أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!















المزيد.....



وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!


جودت شاكر محمود
()


الحوار المتمدن-العدد: 2232 - 2008 / 3 / 26 - 10:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



في الثامن من آذار(March) احتفلت المرأة بعيدها، ورغبة في مشاركتها هذا الاحتفال أود التعبير عن فكرة طالما راودتني منذُ زمن طويل، وبالرغم من محاولاتي عرضها على بعض الأصدقاء أو من لهم علاقة بذات الموضوع، ولكن لم أتلقى الجواب الشافي والواضح عن ذلك التساؤل. فارتأيت أن تكونوا انتم ملاذي الأخير في الحصول على تلك الإجابة سواء اتفقتم معي أم اختلفتم.
عزيزي القارئ ..
من نافلة القول أن الرجل والمرأة هم شركاء في الإنسانية، فالمرأة هي الجزء المكمل لإنسانية الرجل، وفي ذات الوقت الرجل هو الجزء المكمل لإنسانية المرأة. فهما طرفان يكمل أحدهما الآخر ولا يمكن لأحدهما أن يوجد ويتطور بمعزل عن وجود ودور وتطور الجزء لآخر المكمل لوجوده الذاتي والموضوعي.
وعلى مر العصور طرحت الكثير من الافتراضات لتفسير العلاقة بين الرجل والمرأة، وأي منهما كان له الفضل في وجود الآخر. فهناك من قال بان الرجل هو الأول ومن ثم خلقت المرأة من ضلع هذا الرجل، لتكون ونيسا له في هذه الحياة. وآخرون قالوا بان المرأة هي الأصل في وجود هذا الرجل ولولاها لما كان هناك هذا الوجود الإنساني. ويتفق فريق ثالث مع الرأي الأخير إذ ينسبون للمرأة قدرتها على التحكم بالوجود الاجتماعي من خلال احتكارها للسلطة وإرساء دعائم المجتمع الأمومي. وفي الاتجاه المعاكس للرأي السابق قال آخرون بان الرجل هو السيد والمتحكم بهذا الوجود وذلك بسبب تكوينه الفسلجي والقوه البدنية والعضلية التي كان يتمتع بها في جميع حقب الوجود الإنساني، ذلك الوجود الذي كان يتميز بالصراع مع القوى الطبيعية من اجل البقاء واستمرار حياة هؤلاء الأفراد والحفاظ على النوع الإنساني. يقابله ذلك التكوين الضعيف ببنيته، التابع بإرادته بحكم ما فرض عليها من دور في ضرورة الحفاظ على النوع الإنساني من خلال عملية الولادة، وما يرافقها من صعوبات وآلام تقف عائقا أمام مزاولتها لعملها، مما يستدعي مساعدة الآخرين لها، والزوج(الرجل) هو أقرب هؤلاء لكونه يشاركها ضرورة الحفاظ على هذا النوع الإنساني.
ولكن الحقيقة المطلقة تكمن في العلاقة الجدلية بين الاثنين، فلا وجود للرجل بدون المرأة، ولا وجود للمرأة بدون الرجل، فهما جزأن يكمل بعضهما الآخر، فلا تتشكل أبعاد وجود احدهما دون الآخر. فالوجود الإنساني يتجسد من خلال اتحادهما وتوحدهما في هذه الحياة. أما الافتراض بأن هناك مجتمعات ذكورية وأخرى أنثوية يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر، هو نوع من الخرف الهوليودي والذي تجسده استوديوهاتهم عبر ما تقدمه من أعمالا فنية.
وفي سياق التطور الحضاري الإنساني برزت الكثير من القوانين التي وضعها الإنسان، إلى جانب الكثير من الأعراف والتقاليد التي تم التعارف عليها، والتي حاول من خلالها الإنسان تنظيم العلاقة بين هذين المكونين اللذان يشكلان معا معنى الوجود الإنساني. ولكن لم تصل تلك القوانين إلى تجسيد تلك العلاقة الإنسانية الحقيقية التي بينهما. وإنما حاولت تلك القوانين تعزيز وتبرير سيطرة مكون على المكون الآخر. وسخر في ذلك كل الأعراف والقوانين، بحيث أصبح المكون الأنثوي تابع وضعيف ومضطهد من قبل الرجل. وشرعت القوانين ووضعت النظريات لتبرير هذا التسلط والاضطهاد. في المقابل حاولت بعض النساء اتخاذ موقفا معاكسا لذلك الموقف، مما اظهر الأمر وكأن هناك صراعا وجوديا بين الاثنين، كان وما زال وسيبقى طالما بقى الإنسان في هذا الوجود.
