أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فوزي حامد الهيتي - هل هناك حل لازمة العنف الطائفي في العراق















المزيد.....

هل هناك حل لازمة العنف الطائفي في العراق


فوزي حامد الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2015 - 2007 / 8 / 22 - 02:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أخذت موضوعة الطائفية في عراق اليوم مساحة واسعة من المساجلات الكلامية والحوارات الفكرية الجادة لمناقشة هذه الموضوعة، ويحق لنا أن نسأل بعد كل الذي قيل ويقال من أطروحات حول ما يجري في الساحة العراقية: هل الصراع الدموي في العراق اليوم هو صراع طائفي بالفعل مثلما يسوقه الإعلام أم أن دوافعه وأسبابه الحقيقية بعيدة عن التكوين الاجتماعي والمذهبي لبنية المجتمع العراقي ؟؟
ونعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تتطلب الوقوف أولا عند ظاهرة العنف ذاتها لنفككها ونحللها لمعرفة مكوناتها ودوافعها فما هي الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا العنف المدمر لكل ما هو جميل ونافع في الحياة ؟ ما هي خلفيات هذا الصخب السياسي .... صخب في الخطاب وصخب في السلوك والممارسة .
علينا بدأًًَ أن نبتعد عن الإجابات الإتهامية الجاهزة التي تبرئ الذات من كل الخطايا ، علينا أن نبدأ بذواتنا نفحص مقولاتنا ومسلماتنا الفكرية وان نحمل أنفسنا ولو جدلا مسؤولية ما يجري ، فنحن ضحايا عنف شاركنا جميعا بإنتاجه ونحن اليوم ضحايا له.
ربما كان للاحتلال وما نتج عنه من فراغ امني وسياسات خاطئة قد ساهمت في تصعيد العنف وتركه يأخذ مدياته وكان من الممكن أن يحد منه أو حتى منعه ولكن في كل الحالات لا يمكننا تحميله كل ما يجري فالعنف بعده ظاهرة كان موجودا قبل الاحتلال مارسته أنظمة الحكم المتعاقبة كما مارسته أحزاب سياسية ضد بعضها البعض ومارسه العلمانيون قبل الإسلاميين أنتجه المثقف قبل أن يجسده سلوكا وممارسة المريد والتابع والمقلد من عامة الناس .
كما انه ليس بفعل مخابرات أجنبية ، إقليمية أو عالمية تمارسه على أرض العراق . صحيح إن لهذه المخابرات حضور وفعل في الساحة العراقية وربما ( بل أكيد ) ساهمت في تفعيل وتغذية هذا العنف بتوفير أدواته من مال وسلاح وتدريب وحتى أناس يقومون به ، ولكن ما كان لهذا الفعل أن يأخذ كل هذه المساحة دون مباركة ومشاركة من شريحة عراقية واسعة ونؤكد على إننا قد مارسناه في السابق ونحن في السلطة ومارسناه ونحن في المعارضة .
كما إن هذا العنف ليس طائفيا مذهبيا أو عرقيا قوميا ، فظاهرة العنف نراها داخل العائلة الواحدة بين الأخوة مثلما نراها داخل الفصيل السياسي الواحد وداخل المذهب الواحد والعرق الواحد. نعم إن شكل العنف الذي تشهده الساحة العراقية اليوم هو ديني طائفي مذهبي مثلما اتخذ في الماضي أشكالا أيديولوجية عقائدية سياسية أخرى وهو يشبه في بشاعته ووحشيته طريقة تصفية نوري السعيد والعائلة المالكة بعد أحداث تموز 958 من القرن الماضي .
