أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - باهوز مراد - استغاثة ، من تحت الانقاض !















المزيد.....

استغاثة ، من تحت الانقاض !


باهوز مراد

الحوار المتمدن-العدد: 2296 - 2008 / 5 / 29 - 02:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إلى المثقفين في سوريا

" اخجل وأنا افكِّر : الناس يبكون و يموتون و يتزوجون .. وأنا أكتب قصصهم ! "
ـ ليف تولستوي ـ

اقترب من سنواتي الخمسين ، ولمّا اعرف كيف اعرِّف المثقف ، كيف أتناول هذا الزئبقي ُّ بين حيطان عقود الاعوام التي امضيتها ، فتارةً أجده يُمنةً وتارةً يسرةً ، تارةً كالنجم يسطُعُ وتارةً يخبو، كحبِّ طفلٍ للعبةٍ أعيته ،حيناً ألمحه صاعداً جبلاً و حيناً يهرول باتجاه الصحراء .. يشدُّني بحديثه أحياناً ، وأحياناً أشفقُ على نفسي من الاستماعِ !

.. منكوبون ، مطعونون حتى الصميم ، تتقاذفنا المنافي وتحصد ارواحنا المسافات ، مزدحمون بالقهر ، ولاجئون على امتداد ارصفة وطننا الصغير، لم تعد تسعنا هذه المساحات ، فخيامنا المتلاصقة تقطع عنا الهواء .
أنا آخر من أغلق باب داره الريفي ، نجري بلا اشكالٍ ،نسابق الفئران لنحصل على غنيمتها، النهار يكشف عن بطون اولادنا الخاوية، اقلعوا عيوننا ،لا نريد ان نرى بها.
انزعوا عنا ألواننا ، فلم يعد يليق بنا غير السواد.
لن أقول بأننا نبيع كتبنا و نبحث عن الرغيف بين الحانات. ولا بأن بزوغ الفجر يحطم فؤادي ، فبين شعاعه المنساب إلى ملجأنا،عنوةً تنكشف اضلاع اولادي، المتيبسة من الجوع .
لن اقول بأني، علمتهم أكثر من حب الوطن ،أكثر من أن تكونوا قدوةً و إماماً لاولادي. علمتهم الكثير ،وها أنتم تبخسون حق انفسكم من دون أن اعي ، ماذا سأعلمهم من جديد !!
أبداً ، ما قلت لهم، بأنكم سافرتم إلى البعيد البعيد، تاركين خلفكم الكثير الكثير .. لكنهم علِموا فيما بعد، بأننا وإياكم متنا.
لن أقول لاطفالي بأن ( توفيق الحكيم )،اعاد إلى فرنسا الوسام التي كانت قد منحته إياه، عندما قامت مصر بارسال مساعدات إلى دولةٍ أفريقية، كانت المجاعة قد فتكت بها ،فقامت فرنسا بعرقلة تقديم هذه المساعدات للحيلولة دون وصولها لذلك الشعب المنكوب ،وبعث الحكيم إلى السفير الفرنسي كتاباً جاء فيه :"ما معنى الأدب إذاً في رأي فرنسا إذا لم يكن للحرية والانسانية عندها من معنى؟ ما أظن أديباً حُرّاً يقبل من فرنسا تقديراً قبل أن يظن أنها تقدّر حقاً الحرية والانسانية !".
وبأن الايرلندي (جورج برناردشو) ، وزّع قيمة جائزته البالغة 7 آلاف جنيه استرليني ،على الادباء السويديين المعوّزين .
وأن ( جان بول سارتر) ، رفض جائزة نوبل وقيمتها 19 ألف جنيه استرليني ، بسبب الاحداث في فنزويلا ، وفي عيد ميلاده الستين اعلن بأن ارسال قمحٍ إلى شعبٍ جائعٍ ، خيرٌ من كتابة مقال في الأدب.
أبداً ، لن أقول بأن( صنع الله ابراهيم)، رفض تسلّم الجائزة وقيمتها المالية 100 ألف جنيه مصري ، بسبب قمع السلطة للشعب المصري.
وبأن (رابندرانات طاغور) شاعر الهند العظيم، إثر ثورة البنجاب 1919 ، أعاد إلى ملك انكلترا لقب (سير) ،كان قد منحه إياه تقديراً لعبقريته.
لن اقول لاطفالي بأن (شيركو بيكه س) ،رفض الجائزة التي منحه إياها المقبور صدام.
وبأن (هادي العلوي )، تبرّأ من جنسيته العراقية ،بُعيد قصف حلبجة 1988 من قبل نظام المقبور صدام، مخاطباً الاطفال الكورد: " أيها الطفل الكردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة،على فراشه أو في ساحة لعبه ، هذه براءتي من دمك أقدمها لك ، معاهداً إياك ألا اشرب نخب الامجاد الوهمية، لجيوش العصر الحجري، أقدمها لك على استحياء ، ينتابني شعورٌ بالخجل منك ، و يجلجلني شعورٌ بالعار أمام الناس ، أني احمل نفس هوية الطيار الذي استبسل عليك ، وليت الناس اراحوني منها ، حتى يوفروا لي براءة حقيقية من دمك العزيز . أنا المفجوع بك ، الباكي عليك في ظلمات ليلي الطويل . في زمنِ حكم الذئاب البشرية ، لم نعد نملك فيه إلا البكاء . اقبلها مني ، أيها المغدور ،فهي براءتي إليك من هويتي ".