ثم جاءت الأديان السماوية بمحاولة لسد النقص الذي لم تستطع القوانين الوضعية تلافيه. وبالرغم من ذلك فان من حاول تفسير تلك النصوص أفقدها قيمتها الحقيقة، وحاول لي أعناق تلك النصوص. مما أوجد اختلافات كبيرة بين تفسير وآخر. وكأن من يقوم بتفسير نص ما، بأنه يفسر نص آخر، ليس هو ذات النص الذي قام بتفسيره غيره سابقا. و يركن المفسر في تفسيره لتلك النصوص إلى إطاره المرجعي( ( Frame of Reference الذي هو :كل الخبرات السابقة، بما في ذلك الاستعدادات الفسلجيه. حيث إن لدى الفرد القدرة على استدخال الخارج واستبطانه في الداخل بحيث يصبح جزء من مكونات الذات، ومن ثم القيام بإسقاط ما تم استبطانه على سلوكه ألاحق عبر المواقف والأحداث والأفكار التي يمارسها أو يبدي رأيه فيها، بعد أن يجري عليها عمليات من التحريف والتغير والدمج والملائمة وبما يتوافق وحاجاته ورغباته ومعتقداته، فالفرد يستحضر في المواقف التي يمر بها جميع خبراته التي كونها سابقا، والتي تتمثل بقيمه ومعتقداته وحاجاته ورغباته وأرائه، والتي هي خلاصة لتجاربه وخبراته السابقة التي مارسها أو اكتسبها من خلال حياته الاجتماعية. علماً بأن لكل فرد طريقته الخاصة في استدخال الخارج، وإظهارها في استجابات سلوكية أو معرفية. وهناك نوعين من الإفراد الأول يحدث تغيراً في المعلومة الجديدة التي يكتسبها لكي تتواءم مع ما يملكه من معرفة سابقة وهم الغالبية، في حين هناك من يحدث بعض التغير في بنيته المعرفية لكي تتواءم مع المعرفة الجديدة. وبناءا على ذلك نجد ان ذلك الكم الهائل من التفسيرات المتباينة إنما تعكس وجهات النظر الخاصة بالمفسرين أنفسهم. وقد كان موضوع علاقة المرأة والرجل من أكثر الموضوعات إثارة للجدل، وكان الساحة التي كثرت فيها الاجتهادات وتباينت التفسيرات.
وفي حقيقة الأمر نجد ان علاقة المرأة والرجل قد تعرضت مثلها مثل باقي مكونات المجتمع الإنساني ونتيجة لمستوى تطور القوى الاقتصادية والمعرفية والسياسية والدينية، لنوع من التحريف والاستغلال، فكانت ظاهرة تعدد الزوجات والتي هي محور بحثنا هذا أحدى تلك العلاقات التي نالها نوعا من التحريف أو الجهل. ولسنا معنيين هنا بالتشعب والاستطراد في هذا الموضوع، أو تناول أمورا ليست هي محور اهتمامنا، ومن اجل البقاء في صلب الموضوع وعدم الإفلات من دائرته، يتأسس بحثنا على التساؤل التالي : ( تعدد الزوجات هل هو حقيقة وردت في الكتب السماوية وخاصة القرآن أم أنها حقيقة ذات طابع اجتماعي تعارف الناس على ممارستها نتيجة لبعض الظروف الاقتصادية والاجتماعية والعقدية؟).
وهنا يطالعنا بعض المفسرين أو الداعين إلى التعددية بالزواج من النساء، بالاستشهاد بالنص القرآني الوارد ضمن (سورة النساء- الآية: 3) والذي نصه: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم). وكأن هذا النص دعوة صريحة للرجال بالزواج بأكثر من واحدة. وحتى عند الرجوع إلى بعض المفسرين حول كلمة (مثنى وثلاث ورباع) يقولون بأن مثنى تعني أثنين أثنين. في حين آخرين يصرحون بأحقية الرجل بالزواج بتسعه أسوة بالرسول(ص). وأغلب الداعين للتعددية يحاولون الفصل بين عبارات هذه الآية فيجعلوا هذا النص نصا منفصل عن بداية الآية أو بقية السورة ذاتها، فيما يكون بداية الآية نصا آخر، أو هذه الآية مفصولة عن غيرها من الآيات التي تتضمنها هذه السورة. علما بأن معظم المفسرين والمتخصصين بالشؤون الدينية يقولون بأن النصوص القرآنية تفسر بعضها بعضا، بما يعطي للمجتهد حرية في التفسير واسعة قد تبعده عن حقيقة النص الأصلية. هذا أذا كانت النصوص ضمن سور وآيات مختلفة. أذن كيف يكون الأمر في سورة أو آية واحدة، فبدلا من توحيدها نقوم بتجزئتها. حيث أن نص الآية هو:
(وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا )( سورة النساء- الآية : 3).
وعند الرجوع إلى أسباب النزول، تشير أكثر الروايات إلى أن المسلمين ونتيجة للمعارك التي خاضوها في السنوات الأولى للدعوة أصبح في المجتمع الإسلامي الكثير من النساء الأرامل اللواتي فقدن أزواجهن نتيجة لتلك الغزوات والمعارك. حتى أنه عندما أنزلت هذه الآية كان لدى بعض الصحابة أكثر من ستة نساء أو عشرة في كثير من الحالات، مما اضطرهم ذلك لتسريح بعضهن وفقا لهذه الآية. إضافة إلى ذلك فأن تعدد الزوجات من وجهة نظر البعض هو امتداد لما كان سائدا في عصر ما قبل الإسلام، حيث كان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة فما دون ذلك.