إن العنف في تاريخنا السياسي والاجتماعي له عمق يمتد إلى قرون طويلة ومحاولة ربطه بمتغيرات آنية لا يفسر بمفرده الظاهرة، فكل العوامل التي اشرنا لها تعد عوامل مباشرة تحتاج إلى أرضية مناسبة تستقبله وتتفاعل معه لتفرز ما نراه من عنف دموي، كما إن الاعتماد على مقولات فلسفية جاهزة مثل قول هوبز (إن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان ) لا تفسره بقدر ما تبرر لظهور الاستبداد السياسي الذي يعد شكلا من أشكال العنف.
إن دراسة ظاهرة العنف في الشخصية العراقية وتحليل أسبابها وخلفياتها السلوكية والفكرية تتطلب جهدا جادا لا يقل عن المحاولات الرائدة للعلامة علي الوردي في هذا المجال . وبما إن المقام لا يسمح لنا بتفصيل القول في هذا المقال سأكتفي بذكر جملة من الملاحظات يمكن أن تكون إضاءات أو إشارات مرورية نستعين بها في فهم وتفسير ما يجري وتكون أساسا ننطلق منه في جوابنا على سؤالنا الأول حول الصراع الطائفي في العراق واليات الخروج من الأزمة:
الملاحظة الأولى تتعلق بالمنطق الذي يحكم بنيتنا الفكرية ويمكن أن ندعوه بمنطق وحدة الحقيقة . إن هذا المنطق هو ليس خاصية في الثقافة العراقية وإنما يصدق على عموم الثقافة العربية الإسلامية ولكن تُرجِِم عندنا ليس فقط إلى تغييب الآخر وإبعاده من الحياة الثقافية بل حرمانه من حق الوجود وإقصائه وتصفيته جسديا . ومنطق وحدة الحقيقة يعني باختصار إن الحق واحد ولا يمكن أن يكون اثنان ، وطالما إنني على حق ومتيقن مما أراه فان الآخر المختلف عني هو على باطل بالتأكيد . إن هذا الوصف يصدق على كل أيديولوجيا واعتقاد دوكمائي، ويتحول إلى مصدر للعنف عندما يرتبط بقضيتين أخرتين هما :
الأولى : اعتقادنا الراسخ إننا لا يمكننا إقامة الحق وتجسيده إلا بإزالة الباطل وإقصائه تماما .
والثانية : إيماننا المطلق بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،أي تكليف أنفسنا بواجب إزالة الباطل وتجسيد الحق . إذا اعتقدنا نحن المالكون للحق والناطقون باسمه وعلينا واجب ومسؤولية تنفيذه بدءاً بإزالة الباطل وقلعه من جذوره، لن يعد بعد هذا خيار سوى رفع السلاح وتصفية الآخر المختلف .
ما يعزز لهذا المنطق من إنتاج العنف ارتباطه بمنظومة اجتماعية بطريركية عمودية مؤسسة على مجموعة من القيم والمفاهيم التربوية لا تنتج سوى أفراداً مسخ لا إرادة لهم خارج القطيع، لا يعرفون معنى الحرية وغير قادرين على التفكير المبدع الخلاق. وهذه هي الملاحظة الثانية. وأود هنا أن أذكر بنماذج من تاريخنا البعيد والقريب ففي القرون الوسطى حدث الصراع بين العقائد والمذاهب الإسلامية المختلفة ومن أشهر هذه الفرق المتصارعة كان بين المعتزلة والحنابلة ومن ثم بين المعتزلة والاشعرية وكانت مظاهر الصراع الدموي هذه تجري تحت مقولة – الفرقة الناجية – والتي ترتكز على الحديث النبوي الشريف الذي يتنبأ بانقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها إلى النار إلا واحدة وهي الفرقة المالكة للحق والناطقة باسمه. أما في تاريخنا القريب فكان الصراع يجري تحت لافتة البعثيين والشيوعيين في خمسينات وستينات القرن الماضي وبشعارات ومفاهيم ونظريات ربما لم تكن واضحة ومفهومة حتى في أذهان الناطقين بها والغريب في الأمر إن الخارطة السكانية لذلك الصراع تشبه تقريبا خارطة الصراع الدموي الذي تشهده الساحة العراقية اليوم ولكن تحت لافتة أخرى هي اللافتة المذهبية الشيعة والسنية.