.. لم نطلب منكم أن تحققوا لنا المستحيل ، ولن نطلب منكم أن تأتوا لنا بالمعجزات ، لكننا فقط سوف نسألكم :
هل تعتقدون بأنكم صنعتم كل ما تستطيعون فعله !؟
هل اقتحمتم ممالك الخوف التي تسجن ارواحنا واجسادنا!؟
قيل لنا ، المثقفون يمثلون فئات المجتمع كله .. فالمثقف يتحدّث إلى الجميع ويخاطب الجميع ، يقترب من مشاكلهم ، من الحزن الذي في مآقيهم، من قضايا تمسّهم.
ولا يتحدّث بالنيابة عنهم ومن دونهم، أو بلغة الاعلام الرسمي الذي اتخم فكرهم بالمجردات والاستلاب.
قيل لنا .. بأن الشاعر يتحدث إلى روحنا ، يكسر الجليد الذي في قلوبنا .
والروائي والقصصي يقرّب بينا وبين انسانيي أعماله، يحررنا من سجن ذاتنا، ويفتح ابواب خيالناعلى وسعه.
والمفكر يفك القيد عن عقولنا و مشاعرنا ، يضعنا امام اتجاهات السفر، ويحدد لنا الوجهة وإن شئنا ، موعد السفر.
والسياسيّ ،يترجم افكارنا إلى افعالٍِ، ويقطع عنا دروب الخطر.
والصحفيّ ، يرفع ستار الظلام عن اعيننا ، يفتح الابواب الموصدة، أمام الحقائق التي اُريدَت لها ،أن تبقى في نأي ٍ عنا.
.. وكذا الاجتماعي والمدرس والطبيب و.... .
بتصدع القلب وجفاف الروح ، باغترابي و بانكماش مخيلتي لحدود الرغيف . وبكل السلاسل التي تقيّد عقلي ،واختزال العالم في دربٍ وحيد .. كيف ساردّ على اسئلة ابنائي:
لماذا سجنونا في افكارهم ورحلوا عنا بدون توديعٍ ،أين هم يا أبي .. لماذا كنتَ تخفف عنا باشعارهم ،وتحكي لنا عن ابطال رواياتهم .. لماذا دفعتنا لنُبحر في هذا المحيط الواسع ،في هذا المركب الصغيرالذي يتحارب فيه الجميع ، ليضع أحدهم قبعّة الربّان على رأسه ؟!
كنتَ تقول لنا بأنهم عاهدونا ، بعذوبة كلماتهم ، بألحانهم ، بصدى ألوانهم ، بدَوَاتهم .. بأننا كلما سكبنا دمعةً فستحترق أصابعهم وتشتعل اوراقهم .
ألم تقل لنا يا أبي بأنهم سيعطوننا دفء مآقيهم ، وسيبيتون في العراء،كلما هبّ ريحٌ أو تخشّبت مسالك الكلمات.
.. على مضض ، ارخيتُ شجوني
واستدرتُ لجهة الخروج .. قبل أن يلمحوا في عينيّ ، مالن تعلموه !
فلم يعد يجمعنا شيء ..لأنني بعد أن قرأتكم ، في غفلة ٍ مني ، اصبحت ُ مثلكم !!
وصية ٌ لاولادي
" الهوية هي: ما نُورِثُ لا ما نَرِثُ . ما نخترِعُ لا ما نتـذكر. الهوية هي فَسادُ المرآة التي يجب أن نكسرها كُلَّما أعجبتنا الصورة ! "
ـ محمود درويش ـ
