أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي - الجزء الاول















المزيد.....



خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي - الجزء الاول


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 621 - 2003 / 10 / 14 - 01:00
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي  - عقود من تاريخ  الحزب الشيوعي العراقي

 

Y. Kojaman
Notes
After reading Aziz Sbahi’s book

Decades of the history
Of the Iraqi Communist Party

Copyright © Y. Kojaman
First published September 2002

116 Hanover Road
London NW10   3DP

Tel/Fax :   020 8357 0690

www.kojaman.co.uk Website:

Printed in London
U.K.
المحتويات

الموضوع الصفحة
تمهيد ٥
حركة رشيد عالي الكيلاني ٨
اتفاقية عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي والمانيا ١٠
حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية ١٦
لينينية ام بدعة ستالينية؟ ١٩
الماركسية – اللينينية – الستالينية ٢١
تصفية كل معارضي الستالينية ٢٣
ستالينية حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية ٣٠
الميثاق الوطني ٤٢
مؤتمر النظام الداخلي وشعار قووا تنظيم حزبكم  
                   قووا تنظيم الحركة الوطنية ٤٦
سياسة الحزب من اجل الجبهة الوطنية الموحدة ٥٦
تقييم قيادة الرفيق فهد ٦٢
ملاحظة شخصية ٦٤
الخاتمة ٦٩
المراجع ٧٩
للمؤلف ٨٠

  

تمهيد
في ٧ آب ٢٠٠٢ زرت صديقا ورايت كتاب "عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي" بقلم عزيز سباهي. كان ذلك مفاجأة لي اذ لم أكن اعلم عن صدور هذا الكتاب. وطبيعي انني بدأت فورا في قراءته. قرأت المقدمة التي كتبها عبد الرزاق الصافي وفيها تقدير ايجابي للكتاب مما شجعني على الاستمرار في قراءته. ولكني استغربت ان يكلف شخص واحد بكتابة وثيقة مهمة كهذه. فالمألوف هو ان تكلف لجنة من اشخاص ذوي مواهب وتجارب واسعة ومتنوعة لكتابة مثل هذا الموضوع تحت اشراف اللجنة المركزية للحزب على ان تقدم مسودة الكتاب الى اللجنة المركزية او الى عدد من اعضائها لقراءتها وانتقادها ومناقشتها في اجتماعات اللجنة المركزية قبل الشروع في طبعها.
ليس في هذه الملاحظة اية استهانة بالمجهود الكبير الذي بذله عزيز سباهي في جمع المعلومات والبحث عن المصادر وتنسيق البحث تنسيقا تأريخيا واجتماعيا رائعا. ولكن عزيز سباهي واي كاتب اخر لابد ان يدخل رأيه في تحليل الاحداث والتوصل الى نتائج وتفسير بعض الظواهر. لذلك فان هذا التحليل وهذه النتائج لابد ان تكون وفق المستوى الفكري للكاتب اذ ليس هناك كاتب في الوجود يستطيع ان يسمو على مستواه الفكري. ولذلك اعتقد ان تكليف مجموعة من الاشخاص لكتابة موضوع هام كهذا من شأنه ان يرفع من مستوى الكتاب والتحاليل والاستنتاجات فيه لان الرأي الجماعي لابد ان يكون افضل من الرأي الفردي وتنوع المستويات والنقاش حول القضايا يؤثر تأثيرا حسنا على هذه التحاليل والنتائج.
لا ادري لماذا خطر ببالي وانا اقرأ الكتاب المثل الشعبي "الكوز ينضح باللي به". وهو مثل شعبي اصبح حكمة. ولا يصبح المثل الشعبي حكمة الا اذا كان دقيقا علميا في محتواه. وهذا المثل من الامثال الدقيقة في محتواها العلمي. فالانسان لا يستطيع ابدا ان يتجاوز مستواه الفكري مهما اضفيت عليه هالة من المديح والاطراء وحتى التأليه. فالانسان حين يكتب اراءه انما ينضح بما في كوزه ولا يستطيع ان يتجاوز ذلك. فاينشتاين تميز عن سائر اقرانه من العلماء لان في كوزه ما ليس في كوز هؤلاء الاقران.
وفي نطاق موضوعنا السياسي اورد ثلاثة امثلة عالمية رغم ان بالامكان ايجاد الملايين منها. المثل الاول هو ستالين. فقد تعرض ستالين منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي لسنة ١٩٥٦ لهجومات متكررة استمرت حتى يومنا هذا. فصور لنا ستالين بأنه الجاهل الذي كان يقود الحرب العالمية على كرة ارضية لطلاب المدارس، وصور لنا بأنه مصاص الدماء الذي مثل دراكيولا لم يستطع النوم بدون ان يقتل عددا من رفاقه المخلصين الى آخر ذلك من الاتهامات التي مازلنا نسمعها كل يوم من كافة انواع الناس. ولكن هؤلاء جميعا لم يستطيعوا ان يمسوا تراثه الفكري الذي خلفه للبشرية. فمازال كل انسان يرغب جادا في النضال من اجل تحرير وطنه وانقاذ شعبه من الظلم الامبريالي ان يستعين بأفكاره ويتخذها نبراسا له في نضاله. ذلك كله لان كوز ستالين كان ينضح بما فيه من علم ماركسي مكمل لما تركه لنا ماركس وانجلز ولينين.
والمثل الثاني هو خروشوف. ويذكر كل من عاصر فترة حكم خروشوف الهالة المشرقة التي احيطت به والمبالغات التي قيلت عنه كقائد فذ وكماركسي خلاق عظيم الا ان ما كان في كوزه تتوج في تصفيقه بالحذاء في هيئة الامم المتحدة. فراح خروشوف ولم يبق من تراثه الفكري ما يمكن ان يستفيد منه انسان.
والمثل الثالث هو غورباشوف. وكلنا نذكر ان وسائل الاعلام رفعت من اسم غورباشوف الى السماء. فاعتبره الشيوعيون لينينا ثانيا واعتبروا بيريسترويكاه ثورة اكتوبر ثانية. ولكن كل هذه الاتهامات لم تغير من ان البريسترويكا لم تكن سوى المرحلة الاخيرة في القضاء على الاتحاد السوفييتي كدولة اشتراكية وتحوله نهائيا الى دولة امبريالية دونما حاجة الى القناع الاشتراكي الذي تقنع به الاتحاد السوفييتي منذ وفاة ستالين وحتى انهياره النهائي. وظهر غورباشوف على حقيقته حين حل الحزب الذي كان سكرتيره العام واعلن انه حزب غير شرعي.
اوردت كل ذلك لغرض واحد هو ان مستوى الكتاب كان يمكن تحسينه ورفع مستواه لو كلفت لجنة من نوعيات مختلفة وتجارب متنوعة ومعارف واسعة لكتابته، او كما يعبر عنه عزيز سباهي "الفرد في المجموعة هو اقوى وأصلب منه لو كان منفردا. (ص ٢٩٧)
لدى قراءة الكتاب خطرت لي باعتباري من الناس الذين عاشوا تلك الفترة وساهموا فيها ملاحظات وجدت نفسي مضطرا الى ابداء الراي فيها وارجو ان يجد القارئ الكريم فيها ما يفيده ويزيد من فهمه لمحتويات الكتاب.

