أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دحام هزاع التكريتي - القناة الفضائية العراقية وهموم العراقيين















المزيد.....


القناة الفضائية العراقية وهموم العراقيين


دحام هزاع التكريتي

الحوار المتمدن-العدد: 2113 - 2007 / 11 / 28 - 10:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد إنهيار النظام السابق، كان أبرز ما حصلنا عليه نحن العراقيين هو تمكننا من مشاهدة "عفريت" جديد يسمى الفضائيات التلفزيونية، هذا "الجنّي" الذي أثار فضولنا وإهتمامنا بعد كل ذلك الحجر والتجهيل والحظر على العقل في ظل النظام السابق. ورغم ما يصيب الكهرباء بين حين وآخر من أضرار، وإنقطاعه عنّا بسبب جهود "ضباط دولة العراق الإسلامية ومجاهديها" بعد أن ولوا الأدبار من بغداد إلى محافظة صلاح الدين، إلاّ أن الفرصة تبقى سانحة بفعل المولدات والبطاريات التي يتفنن العراقيون في الإستفادة منها كي يتمكنوا من متابعة هذه "العفاريت الفضائية". ولا أنكر إنها نعمة حباها الله لنا رغم سموم تنفث من قبل بعضها، كي يطلع العراقيون على "المستخبي" من الأخبار والأحداث.
وتتفاوت عشرات الفضائيات العراقية في برامجها وتوجهاتها، وهي التي ضربت رقماً قياسياً في عددها وإتجاهاتها السياسية مقارنة بالدول العربية الأخرى بعد أن "زارنا المحتل الأمريكي". ولكن الغالبية منها تشترك في صفة واحدة هي أنها غير معروفة بمن يمولها ومصدر نعمتها، بإستثناء عدد محدود، خلافاً لما للتقليد الجاري في غالبية بقاع العالم. فبإسثناء القناة الفضائية العراقية التي تموّل من قبل الدولة، تتراوح القنوات الأخرى بين ممولين مجهولين مثل الشرقية والبغدادية والرافدين وو...، التي نتحمل سمومها وتحريضها، وبين قنوات فضائية تعود لأحزاب سياسية مثل المجلس الأعلى الإسلامي والحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وهي قنوات الفرات وكوردستان وكوردسات وأعداد إضافية منها، والتي تمول من "خيرات" هذه الأحزاب، وهي ظاهرة غريبة وتثير التساؤل عن قدرة هذه الأحزاب على تحمل الكلفة العالية للبث على الأقمار الصناعية، ناهيك عن كلفة الأجهزة والرواتب وشراء البرامج المختلفة التي قد تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات. كما يضاف إلى كل ذلك القنوات الأجنبية التي تبث برامج خاصة للعراق مثل الحرة، التي تمول من الدولة الأمريكية، والعربية(السعودية)، والجزيرة (تمويل مختلط من قبل الدولة القطرية ومن الأثرياء العابثين في هذه الأمة)، والشرق الأوسط (السعودية) وغيرها من المحطات التي تخصص جزءاً غير قليل من برامجها للشأن العراقي.
وما يهمنا في هذا المجال هي القناة الفضائية العراقية التي يموّلها العراقيون من ثرواتهم وأموالهم، والتي إتسعت في نشاطها لتصبح واحدة من أوسع المؤسسات الإعلامية في المنطقة إلى جانب المؤسسات الإيرانية والسعودية والمصرية. علماً إن أحداً من العراقيين لا يعرف حجم المبالغ المخصصة من قبل الميزانية العراقية لهذه الفضائية، وما هي الآلية المعتمدة في إنتخاب كوادرها؟ وهل تختار الأفضل من حيث فصاحته اللغوية وقدرته على الأداء والإبداع أم لا ؟ أم تلعب الطائفة أو الحزب في تعيينات موظفيها؟ ولا عجب في ذلك فهي بعيدة كل البعد عن رقابة مجلس النواب والشعب عموماً. قيل أنها ليست حكومية، فهي على غرار هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية التي تراقب من مجلس العموم على نشاطها كما أعتقد، وقيل أنها مؤسسة مستقلة محايدة وتنطق بلسان كل العراقيين دون تمييز.