ولعرض وجهات النظر التي حاولت تفسير تلك الآية، والتي أغلبها تتمحور حول تفسيراً واحداً بالرغم من الاختلاف في الجزئيات البسيطة التي لا تتعارض مع التفسير العام لها. وأول ما نروم عرضه هو الحادثة التي رويت عن السيدة (عائشة) زوج الرسول(ص) والتي نصها:
ثبت في الصحيح " في حديث (عروة بن الزبير) عن (عائشة) رضي الله عنها قالت حين سألها عروة عن معنى هذه الآية قالت : هي اليتيمة تكون في حجر وليها ـ يعني الوصي عليها ـ وتكون ذات مال ، فيرغب في مالها ، ويرغب ألا يذهب مالها للأزواج ، فلا يعطيها سنتها في الصداق يعني المبلغ المتعارف عليه في المهر . لأن للنساء مهوراً معروفة" .
ولتوضيح ذلك المعنى نعود مرة ثانية للسيدة (عائشة) فقد قالت: انه كان الرجل تكون عنده اليتيمة في حجره، فأن كانت جميلة تزوجها من دون أن يقسط في صداقها، وإن كانت دميمة رغب عن نكاحها وعضلها أن تنكح غيره، لئلا يشاركه في مالها. فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا إليهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق. وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن. فكما كان يرغب عن نكاحها إن كانت قليلة المال والجمال، كذلك لا يحل له أن يتزوجها إن كانت ذات مال وجمال إلا بالإقساط إليها، وحفظ حقوقها كاملة دون تفريط.
وتضيف السيدة (عائشة) إلى أن قوله تعالى" وترغبون أن تنكحوهن" هي رغبة أحدهم في رفض الزواج من اليتيمة وذلك حين تكون قليلة المال والجمال، فقد نهوا عن أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء إلا بالقسط (أي مثلها مثل غيرها من النساء بالمهر).
وقد جاء في ذات الموضوع عن (الإمام مالك) أنه " قال : للناس مناكح وأكفاء معروفة. فاليتيمة التي تكون تحت وصاية قَيمُ عليها، وتكون ذات مال، ويطمع القيمُ والوصي في مالها" .
وحديث آخر متوارد عن (ابن عباس) قال: " وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى". قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشرا من النساء الايامى، وكانوا يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية.
وعن (ابن جرير) والذي أورد عددا من الأقوال في تفسير تلك الآية قال: أن القوم كانوا يتحوبون في أموال اليتامى ألا يعدلوا فيها، ولا يتحوبون في النساء ألا يعدلوا فيهن. فقيل لهم: كما خفتم أن لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك خافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى أربع، ولا تزيدوا على ذلك. وأن خفتم ألا تعدلوا أيضاً في الزيادة على الواحدة، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم.
فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى، كذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء. حيث كانوا العرب في جاهليتهم يعظمون شأن اليتيم، وكذلك فعلوا في الإسلام، بعكس التعامل مع النساء.
ويضيف آخر فيقول: فالله سبحانه وتعالى ينهى الأوصياء عن ذلك ، لينزه العلاقة الزوجية عن شوائب الطمع وعلائق المادة المقيتة ، فيوجه أنظار الأوصياء توجيهاً حكيماً ، ولكن في نفس الوقت هو توجيه شديد الدلالة ، فالله جل وعلا يقول: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) ثم يضيف بقوله: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) لاحظوا (ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع). أي اتركوا التزوج باليتيمة التي هي في حجركم وتحت وصايتكم وابتغوا غيرها من حلائل النساء، لأن الطيب هو الحلال. وهؤلاء الأوصياء هم أبناء الأعمام والأخوال حصراً كما جاء ضمن آراء اغلب المفسرين.
أما ما ورد عن (الإمام أبو حنيفة) في تفسير عبارة " في اليتامى " هو جواز نكاح اليتيمة قبل البلوغ، ولكنها بعد البلوغ ليست باليتيمة فهي امرأة يجوز لها تزويج نفسها كما ورد عن الرسول(ص) في قضية(قدامه). في حين أشار الإمامين مالك والشافعي: بأنه لا يجوز نكاح اليتيمة ألا بعد بلوغها وبذلك يصح إذنها في الموافقة على تزويج نفسها، وفي روايات أخرى جاز نكاحها قبل البلوغ.
كذلك ما يروى عن قيام " قدامه بن مظعون في زواج بنت أخيه عثمان بن مظعون، فقد جاء المغيرة إلى أمها فرغبها في المال فرغبت، فقال قدامه: أنا عمها ووصي أبيها، زوجتها ممن أعرف فضله. فترافعوا إلى النبي(ص) فقال: إنها يتيمة لا تنكح إلا بإذنها".
أما عن معنى كلمتي (قسط وعدل)، التي وردتا في تلك الآية. وبالعودة إلى ما جاء عن بعض المتخصصون في المجال اللغوي، فان معنى الكلمتين كما ورد في كتاب( لسان العرب) لأبن منظور هو:
في أسماء الله تعالى الحسنى: المُقسطُ: هو العادِلُ. يقال: أقسط َ يُقسِطُ، فهو مُقسِط إذا عَدل، وقَسَطَ يَقسِطُ، فهو قاسِط إذا جار، وتدل لفظتا قَسَطَ وأَقَسَطَ على معنى كلمة العدل، في حين يدل لفظ قسَطَ على معنى الجور وهي بغير الألف ومصدره القُسُوطُ.