أما الملاحظة الثالثة التي قد تعيننا في تفسير هذه الظاهرة هي : حالة التوتر والقلق والتطرف التي تتصف بها الشخصية العراقية وهي صفة قد أشار إليها الدكتور علي الوردي وخصها بدراسة قيمة خلص فيها إن أسباب هذه الصفة هو عامل بيئي إذ أن وقوع العراق على حافة الصحراء جعله مسرحا لصراع ثقافتين هما البداوة والحضارة وقد انعكس هذان النمطان من الثقافة على الشخصية العراقية فاتصفت بالتناقض والتوتر والتطرف في اتخاذ المواقف.
والملاحظة الرابعة تتلخص في العامل الجغرافي الاقتصادي ، فالعراق بلد غني اقتصاديا ومنذ القدم في حين تحيطه بلدان صحراوية فقيرة مما جعله مسرحا لصراعات القوى الإقليمية والدولية على مر التاريخ . ونحن نعلم إن تاريخ العراق هو تاريخ حرب لم يعرف فيه الاستقرار إلا قليلا وهذا بالتأكيد انعكس على طبيعة الشخصية العراقية حيث طبعها بالعنف. وهذه الصفة قد تفسر لنا حدة العنف وقسوته التي تمارسها بعض الجماعات اليوم.
إن تضافر هذه العوامل مجتمعة وتفاعلها مع العوامل المساعدة أو المباشرة يفسر لنا الكثير مما يجري اليوم من عنف مبالغ فيه وأي محاولة لمعالجة جادة لهذه الظاهرة عليها أن تأخذ ما ذكرناه في الحسبان. والعنف الطائفي الذي يمثل مظهر من مظاهر العنف في بلادنا يمكن أن يفسر في ضوء ما ذكرناه وبخاصة الملاحظة الأولى والثانية التي تتناول بنيتنا الفكرية المرتكزة على جهاز مفاهيمي ومنظومة قيمية تربوية تنتمي إلى نظام بطريركي أبوي لا ينتج سوى أشخاصا طيعين مسلوبي الإرادة خاضعين لمؤسسة كهنوتية (دينية كانت أم علمانية ) محكومة بمنطق وحدة الحقيقة تحركهم وفق ما تعتقده انه الصواب وفيه مصلحة القطيع وبما يمليه عليها واجبها المقدس في قيادة وحماية هذا القطيع.
ما أود قوله في كل ما أسلفت إن ظاهرة الانقسام الطائفي وما ينتج عنها من عنف دموي هي ظاهرة مركبة ومعالجتها تحتاج إلى برنامج وطني طويل يستلزم توفر إرادة وطنية جادة في مسعاها واعية لحجم المشكل الذي تود معالجته.
إن ما يطرحه بعض الساسة والمعنيين بالشأن العراقي من المفكرين في وصف ظاهرة الانقسام الطائفي بأنها طائفية سياسية وليس طائفية اجتماعية وهم يقصدون حصرا الطائفية المذهبية وتحديدا (السنة والشيعة) هو صحيح بهذا الحصر والتحديد بل إن من أهم أسباب نشوء العقائد والمذاهب في التاريخ الإسلامي مثل المعتزلة والمرجئة والجبرية وغيرها من العقائد كانت سياسية ولكن هذه المواقف السياسية المتباينة كانت تعبر عن مصالح اقتصادية لشرائح اجتماعية عريضة في المجتمع الإسلامي آنذاك. والحل لا يمكن أن يكون بالنفي والإلغاء فكريا أو وجوديا بل ولا حتى بمحاولات الترقيع التي يحاولها اليوم الأستاذ الفاضل احمد الكاتب من خلال تفكيكه للمرجعيات المعرفية التي ترتكز عليها الطائفتين السنية والشيعية وبيان تهافتها معرفيا ولا جدواها تاريخيا وإنما فقط بحماية مصالح الجميع وهذا يصدق ليس فقط على الطائفية المذهبية وإنما يصدق أيضا على الطائفية الدينية والعرقية فالهدف يجب أن لا يكون إنهائها فهي تعد شكل من أشكال التنوع الثقافي للمجتمع العراقي وهي بهذا المعنى تعد غنا له.
