أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (9)















المزيد.....


قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (9)


جاسم الحلوائي

الحوار المتمدن-العدد: 2028 - 2007 / 9 / 4 - 10:54
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


26
"الكونفرنس الثاني" هذا هو عنوان الفصل العاشر من الجزء الثاني لكتاب الرفيق عزيز سباهي. يشير الباحث، الى أن ما شجع الحزب على عقد الكونفرنس الثاني، الذي إنعقد في ايلول 1956 (الأول عقد في عام 1944)، أمران أولهما النجاح الذي حققه في توحيد الشيوعيين، وذلك بضم كتلتي "راية الشغيلة" و"وحدة النضال" الى الحزب. فكانت هناك حاجة لتعزيز الوحدة الفكرية والسياسية على أساس وثيقة برنامجية، وتعزيز الوحدة التنظيمية لإضفاء الشرعية على تركيبة القيادة الجديدة وذلك بإنتخابها من الكونفرنس. أما الأمر الثاني فيتعلق بالأجواء الإيجابية التي سادت الحركة الشيوعية العالمية إثر إنعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي (شباط 1956)، والذي أدان الستالينية وعبادة الفرد ودعا الى القيادة الجماعية وأشار الى إمكانية الإنتقال السلمي للإشتراكية. (1)

إنعقد الكونفرنس في ظل هذه المتغيرات، وأصدر وثيقة برنامجية بعنوان "خطتنا السياسية في سبيل تحررنا الوطني والقومي". وتضمنت الوثيقة أهدافاً عامة تصلح أساساً لوحدة القوى الوطنية والقومية في تلك الظروف التي شهدت فيها حركة التحرر الوطني نهوضاً جديداً وظهرت على الساحة بلدان عربية متحررة تناهض الإمبريالية والصهيونية. وحددت الوثيقة البرنامجية الهدف الرئيسي لتلك المرحلة من نضال القوى الوطنية على النحو التالي:

" إن ما يواجه بلادنا الآن وقبل كل شيء ضرورة تحويل السياسة القائمة من سياسة التعاون مع الإستعمار والتوافق مع الصهيونيه وإنعزال عن حركة التحرر العربي الى سياسة وطنية عربية مستقلة. ولذلك فإن مهمة الإنتقال الى الإشتراكية وتحويل السلطة السياسية الى أيدي العمال والفلاحين وحلفائهم ليست هي المهمة التي تواجهها حركتنا في الظرف الراهن." (2)

هناك خلاف فكري تاريخي حول الفقرة المذكورة ومن المفيد التوقف عنده نظراً لأهميته. يعلق الراحل زكي خيري على هذه الفقرة بالقول: "هنا عودة ثانية الى الوراء بالنسبة للشعار الستراتيجي وخلط واضح بين حكومة العمال وفقراء الفلاحين التي تعني دكتاتورية البروليتارية الإشتراكية، وبين حكومة العمال والفلاحين جميعا والبرجوازية الوسطية والصغيرة والتي هي دكتاتورية الشعب الديمقراطية الثورية التي تعني إنتصار الثورة الوطنية الديمقراطية الكامل، الذي لم تحققه ثورة 14 تموز جراء إحتكار البرجوازية الوطنية للسلطة وعدم تمكن البروليتارية من قيادة السلطة." (3)