حركة رشيد عالي الكيلاني

لي ملاحظة شخصية فيما يتعلق بموقف الحزب الشيوعي من حركة رشيد عالي الكيلاني لسنة ١٩٤١. كنت انذاك استلم جريدة الشرارة من بعض اصدقائي الذين كانوا على ارتباط بالحزب. وقد استلمت العدد الصادر في ايار بعد الانقلاب وكان فيها مقال افتتاحي يؤيد الحركة ويطري على القائمين بها.
كان ذلك مفاجأة لي بصفتي شاب يهودي. فنحن الشباب اليهودي كنا نشعر بما في هذه الحركة من ضيم واضطهاد لليهود عامة. كانت تلفق التهم الباطلة لليهود بشتى الوسائل وكانت السلطات تشجع هذه الاعتداءات وتلقي القبض على الاشخاص اليهود دون جرم اقترفوه. وكنا نعيش في رعب من التهديدات بالقضاء علينا وذبحنا حين يتحقق قدوم الجيش الالماني. كان المقال الافتتاحي مفاجئا لي شخصيا. اننا لم نطلع طبعا على رسالة الحزب الى رشيد عالي الكيلاني الواردة في كتاب عزيز سباهي حيث يوجد التحفظ من الاعتداءات الجارية ضد اليهود.
وبعد عدة ايام من صدور الشرارة حدث حادث اثر علي تأثيرا هائلا لا يمكن ان انساه. في صباح ذلك اليوم وجدنا تحت عتبة كل بيت من بيوتنا منشورا من صفحة واحدة. كانت الشرارة توزع بالايدي وكان عددها بالضرورة ضئيلا ولكن عدد ما وزع من المنشور كان هائلا بالقياس الى عدد نسخ الشرارة الموزعة اذ وضع تحت عتبة كل بيت من بيوتنا في الحارات اليهودية ولا اعلم عن مدى توزيعه خارج الحارات اليهودية. كان المنشور انتقادا شديد اللهجة لافتتاحية الشرارة وشرحا للاسباب التي ادت الى الخطأ والى الموقف الصحيح من حركة الكيلاني التي تميل الى الامبريالية الالمانية النازية وتعرقل الحرب ضد النازية وكان المنشور موقعا باسم فهد صراحة. ليس باستطاعتي طبعا ان استعيد من الذاكرة نص المنشور ولكني اتذكر محتواه جيدا. فقد كان هذا المنشور اول دفعة لي في حياتي لاحترام هذا الحزب وهذا القائد الذي يعرف كيف ينتقد نفسه بصراحة وبجرأة نادرة. 

اتفاقية عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي والمانيا النازية

جاء في الصفحة ٢١١ من الكتاب "وقد أمنت سياسات تشمبرلين وديلادييه في مؤتمر ميونيخ وغيره لهتلر ابتلاع عدد من الدول الاوروبية الصغيرة واحدة بعد الاخرى حتى انتهى الامر بانهيار فرنسا. ولكن نهضة عدد من شعوب اوربا وحرب المقاومة الشعبية التي اندلعت في فرنسا وبلدان اخرى، والتفاني الذي ابداه الشعب البريطاني في وجه النازية ورفضه التساوم على حرياته كانت تعطي للحرب معنى اعمق يدل على طابعها الحقيقي بصفتها حربا انسانية ضد الفاشية المتوحشة. وفي المستعمرات عملت السياسات الاستعمارية التي ظلت تسلكها انكلترا وفرنسا على تمويه هذه الحقيقة. وربما ساعدت سياسة الاتحاد السوفييتي في التوقيع مع المانيا على معاهدة عدم الاعتداء (برغم انها كانت تكتيكا موقتا لكسب الوقت وخرقتها المانيا بهجومها الغادر على الاتحاد السوفييتي في آب ١٩٤١) على خلق الوهم لدى الاحزاب الشيوعية وكثير من الحركات اليسارية بشأن طبيعة الحرب الحقيقية."
يبدو لي ان في هذه العبارة خلط كرونولوجي، اي تقديم وتأخير بعض الاحداث، مما يؤدي الى بعض الابهام. فمعاهدة عدم الاعتداء بين الاتحاد السوفييتي والمانيا جرت قبل الحرب وبعد مؤتمر ميونيخ، اما طبيعة الحرب وحروب المقاومة وانهيار فرنسا وصمود الشعب البريطاني فقد جاءت كلها بعد اعلان الحرب.
فما هي الحقائق حول هذه المعاهدة؟ منذ استيلاء هتلر على السلطة سنة ١٩٣٣ انذر الاتحاد السوفييتي بريطانيا وفرنسا بأن وجود هتلر في الحكم معناه حرب عالمية ثالثة. وعليه بادر الاتحاد السوفييتي الى اقتراحات التحالف ضد هتلر لايقافه عند حده. ووجهة نظر الاتحاد السوفييتي كانت تحالف بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي ضد هتلر لأن ذلك قد يؤدي الى ردعه عن شن الحرب اذا عرف مقدما ان عليه ان يحارب كل هذه الدول مجتمعة او قهره فيما اذا تمادى فأعلن الحرب على هذه الدول. ومن المعروف ان المفاوضات بين الاتحاد السوفييتي وبريطانيا وفرنسا كانت مستمرة. الا ان هاتين الدولتين الامبرياليتين تساندهما  الولايات المتحدة كانت في الوقت الذي تساعد فيه هتلر على تقوية قواه العسكرية ترسل مفاوضيها الى الاتحاد السوفييتي في البواخر وليس في الطائرات وحين يبدأ التفاوض يعلن المفاوضون ان ليس لهم اية صلاحية لعقد اتفاق او معاهدة. وكانت مسألة تشيكوسلوفاكيا حالة خاصة. فقد كانت لبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي معاهدات دفاع مشترك مع تشيكووسلوفاكيا. وكان رأي الاتحاد السوفييتي الدفاع عن تشيكوسلوفاكيا ضد الاحتلال النازي المتوقع. ولكن بريطانيا وفرنسا رفضتا الاقتراح السوفييتي بحجة عدم السماح للجيوش السوفييتية بالدخول الى تشيكوسلوفاكيا للدفاع عنها وبحجة سياسة عدم التدخل كما حدث في الحرب الاهلية في اسبانيا ومساندة المانيا وايطاليا ديغول في القضاء على الحكومة الشرعية فيها. وبدلا من الدفاع عن تشيكوسلوفاكيا وفقا للمعاهدة سافر تشمبرلين وديلادييه الى مؤتمر ميونيخ وسلماه تشيكوسلوفاكيا هدية لغرض دفعه في اتجاه الشرق اي للهجوم على الاتحاد السوفييتي. وكانت خطة الحلفاء دفع هتلر للهجوم على الاتحاد السوفييتي على ان يهاجموا الجانب المنتصر والمنهك في تلك الحرب للقضاء عليه وبذلك يضربون عصفورين في حجر. ولكن الاتحاد السوفييتي كان لهم بالمرصاد فوافق على اقتراح  عقد معاهدة عدم الاعتداء مع المانيا الهتلرية بعد ان عقدت بريطانيا وفرنسا معه معاهدات كهذه وكان الاتحاد السوفييتي الاخير في هذا المضمار. عقد الاتحاد السوفييتي معاهدة عدم الاعتداء لا لانه ساند المانيا الهتلرية في استيلائها على بلدان اوروبا الواحد بعد الاخر كما فعلت بريطانيا وفرنسا بل لمجرد كسب الوقت للاستعداد لمواجهة الهجوم الالماني الاتي لا محالة. عقد الاتحاد السوفييتي معاهدة عدم الاعتداء مع المانيا لا من اجل تشجيعه على احتلال المزيد من الدول الاوروبية كما فعلت بريطانيا لدفعه وتشجيعه على الهجوم على الاتحاد السوفييتي . عقد الاتحاد السوفييتي معاهدة عدم الاعتداء لكي يكسب بعض الوقت. وهذا ما حدث فعلا اذ ان هتلر بدلا من أن يبدأ هجومه على الاتحاد السوفييتي كما ارادت منه بريطانيا وفرنسا بدأ هجومه على بولونيا مما اضطر بريطانيا وفرنسا الى اعلان الحرب على المانيا.  ولو حدث الامر خلاف ذلك وابتدأ هتلر هجومه على الاتحاد السوفييتي لما دخلت الدول الغربية الحرب الى جانب الاتحاد السوفييتي من اجل القضاء على النازية بل لواصلت مساندة هتلر ومساعدته على القضاء على الشيوعية. اما حماس الشعب البريطاني والمقاومة الشعبية في فرنسا وايطاليا والدول الاخرى المحتلة فقد ظهرت بعد اندلاع الحرب حين شعرت شعوب هذه البلدان بنيران القنابل الالمانية تدمر منشآتها وتعرض ارواح ابنائها للخطر وبعد احتلالها وفرض الحكم الهتلري عليها.
وخير وصف لسير الاحداث التي انتهت بنشوب الحرب العالمية الثانية جاء في كراس اصدره المكتب الاعلامي التابع لمجلس وزراء الاتحاد السوفييتي سنة  ١٩٤٨  تحت عنوان "مزيفو التاريخ"ردا على ما نشرته الولايات المتحدة من تشويهات وتزييف لهذه الاحداث لخدع شعبها والقاء اللوم على الاتحاد السوفييتي في دفع هتلر الى الحرب. والكراس كله وثيقة تأريخية رائعة لسير الاحداث منذ تسلم هتلر السلطة في المانيا وحتى اعلان الحرب وحتى فضح تقاعس الدول الامبريالية اثناء الحرب والقاء العبء على الاتحاد السوفييتي اطول مدة ممكنة.
بعد ان يبين الكراس دور الراسمال الاميركي في اعادة بناء وتطوير الصناعات الثقيلة والصناعات الحربية في المانيا والمساومات المتواصلة من اجل التوصل مع المانيا الى اتفاقات على حساب اوروبا يشرح سير المفاوضات بين بريطانيا وفرنسا من جهة والاتحاد السوفييتي من الجهة الثانية. ويبين الكراس ان غرض بريطانيا وفرنسا من المفاوضات كان الحصول على تعهدات من الاتحاد السوفييتي بالمساهمة في الدفاع ضد اي هجوم تشنه الدول العدوانية على بريطانيا وفرنسا وعلى الدول الغربية في اوروبا بدون ان تلتزم بريطانيا وفرنسا بتعهد مماثل في حالة وقوع الهجوم على الاتحاد السوفييتي او على دول البالطيق المحادة للاتحاد السوفييتي. وهذا ما لم يكن بامكان دولة مستقلة تحترم استقلالها ان تقوم به.
"فهل من العجب اذن ان يلجأ مزيفو التاريخ الى السكوت عن هذه الحقائق واخفائها وهي حقائق بالغة الاهمية من اجل فهم الظروف التي بفضلها كانت الحرب تصبح حتمية؟" (مزيفو التاريخ ص٣٩ باللغة الانجليزية)
وبعد ان يشرح الاتحاد السوفييتي سير المفاوضات العقيمة التي امتدت عدة سنوات يقول:
"وهكذا كان الاتحاد السوفييتي امام خيارين
"اما ان يقبل، دفاعا عن نفسه، الاقتراح الالماني بعقد معاهدة عدم اعتداء وبذلك يضمن للاتحاد السوفييتي اطالة السلام لمدة ما يمكن استغلالها لاعداد قوات دولة الاتحاد السوفييتي اعدادا افضل لمقاومة العدوان فيما بعد؛
" او ان يرفض الاقتراح الالماني لعقد معاهدة عدم اعتداء وبذلك يتاح لمروجي الحرب في معسكر الدول الغربية زج الاتحاد السوفييتي فورا في صدام مسلح مع المانيا في وقت كانت الاوضاع فيه غير مؤاتية اطلاقا للاتحاد السوفييتي نظرا لانه سيكون معزولا تماما.
"في ظروف كهذه كانت الحكومة السوفييتية مضطرة الى ان تختار عقد معاهدة عدم الاعتداء مع المانيا.
"في الوضع الذي نشأ بعد ذلك كان هذا الاختيار في السياسة الخارجية السوفييتية عملا حكيما بعيد النظر. فقد قررت خطوة الحكومة السوفييتية هذه الى درجة كبرى النتائج المثلى للحرب العالمية الثانية بالنسبة للاتحاد السوفييتي ولكافة الشعوب المحبة للسلام.
"اذا كانت هذه هي الاوضاع في اوروبا فمن الطبيعي ان الخيار الوحيد امام الاتحاد السوفييتي كان خيار قبول الاقتراح الالماني لعقد المعاهدة، او بالاحرى كان هذا الخيار افضل الخيارات."
وبعد ان يتساءل الكراس "لماذا كان من حق بريطانيا وفرنسا، وقد كانتا القوة المسيطرة في اوروبا، ان يصدرا تصريحا مشتركا بعدم الاعتداء مع المانيا في ١٩٣٨ وليس من حق الاتحاد السوفييتي المنعزل كما هو حاله بسبب سياسة بريطانيا وفرنسا المعادية، ان يعقد معاهدة مع المانيا؟" ويواصل الكراس
"اليس حقيقة انه من بين جميع الدول الكبرى غير العدوانية في اوروبا كان الاتحاد السوفييتي آخر من وافقوا على التعاقد مع المانيا؟" (فقرات مختارة من نفس المصدر ص ٤٠/ ٤١)

حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية

جاء في الكتاب فصل كامل بهذا العنوان بدأ بتحديد سبب التعجل بالحديث عن هذا الكراس رغم ان صدوره كان بعد سنوات فقال "الرسالة، في تقديرنا، تعطي تفسيرا للكثير مما حدث، وتسلط الاضواء بقدر كاف على المنهج الذي سلكه الحزب او بالاحرى قائد الحزب والمشرف على تأسيسه وبنائه، يوسف سلمان يوسف (فهد) لمواجهة هذه الاحداث، وهو منهج صارم في تحديداته، وغدا، "(ص٢١٥) أظن ان على عزيز سباهي أن يبرهن في الجزأين التاليين من كتابه أن الكراس فعلا "غدا تأريخيا، المقياس الذي تقاس به السياسات الحزبية الداخلية من بعد" .
وجاء شرح الرسالة في فقرتين هامتين عبر عزيز سباهي فيهما عن رأيه في الرسالة وظروف كتابتها ونهج كاتبها. وقد اورد عزيز سباهي في هاتين الفقرتين افكارا متعددة بصورة متداخلة يصعب اخذ كل منها على انفصال لمناقشته لذا ساقتبس الفقرتين كاملتين واناقش بعض الافكار الواردة فيهما كلا على حدة.
"ان الرسالة تعطي صورة جلية لتأريخ الحزب في فترة اعادة التاسيس. وتوضح العوامل الداخلية والمحيطة التي حكمت تطوره في السنوات التي يجري الحديث عنها. لنتذكر اولا ان المبادئ التي اشتملت عليها والتي تتعلق بالاسس التي بنيت عليها الاحزاب الشيوعية في ظروف العمل السري، قد صيغت وشرحت وفقا للنموذج الذي جسده الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي، ولكن ليس في الصورة التي كان عليها ايام لينين في زمن القيصرية برغم ان الرسالة تؤكد ذلك، وانما وفقا للصورة التي رسمتها الستالينية للحزب وللينينية انذاك. انها تعبير عن الفهم الستاليني للبلشفية. والمصدر الذي غدت السياسة الستالينية تستقي منه في معالجاتها لكل الامور السياسية والاقتصادية والفكرية. ولا ننسى هنا ان صيغة ’الماركسية اللينينية’ قد ابتدعها وصاغها ستالين بعد وفاة لينين، وقد طورت هذه الصيغة من بعد لتغدو " الماركسية- اللينينية- الستالينية".
"لنتذكر هنا بعض الحقائق التي نعتقد انها اثرت في سيرة الحزب وطبعت ذهنية الذين قادوه باثارها. لقد بدأت عملية تأسيس الحزب في أوائل الثلاثينات في وقت كانت سيرة الستالينية تفرض سلطانها في كل مناحي الحياة في الاتحاد السوفييتي، وتمتد اثارها بعيدا في ارجاء العالم. وحين اعيد تأسيسه كانت الستالينية قد صفت كل معارضيها وخرجت على العالم وهي تعلن ’انتصار الاشتراكية الكامل’. وكانت المركزية المطلقة في الحزب الشيوعي السوفييتي قد غدت ركنا اساسيا في بنية الحزب وان تسمت بالمركزية الديمقراطية. وكان ستالين يؤكد في خطبه وكتاباته مقولته بشان احتدام الصراع الطبقي مع انتصار الاشتراكية وجعل من خصومه في الحزب وعلى راسهم بوخارين خصوما للحزب والاشتراكية وتوالت عمليات التصفية لكل هؤلاء الخصوم بمن فيهم تروتسكي الذي كان قد فر من البلاد في عام ١٩٢٩، ودبر قتله في المكسيك. وهكذا غدا كل معارض لخط ستالين داخل الحزب او خارجه عدوا طبقيا، وعلى المنوال ذاته وبمطابقة ستالين بالحزب اصبح كل معارض داخل الحزب او خارجه عدوا طبقيا لا يريد لقضية الطبقة العاملة الخير. كان يوسف سلمان يوسف (فهد) قد درس في الاتحاد السوفييتي في لجة هذه العملية. وعاد وهو متاثر بهذه الستالينية الى الحد الذي بات يقول ’وأصبح ما يقوله قائدهم الاكبر ستالين وما يأمر به، واجبا مقدسا وأمرا مطاعا ليس فقط من قبل اعضاء الحزب والطبقة البروليتارية السوفييتية والشعوب السوفييتية بل ومن البروليتاريا العالمية والشعوب’. وكان الحزب الشيوعي السوفييتي بالنسبة له النمزذج الاعلى الذي ينبغي ان يحتذى. ’ان هذه الميزات للحزب البولشفي مكنته من الوصول الى اعلى مرتبة في التنظيم’. ولكي لا نظلم الرفيق فهد نسارع الى القول بأن هذه الفكرة قناعة جميع الاحزاب الشيوعية وقادتها يومذاك". (ص ٢١٦-٢١٧)

لا ادري كيف ابدأ في مناقشة الافكار المتراكمة في هاتين الفقرتين لانها جاءت متداخلة ومتشعبة ولكني سأحاول مناقشة نقاط معينة منها كلا على حدة.