هناك كلمة حق ينبغي أن تقال إن هذه القناة تخطو خطوات نحو التحسن وتستجيب لحاجيات البلد الروحية خاصة في متابعتها لشرور الإرهاب الذي يعصف بالعراق، وقيامها بدور هام في بث الطمأنينة في قلوب العراقيين. ولكن نقولها وبصراحة أيضاً وبلغة المتابع والطامح أن تكون قناة العراقيين قناة تلعب دورها في رسم ملامح العراق الديمقراطي المتآخي الجديد. وهناك عدد من الملاحظات الجدية التي أدرجها ليس حسب أهميتها. وليتسع صدر السيد حبيب الصدر ومستشاريه لهذه الملاحظات وأن يفهموا أن هذه القناة تعود لكل العراقيين وينبغي أن تدار بعقلية ديمقراطية.
إن ما يلفت المشاهد على القناة العراقية إنها تنفرد بحالة لا تعتمدها أية قناة تلفزيونية في العالم. فهي الوحيدة في العالم التي تنشر شريطاً دعائياً لسيجاير فرنسية هي "كلواز". فإنه لشئ مدهش وغريب أن يجري الدعاية في التلفزيون العراقي للسيجاير في وقت بادرت كل دول العالم تقريباً إلى تحريم الدعاية للتدخين حفاظاً على صحة مواطنيها، بحيث وصل الأمر في بعض الدول إلى تحريم التدخين في الأماكن العامة. إن القناة العراقية تروّج لبضاعة تشكل أحد المصادر الرئيسية لأمراض إستشرت بكثرة في العراق وهي مختلف أنواع أمراض السرطان وغيرها من الأمراض، نتيجة لشيوع غير عادي في إستعمال التبوغ بشتى أنواعها وحتى الفاسد منها. ومن المعلوم أن هذه البضاعة القاتلة لا تقتصر على إلحاق الموت بالعراقيين فحسب، بل هي تكلف خزينة الدولة مبالغ طائلة بسبب إضطرار المؤسسات الصحية إلى صرف موارد مالية إضافية لعلاج الآثار الصحية المدمرة للتدخين على مرضى هذه المادة القاتلة. إن قناة العراقية، في ترويجها للتدخين، تساهم عملياً في إلحاق خسائر مالية بالدولة العراقية، وهو ما لا يجب أن تقوم به مؤسسة يموّلها الشعب العراقي.
كما يلفت الإنتباه إلى ما تخصصه القناة العراقية في برنامجها اليومي الصباحي "صباح الخير ياعراق" من فقرة حول "الأبراج والتنجيم"!! وهو برنامج لا ينطوي إلا على الهبوط بوعي وثقافة العراقيين بدلاً من السعي إلى الإرتفاع بوعيهم بعد عقود من الفكر القومي والطائفي المتطرف والتخلف وحجب الوعي والثقافة والمعرفة عن المجتمع العراقي. إن هذا البرنامج يصب في نفس الوجهة السابقة الرامية إلى تسطيح العقل وزجّه في دهليز خرافات وأوهام وسراب كاذب بدلاً من السعي لوضع برامج تحكي عن إنجازات العلوم والمعرفة العالمية في ميادين مثل تكنولوجيا المعلومات، أو آخر ما توصلت إليه العلوم المتنوعة الأخرى والذي يحتاج إليها الفرد العراقي بعد هذه السنوات من التضليل. أين هذا البرنامج مما جاء في الذكر حيث قيل " كذب المنجمون وإن صدقوا"؟. في البلدان المتحضرة تخصص برامج كثيرة لرفع مستوى معارف الطفل وتنمية مواهبه ووضعه على سكة الإبداع، وتنتج برامج خاصة لرفع المعرفة لدى طلبة المدارس على إختلاف مستوياتهم علاوة على البرامج المخصصة للمستويات التعليمية الأخرى. ولكن القناة العراقية وللأسف تريد أن يبقى الجيل الصاعد، وبأموال الشعب، محروماً من آخر ما أنتجته المعرفة، وتكتفي ببث برامج حول الأبراج أو ما يكرس الخرافة والجهل!!.