من الطبيعي أنه لم يكن من الممكن لمثل هذه الستراتيجية، التي تطالب بقيادة البروليتارية للسلطة، أن توحد القوى التي لها مصلحة في التغيير، قبل ثورة 14 تموز. فهذه الستراتيجية لا يجمعها أي جامع مع الدعوة الى الجبهة الوطنية، بل إن قيام الأخيرة يغدو مستحيلا في ظلها. وفي هذه الحالة يتعذر الحديث جدياً عن أي إنتصار حقيقي في تلك المرحلة. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، فإن أية سلطة تقودها البروليتارية هي دكتاتورية البروليتارية، لأن طبيعة أية سلطة تتحدد بطبيعة قيادتها، أولا وقبل أي شيء آخر. ولا يغير من جوهر الأمر شيء الإختلاف في تركيبتها المؤقتة أو أهدافها المباشرة. وعلى هذا المنوال أعتبرت جميع الديمقراطيات الشعبية في أوربا وآسيا، والتي إنهارت أو التي لا تزال قائمة، شكلا من أشكال دكتاتورية البروليتارية، وأغلبها واجهت في البدء تحقيق مهام ديمقراطية. ولم يقتصر تحالفها على فقراء الفلاحين. وهكذا فإن تحديد ستراتجية المرحلة الوطنية الديمقراطية كانت خاطئة لدى الراحل زكي خيري وحتى بمنطق تلك الأيام، جراء إستنساخ نصي للتجربة الروسية و التعاليم اللينينيةً مع بعض التطرف. تلك التعاليم الواردة في كتاب لينين المشهور والموسوم "خطتا الإشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية". وإذ دعا لينين البروليتاريا بأن تلعب الدور الطليعي في الثورة الديمقراطية والسلطة التي تنبثق عنهاً، فقد تطرّف زكي خيري ودعا، مفسراً لينين تفسيراً خاطئاً ومتجاهلاً إختلاف الظروف، الى الدور القيادي للبروليتاريا للثورة والسلطة في المرحلة الوطنية الديمقراطية في العراق.

وتمهيداً للدفاع عن الفقرة المذكورة في وثيقة الحزب وردا على زكي خيري تذكر ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد في كتابهما ما يلي: "يتعامل المؤلفان [زكي وسعاد] مع وثيقة الكونفرنس على أساس إنها وثيقة برنامجية ... إن ما كتباه غير صحيح فعنوان الوثيقة الصادرة عن كونفرنس الحزب الثاني كما أوضحناه هو (خطتنا السياسية في سبيل التحرر الوطني والقومي). لهذا فإن الوثيقة هي خطة سياسية تعالج هدفا رئيسيا ماثلا هو الخروج من حلف بغداد وإلغاء المراسيم السعيدية وإطلاق الحريات الديمقراطية عن طريق إقامة حكومة وطنية تستند الى تحالف الأحزاب والقوى الوطنية وجميع المعارضين للحلف .. إن هذه الخطة السياسية لم تتضمن كل أهداف برنامج الحد الأدنى لمرحلة التحرر الوطني مثل [المقصود: مثلما تضمن ذلك. جاسم] ميثاق عام 1945 الذي صادق عليه المؤتمر الأول للحزب". (4)

لا أشاطر الكاتبين الرأي بأن الوثيقة ليست برنامجية. فهي تطرح سبعة مطاليب على الحكومة الوطنية لتنفيذها، هذه المطاليب واردة في الصفحة 286 من كتابهما، وهي مطاليب سياسية وإقتصادية وإجتماعية وليست مجرد هدفا سياسياً ماثلاً والخ... فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن الفقرة الرابعة من تلك المطاليب تنص على ما يلي: " إنتهاج سياسة إقتصادية وطنية سليمة تضمن حماية وتطوير الإقتصاد الوطني وتحسين ظروف الجماهير المعيشية والصحية والنقابية". ولم تكتف الوثيقة بذلك، إنما تطرح رؤياها لآفاق التطور اللاحق، كما جاء في الصفحة 287 من كتابهما، وعلى النحو التالي:

" إن أول إنتصار سيحرزه الشعب، سيلهب طاقة الحماس الشعبي الى حد كبير، وإن ظروفا جديدة تتيحها هذه الحكومة لتمكين الشعب من أخذ مصيره بيديه الى جانب وفرة خيرات العراق وضخامة موارده وسجية الإندفاع الثوري لدى الشعب العراقي، وقوة جاذبية أفكار التقدم والديمقراطية والإشتراكية في العراق، وميلان ميزان القوى لصالح العمال والفلاحين والمثقفين الوطنيين، يقدم الدليل على أن العراق لن يحتاج إلا القليل من الوقت لكي يسير بخطوات واسعة في طريق الإزدهار الإقتصادي والثقافي والإجتماعي ضمن الأسرة العربية المتحالفة، وأن يسير موحدا بقيادة الطبقة العاملة في طريق الإنتقال السلمي التدريجي نحو الإشتراكية."

