أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى حسين - عشـوائـية















المزيد.....

عشـوائـية


هدى حسين

الحوار المتمدن-العدد: 694 - 2003 / 12 / 26 - 06:15
المحور: الادب والفن
    


   أتعرف يا أخي،
الحياة بسيطة جداً
بساطة أغنام ترعى في صحراء
لا طعام لها
ولا عصا لك


كأنك تحلم
كأن النهار يأتيك نائماً
للمنبه القديم
قدرته ذاتها على العمل
بصوت أعلى
وحشرجات أشد
لكثرة التدخين إلى جواره..

 

 


عندما تنزل إلى السوق
احمل معك أكياساً كثيرة
لمبتا الشرفة والمدخل لا أهمية لهما
فلتترك البيت مرتاحا
بين قوسي الظلمة..


ماذا سنرى؟
صحراء الشرفة
وجحيم سلم الجيران
التلفاز نافذتك الوحيدة.
تخيل أنك في مكان
يكون فيه التلفاز نافذتك الوحيدة!
والأغاني الأجنبية
غياب آخر
محبب.

 


الحياة منقسمة على اثنين.
هنا يُفتَح الباب فجأة،
ليدخل من يسألك
عن فردة جورب ناقصة.
عليك أن تعتاد المسألة
مطمئنا على سلامة الفردة المفقودة
في جيبك أنت.

 

 

وتتركه
يقتل نفسه بحثاً
في الأماكن الأخرى..
هكذا تجرب ممارسة الصحراء بنفسك
هكذا تكون صحراويا
من الدرجة الثانية

 

 

الآن وقد صارت يدك ترتعش لأي شيئ
وظهرك يتخشب لهبوط مفاجئ في السقف
ستهب نيران من أنبوب الغاز
وتلتمع عيون القطط  فزعاً لعفاريت
بظلال ثقيلة
تبتسم.


في رأسي
حمم زرقاء وحمراء
انفجارات صغيرة منظمة
نجوم لم تعد تحتمل كثافتها
وكقماشة
تشحنها أعقاب السجائر
بالثقوب السوداء
يهرب مني تدريجياً
الشعور بالزمن

 


كالبدو الرحل
أحمل الأشياء الهامة في جرابي
ولا أتوقف أبدا
إلاّ لرفع الرأس؛
الأشياء الهامة في الصحراء
جرابك
والنجوم

 

 

فليقصفها أحد.
لأنها لم تعد غير زينة على كتفي.
ستظل رأسي معلقة
بين مشنقة مرخاة
ومقعد يحتمل التكهرب
لو تنافس عليه اثنان


تحبني نكاية في البيت
ثم تقوم
في نوبة هيستيريا مفاجئة
لتغطي الجدران بصور كل النساء العرايا،
تصعقك أسلاك الكهرباء
النافرة من المصيص الهش،
فأصرخ نشوة
صرخة شرعية
لا تثير غضب الجيران.

 

     
بأظافر حادة مخلبية
أخمش البلاط
فتتسلل رطوبة للعظم
أعض على تميمتي:
الجدران صفعة على الوجه
واستجابة عنيفة للدم
في الفراغ المتسخ الضائق بي.

 

 


أرقص
فتهوي زجاجات متكسرة على رأسي
أنقل قدمي الحافيتين بغير حرص
فتنهار معها
كل البيوت العشوائية المجاورة.

 

قصصتُ القلب المعلق
على باب المدخل
قلب سلحفات
ماتت من كثرة اللعب بالشمس
هذه أختي
وهذا قلب من القماش
بديلاً عن قلبها
الذي امتلكته الأشعة

 

 


القطط التي ربيناها
وحشوناها بأحلامنا المراوغة
عن أطفال لن ننجبها
لأننا لن نستطيع تحمل
تكاليف المدارس والأطباء 

 


القط الأسود المستكين
سندعوه فلفل
والقط البرتقالي الأكول
كانت عينه اليسرى مصابة
فسقطت فوقه عصاة المقشة على غفلة
كاد ينبح القط كاد ينبح
من هول المفاجئة

 

والبرتقالي الآخر
الفضولي
صعقته الكهرباء خلف ثلاجتنا
عند قيامه بأول جولة استكشافية
داخل البيت
فصار عصبياً محاذراً
كلبؤة موصولة أطراف صغارها
بالموت


والآنسة المبجلة
قطتنا المؤنثة الوحيدة
"المشروع" كما أطلقتَ عليها
بلغة تاجر أفلست بضاعته
رمادية كعادتها
مازالت تسعى مثابرة للتسرب من البيت
سينتهي بك الحال لقتلها
عمداً
مع سبق التحرش.


