أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - الشيطانان















المزيد.....

الشيطانان


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 1996 - 2007 / 8 / 3 - 03:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حتى كتابة هذه السطور صباح الثاني من مارس حيث يودّع منتجع شرم الشيخ الزعماءَ العرب, لم تبدأ آلة الحرب الجهنمية في دكّ العراق, وتدمير حصونه, واستخدام أحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا القتل لابادة أي شيء يتحرك لعل طاغية بغداد يكون من بين الأهداف التي تتوجه إليها قذائف الموت.

إنها حرب بين الغباء والغباء, فالطرف الأول يتنفس جثثَ شعبه, ويحرق الأرض والزرع والحياة, ويستخدم الأسلحة الكيماوية ضد الأطفال والنساء من مواطنيه, ويثير الفزع في المنطقة, ويدخل حروبا فاشلة لبسط سيطرته, وتمكن من صناعة أبشع جمهوريات الخوف في العصر الحديث.
والثاني يذكرّنا بموسوليني الذي كان يتعجب من أن بابا الفاتيكان لا يملك أسلحة مثله, ولا يقف على ظهر دبابة لالقاء موعظته!
صدام حسين جمع القسوة والغلظة والوحشية وعشق الدماء وحب السلطة وكراهية الخير وبغض الجمال في صفة واحدة. أما جورج بوش الابن فدُمْية قام الاعلام بصنعها, ونفخ تجار الأسلحة الروح فيها, وأرْتَدَت الدميةُ ملابسَ جنرالات الحرب, وقرأتْ تاريخ الامبراطوريات البائدة من مؤخرته, ووضع اللوبي اليهودي فوق صدرها نياشين وأوسمةَ حروبٍ وانتصارات ضد أفقر بلاد الأرض, فحقق الجيش الأمريكي البطل النصر ضد الجائعين والمشردين الأفغان, وألقى قنابل وصواريخ دمرت عشرات الكهوف في جبال أفغانستان لعل فيها بعض أعضاء تنظيم القاعدة.

الأول يُعطي أذنا لطارق عزيز والأخرى لطه ياسين رمضان ولا يسمع إلا صوت نفسه, والثاني ينتفخ زهوا بحرب النجوم التي يقصّها على مسامعه رامسفيلد قبل النوم, وكونداليسا رايس مع قهوة الصباح, ويشاهد اير فورس وَانّ, ثم يحلم بتغيير العالم من بغداد إلى برلين, ومن باريس إلى دمشق, ويخفي في نفسه خطته التي وضعها له أصدقاء اسرائيل بتحجيم وتقزيم إيران.
الأول صناعة أمريكية أنفق عليها العرب من خيرات شعوبهم وحافظ عليها المثقفون والاعلاميون في عالمنا المسكين, والثاني لا يعرف أسماء وعواصم الدول الحليفة والصديقة فتحدى به الاعلام الضخم العالم كله ليثبت أن الذكاء والعلم والثقافة أمور ثانوية إن أراد محركو قطع الشطرنج البدء باللعب في أي ساحة يختارونها.
الأول كان على وشك أن يَلقىَ مصير عبد الكريم قاسم ونوري السعيد في مارس عام واحد وتسعين عندما دق ثوار العراق أبواب بغداد فأصبح طاغيتها على مرمى حجر من السحل في شارع الرشيد أو القاء ما بقي من جثته في صندوق قمامة بالكرخ, ولكن واشنطون أنقذته حتى يتم تحقيق الحصار, وابتزاز دول المنطقة وحلب خيراتها, وصمت الجميع في أوهام هزيمة الثورة الشيعية المدعومة من الجمهورية الاسلامية!
الأول صدام حسين التكريتي, رجل بدون قلب, يستشعر عن بعد رائحة الموت فيهش لها ويُحيّيها, ولذا جعل العراق المقر الرئيس لملك الموت, وأصبح العراقيون أسرى الخوف في العمل, وفي الشارع, وفي البيت, وفي الفراش , ويطاردهم في أحلامهم فيحولها كوابيس, وجعل من كل ثلاثة عراقيين واحدا يتجسس على اثنين, وثانيا يخشى الاثنين, وثالثا يرتاب في الاثنين!
وهذا المجرم يعشق الهزيمة لقدرة حوارييه على تحويلها إلى نصر, فإذا كانت الهزيمة ساحقة جعلها أمَّ المعارك, وهتف لحياته الجزائريون والفلسطينيون والأردنيون والمغاربة والتونسيون وزاره سرا مسؤولون عرب يبلغونه اعجاب وتقدير زعمائهم بقدرته على الصمود.
والثاني أمامه ملفات كثيرة لكل المنتفعين من وجود أحذية اليانكي في المنطقة, والأولوية لمصانع الأسلحة ويأتي بعدها شركات النفط وحيتان المال وموساد اسرائيل.