لينينية ام بدعة ستالينية؟

يقول عزيز سباهي "ولا ننسى هنا ان صيغة الماركسية اللينينية قد ابتدعها ستالين بعد وفاة لينين". فاللينينية اذن بالنسبة لعزيز مجرد بدعة ستالينية. فهل توجد لينينية يا عزيز ام لا توجد؟
من المعروف لدى كل الشيوعيين، وربما حتى لدى عزيز سباهي، ان لينين كان ماركسيا. ولذلك فان نظرياته واراءه ليست سوى جزء لا يتجزأ من الماركسية. والسؤال هو لماذا سمى ستالين نظريات لينين "لينينية"؟ نحن نعلم ان انجلز حين سمى نظريات كارل ماركس "ماركسية" لم يوافق على تسميتها ماركسية انجلزية لان ما اضافه انجلز الى الماركسية هو جزء لا يتجزأ منها. فلماذا اذن نحتاج الى اضافة لينينية الى الماركسية في حين ان ما اضافه لينين ايضا جزء لا يتجزأ من الماركسية؟ السبب ليس في كون ستالين احب لينين وأراد تخليد اسمه فابتدع "الماركسية اللينينية". ان السر في وجود اللينينية هو ان لينين بحث ماركسية مرحلة جديدة من مراحل تطور الراسمالية، مرحلة الراسمالية الاحتكارية، التي لم تكن موجودة في عهد ماركس وانجلز. وان هذه المرحلة خلقت ظروفا تختلف عن الظروف التي بحثها كارل ماركس وتوصلت الى اراء مخالفة احيانا لاراء كارل ماركس رغم انها لا تتعدى كونها جزء لا يتجزأ من الماركسية كنظرية امكانية قيام ونجاح الثورة الاشتراكية وبناء مجتمع اشتراكي في قطر واحد ونظرية اختراق اضعف حلقات العالم الامبريالي ونظرية حتمية الحرب العالمية في المرحلة الامبريالية وقضية سيطرة الراسمال المالي واقتسام العالم بين الدول الامبريالية وغير ذلك. واعتبر قادة الاممية الثانية بعد تحولهم عن النضال الثوري وتحول الاممية الثانية ذاتها الى اممية انتهازية اعلنت مساندتها للحرب العالمية الثانية واعلن كل حزب فيها مساندته لدولته في الحرب بحجة الدفاع عن الوطن، شجبوا نظريات لينين وخاصة نظرية امكان نجاح الثورة الاشتراكية في قطر واحد وطالبوا بالتمسك بنظريات ماركس حرفيا بصورة جامدة. فاللينينية موجودة سواء اسماها ستالين لينينية ام لا، ولم يكن ستالين سوى التلميذ المخلص للينين والمطبق لنظرياته في الاتحاد السوفييتي ابدع تطبيق الى بناء "الاشتراكية الكاملة".
وعلى نفس منوال عزيز سباهي يمكن القول ان انجلز هو الذي ابتدع صيغة الماركسية. من المعروف ان كارل ماركس اطلق على نظرياته اسم "الاشتراكية العلمية" تمييزا لها عن الاشتراكيات الطوبائية والمثالية. ولكن انجلز اطلق على الاشتراكية العلمية صيغة الماركسية. وامتنع الماركسيون بعد ذلك عن عبارة الاشتراكية العلمية للدلالة على الماركسية ولم يذكروها سوى كمرادف للماركسية ولا فرق بين التسميتين.  وفي ايامنا، اي بعد وفاة ستالين، لجأت بعض الاحزاب التي تحررت من عبودية ستالين الى العودة الى صيغة "الاشتراكية العلمية" تهربا من كلمة الماركسية والماركسية اللينينية ورغبة في استخدام الاشتراكية العلمية لاغراض اخرى غير ماركسية. وعلى سبيل المثال اتهم صدام حسين باعتناق الاشتراكية العلمية التي كان هو نفسه يطلق عليها اشتراكية محمد.

الماركسية- اللينينية – الستالينية

يقول عزيز سباهي "وقد طورت هذه الصيغة من بعد لتغدو "الماركسية – الليننينية – الستالينية". من المعروف ان الشيوعيين الى يوم وفاة ستالين لم يكونوا يستعملون هذه الصيغة. فان ستالين حتى وفاته لم يسمح بأن يطلق عليه اي لقب غير لقب "تلميذ لينين". ومن المعروف أيضا ان من خلفوا ستالين في قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية بعد ان صفوا القادة المؤيدين لستالين كانوا اعداء ستالين اذ شجبوه كمعلم للبروليتاريا وكماركسي وكماركسي لينيني وحتى حرموه من عضوية الحزب الشيوعي الذي ترأسه وقاده من سنة ١٩٢٤ الى يوم  وفاته سنة ١٩٥٣. لذلك لم يبق في قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي من يبتدع صياغة "الماركسية اللينينية الستالينية". يبدو لي ان هذه الصيغة هي بدعة عزيزسباهية لآني اسمعها للمرة الاولى في حياتي. والسؤال الجوهري هو هل وجدت نظرية ستالينية كما وجدت نظرية لينينية؟ وهل هذه النظرية شيء مختلف عن اللينينية؟
لا يخفى على كل باحث منصف يدرس التاريخ دراسة موضوعية ان ستالين اضاف الى كنز الماركسية العديد من النظريات. فبناء المجتمع الاشتراكي واكتشاف القوانين الاقتصادية الاشتراكية التي تحل محل القوانين الاقتصادية الراسمالية، ووسائل الانتقال الى المجتمع الشيوعي وعدم حتمية الحرب العالمية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ونظرية التعايش السلمي الستالينية وليس الخروشوفية والمبادرة الى خلق حركة السلام العالمية كلها  امثلة قليلة على ما اضافه ستالين الى النظرية الماركسية . فهل يمكن ان يطلق على هذه الاضافات الماركسية الرائعة اسم الستالينية؟ يبدو لي ان ذلك غير صحيح وذلك لنفس السبب الذي لم يمكن تسمية الماركسية "ماركسية انجلزية". ان اضافات ستالين الى الماركسية لم تحدث بسبب وجود مرحلة جديدة في تطور الراسمالية كما كانت الحال مع نشوء اللينينية بل جاءت اضافات على الماركسية حتمها تطور المجتمع السوفييتي في فترة بناء المجتمع الاشتراكي  بوجود المرحلة الامبريالية ولذلك لم يكن في نظريات ستالين ما يخالف او يناقض نظريات لينين كما كان الحال في نظريات لينين تجاه نظريات واراء ماركس وانجلز.
ان صيغة "الماركسية – اللينينية – الستالينية" هي محض بدعة عزيزسباهية يريد منها التوصل الى استنتاجاته الخاصة.