وفي الحديث: أن الله لا ينامُ ولا ينبغي له أن ينام، يَخفِضُ القِسُطَ ويرفَعُه؛ القِسطُ: الميزانُ. سمى به من القِسطِ العَدلِ، أراد أَن الله يَخفِضُ ويَرفَعُ، ميزان أعمالِ العِبادِ المرتفعة إِليه وأرزاقهم النازلةَ من عنده كما يرفع الوزانُ يده ويَخفِضُها عند الوَزن، وهو تمثيل لما يُقدِرُه الله ويُنزِلُه، وقيل: أراد بالقِسط القِسمَ من الرِزُقِ الذي هو نَصِيبُ كل مخلوق، وخَفضُه تقليلُه، ورفعُه تكثيره، والقِسطُ الحِصَةُ والنَصيِبٌ. يقال: أخذ كل واحد من الشركاء قِسطَه أَي حِصَته، وكل مقدار فهو قِسُط في الماء وغيره.
وتقسطُوا الشيءَ بينهم، تقسمُوه على العَدَل والسواء. والقِسط بالكسر: العدل.
ويقال: أَقسَطَ وقَسَطَ إذا عَدلَ، وجاءَ في بعض الحديث:إِذا حكَمُوا عَدلوا وإَذا قسموا أَقسَطُوا أَي عَدَلُوا ههنا.
والقاسطون في حديث علي بن أبي طالب(ع): أمرتُ بقتال الناكثين القاسطين والمارقين: والقاسِطُونَ: أهلُ صِفينَ لأنهم جاروا في الحُكم وبَغوا عليه.
والإقساطُ: العَدل في القسمة والحُكم، يقال أَقسَطتُ بينهم وأقسطت إِليهم. وقسط الشيْء : فَرقَهَ.
وفي التنزيل العزيز: وأَما القاسِطُون فكانوا لجهنم حَطَباً؛ قال الفراء: هم الجائرون الكفار، قال: والمُقسِطون العادلُون المسلمون، قال الله تعالى: إن الله يُحب المقسطين. والإقِساطُ: العَدل في القسمةُ والحكم. ويقال: قَسَطَ على عِيالهِ النفقةُ تقسيطاً إذا قرَها.
إ ِما قوله تعالى: ولن تَستطيعوا أَن تَعِدلوا بين النساء ولو حرصتُم؛ قال عبيد السَلماني والضحاك: في الحُبِ والجِماع.
وعدل الموازين والمكايل: سواها. وعدَل الشيء يَعدِلُه عَدلاً؛ وعادَله: وازنه. وعادَلتُ بين الشيئين،وعَدَلت فلاناً بفلان إِذا سَويت بينهما. وتعديل الشيء تقوُيمه.
وقيل: العَدلُ تَقويمُك الشيء بالشيءِ من غير جنسه حتى تجعله له مثِلاً.
العدل: ما قام في النفوس أنه مُستقيم، وهو ضِد الجُور. وفي أسماء الله الحسنى: العَدُل، وهو الذي لا يَميلُ به الهوى فيجور في الحكم. والعَدلُ: الحكم بالحق، يقال: هو يقضي بالحق ويَعدِلُ.
أما في كتاب(تاج العروس في جواهر القاموس) للزبيدي فقد جاء:
وفي أسمائه تعالى الحسنى: المُقسِطُ: هو العادِلُ. ويقال: الإقسَاطُ: العَدلُ في القِسمةُ فقط، أَقسطتُ بينهم، وأَقسطتُ إِليهم.
ففي الحديث: إذا حَكمُوا عَدَلُوا، وإذا قَسَمُوا أَقسَطُو ان أَي :عَدَلوا.
والقِسطُ: الحِصَةُ والنَصِيبُ، كما في الصحاحِ، يقال: وَفاهُ قِسطه، أَي نصيبه وحصته، وكل مِقدارٍ فهو قِسط في الماء وغيره.
والقسِطُ: الحِصةُ من الشيءِ، يُقال: أَخَذ كُل من الشُركاء قِسطَه أَي حِصَته.
والقِسطُ: القِسمُ من الرِزق الذي هو نَصيب كُلُ مَخلُوقٍ. وبه فُسر الحديثُ " إِن الله لا يَنَامُ ولا ينبغي له أَن ينام، يخفضُ القِسطَ ويَرفعُه " .
وقيل القِسطُ في الحديث: الميزان، أراد أَن الله تعالى يخفضُ ويرفعُ ميزان أعمالِ العِبَادِ المُرتَفعة إليه، وأَرزاقهم النازِلة من عِنده.
أما باقي المصادر بالرغم من توافرها، إلا أن ما جاء بها لم يبتعد عن ما ورد في هذين المصدرين في تفسير هذا المعنى وضمن هذه الجانب في تفسير كلمة القِسطُ والعَدلُ.
