|
عن المنافي و الأيام
ناجي الناجي
الحوار المتمدن-العدد: 2082 - 2007 / 10 / 28 - 09:23
المحور:
الادب والفن
لا تكمن مأساتنا في هجرتنا الأولى فحسب، بل في جروح نجلاء خلّفها الشتات و نثرت الأيام و البحار ملحها عليها، تحديّنا المنافي و سقينا بذرة تسكن أفئدتنا البريئة و صرخنا: " ستنبت شقائق نعمان "، تبسّم المنفى بعينيه المنهكتين: " إياك و فعل الأيام يا صغيري" جفت مياهنا ، فولجنا نصل السيف في الوريد و قلنا : " سنسقيها دمنا " ، و شرعنا نراقب مخاضها ، ارتدينا الكوفيات الرقطاء و تشابكت أيدي اللاجئين في حلقات الدبكة على أنغام الأرغول الحنون ، رسمنا أيقونة و اتخذناها ملجأ مرحليا ، نسجت أوتار أعوادنا أهازيجاً تشد من أزر نمو الزهرة ، أنشدت أسناء شموعنا ترانيماً تنادي صهيل المهرة ، ردمنا أثلاما غرزتها سنابك أوتاد الخيمة و قلنا : " لا قيافة لثلم " . استوطنا مخيما تلو مخيم ، شقننا خيشه و زيَناه بالزنك ، أرّقنا صفق قطيرات المطر على سطح التنك ، فصيّرناه حجرا و قلنا : " لا تخشى تجميل المخيم ، فحاشا أن يغدو وطن". شفق يتلو الغسق ، و نحن نخلق الحلم و نعبد ه ، شفق يتلو الغسق ، و كبرياء الجرح يشدّنا أكثر ، شفق يتلو الغسق ، و الأمل – كزعتر بلادنا – طيب العبق ، فمن أحلَ الخوف محل الحلم ؟ و أحاد لب الزهرة عن وجهة الشمس ؟ أتُراه ذاك الأنين الخافت و الدمع الطاهر الذي ندّى وسادة طفولتك خوفاً على أبيك الذي حمل بندقيته و استودعك ليلا إلى غياهب الأحراش كي يفرش لك طريقا إلى الحلم ؟ أم تراه وقع صدى سخرية الصبي الأوروبي- عندما تخطيت حدود آلامك و لهوت - : " لا بيت لك ؟! أأتيت بلادنا متسولا؟؟ !! لا تخشى شيئا فقطتي أيضا لم تجد مسكنا في البداية " ، أم تراه لهيب سيجارة رئيس التحرير و هي تلتهم قصيدتك و وجدانك و هو يزعق: " كفاك أحلاما ، نود مواداً تزيد توزيع الجريدة لا تنكسها " ، أتراه الفرق المزمن بين لوحتي " المواطنين " و " الأجانب " في شبابيك المعاملات الحكومية ، أم تراه ارق أمك السرمدي يحثا عن محطة جديدة تصلح منفى لا وطنا ، أتراه وجه ضابط التحقيق "الشقيق" و هو يسبك بأمك الصابرة الطاهرة ، فتستحث ما في جوفك و تبصق في وجهه ، فيسنّ كف يده و بصفعك ، فتستمر في البصق و يستمر في الصفع حتى يجف جوفك و ترتخي يداه ، أم تراها لحظات انتظار المستقبل المميتة في مطارات و معابر حفظت معالمها حيث عاشرتها أكثر من مواطنيها ، فصبرّت كرامتك الجريحة بأغنية تمتهن الانتظار ، لإيجاد ضحية أخرى تحمل عنك المهانة ، أم هو جواب أرباب الأعمال أينما ذهبت : " لا أفقا لأجنبي ، لا أفقا لحالم " أهو القلق من ضيق ذات اليد ، الذي قد يحرم حبيبية -عاهدت حضنك الدافئ على الصمود سويا - من نوم مريح و بسمة صادقة ؟؟ و كيف نقلت – دون إدراك – هذا الخوف الغادر المتسرب إلى قلبك البريء لوجدان من تحب .
للذكرى مجد يستحق الحياة على أطلالها ،أثقلت كاهلك هموم المنافي و آلام الأيام فأضعت الحب و الحبيبة و الحياة ، استقو بطهر الذكرى ، استقو ببراءة الفكرة، و عد كما ولدت ، طفلا في زي مقاتل ، و املأ الفضاء صراخا : " ستنبت شقائق نعمان " .
ناجي الناجي قاص فلسطيني – القاهرة
#ناجي_الناجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتمية الخيار الثالث
-
دروس كراكاس في الاستقلال السياسي
المزيد.....
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
-
نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم
...
-
هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية
...
-
بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن
...
-
العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
-
-من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|