تصفية كل معارضي الستالينية
  
يقول عزيز سباهي "وحين اعيد تأسيسه (الحزب الشيوعي العراقي) كانت الستالينية قد صفت كل معارضيها وخرجت على العالم وهي تعلن "انتصار الاشتراكية الكامل...". يبدو لي ان في هذه العبارة خلط تأريخي واضح. ان القارئ يفهم من عبارة عزيز ان اعلان انتصار الاشتراكية الكاملة جاء نتيجة لتصفية المعارضين وليس نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب ان تتحقق لكي يصبح المجتمع مجتمعا اشتراكيا. ولكن الاشتراكية الكاملة اعلنت في الاتحاد السوفييتي سنة ١٩٣٣ بعد الانتهاء من القضاء على الكولاك كطبقة اذ ان ثورة اكتوبر قضت على الراسمالية الصناعية والمالية بتأميم المصانع والمصارف ولكنها لم تستطع القضاء على الكولاك (الراسمالية الزراعية) في حينه بل انها بالسياسة الاقتصادية الجديدة (نيب) سمحت لهذه البرجوازية بالتطور لفترة معينة لانها لم تكن تستطيع تطوير الصناعة والزراعة بدون الانتاج الزراعي الذي كانت الدولة تشتريه من هذه الفئة البرجوازية الكبيرة. وجاء دستور الاتحاد السوفييتي الذي يعكس النظام الاشتراكي سنة ١٩٣٦. اي ان ذلك لم يكن بعد أن "كانت الستالينية قد صفت كل معارضيها". وهذا امر بالغ الاهمية اذ ان هؤلاء المعارضين الذين جرت تصفيتهم في السنوات ١٩٣٦، ١٩٣٧، ١٩٣٨، كانوا يمارسون مهامهم القيادية في الحزب الشيوعي عند بلوغ المجتمع الاشتراكي الكامل واعلان الدستور الاشتراكي. ولو كان عزيز سباهي قد قرأ "موجز تأريخ الحزب البلشفي" الذي يقول انه كان متوفرا باللغة العربية في عهد فهد لرأى ان هؤلاء القادة كانوا قد طردوا من الحزب سنة ١٩٢٨ لمخالفتهم سياسة الحزب ولكنهم اعيدوا الى الحزب والى مناصبهم القيادية حين انتقدوا انفسهم واعترفوا بصحة سياسة الحزب. والطرد من الحزب هو السلاح الحزبي الوحيد الذي يحافظ فيه الحزب على خطه السياسي ووحدته حسب نظرية تطهير الحزب اللينينية او الستالينية حسب رأي عزيز. فالحزب الشيوعي منظمة اختيارية لا تجبر احدا على الانتماء اليه ولكنه منظمة مجاهدة تحتاج الى وحدة الراي والعمل ولذلك فان من حق المنظمة ان تبعد عنها من لا يريد التمسك والعمل بالسياسة التي تختطها لنفسها. ولو تنازل عزيز واطلع على تفاصيل المحاكمات التي جرت لهؤلاء القادة في المحاكمات الثلاث وهي موجودة بالنص الكامل كما صدرت في حينه لوجد ان هؤلاء القادة لم يحاكموا محاكمة حزبية ولم تجر تصفيتهم من قبل الحزب بل انهم حوكموا في المحكمة العليا للاتحاد السوفييتي محاكمات علنية حضرها كل سفراء الدول التي كانت ممثلة في الاتحاد السوفييتي وصحفيون من كل انحاء العالم وكتب عنها اول سفير اميركي في الاتحاد السوفييتي ، جوزيف ديفيز، في كتابه الشهير "بعثة الى موسكو" الذي انتج في فيلم بنفس العنوان. ولعرف من ذلك ان بخارين وزينوفييف وكامينيف وبياتاكوف لم يحاكموا على معارضتهم لسياسة الحزب او لستالين ولا على ارائهم السياسية وانما حوكموا على جرائم تخريب وقتل وابادة اقترفوها واعترفوا بها ضد شعوب الاتحاد السوفييتي وجرائم التآمر ضد الدولة الاشتراكية. ويقول عزيز سباهي ان التصفية شملت "تروتسكي الذي كان قد فر من البلاد منذ عام ١٩٢٩. ودبر قتله في المكسيك". وتبدو هذه العبارة كأن تدبير القتل جرى في اليوم الثاني من هروبه اذ لم يتفضل عزيز بتنوير قرائه عن الفترة التي تخللت هروب تروتسكي او طرده من الاتحاد السوفييتي وموعد قتله. هل سافر تروتسكي فور فراره الى المكسيك حيث دبر قتله؟ انه قضى سنوات في المانيا وعقد اتفاقا مع الحكومة الالمانية باجراء انقلاب عسكري في الاتحاد السوفييتي لدى هجوم الجيوش النازية عليه واعطاها مقابل ذلك اوكراينا هدية ووعد باعادة جميع الامتيازات الامبريالية الى الاتحاد السوفييتي بعد احتلاله. وكان تروتسكي هو الذي امر مؤيديه داخل الاتحاد السوفييتي مثل بخارين وزينوفييف وكامينيف وبياتاكوف وغيرهم بالتحول من المعارضة السياسية الى التخريب بعد ان انتهى الاتحاد السوفييتي من القضاء على الكولاك وهي الطبقة التي كان تروتسكي ورهطه يراهنون عليها في العودة الى النظام الراسمالي عن طريق النضال السياسي كما اظهرته الشهادات والوثائق والاعترافات في المحاكمات المذكورة. ومسألة تدبير قتله ايضا امر مشكوك فيه لان قاتل تروتسكي كان احد حراسه الشخصيين سنة ١٩٤١ حين كان الاتحاد السوفييتي يحارب جحافل الجيوش النازية الغازية ولم يعد تروتسكي يشكل اي خطر على الاتحاد السوفييتي اثناء وجوده في المكسيك يستوجب تدبير قتله. ان هذه المحاكمات كانت في الواقع القضاء على الرتل الخامس في الاتحاد السوفييتي الذي كان يريد له نفس مصير تشيكوسلوفاكيا والنمسا وفرنسا  او اسوأ من ذلك. من الجدير بالذكر هنا ان الخروشوفيين اعادوا اعتبار كافة المحكومين في هذه المحكوميات وغيرها وحتى المجرمين العاديين على اعتبار انهم من ضحايا ستالين ولكنهم مع ذلك لم يعيدوا اعتبار تروتسكي الى حين انهيارهم بانهيار الاتحاد السوفييتي.
ولو راجع عزيز سباهي تأريخ الحزب الشيوعي البلشفي بقراءة موضوعية لوجد ان هؤلاء المعارضين بقوا وواصلوا معارضة ستالين وسياسة الحزب الشيوعي السوفييتي طيلة وجودهم في الحزب سواء في اجتماعات اللجنة المركزية او المكتب السياسي او في المؤتمرات وان اراءهم كانت تنشر في كتب وصحف الاتحاد السوفييتي على حساب الدولة وان النقاش معهم كان يدور بصورة غاية في الديمقراطية في هذه الاجتماعات سوى ان الاغلبية الساحقة من المجتمعين كانوا يقتنعون برأي ستالين ومولوتوف وجدانوف وغيرهم ويصوتون لها بالاكثرية الساحقة لتصبح اراء هؤلاء سياسة الحزب الملزمة لكافة اعضائه. ولم يتعرض اي من معلمي البروليتاريا الاربعة الى الانتقاد والمعارضة علنا ووجها لوجه مثلما تعرض له ستالين في سنوات قيادته للحزب والدولة. وكان ستالين يناقش الانتقادات الموجهة اليه حتى من ابسط الناس مناقشة علمية لم يكن فيها اي تهجم او اعتبار كل معارض عدوا للطبقة العاملة كما يزعم عزيز سباهي.
يكفي هنا اقتباس فقرة أو فقرتين من كتاب "بعثة الى موسكو" للدلالة على رأي شخص لا يمكن اتهامه بأنه متحيز للاتحاد السوفييتي لانه يصرح انه راسمالي وانه ارسل في بعثته الى الاتحاد السوفييتي لكي يقدم صورة حقيقية موضوعية لما يحدث في الاتحاد السوفييتي.
كتب جوزيف ديفيز انطباعاته حول محاكمات  ١٩٣٧ و ١٩٣٨ التي حضر جميع جلساتها، ولم يكن موجودا في الاتحاد السوفييتي اثناء محاكمات ١٩٣٦، يوما بعد يوم ويرسل اراءه عنها الى المسؤولين في الولايات المتحدة. ولكنه كتب رسالة اخرى سنة ١٩٤١ بعد عودته الى الولايات المتحدة وبعد ايام من غزو هتلر للاتحاد السوفييتي  تحت عنوان "الرتل الخامس في روسيا، دراسة ادراك مؤخر".
بدا ديفيز رسالته بالملاحظة التالية:
"ولو ان هذا قد كتب بعد الغزو الالماني لروسيا في صيف ١٩٤١ فقد ادخلته هنا لان ذلك يبدو المكان المنطقي لكي نشرح كيف ادت محاكمات الخيانة الى القضاء على الرتل الخامس الهتلري في روسيا" ووقع ملاحظته بالحروف الاولى ج. أ. د.
ثم يقص كيف انه طلب اليه ان يلقي محاضرة في الجامعة التي كان قد تخرج منها في شيكاغو وبعد ايام من غزو هتلر لروسيا. وبعد المحاضرة وجه اليه السؤال التالي "فما عن الرتل الخامس في روسيا؟" فأجاب فورا "لا يوجد منهم احد – لقد أعدموهم رميا بالرصاص."
وفي القطار لدى عودته الى واشنطن ذلك اليوم استعاد ديفيز الى الذاكرة احداث تلك المحاكمات. شعر بعدم وجود اي ذكر لدى الهجوم الهتلري عن رتل خامس او مقاومين مؤيدين لالمانيا في هذا الغزو فخطر بباله ان من المهم استرجاع ما حدث حين كان في الاتحاد السوفييتي في تلك المحاكمات. وحين وصل الى واشنطن راجع كل كتاباته السابقة بهذا الخصوص. ثم يقول:
"حين تاملت هذا الوضع فجأة رايت الصورة كما كان يجب علي ان اراها في حينه. فقد سردت القصة فيما يسمى بمحاكمات الخيانة والتطهير لسنتي ١٩٣٧ و ١٩٣٨ التي كنت قد حضرتها واستمعت اليها. ولدى اعادة فحص سجل هذه الحالات وكذلك ما كنت قد كتبته انذاك من هذه الزاوية وجدت ان كل مكائد نشاطات الرتل الخامس الالماني، كما نعرفها الان، كانت قد كشفت وفضحت بالاعترافات والشهادات التي كشف النقاب عنها في محاكمات ’الكويزلينغيين’ (التأكيد في الاصل) الروس المعترفين على انفسهم في تلك المحاكمات" (مترجمة من كتاب ديفيز ص ١٨٠)
ثم يعدد بالاسماء العدد الكبير من الصحفيين الاميركيين الذن حضروا جلسات المحاكمات وكان يجتمع معهم كل مساء في السفارة الاميركية ليتداولوا في تفاصيل تلك الجلسات. ثم يبين كيف كانوا جميعا، وهو من ضمنهم، في حينه يرون ان تلك المحاكمات كانت تتركز على الصراع من اجل السلطة بين ستالين وتروتسكي، وليس حول نشاطات الرتل الخامس التي كانوا جميعهم قد استبعدوها انذاك. ثم يدرك انه شخصيا كان عليه ان يفهمها اكثر من غيره لانه كان مطلعا على قضايا وتفاصيل لم يكن يعرفها الاخرون.
ثم يسرد تفاصيل المؤامرات التي اجراها المتهمون في المانيا واليابان واتفاقاتهم مع هاتين الدولتين على تقديم المساعدات عند غزوهما الاتحاد السوفييتي وعن خططهم لاغتيال ستالين ومولوتوف وغير ذلك من المؤامرات الخيانية واعمال التخريب والقتل التي مارسوها في المشاريع الصناعية والعسكرية ويستشهد في سبيل ذلك باقتباس جزء من اقوال بعض المتهمين.
ويختتم دراسته الاستذكارية في هذه الرسالة الطويلة بقوله:
"لم يكن ثمة رتل خامس في روسيا في ١٩٤١ – كانوا قد أعدموهم رميا بالرصاص. ان التطهير كان قد نظف البلاد وانقذها من الخيانة" (نفس المصدر ص ١٨٤)
فشتان بين ما كتبه هدا الراسمالي الاميركي الذي لا يمكن اتهامه بالتحيز للشيوعية وللاتحاد السوفييتي وبين ما كتبه الشيوعي عزيز سباهي الذي يقوم بكتابة تاريخ حزب شيوعي.