إن بلدنا متنوع بثقافته وتقاليده، وهو ما يجب أن يدفع القناة العراقية إلى أن تراعي وتعكس هذا التنوع، وتبث ما هو إيجابي وإنساني في ثقافات المذاهب والتنوع العرقي، بما يعزز أواصر التعارف والود بين العراقيين. ولكن على الرغم من التوسع في قنوات العراقية الفرعية، وهو أمر إيجابي، ولكننا لم نجد قناة أو حتى برامج مخصصة للتراث القومي الكردي ولا التركماني ولا الكلداني والآثوري ولا الأرمني، ولا التراث الصابئي والأيزيدي أوغيره من تراث العراقيين. إننا كعراقيين نادراً ما نعرف تفاصيل هذا التنوع لأسباب تتعلق بطبيعة الأنظمة السابقة وبطشها وتطرفها. ولكن بعد زوال هذا الكابوس ينبغي أن يعرف العراقيون بعضهم, وهذا جزء من مهمات القناة العراقية التي يمولها الشعب العراقي. ولا ننتظر من قنوات أخرى لها أهدافها وأغراضها المريبة أن تقوم بهذا الدور. إن سلوك طريق التعرف على بعضنا البعض هو الذي يحمي الوحدة الوطنية، ويكاد أن يتجاوز هذا الأسلوب في تأثيره تشكيل وزارات للوحدة الوطنية أو عقد إجتماعات لهذا الهدف أوتكريس خطابات لها.
إن العراق كنز من كنوز الثقافة العربية والإسلامية والعالمية. وهذا الكنز لا يتعلق بماضيه فحسب، بل بحاضره أيضاً. فالعراق بلد الشعر بدون منازع بين أشقائه العرب والمسلمين. ففي العراق المعاصر أبدع وبتفوق الجواهري الكبير ومتنبي عصره والكاظمي والزهاوي والرصافي والحبوبي وبيره مرد وعبدالله كوران والعشرات غيرهم. إن الشعراء العراقيين هم أول من سلك درب الحداثة في الشعر وشرعوا بتدوين الشعر الحر قبل أشقائهم العرب على يد نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري ومن لحقهم من أمثال سعدي يوسف وشيركو بيكس وسركون بولص وفاضل العزاوي ومهدي محمد علي وعبد الكريم كاصد والقائمة تطول. كما إن العراق تميز أيضاً بشعبية الشعر الريفي الذي غزا الريف والمدينة وكان في لب الكثير من الأغاني العراقية الجميلة. ولكن قناتنا العراقية تلح في أبراز لون واحد من الشعر ألا وهو الشعر الريفي إضافة إلى الغناء الريفي، الذي لا يشك أحد في عذوبته، وكأنه الأبداع الوحيد لدى العراقيين، والذي يطغي على البرامج الثقافية للقناة العراقية. ولا تغطي قناة العراقية بما يجب تلك الكنوز الشعرية الأصيلة والأغاني البغدادية والبصرية والموصلية والكردية والآثورية الجميلة وبشكل لا يفهم القصد منه. ولربما كان ذلك تكرار لما أفرزته المحاصصة السيئة الصيت عندما عينت ضابط شرطة وملا إرهابي متهم بقتل أنجال السيد مثال الآلوسي وزيرين للثقافة!! وهو العجب كل العجب.