إن مناقشة طبيعة الوثيقة ليست قضيه لغوية. فالخطة تعني، قاموسياً، برنامج، والبرنامج كلمة معربة من اللغة الفارسية (برنامهْ)، ويقابلها باللغة العربية (منهاج) أوخطة. إن عنوان الوثيقة خطة والوثيقة نفسها تعرف نفسها في المقدمة بمنهاج، حيث ورد في الصفحة 282 من كتاب ثمينة ونزار ما يلي:

"إن تقرير ( في سبيل تحررنا الوطني والقومي) الذي ناقشه وأقره المجلس هو منهاج لمنظمات حزبنا في نشاطها العام وعلى ضوئه يتقدم حزبنا لأيجاد أساس للتفاهم والتعاون والأتحاد الكفاحي مع جميع القوى الوطنية، ومن أجل تحقيق المهمات الواردة فيه والخ ...".

إن تأكيد الكاتبان ثمينة ونزار على أن الوثيقة هي خطة سياسية، تعالج هدفا رئيسيا ماثلا هو الخروج من حلف بغداد وإلغاء المراسيم السعيدية الى آخر الفقرة التي إستشهدنا بها قبل قليل، وليست برنامج الحد الأدنى للمرحلة، هو تأكيد غير صحيح، ومحاولة لتبرئة الوثيقة من أي نقص بإعتبارها وثيقة برنامجية، في حين لا يقلل من أهميتها البالغة اي نقص يكون قد ورد فيها.

لقد قدمت هذه الوثيقة البرنامجية خدمة كبيرة للحزب وللحركة الوطنيه في ظروف قاسية وحكومة مستبدة وموالية للإستعمار، ودفع نهج الوثيقة الحركة الوطنية خطوة كبيرة الى الأمام وكانت في صلب الجهود لإقامة جبهة الإتحاد الوطني، والتى شكلت القاعدة السياسية لإنتصار ثورة 14 تموز المجيدة. ولن يقلل من أهمية هذا التقييم أي نقص أو ثغرة وردت في الوثيقة. ولا يمكن النظر الى أي خطأ أو نقص يمكن أن يكون قد ورد فيها، إلا من زاوية عدم عرقلة إنجازاتها، فأي شعار أو مطلب لا يمكن الأخذ به إذا كان معرقلاً لتحقيق الجبهة أو لتعبئة الضباط والجنود الوطنيين أو لتعبئة الجماهيرالشعبية، لأن ذلك لا يعني إلا عرقلة الحركة التي أدت الى إنتصار ثورة14 تموز. فهل كان في الوثيقة البرنامجية مثل هذه الأخطاء والنواقص التي كان من الممكن تلافيها، وبمنطق تلك الأيام ؟ أعتقد نعم، وهي:

* هناك خطأ تحاشته اللجنة المركزية وبسرعة فائقة يتعلق بإسلوب الكفاح. فقد شخصت الوثيقة طبيعة المعركة "بإعتبارها معركة ذات طابع سلمي غالب". وأثار ذلك إعتراضات في الكونفرنس ذاته وكذلك في القاعدة الحزبية. (*) وقد جاء هذا التشخيص غير الصحيح متأثراً بما توصل إليه المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الإتحاد السوفيتي بخصوص إمكانية الإنتقال السلمي للإشتراكية. وقد صححت اللجنة المركزية هذا الخطأ على أثر إنتفاضة تشرين الثاني 1956 التي جوبهت بالرصاص من قبل السلطات، وذلك في بيانها الصادرفي 11 كانون الأول 1956، لتقرر بأن الأسلوب العنفي هو الأسلوب الغالب. (5)

* لم ترد المطالبة بالديمقراطية نصا في المطالب السبعة التي يجب على الحكومة الوطنية الجديدة تنفيذها، وإنما وردت بطريقة غير مباشرة في الفقرة الثالثة من المطاليب والتي جاء فيها: " إلغاء المراسيم السعيدية والقوانين المقيدة للحريات، وأطلاق حقوق الشعب الدستورية، وحل المجلس النيابي، وإجراء أنتخابات جديدة تقيم مجلسا يعكس إرادة الشعب ألخ .."