إن ظهور الطوائف وبخاصة المذهبية والفكرية تعد شكلا من إشكال المواقع التي يتحصن بها الأفراد المنتمين إليها دفاعا عن مصالحهم وأرائهم ومعتقداتهم عندما تغيب دولة القانون والمؤسسات القائمة على التعاقد ورعاية مصالح جميع الأفراد المنتمين إليها. وهذه الانقسامات المجتمعية ستظهر حتى في المجتمعات الموحدة والمنسجمة عرقيا وثقافيا، ربما تحت مسميات أخرى مثل القبلية أو المناطقية ولكن بالضرورة ستظهر وبمظهرها العنفي عند بروز أو وجود أسباب ظهورها، والكن المشكلة تتعقد أكثر عندما تتخذ هذه المظاهر الانقسامية أوصافا مذهبية وعقائدية أو فكرية لتبرير مطلبها وتقوية مصالحها، وتتفاقم المشكلة عندما تظهر مؤسسات اجتماعية ناطقة باسم هذه الجماعة تتحول هذه المؤسسات عبر التاريخ إلى مؤسسات كهنوتية تتحدث باسم المقدس، لها مصالح في بقاء الوضع واستمرار الانقسام لما يحققه لها من منافع ذاتية بعيدة عن مصالح جماعتها فتتحول هذه المؤسسات من مؤسسات مدافعة عن حق الجماعة إلى مؤسسات منتفعة من وجود الجماعة وعلى حسابها فتسعى هذه المؤسسات وبمختلف الوسائل والذرائع إلى ديمومة الحال واستمراره بل وتحارب بكل ما أوتيت من قوة وسلطة لتقويض أية محاولة إصلاحية جادة تهدف إلى معالجة ورفع أسباب التناقض والتحارب الطائفي. إن النموذج الكنسي ]البروتستانتي والكاثوليكي[ في أوربا المعاصرة نموج حي على آلية سلوك هذه المؤسسات حيث تحاول هذه المؤسسات اليوم أن تعيد السيطرة على المؤسسات التربوية لتحكم سيطرتها من جديد على العقول وباسم المقدس، لتستعيد ما فقدته من سلطة خلال القرنيين أو الثلاثة السابقة من التيار الليبرالي وتحت الذرائع والحجج التي يستخدمها الليبراليون ذاتها من حرية فردية وحقوق إنسان بل وتستعين بالدولة الليبرالية على تحقيق هذا الهدف بعد أن تحوًل دور الدولة الليبرالية من دولة محتكرة للعنف ومعنى الحق إلى دولة مجرد حامية للحريات الفردية وحقوق الإنسان وما الدعوة إلى الحريات الدينية والمطالبة بتعديل البرامج العلمية وإدخال التفسيرات الدينية في مقابل النظريات العلمية الحديثة وترك الحرية للأطفال أو ذويهم باختيار احد هذه التفسيرات منهاجا يدرسونه في المدرسة، إلا نافذة من النوافذ التي تتسلل منها هذه المؤسسات لإحكام سيطرتها على العقول بعد احتكارها للمعنى والحق الذي كان حكرا للدولة الليبرالية فضلا عن احتكارها الخير الذي سيعاد سلبه من الأفراد بعده مجالها الحيوي .