رغم زحمة القضايا التي تنهش اجسادنا ، رغم التيه وانبجاس القراءة و ازدحام الشعارات فينا . .. رغم كل ما يقال عنا ، إلا أننا لانستطيع أن نحيا دون مثقفين .
..من هو المثقف الحق ؟!
ذاك الذي تأوي افكاره معنا ، إلى الفراش ، حين يهدهدنا التعب ، ليمسدَ شعرنا برفق ٍ ويزيل عن اجسادنا غبار النهار.. ليحكي لنا قصص الغيوم حين تتجمع لتهطل الامطار ، وكيف الاميرة كفكفت دمعها حين رحل السجّان .
ذاك الذي تحترق أنامله، كلما نظر ولم يرى الحمام ، أو ناح طفل ٌ ، أو انطفأت في مآقينا ألوان الليلك والبيلسان .
هو ذاك الذي، أعيته الحيَلُ ، ليظفر بنهوض القرّاء .
و لم يزل بعدُ ، الابن الاكبر لهذا الشعب ، لذا فهو يعاني الحرمان .
.. اعلموا أنهم ،يخطفون البسمة من ثغور اولادهم ، ليضعوها في عيون باقي الاطفال.
.. شيخو السمع في الليل جيداً ، حينما يفترشون كُتُبَهُم ، لتنام اجسادهم ، بينما تطوف ارواحهم بين الدرابين ،و تتبعثر كلما اقترب الزلزال .
..اعلموا أن المتاهات تتقاذفهم ،وتنسحب من تحت اقدامهم الطرقات ، وفي غفلة الوجع ، تذبل ُ بين أكفِّهم ، ثمرات جهدهم ، لتعصف بها رياح الجهل وقوانين السجّان .
يجب أن تعرفوا بأنهم يبزغون مع الفجر، قبل أن ينهض الطُلُّ على اوراق الريحان !
.. ومع كل ذلك ، لم نتلو عليهم بعد ، آيات الشكر والعرفان ..!



#باهوز_مراد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لابراهيم اليوسف .. أطعن صمتي !!


المزيد.....




- طيور وأزهار وأغصان.. إليكم أجمل الأزياء في حفل -ميت غالا 202 ...
- حماس تصدر بيانًا بعد عملية الجيش الإسرائيلي في رفح وسيطرته ع ...
- التعليم حق ممنوع.. تحقيق استقصائي لـCNN عن أطفال ضحايا العبو ...
- القاضي شميدت يتحدث عن خطر جر بولندا إلى الصراع في أوكرانيا
- فيتنام تحتفل بمرور 70 عاماً على نهاية الاستعمار الفرنسي
- نشطاء مؤيدون للفلسطينيين يحتلون باحة في جامعة برلين الحرة
- الأردن: إسرائيل احتلت معبر رفح بدلا من إعطاء فرصة للمفاوضات ...
- باتروشيف: ماكرون رئيس فاشل
- روسيا.. الكشف عن موعد بدء الاختبارات على سفينة صاروخية كاسحة ...
- الإعلام العبري يتساءل: لماذا تسلح مصر نفسها عسكريا بهذا الكم ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - باهوز مراد - استغاثة ، من تحت الانقاض !