ستالينية "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية"

واضح من كامل الفقرتين ان عزيز سباهي يتخلص من الرسالة بوصفها وثيقة ستالينية زاخرة بكل مساوئ التنظيم والتزمت والمركزية واعتبار كل من يعارض فهد عدوا طبقيا حين يقول "وعلى المنوال ذاته وبمطابقة ستالين بالحزب اصبح كل معارض داخل الحزب او خارجه عدوا طبقيا..." ويقتبس للبرهان على ذلك قول فهد "واصبح ما يقوله قائدهم الاكبر ستالين وما يأمر به، واجبا مقدسا وأمرا مطاعا ليس فقط من قبل اعضاء الحزب والطبقة البروليتارية السوفييتية والشعوب السوفييتية بل ومن البروليتاريا العالمية والشعوب". ولا ينسى ان يحلل نفسية المرارة التي كانت مسيطرة على الرفيق فهد عند كتابة الرسالة بسبب الخسائر الفادحة التي تكبدها الحزب جراء انشقاق الانتهازيين عنه فيقول "ان قارئ الرسالة يتلمس المرارة التي يكتب بها فهد برغم ان الحزب قد تجاوز اخطر المراحل في اعادة تأسيسه...". وطبيعي ان عزيز سباهي يشعر في نهاية تحليله انه ظلم فهد فيبادر بالرحمة عليه بان يوزع ظلمه على كافة الاحزاب الشيوعية وقادتها اذ يقول "ولكي لا نظلم الرفيق فهد نسارع الى القول بان هذه الفكرة قناعة جميع الاحزاب الشيوعية وقادتها يومذاك". وعزيز سباهي يستحق الشكر على تخفيف الظلم عن الرفيق فهد وتوزيعه على جميع الاحزاب الشيوعية. ولكن ما هي الجوانب السيئة في الرسالة وما هو الصحيح، المتحرر من الستالينية، الذي يجب ان يكون في الرسالة من وجهة نظر عزيز؟ علم ذلك عند الله اذ ان عزيز يكتفي باعتبار الرسالة وثيقة ستالينية بحتة.
ويعود عزيز سباهي الى مناقشة حزب شيوعي لا اشتركية ديمقراطية في الصفحة ٢٢٣ فيقول "من البداية يضعنا الكراس امام حقيقة مرة. ان الرفيق فهد يؤكد في بدء رسالته ان الموضوعات التي يطرحها الصديق (مقدام) وهي كلها تدور حول الاسس التي يقوم عليها تنظيم الحزب الشيوعي الذي يمارس عمله سرا ’لا يمكن فهمها واتقانها الا بدراسة ما كتبه ماركس – انجلز – لينين – ستالين وتتبع حركة الطبقة العاملة في ادوارها الثلاثة المتمثلة بالامميات الثلاث’ ". ولكن فهد يواصل الكلام فيشرح الامميات الثلاث وظروف كل منها وطبيعة الاحزاب التي كانت تتفق مع ظروف كل مرحلة حتى يصل الى الاممية الثالثة التي تمثل البروليتاريا في مرحلة الراسملية الامبريالية والثورة البروليتارية وضرورة ان يكون للبروليتاريا في هذه المرحلة حزب مجاهد حديدي التنظيم يتفق ومهمة اعداد وقيادة الثورة البروليتارية. وعزيز يشعر بالمرارة من رأي فهد الستاليني المتزمت بتأكيده ان فهم الامور التي يتساءل عنها مقدام تتطلب دراسة الماركسية اللينينية. وبدلا من ان يتطرق الى شرح فهد لتطور الامميات الثلاث اخذ يؤكد على "ان ما كان في متناول الشيوعيين والديمقراطيين عامة في العراق يومذاك من الأدب الماركسي بالعربية لا يزيد عن بضعة مؤلفات يجري تداولها سرا طبعها الحزب في مطبعته السرية." (يبدو ان الديمقراطيين ايضا حسب رأي عزيز كانوا يبحثون عن الادب الماركسي). "وكانت (موجز تأريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي ) الذي صيغ بما يتلاءم والخط الستاليني وصورت فيه الصراعات والخلافات التي جرت في الحركة الاشتراكية الديمقراطية الروسية، وفي الحزب البلشفي خاصة من وجهة نظر ستالين تجاه هذه الخلافات و(اسس اللينينية) وهو من تأليف ستالين، والذي قدم التبرير النظري لوجهة النظر هذه. والى جانب هذين الكتابين كان يجري تداول (البيان الشيوعي) لماركس وانجلز المطبوع في سوريا..." وبما ان الكتابين كانا اما بقلم ستالين او بصياغة تعبر عن وجهة نظره فقد كان ذلك تافها بالنسبة لعزيز سباهي على ما يبدو. ومعروف ان كتاب الاسس اللينينية ناقش اللينينية بتفاصيلها في محاضرات القاها ستالين بعد وفاة لينين. وهو وثيقة ماركسية عظيمة تشرح مبادئ لينين. والادعاء بأن الخلافات في الحزب الشيوعي صيغت بما يتفق ووجهة نظر ستالين لا تنتقص من عظمة كتاب تأريخ الحزب. كان ستالين احد اعضاء اللجنة التي قامت باعداد هذا الكتاب. ودور ستالين في كتابته معروف اذ انه هو الذي لخص كافة كتب لينين في المواقع المناسبة من التأريخ. وبدلا من تلخيص كتاب المادية والنقد التجريبي للينين كتب كراسه المعروف عن المادية الديالكتيكية والمادية التأريخية الذي قد يكون خير ما كتب في ايضاح القوانين الديالكتيكية. اما تأريخ الخلافات وتطور النقاشات في مؤتمرات الحزب فقد اقتبست من محاضر هذه الجلسات والمؤتمرات بالنص الكامل. ولو تكرم عزيز وقرأ الكتاب لرأى ان النقاشات تضمنت نصوص خطابات الاعضاء الذين عارضوا ستالين وانتقدوه وردود ستالين على تلك النقاشات والانتقادات بروح ديمقراطية بحتة وكيف ان جميع القرارات اخذت بالتصويت في اللجنة المركزية او في المؤتمرات او حتي بالاستفتاءات الحزبية. ويكفي لفهم دقة هذا التأريخ مقارنته بالتواريخ التي كتبت بعد اعتبار هذا التاريخ من مؤلفات ستالين فاصبح مستمسكا جرميا شأنه في ذلك شأن سائر مؤلفات ستالين في زمن خروشوف ثم في زمن بريجنيف. على اية حال فان فهم ظروف الاحزاب الشيوعية العاملة في السر لا يتطلب في رأي عزيز سباهي دراسة الماركسية اللينينية وها هو يكتب تاريخ الحزب الشيوعي بدون أن يرى حاجة الى مثل هذه الدراسة. وهو قد حلل تأريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي دونما حاجة الى الاطلاع عليه وحكم عليه بالبيروقراطية والتشدد وتصفية كل معارض لستالين. فأي تعسف ستاليني من جانب فهد في طلبه من اعضاء الحزب دراسة الماركسية اللينينية من اجل فهم ما جاء في الرسالة؟ 