في ضوء كل الملاحظات السابقة يمكننا القول إن ظاهرة العنف في العراق ومنه العنف الطائفي وبكل أشكاله الديني والمذهبي والعرقي القومي هو نتيجة لجملة من العوامل والأسباب، لا يمكن علاجه والقضاء عليه إلا بمعالجة جميع أسبابه وعوامله المنتجة له جملة واحدة وأية معالجة جزئية له لن تفلح بالقضاء عليه. وهذا يعني إن عملية المعالجة هي بمثابة برنامج إصلاحي متكامل يشمل جميع نواحي حياة العراقيين السياسية والاجتماعية والقانونية. وعملية الإصلاح الشاملة والمتكاملة عملية صعبة وطويلة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة . صعوبتها تكمن في كونها عملية إصلاحية مجتمعية وأدواتها الإنسان العراقي ذاته فهو المصلح وموضوع الإصلاح في الآن معا لهذا نقول عنها إنها معقدة. فالقوى السياسية الفاعلة اليوم في الساحة هي ذاتها بحاجة إلى إصلاح منظوماتها الفكرية وجهازها المفاهيمي وإعادة النظر في مرجعياتها فهي تشكل اليوم في بنائها عصبويات بالمفهوم الخلدوني لمصطلح العصبة وترتكز على جهاز مفاهيمي ومرجعية فكرية متكاملة لا تسمح لها بالتعامل مع الكيانات الأخرى ( العصبويات ) إلا بعدها النقيض المنافي لوجودها الغير مرغوب فيه كما إن بنيتنا الاجتماعية البطريركية الأبوية التي تعزز وتساهم في إنتاج مثل هكذا عصبويات شمولية إقصائية، هي أيضا قائمة على منظومة قيمية وجهاز مفاهيمي تربوي لا ينتج إلا أفرادا مسخ طيعين غير قادرين على الفعل والاختيار الحر. ولكن هذه العملية كما أشرت ليست مستحيلة لان البنى الاجتماعية هي بنى حية مفتوحة على المستقبل تنمو وتتطور مثل كل الكائنات الحية ويكون ذلك بالتثاقف والتفاعل مع الآخر المختلف وكلما كانت هذه البنى أكثر انفتاحا وتفاعلا مع غيرها من البنى المختلفة كانت أكثر قوة وإبداعا وقدرة على البقاء والاستمرار، في حين أن البنى المنغلقة على ذاتها والتي تجتر ذاتها ستضمحل وتتلاشى مع تقادم الأيام وما يبقى منها مسخ لا هوية أو خصوصية له. وعليه يجب إن لا نخشى من الانفتاح الفكري والثقافي بحجة الفناء والتلاشي والحفاظ على الخصوصية والهوية الثقافية فالأمة التي حافظت على دوام وجودها آلاف السنين لا تزول ببساطة جراء الوافد من الثقافة فهي امة حية قادرة على هضم الوافد وتحويله جزء من بنيتها لا إن تجتره اجترارا فيتحول إلى ورم سرطاني قبيح.