كما تتجاهل قناتنا العراقية أوجه الأبداعات الفنية الأخرى. فهي بالكاد تشير إلى أساتذة الفن التشكيلي في العراق والذين يتربعون على مواقع متقدمة عالمياً في هذا الميدان الإبداعي. فلا نشاهد برامج ثقافية أو أفلام تسجيلية عن عمالقة هذا الفن كجواد سليم وفائق حسن وجورج عبو ومحمود صبري وشاكر حسن السعيد ونوري الراوي وقتيبة الشيخ نوري واسماعيل فتاح الترك وخالد الرحال وحكمت غني وخالد القصاب وضياء العزاوي ونزيهة سليم ولورنا سليم وأرداشيس كاكافيان وليلى العطار، ويضاف إليهم معاصرون من أمثال الكاريكاتيرست مؤيد نعمة والتشكيلي صلاح جياد وعفيفة لعيبي وجبر علوان وفيصل لعيبي وبقية القوائم الزاخرة من هؤلاء المبدعين. كما لا يأتي على بال مديرو البرامج الثقافية في قناتنا العراقية روائيين عراقيين بارزين من أمثال حسين السيد وذو النون أيوب وعبد الملك نوري وشهاب الكصب وغائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي ومنير عبد الأمير الذين يعدون من أعمدة القصة العراقية الحديثة. أما رموز المسرح العراقي فهم غائبون كلياً عن هذه الشاشة، فلا ترى أي أثر لحقي الشبلي وجاسم العبودي ويوسف العاني وجعفر السعدي وعبد الواحد طه وسامي عبد الحميد وقاسم محمد وفخرية عبد الكريم(زينب) وناهدة الرماح وجواد الأسدي وعوني كرومي، والنفس قد ينقطع عن ذكر كل المبدعين الآخرين الذي أنشأوا أركان مسرح عراقي رفيع كان له الرصيد الكبير على مستوى المسارح الرصينة. ولا نرى على الشاشة العراقية ذلك الإنتاج الرفيع لفيلم "سعيد أفندي" الذي يعد أبرز إنتاج سينمائي عراقي ناجح. وضاعت الفرقة السمفونية العراقية والموسيقى الكلاسيكية والأوبرات والباليه العامي من على شاشتنا العراقية، وفرض على العراقيين حصر رؤيتهم في البكائيات التي لا نهاية لها من الأقنية العراقية، وهو مايزيد إلى ما يعانوه من كوارث يومية على يد العصابات المختلفة. ولا يتسع المجال لذكر نخبة خيرة من المفكرين والفلاسفة والمؤرخين من أمثال علي حسين الوردي وغيره ممن ليس لهم موقع في القناة أيضاً رغم إغنائهم لتراثنا الثقافي والروحي في سنوات الخير وقبل تسلط الديكتاتورية والتطرف على بلادنا.
ولا تأخذ المرأة كامل حقها على قناتنا العراقية رغم أن المرأة تشكل أكثر من نصف المجتمع العراقي. إن المرأة العراقية تعاني اليوم من ممارسات لم تتعرض لها في كل تاريخها الملئ بالأنتهاكات. فهي تغتصب وتقتل بدون سبب ويحرم عليها تحت طائلة التهديد، العمل والدراسة وبتعاويذ دينية ومن ممارسة حريتها الشخصية رغم ما تعانيه من مهمات وأعباء في بيتها من تربية أطفالها وإرضاء زوجها وتدبير شؤون منزلها أو العمل خارج البيت. كل ذلك يجري لتهميش هذه الشخصية التي تشكل أكثر من نصف المجتمع، ودون أن تقوم أجهزة الإعلام بالدفاع عنها وإنصافها. وما على العراقية ألا أن تبادر وبقوة إلى إنصاف أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا، وبدون ذلك لا يمكن للقناة العراقية أن تصبح ملاذاً لكل العراقيين والعراقيات وناطقة بإسمهم دون أن تكرس برامج متنوعة كي تتخلص من وباء التمييز ضد المرأة العراقية. إن آخر ما أعلن عن الإنتهاكات ضد المرأة العراقية هو تصريح مدير شرطة كربلاء، العميد رائد شاكر جودت، الذي أعلن عن:" صدور مذكرات اعتقال رسمية بحق اربعة أعضاء في مجلس المحافظة، بينهم نائب المحافظ لتورطهم في اعمال اختطاف وقتل واغتصاب وانتهاك حقوق الانسان". واضاف جودت :" لقد تمكنا من اعتقال احدهم وهو رئيس مجلس قضاء الهندية (طويريج) حسن الاعرجي الذي تبلغ جرائمه المذكورة في ملف التحقيق أكثر من 13 صفحة..". ولذا فمن واجب قناة العراقية كجهاز إعلامي للشعب العراقي أن يبادر إلى القيام بحملة وطنية للدفاع عن المرأة ونبذ قهرها وإلحاق الأذى بها، وهو إسلوب تقوم به أجهزة الإعلام المسؤولة، عندما تحاصر أي بلد ممارسات شاذة كإنتهاكات ضد المرأة أو الأطفال، أو القيام بحملات ضد مظاهر حمل السلاح وثقافة العنف وغيرها من المظاهر السلبية في حياة البشر.
