|
تنمُّر
محمد سحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2175 - 2008 / 1 / 29 - 08:58
المحور:
الادب والفن
جلس على ذات الطاولة ، سلّم ، حيّا ، رحّب ، أبدى أقصى معاني الود ، تبسم ، تلطف ، تودد ، أظهر آخر ما في جعبته من أخلاق حسنة ، تنحنح ، سعل ، عطس ، حاول لفت الانتباه بكل ما في حوزة جسمه من أصوات . أشعل سيجارة رشف من القهوة مد شاربه حاول إقناع الحاضرين بحالة نفسية ما تعتريه في تلك اللحظة ، تحدثوا ، تحدث ، أسهَب ، سكت ، تحدث الجالسون ، قاطع أكثر من مرة ، تشنج ، شج رأس الهدوء ، استأسد بالموقف أمسك عصا الحديث من المنتصف من عند الخصر بالتحديد أسفل الصرة بإصبعين ، حوّل اللحظة إلى قُدّاس ، أخذ يدل الجالسين إلى أسهل الطرق نحو الفرار من الجحيم . التفت ، أطرق ، قعد ، قام ، استدار ، عدل جلسته أكثر من مرتين ، أثقل كاهل منفضة السجائر بأذناب مداخنه ، انفطر قلب الشيطان على الحضور ، تلاشَوا ، انفرطوا كالعقد السائب ، لم يبقى سوى الصغير . نظر نحوه ، أدار وجهة أنفه عن مجلسِه ، نثر نظراته في كل اتجاه ، لم يعد في المكان أي هدف طليق غير الصغير ، أمعن النظر ، أنت أيها الشاب ، تتفوه بما لا تعلم قال للصغير ، تستعجل النتائج ، تحرق المراحل ، أنت غِر ، ليمحقك الله أو ليحرق قلبك بالتجارب ، قل لي : ماذا تعرف ؟ من تعرف ؟ ماذا تقرأ ؟ ماذا تدّعي ؟ ماذا تكذب ؟ ثم عاد وأمسك عصا الحديث من المنتصف من عند الخصر بالتحديد أسفل الصرة بإصبعين وأخذ يكيل النصائح ويقذف الأفكار ملوثة بدماء الصواب. أنصت الصبي إلى القول ، هز رأسه ، حاول رد الهجوم بابتسامة لكنه فشل ، فشل أيضاً في إيجاد سبيل نحو مفتاح تشغيل هذا الطراز من ( الراديوات ). يا حاج أنا ، قاطعه ، أنت ماذا؟ ، أنتم جيل فاشل ، أعرف لكم طريق واحدة تنتهي إلى الجحيم ، لن أحزن على أحدكم ، لن أحسد جهنم على العصف بجلودكم ، ثم قل لي ، كم تبلغ من العمر.. ها... كَرَرَها (ها قل لي ) . وقف الصغير ، حنى رأسه ، قال : أستأذن ثم استدار ، سمع أكثر مما قد يزعج نعامة ، سمعه يتهاوى خلف ظهره ، أحس بضربات تلفح ظهره من ذات العصا الممسوكة من المنتصف عند الخصر بالتحديد أسفل الصرة بإصبعين ، أحس بها تلفح ظهره مرتدة عنه أكثر من مرة ، لم يرع الضربات أي اهتمام ، سار بعيداً عما جرى. ليحل الليل أو ليغرب عن وجه الأرض ، ليسفر الصبح أو يرحل بعيداً عن ظلامنا ، ماذا سنستفيد من كل تلك العصافير المغردة؟ حتى الفراشات ، أي جمال لمخلوق أمضى نصف حياته دودة ؟ لتذهب الطبيعة أيضاً حيثما تريد ، ولتترك لنا لا شيئنا.... هكذا أحس بلا مبالاته بكل العالم ، سار بعيداً عن قدّاس ذاك المذياع ، لحق به الشيطان ، حاول أن يواسيه ، قال: يا بني ، لا تحزن ، إنه مجرد بائس ، ألم ترى أنه استهلك من الدخان أكثر مما تأكل بقرة مرضعة من البرسيم ؟ أنسيت صوت رشفه للقهوة وبقية الأصوات ؟ وعندما مد شاربه ؟ أنت لا تدري ، أنا من أحضره من الجحيم ، دعك منه ، لا تعره بالاً ، إنه مجوف ، كطبل الزنوج ، كسيقان القصب اليابسة ، ألا ترى أن الشيطان نفسه يسخر منه ؟ يكفيك أن تدعه يحترق بسلام. يومٌ آخر ، ساعة ظهيرة أخرى ، ذات المكان ، الجدران ، المقاعد ، الوجوه الحاضرة ، وحتى الموسيقى ، الصغير مذعن في طرف الجلسة ، يستمع ، لا يشارك ، حتى أنه لا يملك أي عصا ليمسكها من المنتصف ، فجأة ظهر من بعيد تقدم نحو المجموعة جلس على ذات الطاولة ، سلّم ، حيّا ، رحّب ، أبدى أقصى معاني الود ، تبسم تلطف ، تودد ، أظهر آخر ما في جعبته من أخلاق حسنة ، تنحنح ، سعل ، عطس ، حاول لفت الانتباه بكل ما في حوزة جسمه من أصوات ، أشعل سيجارة ، رشف من القهوة ، مد شاربه ، حاول إقناع الحاضرين بحالة نفسية ما تعتريه تلك اللحظة ، تحدثوا ، تحدث ، قاطعهم ، فجأة وقف الشيطان من على الطاولة ، انحنى نحو الصغير ، قال : لنمضي ، هذا أقصى ما نستطيع.
#محمد_سحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجرذان
-
خمسة قروش ...العدل أساس الملك ..!!
المزيد.....
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
-
فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|