبدا، حتى التقيتك وسمعت همسك وشعرت بحنانك، ورأيت في عينيك أشواقك التي لم تفارقك، وشعرت كم بحثتي عني كما بحثت عنك، فعهدي لك الوفاء أبدا.
في الغد تداهمنا ذكرى هزيمة حزيران، تلك الحرب التي أضاعت البلاد وأوقعت ما تبقى منها تحت احتلال متميز في بشاعته، فتأتي ذكرى انتزاعي من أحضان رام الله، وهذه الذكرى ومأساة النـزوح كتبت عنها في العام الماضي صباحي المعنون "صباحكم أجمل/ ذاكرة حزيران"، وفيه رويت حكاية النـزوح والانتزاع من أحضان الحبيبة، حتى اللقاء مرة أخرى بالأهل والعشيرة في عمّان الهوى، ولا أجد من جديد يروى، فالاحتلال ما زال جاثم على الصدور، وحجم مأساتنا يكبر يوما اثر يوم، فتَمزقنا تحت الاحتلال إلى غزة والضفة، بعد أن سال شلال دم، والداخل لم يعد يذكر إلا في ذكرى النكبة، والقدس بتنا نتعامل معها على طريقة "للبيت رب يحميه"، وتغول الاحتلال علينا، وتغول اللصوص من كل حدب وصوب، فأصبحنا أضيع من الأيتام على مآدب اللئام.
أنظر لدوار الساعة فأذكر وعد طال انتظاره من رئيسة البلدية بإعادة الساعة المفقودة لمكانها، وأصل دوار المنارة فأرى اللوحات الإعلانية التي تغلق الفضاء، فأتذكر وعد محافظ المحافظة في العام الماضي، بأن عقد اللوحات ينتهي في بداية العام الحالي، وأنه جرى الاتفاق على إزالتها وعدم التجديد لها، كي يتحسن فضاء الرؤية في قلب المدينة، فأبتسم وأهز رأسي وأقول لها: يظهر أن عليّ أن أتعايش مع الواقع وأتوقف عن "الدق والنق"، فيمكنني أن أعتمد أن لدي ساعة على يدي، ويمكنني أن أنسى اسم دوار الساعة حتى لا أتذكر ساعتة المفقودة، وأقول: دوار المغتربين أو دوار نعوم كما أطلق اللقب عليه، وحين أمر من المنارة أنظر للجهة الأخرى التي بدون هذه اللوحات البشعة، أمر منها وأكتفي بالقول: وهل من الضروري أن نفتح الفضاء على مصراعيه من كل النواحي، تكفينا المنافذ الأخرى..
أضحك من نفسي وأنا أتذكر أن قائدا هماما من طراز رفيع، يبني بيتا ويعتدي على حرمة الشارع، ولا أحد من الجهات التنفيذية المخولة يقف في وجهه، وبدلا من منعه يتم التوجه لتقليص عرض الشارع، من أجل تمرير هذه المخالفة والسرقة البشعة، وأمثاله الكثير، بينما لو وقع مواطن غير "رفيع" بمخالفة أقل من ذلك، لرأينا الجميع يتحرك إكراما لتنفيذ القانون، فهل يضير الوطن مخالفة صغيرة لمسئول كبير؟، فلنعتبرها إكرامية صغيرة مكافئة له على عمره الذي قضاه في ساحات الوغى والنضال، حتى لم يبقى في جسده بقعة لم تصب بضربات الرفاهية وطعنات الدولار، فأين سيد البشر عليه السلام حين قال: "والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"، وأين خالد سيف الله المسلول حين بكى وهو على فراش الموت وهو يقول: "لم يتبقى في جسدي بقعة لم تصب بضربة سيف أو طعنة رمح وأموت على فراشي كما يموت البعير"، وأتذكر ما اصطلح بتسميتها ملفات الفساد، والتي أعلن عنها أكثر من مرة، وأتذكر فضائح زكمت من نتانتها الأنوف، فلم نرى ولم نسمع عن محاسبة ولا محاكمات، وما زال أبطالها يرتعون بالمال المسروق من دمنا، ويوغلون أنيابهم في دمائنا، ويتنقلون من موقع متقدم إلى آخر، فلم نسمع عن تبرئة لهم من القضاء، كما لم نسمع عن محاسبتهم أيضا.. فأتذكر الموسيقار الدكتور وليم نصار العربي اللبناني الذي رفض جائزة ضخمة، حتى لا يصافح ممثلة الكيان الصهيوني ويقول: "لست بحاجة لتلك الجائزة، ولتقطع ذراعي ألف مرة قبل أن أصافح ممثلة دولة محتلة لبلادنا.. أنا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".