وملخص هذه التفسيرات ورغم ما نلاحظه من وجود اختلاف في تلك التفسيرات إلا أنها تجمع على تعدد الزوجات إلى أربع نساء. وسبب ذلك هو: هناك من يرى بأنها صيغة تحذير مضمونها بأنكم أيها المسلمين رغم كونكم تخافون من أن لا تعدلوا بين الأيتام، إلا أنكم لم تخافوا من أن لا تعدلوا بين النساء وذلك مثل خوفكم مع اليتامى. لذا فأن حصر عدد النساء بين اثنين وأربع هو أفضل لكم، وإذا لم تستطيعوا توفير العدل بينهن فأن واحدة تكفي لكم.
أما التفسير الآخر وهو يتوجه إلى الرجال الذين هم أولياء على شؤون اليتامى من الإناث، والذين يرغبون بالزواج منهن طمعا بمالهن أو جمالهن، فيحرمونهن من حق اختيار الزوج، والحق بقيمة المهر الذي يعطى لهن ويتناسب مع أوضاعهن ومع غيرهن من النساء الغير يتامى. فحذر من ذلك العمل، وطلب منهم الزواج بغيرهن من النساء حتى لو وصل العدد إلى أربع، وأشترط العدل في ذلك.
ولكن قبل أن نناقش فحوى تلك الآراء لابد لنا من توضيح بعض ما يتعلق (باليتامى والإرث والمهر)، في ضوء ما كان سائدا في الحياة الاجتماعية خلال عصر ما قبل الإسلام:
1. في البداية لابد لنا أن نعرف معنى كلمة يتيم. إن معنى اليتم: هو فقدان الأب. وقال (ابن السكيت):اليتمً في الناس من قَبِل الأب، وفي البهائم من قبل الأم. ولا يقال لمن فقد الأم من الناس يتمُ ولكن منقطع. وقال الليث: اليتمُ الذي مات أبوه فهو يتيم حتى يبلغ، فإذا بلغ زال عنه اسمُ اليتم.( لسان العرب).
2. كانت عادة وأد البنات منتشرة في الجاهلي. ولم يقف الأمر عند الإناث، وإنما تعرض الذكور أيضا للقتل والآية اصدق تعبيرا عن ذلك ( ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم)(سورة الأنعام-الآية:152)والآية( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً)(سورة الإسراء-الآية:31). وظاهر لفظ الآية، النهي عن جميع أنواع قتل الأولاد ذكوراً كانوا أو إناثاً مخافة الفقر والفاقة (الدكتور علي جواد- ص548).
3. والأصل في المهر عند العرب في الجاهلية هو ما يدفع للمرأة بغرض الزواج، غير أن ولي أمرها هو الذي يأخذه لينفق منه على ما يشتري لتأخذه معها إلى بيت الزوجية، وقد يأخذ ولي أمرها " المهر " لنفسه، ولا يعطي للمرأة منه شيئاً، ولاعتقاده أن ذلك حق يعود إليه ولذلك نهى عنه في الإسلام. وللمرأة الحق استرداد مهرها إذا فسخ الزوج عقد الزواج. أو أذا طلقها، إلا أذا كان ذلك بسبب الزنا فيسقط. وإذا كان المهر مؤجلاً كلاً أو بعضا، فيكون ديناً في عنق الزوج، وإذا توفى وجب دفعه لامرأته من تركته. ويجوز للرجل استرداد مهره من تركة زوجته إن ماتت في حياته، وله حق مطالبة أهلها برد مهرها إليه في حالة عدم وجود تركة لها. وذكر إن أهل الجاهلية كانوا لا يعطون النساء من مهورهن شيئاً(جواد علي- ص646).
4. أما القاعدة العامة في الميراث عند الجاهليين هو أن يكون الإرث خاصاً بالذكور الكبار دون الإناث. والأخبار متضاربة في موضوع إرث المرأة والزوجة في الجاهلية، وأكثرها أنها لا ترث أصلاً(جواد علي - ص652). وأن عادة حرمان النساء الإرث لم تكن سنة عامة عند جميع القبائل، ولكن كانت عند قبائل دون قبائل. إذ كان أهل الجاهلية يورثون الذكور دون الإناث، فكان النساء لا يرثن في الجاهلية من الآباء، وكان الكبير يرث ولا يرث الصغير وأن كان ذكراً(جواد علي - ص653).
5. من الشائع بين العرب قبل الإسلام، هو أن الرجل يتزوج العشرة من النساء فما دون ذلك، أما الاكتفاء بزوجة واحدة هو أمرا نادرا جداً، إضافة لوجود صيغ أخرى من الزواج كان شائعا، إلى جانب انتشار البغاء بينهم.
6. كان شائعا في عصر ما قبل لإسلام العضل، وهو منع المرأة من الزواج، أنهم كانوا في الجاهلية إذا مات زوج أحداهن، كان أبنه أو قريبه أولى بها من غيرهن ومنها بنفسه إن شاء نكحها وإن شاء عضلها، فمنعها من غيره ولم يزوجها حتى تموت(جواد علي - ص650).