هناك برنامج جذاب تكاد تنفرد به القناة العراقية وهو "ليالي بغداد"، علاوة على برامج أخرى مثمرة كالبرنامج الجديد "العودة"، حيث تصور الكاميرا الحياة اليومية للعراقيين وتحسن الحالة الأمنية تدريجياً، بما يشيع الإطمئنان في صفوف العراقيين. إن من يتابع هذا البرنامج يلاحظ ذلك التغيير الكبير في عقلية وخصال الفرد العراقي، فهو لم يعد يألّه رأس النظام ويستجديه ولا يفدي دمه من أجله ومن اجل أي فرد آخر والمرادفة لظاهرة رفع الصور بشكل معيب، بل يشير إلى المؤسسات .. إلى الحكومة وإلى مجلس النواب وإلى الدوائر المختصة يشكرها حيث تستحق ذلك ويطالبها بالإصلاحات أو يتظاهر ضدها حيثما يتوجب ذلك. وهي ظاهرة تثير التفاؤل بمستقيل البلاد. ولكن وللأسف لا تتناغم القناة العراقية مع هذا النهج كلياً، بل يحدث أحياناً العكس في تأليه الأفراد والتركيز على أناس دون الآخرين. فالمسؤولون عن الأخبار يستخدمون كلمات لوصف رجال دين من لون معين دون اللون الآخر، وهي أوصاف لا تقال حتى بحق الخالق والأنبياء والأولياء مثل "قُدّس سرّه" و "مُدّ ظله" و "سماحته". إنها تعابير لم يعرفها الشارع العراقي سابقاً والتي ترفع رجال دين إلى مصاف الآلهة. ولربما جاءتنا ضمن البضائع التي يصدرها أقطاب التطرف المذهبي في إيران. إن رجال الدين المحترمون هم شريحة مثل سائر شرائح المجتمع وهم بشر ولهم وظيفة روحية فلماذا ترفع أسماءهم إلى درجة التأليه؟ هذه النزعة إستخدمت في العهد السابق وباءت بالفشل واساءت إلى من أطلقها. وإضافة إلى ذلك فإن أطلاقها على طرف دون الآخر يثير الحساسيات والعداوات التي لا يتحمل أوزارها الشارع العراقي، ويصبح هذا التقليد أحد مصادر التوتر في المجتمع. كما ينبغي أن تكون القناة حذرة في تناول الدين والمذهب ورموزه وتركز على ما هو مشترك وما يوحد المجتمع ويشده. لقد فعلت القناة حسناً قبل أيام بنقل صلاة الجمعة من مسجد الإمام أبو حنيفة النعمان، ونقل وقائع إختيار الكاردينال دلي في الفاتيكان، ثم القيام بإجراء المقابلة المثيرة مع الدكتور أحمد عبد الغفور السامرائي الذي أماط اللثام عن الغرائب المخجلة الكثيرة لأعداء العراق. ولكن نرى أحياناً أن القناة العراقية تركز على رموز مذهبية دون الأخرى. لا أحد من العراقيين يجادل في موقع الإمام علي وبلاغته وزهده في تاريخنا، ولا في القدرات الفلسفية والروحية للإمام جعفر الصادق. ولكن من الضروري أيضاً الإشارة إلى واحد من تلامذة الإمام الصادق وهو أبو حنيفة النعمان وأخرون تتلمذوا على يد الإمام جعفر الصادق، وإجتهدوا وأحتلوا موقعاً في قلوب العراقيين أيضاً، بما يشيع طابع الحكمة والتسامح الديني والمذهبي وبعيداً عن التعصب الطائفي المضر، والبحث عن الصالح مهما تعددت مصادره.