وفي صفحة ٢٣٤ من الكتاب يعود عزيز سباهي الى الحديث عن حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية فيضع عدة اسئلة عن العلاقة بين المركزية والديمقراطية في الحزب السري ثم يقول "لقد عاد الى صفوف الحزب كثير من الرفاق الذين انشقوا عليه، وعديد منهم ابدع كثيرا في نضاله من بعد وتفانى فيه الى حد الاستشهاد البطولي وبحمية دفاعا عن القضية المشتركة، قضية الحزب. أفلا يدل هذا على ان ابتعاده في فترة قبلها لم يكن يعكس جوهره الحقيقي وان من غير الضروري، والحق يقال، وصم الجميع بالخيانة والمروق؟ والى اي حد كان الحديث سليما عن المثقفين والتحامل عليهم باسم الدفاع عن الايديولوجيا البروليتارية؟ نحن نعتقد ان الكتاب انطوى على كثير من التشدد غير المبرر في الوقت الذي انطوى على حرص مقابل على مصلحة الحزب. وبين هذا وذاك، لابد ان يكون قد تعرض عديد من المناضلين الى احكام جائرة كان يمكن تداركها، وهذا بالطبع لا يعني ان جميع الذين نشطوا للتكتل والانشقاق كانوا من هذا البعض".
ما الذي كان عزيز يريد من الحزب ان يسلكه تجاه المنشقين؟ هل كان بامكان الحزب ان يضعهم في المنخل ليعزل المنشقين الطيبين عن اخوانهم غير الطيبين؟ ثم انهم هم الذين انشقوا على الحزب وليس الحزب هو الذي انشق عليهم. وهم الذين فضلوا ان ينضموا الى التكتل وليس الحزب هو الذي دفعهم على ذلك. ولكنهم حين شعروا بخطأ انشقاقهم وانضمامهم الى التكتل وعادوا فقدموا طلبهم الانضمام الى الحزب فقد رحب الحزب بهم واصبحوا جزءا من الحزب. أليس هذا اكبر دليل على ديمقراطية الحزب وان الحزب لم يظلمهم او يتخلى عنهم لانهم مثقفون انما لانهم انشقوا على الحزب؟ واين كان الحديث عن المثقفين والتحامل عليهم باسم الدفاع عن الايديولوجيا البروليتارية؟ هل وجد عزيز في كتابات الرفيق فهد تحاملا على المثقفين بصفتهم مثقفين؟ ليقرا عزيز ما جاء حول المثقفين وغيرهم من الطبقات غير البروليتارية في النظام الداخلي لكي يطلع على رأي الرفيق فهد الحقيقي حول المثقفين حيث جاء "ان هؤلاء هم طليعة الطبقة العاملة ومفخرة شعبنا النبيل". ان ما كتبه فهد كان ضد الانتهازيين من مثقفين وغيرهم وحتى من افراد الطبقة العاملة غير الناضجين ومن ارستقراطية العمال داخل الحزب وخارجه وضد الانتهازية المتعمقة الجذور في المجتمع العراقي فهل يعتبر عزيز سباهي التحدث عن الانتهازيين تحاملا على المثقفين؟ أليس هذا مطابقة كلمة انتهازيين بكلمة مثقفين يا عزيز؟
ورغم نظرة عزيز سباهي السلبية للكراس ورغم وصفه اياها بالوثيقة الستالينية المتشددة يعود فيقول في صفحة ٢٣٥
"وعلى اية حال فان للرسالة اهميتها السياسية الى جانب اهميتها الفكرية والتنظيمية. لقد اوجد نشرها والانصراف الى دراستها في خلايا الحزب ثقة كبيرة لدى رفاق الحزب في القدرة على تحدي وتخطي العقبات التي اوجدتها الانشقاقات، وعودتهم على خوض الصراعات الفكرية ضد القوى التي تخالفهم في الراي. واوجدت ترابطا روحيا بين القيادة والقاعدة كان ضروريا في خوض المعارك الواسعة التالية، وابعدت عن الناس المحيطين بالحزب صورة الانهيار الذي انتهى اليه الحزب في الثلاثينات اثر تعرضه الى الصراعات الشخصية في قيادة الحزب". هل جرى كل ذلك رغم ستالينيتها يا عزيز؟
شكرا لعزيز سباهي اذ وجد الى جانب اهمية الكراس الفكرية والتنظيمية (السلبية) اهمية سياسية ايجابية. 
واللجوء الى ستالين غاية في السهولة. اذ هل كان بين شيوعيي العالم كله، وربما حتى عزيز سباهي، من لم يحب ستالين حتى يوم وفاته ويعتبره المعلم الرابع للبروليتاريا بعد ماركس وانجلز ولينين ؟ واذا كانت شعوب الاتحاد السوفييتي قد احبت ستالين وسارت تحت قيادته في بناء اول مجتمع اشتراكي في التأريخ ودافعت عن المجتمع الذي شيدته بتضحيات وبطولات لم يشهد التاريخ لها مثيلا فدحرت اعتى قوة حربية عرفها التأريخ حتى الحرب العالمية الثانية، المانيا النازية وحلفاءها، وسيف ستالين مسلط على رقابها، فاننا نحن شيوعيي العالم خارج الاتحاد السوفييتي لم يكن سيف ستالين مسلطا على رقابنا ولم يكن حبنا له خوفا على حياتنا، بل بالعكس كان سيف اخر مسلطا على رقابنا، سيف السلطات الامبريالية الرجعية  فكان حبنا لستالين يعرضنا للطرد من الجامعات والمدارس والوظائف الحكومية والى السجون وسراديب التعذيب وحتى الاعدامات واحببناه رغما عن ذلك. اننا كنا نستمع الى بطولات الشعوب السوفييتية السائرة تحت قيادة ستالين والى كلام ستالين الذي كانت كل كلمة من كلماته تهز العالم كله فأحببناه.
الا ان الذين احبوا ستالين نوعان. النوع الاول ومنهم الرفيق فهد هم الذين درسوا ستالين وفهموه وتعمقوا في فهم نظرياته المكملة للماركسية اللينينية واستفادوا منها في تخطيط وخوض نضالاتهم كل في بلاده. ومثل هذا النوع من محبي ستالين ما زال ضروريا لكل شعب يناضل من اجل التحرر وكل بروليتاري يناضل من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية وبناء مجتمع اشتراكي وكل شيوعي يريد ان يكون قائدا للطبقة العاملة ولحلفائها في النضال في مرحلة التحرر الوطني او في مرحلة الثورة الاشتراكية أو بعد ذلك لدى بناء المجتمع الاشتراكي لأن شجب ستالين هو شجب الماركسية والماركسية اللينينية اذا شاء عزيز. والنوع الثاني هم الذين احبوا ستالين بدون ان يفهموه او يدرسوه. احبوا شاربيه وقدسوا اسمه كما لو كان الاها يعبدونه. هؤلاء هم عبيد ستالين. انهم قدسوه كما قدست الشعوب الاصنام. وحالما شن خروشوف في ١٩٥٦هجومه على ستالين صدقه هؤلاء العبيد وتخلوا عن عبادة ستالين لا ليتحرروا من العبودية وانما ليبحثوا عن صنم اخر يعبدونه. عبدوا خروشوف ثم عبدوا بريجنيف وبعده عبدوا غورباشوف. ولا ادري من هو صنمهم الان لان الاصنام عديدة وليس جورج بوش الثاني مستثنى منها.