ومن خلال العرض السابق يمكن تلخيص دور الأديان بشكل عام والدين الإسلامي بشكل خاص في تنظيم حياة الأفراد، ونشر السعادة بين البشرية جمعاء. انطلاقا من الأسس تقوم عليها تلك الأديان، التي يمكن إيجازها بـ (لا تشرك بربك، لا تؤذي غيرك، لا تؤذي نفسك). القضية الأولى هي بين الفرد وربه، والله له كل الحرية في العفو عن إساءة الفرد أم لا، كما أن للفرد الحرية بالطريقة أو الكيفية التي يتصل بها مع ربه. أما القضية الثانية فهي عن علاقة الفرد بغيره من الناس وهو ما تقوم عليه الحياة الاجتماعية، وهنا لا يمكن أن يعفوا الله عن المسيء بدون العفو والمغفرة من الشخص الذي تمت الإساءة إليه. أما القضية الثالثة فهي تمثل علاقة الفرد بذاته وهو مسئول أمام الله عن ما يسببه لها من أذى. فما يتعرض له النساء أو الآخرين الذين قد يخالفوننا الرأي أو الدين تقع ضمن القضية الثانية من هذا الرأي.
وبالعودة إلى موضوعنا يتبادر إلى أذهننا السؤال التالي: كيف كانوا يتعاملون مع اليتامى والإناث خاصة ؟ وكيف كانوا يعظمون شأنهم قبل الإسلام ؟ وهم كانوا يقتلون أطفالهم من الإناث، وذلك من خلال عملية " وأد البنات "، تلك الظاهر التي كانت شائعة في الجاهلية، والتي حرمها القرآن فيما بعد. هذا مع أطفالهم فكيف مع اليتامى من الإناث ؟ إضافة إلى حرمانهن من الإرث وأحقيتهن بقيمة المهر. إلى جانب قتلهم الأولاد(ذكور وإناث) نتيجة للفقر والإملاق.
كما إن هناك سؤال آخر هو: مع أي يتامى كان تعاملهم هذا ؟ هل كان مع الإناث أو مع الأيتام بصورة عامة إناث وذكور؟
في ضوء كل ما تقدم يمكننا الوصول إلى جملة من الاستنتاجات، والتي من الممكن إيجازها بما يأتي:
1.لو نظرنا إلى الآية السابقة فهي تحث على العناية بالأيتام ونصها: " وآتوا اليتامى أموالهُم ولا تتبدلُوا الخبيثَ بالطيبِ ولا تأكلوا أموالهُم إلى أموالكُم إنهُ كان حوباً كبيراً " (سورة النساء، الآية:2). والأيتام إجمالا هم إناث وذكور وليس إناث فقط، ومن السياق العام فإنها تحث على اليتيم بدون تحديد جنسه، فلو كانت الإناث يتزوجون فما نصيب الذكور وما موقف الإسلام منه.
2.الإسلام لا يعنى فقط بالإناث وإنما وجه الاهتمام بتربية الجنسين الذكور والإناث، واللذان هما عماد الدولة الإسلامية الفتية. ولم يكن الاهتمام بإشباع الغريزة الجنسية للرجال هي الهم الأكبر لهذه الدولة ولهذا الدين الجديد، أنما كان الهدف الأول هو بناء المجتمع ألإسلامي القائم على احترام آدمية الإنسان والاهتمام بتنشئة إنسان قادر على العطاء.
3. الأوصياء على الأيتام ليس بالضرورة هم أبناء العم أو الخال، وحينما يكون هؤلاء هم الأوصياء فما نسبة هذا إلى المجموع العام من الأيتام. وبذلك فأن النسبة الأكبر والغالبية العظمى من هؤلاء الأوصياء هم من الأشخاص الذين يحرم عليهم الزواج من الإناث اليتيمات اللواتي هن تحت وصايتهم. ولا يمكن أن يتصور عاقل بأن التشريع يأتي من أجل فئة لا يمكن أن تعد على أصابع كف اليد الواحدة أذا وجدت في المجتمع، ثم ليشمل ويطبق ذلك التشريع على عموم المسلمين. فهذه المشكلة هي مشكلة فردية ونادرة قد لا تصل في مجتمع المدينة في عصر الرسالة على أعظم تقدير 0.05% من مجموع الأيتام. ومن غير المعقول أن يشرع هكذا أمر بسبب فئة قليلة جداَ ليشمل أناس آخرين قد يسبب لهم الضرر، وهن فئة النساء(القوارير) كما كانوا يصفوهن.
4. قبل هذا التشريع كان لدى الصحابة أكثر من هذا العدد من الزوجات، والذي قد يصل إلى عشرة نساء، كل واحدة منهن لديها عدداً من الأطفال، مما يعني عدد كبير من الأطفال(الأيتام) تحت تربية ووصاية شخص واحد قد يصل متوسط ذلك إلى (20) يتيم ويتيمة. لذا يجب علينا أن نتساءل: هل لدى هذا الفرد الواحد القدرة على تربية وتقويم هذا العدد الكبير من هؤلاء الأطفال ؟ ليس هذا أولى بالاهتمام والرعاية من قبل الدولة والدين الجديدة، بدلا من الاهتمام بالزواج (الجنس)والميراث(الثروة).
5. ما ورد عن أبي حنيفة أو الشافعي، هو تشريع تزويج اليتيمة بصورة عامة. وهل تؤخذ موافقتها أم لا عند الزواج ؟ أم أن لوليها الحق في ذلك فقط.