كما لا أرى من الصحيح أن تلجأ دائرة الأخبار إلى التركيز بالدرجة الأولى على أطراف سياسية دون الأخرى. فغالباً ما يطل على الشاشة أثناء متابعة الأخبار أما عباس البياتي أو بهاء الأعرجي أو علي الدباغ أوهمام حمودي، دون الإستعانة إلاّ نادراً بأعضاء آخرين في المؤسسات المنتخبة. وهو ما يثير الإلتباس حول مهمة القناة العراقية التي ينبغي أن تغطي آراء جميع العراقيين ممن لا يحمل السلاح ضد العملية السياسية الجارية في العراق. كما يجب أن تلجأ القناة في أخبارها إلى الحيادية في نقل الخبر والبحث عن حقيقة الخبر عند بثه. ففي أحداث جرت وتجري في البصرة وكربلاء والديوانية وغيرها من المحافظات، إلى جانب التدخل الإيراني في الشأن العراقي والذي أصبح حديث الجميع، تلتزم القناة الصمت وتتحدث عن حقائق أخرى مثل تدخل الدول الأخرى دون المس بالتدخل الخطير لحكام إيران في شؤوننا الداخلية من تمويل الفرق المسلحة وإلى إرسال الأسلحة المميتة. إن إتباع هذا الأسلوب لا يضفي رضى العراقيين على قناتنا العراقية، ولا يضفي عليها صفة الحكمة والحيادية عندما تنقل نصف الحقيقة.
يفترض في أي قناة عراقية أن تجول كاميراتها لتنقل هموم وأفراح العراقي أينما كان من دهوك إلى الناصرية والبصرة، ومن عانة إلى بدرة وجصان، ومن بعقوبة إلى كربلاء والرمادي والنجف، وبذلك تكون قناة العراقية قد أسهمت بجدارة في تعزيز الرابطة العراقية بين العراقيين، وتعمق روح المواطنة العراقية في نفوسهم وتنقل هموم أية مدينة كي يشاركهم أخوتهم في المناطق الأخرى، وهو أسلوب يعطي نتائج أكثر إيجابية من تشكيل وزارة الوحدة الوطنية أو عقد إجتماعات للعشائر والسياسيين من كل المناطق. ولذا عل قناة العراقية أن تتفادى التركيز على مدن معينة دون الأخرى كي تحقق هذا الهدف وهو جمع العراقيين.
ولكي يتحقق هذا الهدف الجليل تحتاج قناة العراقية إلى تشكيل مجلس إستشاري يضم علماء عراقيين رفيعي الثقافة والخبرة من شتى الإجتهادات والمهن سواء في علم اللغات والإعلام أو علم الإجتماع أو الأدب والفن والعلوم الخاصة بالمرأة وعلم النفس والعلوم التطبيقية وغيرها من العلوم الحديثة، وما أكثرهم في بلادنا، كي ترتفع قناة العراقية إلى مستوى ما يجابه العراق من تحديات خطيرة ومسؤليات ضخمة حيث توجه ضد البلاد ماكنة ضخمة من التكفير وإشاعة العنف والعداء والكراهية في بلادنا إلى جانب ما يعانيه المجتمع العراقي من خلل جراء ممارسات النظام السابق وسطوته وحروبه. نعم يجب أن تمارس قناة العراقية دورها كجهاز إعلامي فعال وبألوان العراق الزاهية، يلعب دوره في الإرتفاع بالقدرات الخلاقة للعراقيين ويفتح قريحتهم، وليس جهاز دعاية ضيق لا يقدم ولا يؤخر.



#دحام_هزاع_التكريتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على حسقيل قوچمان!! الإعتذار للشعب العراقي والكف عن الإساءة ل ...
- هل يحرق أياد علاوي مراكبه؟
- الى السيدة سعاد خيري : لطفاً حذاري من لوي عنق الحقيقة
- عندما يتحول الاجتهاد الى تخريف، يتحول هتلر وموسليني وصدام ال ...


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - دحام هزاع التكريتي - القناة الفضائية العراقية وهموم العراقيين