في حين جاءت الفقرة الأولى من مطالب الجبهة الإنتخابية في عام 1954، صريحة وأكثر ملموسية وبالصيغة التالية: " أطلاق الحريات الديمقراطية كحرية الرأي والنشر والتظاهر والأضراب وتأليف الجمعيات وحق التنظيم السياسي والنقابي". وجاء في الفقرة التي تليها "الدفاع عن حرية الإنتخابات". (6)

* لم تكن هناك ضرورة للإعلان بأن حزبنا لا يشترط المشاركة في الحكومة الوطنية الجديدة، كما جاء ذلك في الوثيقة. ولا يبدو من مذكرة الجادرجي، التي مرت بنا، بأن ذلك كان شرطا للاخرين لإقامة الجبهة. ولم يكن ذلك الإعلان السبب الأساسي في عدم إشراك الحزب الشيوعي العراقي في أول حكومة بعد الثورة، ولكنه لم يكن، بأي حال من الأحوال، لصالح عدم إستثنائه. وقد إعتبرت اللجنة المركزية، في أول إجتماع موسع لها بعد الثورة مباشرة (ايلول)، أن عدم إشراك الحزب في السلطة أوجد تناقضا بين تركيب السلطة القائم وبين القوى التي ساهمت في الثورة وساندتها.(7) ولم يكن ذلك الوضع لصالح المهمة الأكثر إلحاحاً ، ألا وهي تلاحم الشعب والجيش والحكومة من أجل درء المخاطر التي تواجه الجمهورية الفتية، وأصبح الحزب في مواجهة حل تلك المعضلة السياسية الهامة.

لقد عالج تقرير ( في سبيل تحررنا الوطني والقومي) وطوّر سياسات الحزب في مختلف الميادين بروح إيجابية بعيدة عن التشنج والإنعزالية. وأفرد فصلاً خاصاً لمعالجة مسألة التحالفات تحت عنوان (الجبهة الوطنية الموحدة). وقد واصل هنا معالجة شروط وملاحظات الأطراف الأخرى حول الجبهة ، ولاسيما ما جاء في مذكرة الجادرجي. وطوّر موقفه من القضية الكردية. ودقق مواقفه من القضية الفلسطينية والوحدة العربية. كما عالج التقرير الشؤون الداخلية للحزب بإتجاه تعزيز الشرعية والقيادة الجماعية وتقويم الأخطاء التي عانى منها سابقاً. ويؤخذ على التقرير أنه لم يعالج المسألة الزراعية، إلا أن توجيهاته للدفاع عن مطالب جميع الفئات الكادحة ومنها جماهير الفلاحين أوجدت حركة جماهيرية فلاحية مطلبية شملت الريف من الشمال الى الجنوب وإستمرت حتى ثورة 14 تموز، حيث دعمت الثورة من يومها الأول. هذه الحركة الفلاحية تذكر المرء بمقولة ماركس الشهيرة في نقد برنامج غوته وهي: "إن دفع الحركة خطوة الى الأمام خير من دزينة برامج".

وأنهى الكونفرنس أعماله بإنتخاب لجنة مركزية، وأعادت اللجنة المركزية إنتخاب سلام عادل سكرتيراً لها، وجمال الحيدري وعامر عبد الله أعضاء في المكتب السياسي.