6. من الحادثة السابقة والتي تم تزويج ( قدامه بن مظعون بنت أخيه عثمان بن مظعون , فجاء المغيرة إلى أمها فرغبها في المال فرغبت , فقال قدامه : أنا عمها ووصي أبيها , زوجتها ممن أعرف فضله. فترافعوا إلى النبي(ص) فقال: إنها يتيمة لا تنكح إلا بإذنها). وهذا دليل على أن الأيتام من الإناث كان يعود أمر تزويجهن إلى أنفسهن إضافة إلى موافقة أعمامهم وأمهاتهم مثل جميع نساء المسلمين، وليس إلى شخص آخر هو ابن العم أو ابن الخال باعتبارهم أوصياء على اليتامى.
7. أن مقارنة الزواج من اليتيمة بأربع أو ثلاث من غير اليتيمات هو تبخيس لحق المرأة وكرامتها كإنسانة. وبنظري لا يمكن أن يكون هذا من الإسلام بشيء.
8.أن النص (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً) كلمة العدل هنا ليست فقط للعدل بين النساء، وإنما العدل في هذه الآية يشمل الكل من النساء واليتامى الذين تحت وصاية ذلك الزوج.أي هو عدل بين الاثنين النساء(الزوجات) واليتامى من أبنائهن والذين هم تحت وصاية الزوج.
9. هناك فرق بين القسط والعدل وعند الرجوع إلى ما تم عرضه سابقاً، والذي جاء في لسان العرب، فان معنى القسط هو:
(وتقسطُوا الشيءَ بينهم، تقسمُوه على العَدَل والسواء.
وجاءَ في بعض الحديث:إِذا حكَمُوا عَدلوا وإَذا قسموا أَقسَطُوا
والإقساطُ: العَدل في القسمة والحُكم، يقال أَقسَطتُ بينهم وأقسطت إِليهم. وقسط الشيْء : فَرقَهَ.
والقِسطُ الحِصَةُ والنَصيِبٌ. يقال: أخذ كل واحد من الشركاء قِسطَه أَي حِصَته
والإقِساطُ: العَدل في القسمةُ والحكم. ويقال: قَسَطَ على عِيالهِ النفقةُ تقسيطاً إذا قرَها.
كذلك جاء في تاج العروس:
(ويقال: الإقسَاطُ: العَدلُ في القِسمةُ فقط، أَقسطتُ بينهم، وأَقسطتُ إِليهم.
والقِسطُ: الحِصَةُ والنَصِيبُ، كما في الصحاحِ، يقال: وَفاهُ قِسطه، أَي نصيبه وحصته، وكل مِقدارٍ فهو قِسط في الماء وغيره.
والقسِطُ: الحِصةُ من الشيءِ، يُقال: أَخَذ كُل من الشُركاء قِسطَه أَي حِصَته.
والقِسطُ: القِسمُ من الرِزق الذي هو نَصيب كُلُ مَخلُوقٍ. وبه فُسر الحديثُ " إِن الله لا يَنَامُ ولا ينبغي له أَن ينام، يخفضُ القِسطَ ويَرفعُه " ).
من كل ذلك يتضح لنا وجود فرق بين القسط والعدل فالقسط هو تفريق الشيء على الآخرين بالعدل، فقد يكون هذا الشيء هو مادي مثل الطعام واللباس، أو معنوي مثل العطف أو الرحمة أو الكلمة الطيبة، وهو ظاهر وواضح للآخرين.
أما في العلاقات مع الزوجات أن كانت عاطفية أو جنسية، لا يمكن أن نقول القسط لان هنا لا يوجد شيء يمكن تفريقه بين الزوجات، أنما هنا العدل وهو ما يرتئيه الزوج فقط وأساس ذلك العلاقة الطيبة بين الزوجات، وهذه العلاقة قد تكون غير واضحة للآخرين، فهو يتعلق بذات الشخص. وبالرغم من هذا فان العدل لا يمكن أن يتحقق بالعلاقات الزوجية بين امرأتين فكيف بأربع لان ذلك يرتبط بالمشاعر والأحاسيس، وهذه من الصعوبة العدل فيها لوجود الكثير من المؤثرات والمتغيرات التي لا يمكن التحكم بها، ليس فقط ما يتعلق بالزوج وإنما بالزوجة ذاتها إضافة إلى تأثير الظروف البيئية الخارجية والتي لا تتعلق بالشخصين(الزوج والزوجة) فقط.
نستنتج من ذلك بأن الفرق بين القسط والعدل هو في ما يلي:
1.القسط مفهوم ذو معنى واسع من كلمة العدل، وهو يشمل العدل، في حين العدل لا يشمل القسط وهو أضيق منه.
2. القسط يتضمن عملية تفريق أو توزيع شيء مادي أو معنوي، في حين لا يوجد شيء نريد تفريقه. في حين العدل هو المساواة في الشيء فقط؟
3.القسط يتعلق بالآخرين، في حين العدل يتعلق بذات الشخص. القسط ذو طبيعة موضوعية أما العدل فهو ذاتي قد لا يدركه الآخرين.
4.القسط ظاهر ومعروف من قبل الآخرين، في حين العدل قد يكون غير ظاهر للآخرين.