أهرب من أفكاري التي تتعبني وأعود لوجه آخر جميل لرام الله وأمسياتها، فأستذكر أمسية في دار الشروق وحفل توقيع كتاب "سفر على سفر" للكاتب الجميل سلمان الناطور القادم إلينا يحمل عبق الذاكرة وحيفا، واحتضانه المفعم بالحنان لي حين عَرفته باسمي، فحدثني عن صباحات الوطن ومتابعته لها باستمرار، وأمسية جميلة للطبيب الشاعر والصديق عامر بدران على أنغام عود باسل زايد، في المركز الثقافي الفرنسي الألماني، وذهابي إلى جامعة بير زيت لأول مرة منذ فك أسري، لأحضر مناقشة مشروع التخرج لابن أخي جهاد، هذا الشاب الجميل مصطفى الذي تربطني به كما أشقائه علاقة خاصة ومتميزة، تتجاوز علاقة العم بأبناء أخوته، فنظهر كأصدقاء يتقاربون في العمر، وليس بفوارق تزيد عن الثلاثين عاما، فاشعر بالفخر يجتاحني وأنا أتابع مناقشته، والتقط له بعض الصور، ثم أغادر الجامعة مستذكرا أيام دراستي وشبابي.
تعود الذكرى لعمان وسنوات الجنون التي استمرت عدة أعوام، ومأساة أيلول والتي تلاها فورا وفاة القائد جمال عبد الناصر، بكاء أبي ونحيبه لأول مرة و لعلها تكون آخر مرة في حياته، فهذا الرجل الصلب الذي كنت أخاله خالي من العواطف، بكى بنحيب مسموع ومرتفع على القائد، وخرجت الناس وقد نسيت مصابها بمصاب اعتبروه أكبر، وتأخرت الدراسة في تلك الفترة وضاع علينا ما يقارب الشهرين بسبب الأحداث، وانتقلت للمرحلة الثانوية في الدراسة، منتقلا من مدرسة صلاح الدين في الأشرفية التي أكملت الإعدادية فيها، مودعا أستاذا ترك أثرا كبيرا في توجهاتي الأدبية والفكرية، أستاذي محمد الحسنات الذي لا أعلم أين أصبح الآن، وآخر مرة زرته فيها كنت طالبا بالجامعة، إلى ثانوية حسن البرقاوي، الواقعة تحت مسجد أبو درويش الكبير في الأشرفية، فالتقيت بأساتذة رائعين هناك، منهم أستاذ الفلسفة محمد عيد وأستاذ العربية إسماعيل عقل، وكل منهم ترك بصمة على روحي.
صباحك أجمل يا رام الله يا حبيبتي، صباحك أجمل بعد تجوالي في المساء في شارع السهل ورام الله التحتا والصعود لتناول فنجان قهوة معك في حلويات أوربا، حتى العاشرة مساء، وتجوالي وإياك في هذا الصباح، صباحك أجمل مع فنجان قهوتي وحروفي الخمسة و شدو فيروز:
"أعطني الناي وغني فالغنى سر الوجود، وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود، هل اتخذت الغاب مثلي منـزلا دون القصور، فتتبعت السواقي وتسلقت الصخور، هل تحممت بعطري وتنشفت بنور، وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير"
صباحكم أجمل.
زياد جيوسي
رام الله المحتلة - الأربعاء 4 حزيران 2008
http://ziadjayyosi1955.maktoobblog.com/
مدونة أطياف متمردة



#زياد_جيوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطياف متمردة 1 - هذيان بنكهة الياسمين
- صباحكم أجمل/ سفر بليلة ريح
- ابن خلدون ينهض من سباته
- رؤى
- صباحكم أجمل / مدينة القمر
- سراب: محطات في الذاكرة
- صباحكم أجمل أعود..
- صباحكم أجمل تداعيات الهوى
- صباحكم أجمل زهرة الجنوب
- صباحكم أجمل/ حديث الربى
- اختطاف زهرة
- صباحكم أجمل قهوة في روابي عمان
- صباحكم أجمل- يوم تبكي سمانا
- صباحكم أجمل شجر لا يرحل
- صباحكم أجمل الكرامة غضب والمحبة غضب
- صباحكم أجمل ذاكرة الهوى والانتظار
- صباحكم أجمل أرض العالي تعلا
- مع ناصر الريماوي وقصته: صباح ممطر.. يوم قاحل
- صباحكم أجمل غِمار الزهر
- صباحكم أجمل رام الله بتحلى أكثر بشجرها الأخضر


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زياد جيوسي - صباحكم أجمل/ أنين الناي