27

يكرس سباهي الفصل الحادي عشر من الجزء الثاني من كتابه لإنتفاضة تشرين 1956. ويشير بصواب الى أن كل العوامل التي دفعت الشعب الى الإنتفاض سابقاً، والنضال الذي لم ينقطع إزاءها، قد ظلت قائمة، وأضيف اليها أن سياسة نوري السعيد قد عزلت العراق عن شقيقاته العربيات، وراح يتآمر ضدها على المكشوف، مما عمق السخط وإتسع ضد الحكم الرجعي. ومن مؤشرات ذلك تحول إضراب قصابي الموصل، إحتجاجاً على زيادة الضرائب، الى إضراب عام شمل المدينة كلها ودام إسبوعاً كاملاً، حيث عبر الموصليون فيه عن تضامنهم مع مصر التي أممت قناة السويس، وعن حقدهم على حكومة نوري السعيد وحلف بغداد. وقد واجه الحكم الإستبداي الإضراب السلمي بإعلان حالة الطوارئ، وشن حملة واسعة من الإعتقالات شملت عدد من المحامين والنواب السابقين. وحُكم على 200 من أبناء المدينة بالسجن، وأرسل قسم منهم الى سجن نقرة السلمان الصحراوي. (8)

وفي يوم 16 آب 1956، اليوم الذي حدده الإمبرياليون لعقد مؤتمر لندن لتقرير طريقة الإنتقام من مصر على جرأتها في تأميم قناة السويس وضرب مصالحهم الستراتيحية في المنطقة، عمّ الإضراب بغداد والموصل والرمادي والحي والحلة ومدن عراقية أخرى، رغم كل أساليب الحكومة الوحشية لإفشال الإضراب. وساهم في الدعوة للإضراب الى جانب الحزب الشيوعي كل من الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الإستقلال وحزب اليعث العربي الإشتراكي. وخرجت الجماهير بمظاهرات تحمل الأعلام العربية وشعارات التضامن مع مصر. فقابلتها الشرطة بالرصاص وإعتقلت أكثر من عشرين متظاهراً. وطوقت السفارة المصرية لمنع دخول المتطوعين للدفاع عن مصر، وطالبوا المعتقلين بشتم الرئيس عبد الناصر. وكان الإضراب إستجابة لدعوة اللجنة المركزية العربية التي تشكلت في دمشق. وقد عم الإضراب في نفس اليوم العديد من الدول العربية. وكان الحزب الشيوعي العراقي قد أصدر بياناً قبل الإضراب بثلاثة أيام جاء فيه "لنجعل من يوم التضامن مع مصر، يوم الإضراب العام، يوما جديراً بشعورنا القومي وشرفنا الوطني". (9)

وعندما حصل العدوان الثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في 29 تشرين الثاني 1956، تأججت المشاعر الوطنية والقومية لدى الشعب العراقي، ولكن الحكم الرجعي واصل مواقفه المنافية لأبسط مستلزمات التضامن القومي. فقطع علاقته الدبلوماسية مع فرنسا ولم يقطعها مع بريطانيا المعتدية، فزاد هذا الموقف من تأزم الأوضاع، فإجتمعت الأحزاب الوطنية والقومية، الحزب الشيوعي العراقي والحزب الوطني الديمقراطي وحزب الإستقلال وحزب البعث العربي الإشتراكي وعدد من الديمقراطيين المستقلين، لدراسة الموقف، فقررت تشكيل قيادة موحدة لقيادة النشاطات الإحتجاجية ضد العدوان وضد الحكم الرجعي. إلا أن تلك القيادة قد أعتقلت في مساء يوم تأليفها. وفي إطار النشاط الطلابي تكونت لجنة طلابية عليا للتضامن مع الشعب المصري. وقد أشرفت هذه اللجنة على تعبئة الطلبة وقيادة مظاهراتهم. (10)

إندلعت إنتفاضة تشرين الثاني 1956 لنصرة مصر وكانت حركة التحرر الوطني العربية في أوج نهوضها، والحزب الشيوعي العراقي منغمراً فيها من خلال المهمة الرئيسية التي طرحها أمامه، وأمام الحركة الوطنية والقومية، بصيغة سياسية مرنة وذكية، من شأنها أن تعزل حكومة نوري السعيد وتعبىء جميع القوى المعادية للإستعمار ضدها من اجل إسقاطها. وكانت هذه الصيغة، كما مرت بنا سابقاً، كما يلي: " إن ما يواجه بلادنا الآن هو قبل كل شيء ضرورة تحول السياسة القائمة من سياسة تعاون مع الإستعمار وتوافق مع الصهيونية وإنعزال عن حركة التحرر الوطني، إلى سياسة وطنية عربية مستقلة."