لا نريد أن نطيل الحديث في هذا الموضوع الذي أسهب فيه الفلاسفة وعلماء الاجتماع بحثا ودراسة ونكتفي بالقول إن التثاقف من سسن الحياة الإنسانية والانتفاع من خبرات الأمم الأخرى في معالجة إشكالياتنا النهضوية من النافع المفيد. ونعود إلى ما اشرنا له سابقا ونعتقد انه الحل الناجع لمشكلة الصراع الطائفي وهو حماية مصالح جميع أفراد المجتمع العراقي . أقول جميع الأفراد وليس جميع الطوائف لان النظر إلى المجتمع بعده مؤلفا من طوائف وليس أفرادا فيه تضليل متعمد يهدف إلى اختزال الأفراد في جماعات لسلب حقهم في الاختيار وربط وجودهم ومصالحهم بالمثال والأب الذي يمثلهم وكأنهم قطيع لا يتعامل معهم إلا من خلال رعاتهم لا من خلال ذواتهم أو من يختاروه هم ممثلين عنهم. وهذه الحماية لا تكون إلا عبر مؤسسات دستورية تنظم علاقات الأفراد فيما بينهم بعدهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ويمثلون مجتمعين الإرادة العامة التي يجب أن تخضع لها جميع الإرادات الوطنية الأخرى أيا كانت صفتها بما فيها الدولة وبكل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والدستورية وهذا هو التعريف العام والمبسط لمفهوم الدولة المدنية التي تتلخص وظيفتها الأساسية بحماية حياة وحقوق ومصالح مواطنيها والتي تنظر إليهم بعدهم أفرادا أحرار مختارين لاجتماعهم وما هي إلا تعبيرا عن إرادتهم العامة. والدولة بهذا المعنى هي ليست تعبيرا عن إرادة الأكثرية المشكلة للحكومة كما يتوهم البعض وإنما هي تعبير عن وتمثيل لجميع إرادات المواطنين الحاملين لهويتها. لهذا يجب على الحكومة إن لا تتحدث عن أي رمز ديني مذهبي أو قومي عرقي مهما كان تمثيله وحجمه إلا إذا كان رمزا وطنيا يعبر عن جميع المواطنين. فالدولة هي ليست تعبير عن صفة دينية أو ثقافية أو قومية وإنما هي شكل من أشكال تنظيم الإرادات لمجموع الأفراد المتوافقين على بنود العقد. أما الخصائص الفردية للمواطنين مثل الخصائص الدينية المذهبية أو القومية والعرقية أو الثقافية فهي تعد ضمن الحقوق الشخصية واجب على الدولة احترامها وحمايتها لجميع مواطنيها دون أن تكون هي ممثلة لواحد منهم.
بهذا الفهم والتعريف لماهية الدولة ووظيفتها نضمن تحقيق المساواة والعدالة لجميع المواطنين بحيث يمكنهم التعامل معها مباشرة دون الحاجة للمرور بالطائفة. وهذا هو الحد العام والمبسط لمفهوم الدولة المدنية. والسؤال الذي يمكن أن يعترضنا هنا هو إلى أي حد يمكن أن نجسد هذا الفهم النظري لمفهوم الدولة المدنية ونظمن تحقيقه وانجازه عمليا؟.
من البديهي القول إن هناك فارق بين المثال والمتحقق منه ولكن من الضروري استحضار المثال عند بداية بناء مشروعنا السياسي الجديد الذي نحن مقدمون عليه فضلا عن تجارب وخبرات الشعوب التي سبقتنا في هذه المحاولة فوجود دليل نظري صحيح في كل مشروع إصلاحي أمر في غاية الأهمية بل يعد من شروط نجاحه فهو بمثابة مرجع نعود إليه ودليل نسترشد به ومقياس نحتكم إليه كلما اقتضت الضرورة وتعددت الآراء والاجتهادات في المسائل التي نود تنفيذها وإذا اتفقنا عليه دليلا نظريا نكون قد قطعنا نصف الطريق باتجاه النجاح في التنفيذ. وبكلمة أخرى نحن إذا استطعنا أن نكتب دستورا يسترشد بهذا الدليل نكون قد نجحنا بوضع الأسس القانونية لمنع ظهور الطائفية مستقبلا ويمكن في المراحل الأولى أن نواجه معرقلات كثيرة في تطبيقه ربما نصطدم ببعض المؤسسات الاجتماعية الموجودة مثل العشائرية أو الدينية عند تنفيذه لتعارضه مع مصالحها وهذا أمر طبيعي ولكن مع تقادم الأيام سيترسخ ثقافة اجتماعية يكون من الصعب الابتعاد عنه كثيرا.



#فوزي_حامد_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الحضاري والحلم الفلسفي : قراءة اولية في فلسفة مدني صا ...
- الوداع الاخير لمدني صالح ... الانسان الفيلسوف


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فوزي حامد الهيتي - هل هناك حل لازمة العنف الطائفي في العراق