وأخيراً فأن هذه الآية لم تتخصص بزواج اليتامى من الإناث، والذي أنعكس بدوره على الزواج من النساء الأخريات بشكل عام، وإنما كان الهدف منها هو القسط والعدل بين الأيتام من الأبناء في المعاملة والتربية. لذا حدد عدد الزوجات اللواتي لديهن أيتام بهذا العدد المحدد بين الواحدة والأربعة من أجل القسط بين أولئك الأيتام، وليس النساء من غير الأرامل كما يدعو له المفسرون. أذن هذه الآية لم تنص على النساء عامة وإنما كانت مخصصة بالفئة التي قصدتها وهن نساء الشهداء والأرامل من الصحابة، كما أنها محددة بظرف زماني هو الفترة الزمنية لبداية الدعوة الإسلامية، إضافة إلى أنها من الممكن اعتبارها تشريع لظروف قد يمر بها المجتمع الإنساني لاحقا. فنتيجة للحروب والظروف السياسية التي يتعرض لها المجتمع، وما يتعرض له الذكور خاصة، وما يقع على عاتقهم من مهام قد تعرضهم للنقص في الأعداد بخلاف النساء. ولكن تم تعميم هذا النص على جميع نساء المسلمين وكأن الإسلام جاء ليشرع وسائل الرجال لإشباع دوافعهم الجنسية. أي أن الآية تفسيرها واضح ولا يوجد فيه أي لبس أو غموض، أذا خفتم أيها المسلمين أو المؤمنين أن لا تقسطوا بتعاملكم مع اليتامى من أبناء الشهداء المجاهدين الذين تزوجتهم أمهاتهم وأصبحوا تحت وصايتكم، فنكحوا أثنين أو ثلاث أو أربع بدلا من عشر، وإذا خفتم أن لا تعدلوا وانتم لا تستطيعوا أن تعدلوا بين اليتامى وبين أبناءكم لذا عليكم بواحدة فقط.
وبالرغم من ذلك قد لا يوافق الكثيرين على ما نقول لذا يتبادر لنا سؤال نرغب بأن يشاركنا هؤلاء الآخرون حول إيجاد إجابة له هو: ما العلاقة بين إبدال زواج الوصي (والذي هو أبن العم أو أبن الخال، والذين يمكن أن تُحل اليتيمة عليهم) من إناث اليتامى بالزواج بعدد آخر من النساء. والذي يفسر من البعض بدعوى تلافي عدم القدرة على القسط بينهن وبين غيرهن من النساء. فإذا تزوج الشخص (2-4) من النساء اللواتي ليس لهن علاقة بالأيتام كيف يتم له ممارسة العدل بين اليتامى. أذن فالآية مخصصة للقسط بين اليتامى. وفي حالة عدم القدرة على العدل بين النساء الأربع وأبنائهن اليتامى، فأن على هذا الوصي الزواج من واحدة فقط كي يحقق العدل بين اليتامى وبين أبناءه الذين لديه أو الذين سوف يأتون لاحقا.
كما أن هذا الفرد الذي تزوج واحدة أو أربعة ولم يتزوج من اليتامى، ما سبب الطلب منه العدل بين نسائه الأربعة وربط هذا الزواج بالقسط والعدل بين اليتامى، أي لِمَ يطلب من الشخص غير المتزوج من اليتامى هذا العدل والقسط بين اليتامى. في حين كان بإمكان الوحي من إيضاح ذلك بنص واضح لا لبس فيه. علما بأننا لم نلاحظ وجود نصا آخرا حول هذا الموضوع.
فالزواج في العصر ما قبل الإسلام كان ذو طبيعة اجتماعية اقتصادية، وفي ضوء ذلك تنوعت وتعددت أساليب وأنواع الزواج المتداول فيه. وكذلك في العصر الإسلامي أستمر العمل ببعض تلك الأنواع، في حين ألغيه بعضه الأخر منها. فالإسلام لم يتعرض للتعدد أو عدمه بشكل عام وذلك لان تعدد الزوجات هو أحدى الإفرازات الاجتماعية السائدة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية ما قبل الإسلام والتي استمرت في العهد الجديد على ما هي عليه. فهو تشريع عرفي اجتماعي ليست له طبيعة إلوهية كما يصفه الآخرون. وإنما تفرضه ظروف يعيشها مجتمع ما، فقد تتعدد الزوجات وقد لا تتعدد. كل ذلك مرتبط بموافقة الزوجة وولي أمرها.
ففي أحدى الروايات أن (علي بن أبي طالب)(ع) رغب بالزواج من بنت أبي جهل على زوجته فاطمة بنت الرسول(ص)، لكن الرسول رفض هذا الزواج وطلب من علي طلاق فاطمة في حالة رغبته بالزواج من امرأة أخرى، لأن أبنته لا يمكن لها أن تجتمع مع زوجة أخرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
• المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام- الدكتور جواد علي - الجزء الثاني.
• لسان العرب - لأبن منظور
• تاج العروس في جواهر القاموس - للزبيدي



#جودت_شاكر_محمود (هاشتاغ)       #          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجهات نظر: نظرية أنسانية ولكن....


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جودت شاكر محمود - وجهات نظر: امرأة واحدة ولكن!!!!!