خرجت الجماهير الشعبية في مظاهرات إحتجاجية عارمة على العدوان ولنصرة مصر الشقيقة، وهتفت بسقوط حكومة نوري السعيد وحلف بغداد. وقد عمت المظاهرات ثلاثين مدينة من جنوب العراق إلى شماله مرورا بوسطه. وكانت واسعة جداً في النجف، وساهمت فيها مختلف الفئات الإجتماعية بمن في ذلك رجال دين بارزون. وقد إستمرت المظاهرات في البلاد مدة شهرين، وتوّجت بإنتفاضة الحي الباسلة. جوبهت المظاهرات من قبل حكومة نوري السعيد بالأحكام العرفية وتعطيل الدراسة في الكليات والمدارس وبالقمع العنيف. وسقط الكثير من الضحايا، وتعرض حوالي عشرة آلاف طالب للفصل والإبعاد والسجن، وأرسلت المحاكم العسكرية المئات من المناضلين الى السجون.

كانت السلطات تتحسس، وهي على حق، من أي شعار، حتى ولو كان شعارا قومياً عاما مثل: "وحدة وحدة عربية"، أو" يعيش جمال عبد الناصر" لأنهما ينطويان على عداء لحلف بغداد وحكومة نوري السعيد. وقد لعب الشيوعيون دوراً فعالاً، إن لم نقل طليعياً، في المظاهرات وكان أول شهداء الإنتفاضة الكادر الشيوعي الباسل عواد الصفار عضو لجنة منطقة بغداد الذي إستشهد في العاصمة، وآخرهم الشيوعيان البطلان عطا الدباس وعلي الشيخ حمود اللذان أعدما في ساحة الصفا التي تقع وسط مدينة الحي والتي كانت تنطلق منها المظاهرات، بعد أن قمعت الطغمة الحاكمة إنتفاضة المدينة الباسلة مستخدمة حتى الأسلحة الثقيلة. قـُتل الشهيد عطا تحت التعذيب وعلى الرغم من ذلك وضعوا حبل المشنقة في عنقه للتمويه، وكأنه حي. أما الشهيد علي الشيخ حمود فقد هتف بحياة الشعب والوطن قبل إعدامه. (11)

لم تستطع الإنتفاضة من إسقاط حكومة نوري السعيد ولكن الأخير بات "أقل ثباتاً على سرجه مما كان أبداًً" على حد تعبير المؤرخ حنا بطاطو. إن إرغام الدول المعتدية على سحب قواتها تحت تهديد الإتحاد السوفيتي بإخراجها بقوة السلاح، أضعف من بأس حاكم مستبد كنوري السعيد الذي بنى سياسته على معاداة الإتحاد السوفيتي وجبروت الإستعمار البريطاني.

أصدر المكتب السياسي في الأول من أيار 1957 تقريراً، بعنوان "إنتفاضة 1956 ومهامنا في الظرف الراهن"، إستناداً على مناقشات إجتماع اللجنة المركزية والتداول مع عدد من كوادر الحزب حول الإنتفاضة والدروس المستخلصة منها. ولاحظ التقرير أن مواقع الإستعمار قد تداعت في العالم العربي، لذلك كانت مقاومة الإستعمار وعملائه بالغة الشدة، ونظراً لأن المطالب التي نادت بها الجماهير كانت لاتقبل التجزئة أو المهادنة أو المساومة. ولاحظ الحزب أيضاً عدم إجتذاب المعركة القوى الرئيسية الحاسمة وهي قوى العمال والفلاحين .. ففيما عدا الحي البطلة والنجف والموصل والشامية وبعض النضالات في بغداد، فقد كان الطلبة هم القوى الغالبة التي ساهمت في المعركة. كذلك كانت مساهمة الشعب الكردي فيها ضعيفة. وأكد الحزب على أن حركتنا الوطنية لا تستطيع أن تحقق نصرا حاسماً دون إجتذاب جماهير الشعب الكردي الى ساحة الكفاح المشترك، جنباً الى جنب مع جماهير الشعب العربي ضد الإستعمار. وهذه الحقيقة يجب أن تستوعب كاملة لا من قبل حزبنا وحسب بل من قبل جميع أقسام حركتنا الوطنية والقومية.