والقط الصغير الأبيض
الذي اختلسته من بين قطط الجيران
آخر حبة في عنقود محبتنا
سندعوه بطاطا
بطاطا يلعب
بطاطا يشرب اللبن   
بطاطا
صار يأكل
مع إخوته القطط الكبار

 

 

تكبر القطط
ويروقنا عبثها بالمكان
كأننا تواطأنها معها على عشوائيته
القطط تقلب الحلل
تسكب الماء المخزون للطوارئ
وتسحب الستائر وتطرحها أرضاً


القطط
تُسقط الجير الباهت
بطبقاته المتقشرة
فتزداد الجدران انهياراً
وتنهار معها
طبقات من التواريخ التي
نستنكرها سراً
كلٌ
على حدة

 

 

لكننا
لا نريد أن نصدِّق.
فنحبس القطط
ليشتد تحفزها للقفز على حواف النوافذ
كي تبدو المسألة أنها انتحرت
بمحض إرادتها.

 

 

نربط رقابها
ندوِّخها
ثم نفتح الباب لها فتخرج
بعيون خضراء مستوحشة
وبراز أخضر
وديدان تأكل الأمعاء.

 

 


سنعتاد لفها
في أي كيس بلاستيكي مبتل
بصابون المواعين
المنقوعة انتظاراً
لوصول المياة إلى الدور العلوي.

 

في الموت الأول
سنبكي كثيراً
بعدها ينتابنا القلق:
أأنت قتلت القطط؟
نتدرب على كشف أعراض الموت
ثم نتبادل النظرات :
أتفكر فيما أفكر فيه ؟
ثم نعتاد تعثرنا في الجثث.

 


للميت الأول
دفنة منحفرة في التراب
وللثاني
كيس بلاستيكي ودمعتان
وللثالث تطويحة للسطح
سيجارتين على روحه
وابتسامة متبلدة.


ولنا بعد كل هذا
لامبالاتنا بأنفسنا
لا ضحكة ولاشجار
طاعة كاملة مستكينة
لقضاء حاجات البيت
ورمال محفوظة
 استباحتها القطط الضالة
شيئاً فشيئاً
لم نعد نقاومها.

 


أحيانا نلهو
نقيس الفرق بين التلقائية
والعشوائية باللعب
إذ نحاول
أن نتخيل في قشور الجير صوراً
كالتي تخيلناها صغاراً
في مرور السحب

 

 


هذا طفل نائم على جنبه
وهذا ثور
بحلقة معدنية في أذنه اليسرى
وهذه مهرة بيضاء تحاول الفرار
من ثغرات الجير.

 

 

لكنك  تمسك بالقلم
تحدد رسم خيالك   
تخمشة
تغير مساره
تبحث له عن ملمسٍ
يمكن الضغط عليه.


     
شمعة أمامي
سكين وسيجارتين
أحبس نفسي
كي لا يكون خيار سوى الموت
أو التوحش
الجنون مرحلة
بعدها
يعتاد المرء.

 

عشرون حبة مهدئة لم تكفي لانتحاري
ولا لامتصاص صدمة الأشياء
إذ تسقط فوقي
كأنني ذبابة
سقطت في شرك الشواء
لتخرج
خضراء كالعفاريت
كالسلحفاة والقطط

 

 

 

 

 


صدر للكاتبة:
- ديوان "ليكن"، المجلس الأعلى للثقافة، سلسلة الكتاب الأول، 1996.
-ديوان "فيما مضى"، مطبوعات الجراد، 1998.
-رواية "درس الأميبا"، الهيئة العامة للكتاب، سلسلة مختارات فصول، 1998.

تحت الطبع
-ديوان "قطعة حلوى"، دار شرقيات.
-ديوان "داليا"، مطبوعات الجراد.

صدر لها كمترجمة:
-"الكتابة"، مجموعة قصصية لمارجريت دوراس، عن دار شرقيات، بالتعاون مع البعثة الفرنسية للترجمة، 1996.
-"امرأة وعشق بسيط"، روايتان لآني إرنو، عن دار شرقيات، بالتعاون مع البعثة الفرنسية للترجمة، 1998.

تحت الطبع
-"وضع حد"، رواية لفرانك بيجو، المجلس الأعلى للثقافة، المشروع القومي للترجمة.

******************

عشوائية - هدى حسين
   الطبعة الأولى - القاهرة - 1999
   حقوق النشر محفوظة للمؤلف
   كتاب الجراد
   يشرف على تحريره : أحمد طه
   المراسلات : 22 شارع 213 المعادى



#هدى_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأقول أعرفها
- إنهم يصنعون الخبز
- لأمي
- قِدر الطعام


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هدى حسين - عشـوائـية