وما الذي يبقى من القائد لتستفيد منه الاجيال القادمة؟ ان ما يبقى هو التراث الفكري الذي يخلفه. فنحن نعرف ماركس بقراءة الراسمال وسائر تراثه العظيم الذي خلفه لنا ونعرف انجلز ولينين مما خلفوه من تراث فكري ونفس الشيء يصح على ستالين. ونرى ان ما خلفه خروشوف وبريجنيف وغورباشوف قد احتل مكانه في سلة مهملات التاريخ. وعليه فاننا نعرف فهد ايضا مما خلفه للبروليتاريا العراقية وللشعب العراقي من تراث فكري. ولكن يبدو ان ليس في كوز عزيز سباهي ما ينضحه بهذا الخصوص فلجأ الى ستالين لكي يتخلص من كل ما جاء به فهد في كراسه "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية" بجرة قلم. والقارئ اذ يقرأ عبارة عزيز سباهي لا يعرف ماذا في الكراس من الاخطاء التي نجمت عن اعتماد فهد على ستالين ولابد ان يستنتج ان الكراس كله كان مليئا بالاخطاء او تافها ليس فيه سوى العجرفة الستالينية. ليسمح لي القارئ الكريم ان استرجع بعض المواضيع التي خاضها فهد في رسالته لكي نرى ان كانت الاراء التي جاء بها فهد في رسالته قد اصبحت تافهة لا قيمة لها ام هي مازالت حيوية وضرورية حتى بعد التخلص من عبادة ستالين؟ ليس في نيتي ان اناقش كافة مواد رسالة حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية لان ذلك يطول ويبعدنا عن موضوعنا، ولا اريد مناقشة قضية البرنامج حاليا لان ذلك سياتي عند مناقشة الميثاق الوطني ولا القضايا التنظيمية لانها تأتي عند مناقشة النظام الداخلي. ساكتفي بمناقشة نقطة او نقطتين من الرسالة.
في صفحة ٢٣ من مؤلفات الرفيق فهد جاء بحث الاقلية الصائبة والاكثرية الخاطئة. قال " كان لينين شديد الحرص على الضبط الحزبي – التقيد بالمبدأ والنظام وتنفيذ مقررات الاكثرية والهيئات العليا الممثلة للاكثرية – باعتباره من مستلزمات الحزب الذي كان يريده كأداة للطبقة البروليتارية من اجل الثورة البروليتارية، من اجل قضية الاشتراكية، اما حرصه على القضية الاساسية قضية الاشتراكية، فكان بالطبع اشد، لذلك لم يعتبر مسألة الاكثرية والاقلية من وجهتها الحسابية – العددية بل من وجهة تعبيرها عن افكار وسياسة البروليتاريا حقا". (التأكيد في الاصل) ترى هل في هذه الفقرة تعسف ستاليني؟ فجوهر هذه الفقرة يعتبر ان الماركسية اللينينية، اي افكار وسياسة البروليتاريا الحقة، هي الاساس في تحديد الاكثرية والاقلية وليس النسبة الحسابية. فلو اخذنا على سبيل المثال قرار الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي بالغاء دكتاتورية البروليتاريا والاستعاضة عنها بدولة الشعب كله، وهو قرار لا ماركسي في الظروف التي اتخذ فيها، فان موقف شخص واحد في الحزب او خارج الحزب معارض لهذا القرار يكون هو الاغلبية ولو ان الحزب كله وافق على القرار لأن هذا الشخص الواحد هو الذي يمثل افكار وسياسة البروليتاريا حقا. اليس هذا المبدأ، مبدأ احتساب الاكثرية لا بالعدد الحسابي، بل بالتعبير الحقيقي عن الماركسية وعن مصلحة الطبقة العاملة هو الاساس في تحديد الاكثرية والاقلية اليوم في عصرنا حين تخلت كافة ما يسمى اليوم بالاحزاب الشيوعية عن الماركسية اللينينية وعن تمثيل مصالح الطبقة العاملة الحقيقية؟ يبدو لي ان هذا المبدأ اللينيني او لنقل الستاليني الذي آمن به فهد وايده وثبته في رسالته اصبح اليوم اكثر حيوية مما كان عليه في ايام كتابة الرسالة، اي حين كانت الاحزاب الشيوعية كلها سائرة وفق المبادئ الماركسية وتعتبر الحزب الشيوعي السوفييتي وستالين منارا هاديا لها.
وفي صفحة ٥٦ من مؤلفات الرفيق فهد جاء بحث جذور الانتهازية. يقول فهد "اني لا انكر دور الاشخاص في هذه الانحرافات ولكنهم ليسوا مصدرها انهم نبتات جذورها الراسخة في تربة قطرنا. ان العدو يضحك من عقولنا ويفرح ان نحن حاربنا اوراق الشجرة واغصانها وتركنا جذورها سالمة. علينا ان لا نكون اغبياء الى حد اعتبار الاخطاء التي نشأت وتنشأ في وسطنا متأتية عن اولئك الاشخاص فنحاربهم دون محاربة التيارات الانحرافية وتنظيف حركتنا منها". هل يمكن اهمال هذه العبارة باعتبارها ستالينية؟ هل اصبحت هذه العبارة عديمة الاهمية اليوم حين اصبحت الانتهازية اشجارا وافرة الظل شملت جميع الاحزاب الشيوعية واولها الحزب الشيوعي السوفييتي الذي أعاد بعد انحرافه الدولة الاشتراكية الى دولة راسمالية؟ ان هذه العبارة ما زالت اليوم تحتفظ بحيويتها وما زال على كل شيوعي حقيقي, شيوعي يؤمن بالماركسية اللينينية ويطبقها أن يضعها نصب عينيه ولا يغفل عنها ولو لحظة واحدة في حياته.
ينتقد عزيز سباهي ستالين لانه "كان ستالين يؤكد في خطبه وكتاباته مقولته بشأن احتدام الصراع الطبقي مع انتصار الاشتراكية ...". فما قولك يا عزيز؟ هل اثبت التأريخ ان نظرية ستالين في احتدام الصراع الطبقي مع انتصار الاشتراكية كانت نظرية خاطئة؟ لقد اعلن الخروشوفيون بعد انعتاقهم من عبودية ستالين انه لم يبق بين شعوب الاتحاد السوفييتي الاشتراكي من يعادي الاشتراكية ولذلك اعلنوا ان الحزب لم يبق حزب البروليتاريا بل اصبح حزب الشعب كله وتبجحوا بقرار من مؤتمر الحزب بأنهم سيتوصلون الى الشيوعية الكاملة سنة ١٩٨٠. فماذا كانت النتيجة غير ان العدو الطبقي استعاد قواه وتحول من الدفاع الى الهجوم حتى قضى على الاتحاد السوفييتي والاشتراكية والحزب الشيوعي ذاته والحركة الشيوعية العالمية كلها. هل هذا دليل على ان ستالين كان على خطأ حين اكد على اشتداد الصراع الطبقي بعد انتصار الاشتراكية؟
اكتفي بهذا القدر من مناقشة "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية" وانصح القارئ بأن يعيد قراءة الكراس مرة بعد مرة لكي يستوعب ما جاء بها من عمق وبعد نظر ماركسي. فهي ككل كتابات الرفيق فهد ارث فكري حيوي لا يفقد حيويته حتى في يومنا هذا. 



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي ...
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الاول
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثاني
- كتاب : الثورة التكنولوجية واقتصاد العولمة - الجزء الثالث
- كتاب - خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...
- كتاب- خارطة طريق الولايات المتحدة الاميركية برؤية ماركسية - ...


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - خطرات من قراءة كتاب عزيز سباهي - عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي - الجزء الاول