نبه التقرير الى إنعدام الخطة الموحدة الواضحة في تحريك الجماهيرخلال الإنتفاضة، وأرجع الحزب ذلك الى مواقف بعض الأحزاب الوطنية، التي أدركت ضرورة العمل الموحد والخطة المشتركة إلا أن هذه الخطوة جاءت متأخرة. مع ذلك أكد التقرير على أن الحاجة قائمة وملحة للجبهة الوطنية. وسيسعى الحزب، كما جاء في التقرير، بكل ما يملك من جهد لتحقيقها. وكُرس حيزاً من التقرير لإسلوب النضال، وجرى التنبيه هنا الى ضرورة تطوير أساليب الكفاح والتنظيم ورفعها الى درجات أكثر حزماً وفعالية لمواجهة الأساليب العنفية التي شرع العدو بإستخدامها دون تردد.

وببعد نظر وبتفاؤل ثوري أنهى التقرير حديثه بالقول: "إننا حقاً على أبواب نصر قريب. فعندما تبدو أستار الظلام وهي ترتعش أمام مواكب النور الزاحف مع الفجر فلا بد للشمس أن تطلع لتبدد بسياط شعاعها الباهر ظلمات الليل البهيم". (12)
________________________________________
(1) راجع سباهي. المصدر السابق، ص175 وما يليها.
(2) راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص132. راجع كذلك سعاد خيري وزكي خيري. مصدر سابق، ص 225. أشار سباهي الى النصف الأول من الفقرة المذكورة في الصفحة 178 من كتابه وترك النصف الآخر الذي يبتدء ﺑ" ولذلك فإن مهمة الإنتقال الى الإشتراكية الى آخر الفقرة". أعتقد كان من الأفضل إيراد الفقرة كاملة.
(3) زكي خيري وسعاد خيري. مصدر سابق، ص226 و ما يليها.
(4) ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص132.
(*) على أثر الكونفرنس الثاني عقد كونفرنس للفرات الأوسط ضم أعضاء لجنة منطقة الفرات الأوسط وأعضاء اللجان المحلية، وترأس الإجتماع الرفيق سلام عادل. لقد حضر كاتب هذه السطور الإجتماع المذكورة وسمع إعتراض وعدم قناعة عدد من الحاضرين على تشخيص الوثيقة لإسلوب الكفاح.
(5) راجع سباهي. المصدر السابق، ص179 وما يليها.
(6) ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص278.
(7) راجع ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص 138. راجع كذلك سباهي. مصدر سايق، ص298 وما يليها.
(8) راجع سباهي. مصدر سابق، ص191 و193 وما يليها.
(9) راجع زكي خيري وسعاد خيري. مصدر سابق، ص223 وما يليها. راجع كذلك سباهي مصدر سابق، ص203.
(10) راجع سباهي مصدر سابق، ص301 وما يليها.
(11) راجع الحلوائي. مصدر سابق، ص47 وما يليها. راجع كذلك سباهي مصدر سابق، ص203 وما يليها.
(12) راجع سباهي مصدر سابق، ص212 وما يليها. راجع كذلك ثمينة ونزار. مصدر سابق، ص165.



#جاسم_الحلوائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق ...
- قراءة في كتاب عزيزسباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراق- ...
- تعليق على مقال - كيف عشت الحقيقة -
- هل كانت تحالفات الحزب الشيوعي العراقي كارثية؟
- حسن عوينة مناضل .. يُقتدى
- كتاب - لحقيقة كما عشتها
- التراث الإشتراكي في مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- حول تغيير إسم الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- ملاحظات على مشروع النظام الداخلي للحزب الشيوعي العراقي
- رسائل عزيزة
- نبذة مختصرة عن مدينة كربلاء
- سنوات بين دمشق وطهران ( 6 )
- سنوات بين دمشق وطهران 5


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - جاسم الحلوائي - قراءة في كتاب عزيز سباهي -عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي- (9)