إنها حرب ليس لقيم التسامح والدين والخير والانسانية مكان فيها, فالرئيس الأمريكي يستطيع أن يلتهم طبق همبورجر بالكاتشوب ويشرب كوبا عملاقا من الكوكاكولا وهو يشاهد هاري بوتر أو جودزيلا, ثم يتصل برئيس وزراء إسرائيل يهنئه فيها على كسر عظام الفلسطينيين ونسف المنازل وتشريد الأبرياء وتصفية الانتفاضيين, أما الرئيس العراقي فيشاهد فيلما حقيقيا تم تصويره خصيصا له ويبدو فيه زوجا ابنتيه وقد تحولا إلى جثتين تلتصق كل طلقة رصاص بالأخرى, ولم ينس قتل من بقي من أسرة القتيلين وكذلك أولادهما, أي أحفاد الرئيس العراقي نفسه.
تاريخ أمريكا ملوث بالعار, مِنْ خطف شباب أفريقيا واسترقاقهم, إلى الحروب الأهلية, ثم القاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناجازاكي بعد هزيمة اليابان, ثم حروب أمريكا اللاتينية وكمبوديا وكوريا وفيتنام والتدخل السافر في معظم أماكن الصراع لصالح الارهاب, أما حرب تحرير الكويت فلم تكن مطلقا من أجل هذا البلد الصغير, فالأمريكيون فهموا منذ اللحظة الأولى أن الكويت ستعود لأهلها سواء شاركوهم الحرب أم لا, والشعب الكويتي التف حول شرعيته الممثلة بآل الصباح الكرام, والمملكة العربية السعودية استضافت الشرعية الكويتية في التزام أدبي وأخلاقي وديني كان بداية التحرير, والمقاومة الكويتية ضد جيش الاحتلال بدأت عملياتها صباح الثاني من أغسطس, ورفض كل كويتي في الداخل والخارج أي صورة من صور التعاون مع المحتل.
ثم إن الكويت سددت عن آخر دينار نفقات الحرب, وخسرت ثلث ثروتها كما التهم الاحتلال الثلث الثاني في التدمير والنهب واحراق آبار البترول.
حروب أمريكا لا تعرف الأخلاقيات ولا الرحمة ومن لا يصدق فعليه بمشاهدة شريط ليوميات أي سجين عربي في جوانتانامو, وكما أبادت القوات الأمريكية الالاف من الجنود العراقيين المنهزمين والمنسحبين من الكويت عام واحد وتسعين, فإنها ستفعل الشيء نفسه بعد سنوات الحصار التي أبقت فيها واشنطون على صدام حسين ثم اكتشفت (!!) أن الحصار لم يؤذ النظام.
إنها حرب الشياطين, يقتل فيها الأمريكيون العراقيين ويبيد فيها صدام حسين من بقي من العراقيين, أما القول بأنها لنزع أسلحة الدمار العراقية فهو حديث سخيف يصلح لأنصاف الأميين.

إن جورج بوش الابن سيدير الشرق الأوسط لحساب إسرائيل, وبعد العراق يأتي دور إيران, ثم سورية فحزب الله فالسعودية ثم مصر لينتهي الأمر يهيمنة صهيونية تنهي أي نهضة عربية في الخمسين عاما القادمة.
كلنا ساهمنا بطريقة أو بأخرى في صناعة الوحش الأمريكي عندما أغضمنا عيوننا عن التطرف والتزمت والتشدد وبدا أن عمر عبد الرحمن واسامة بن لادن وأبا حمزة المصري وأيمن الظواهري وغيرهم يتحكمون في قدراتنا العقلية البسيطة ويصنعون عالم القسوة والتكفير الذي بدأ بقتل السياح والصحفيين والكُتّاب ومطاردة المفكرين ومحاكمة الأكاديميين لينتهي النهاية الدرامية المأساوية في الحادي عشر من سبتمبر.
لم يفهم الارهابيون الحمقى الذين صنعوا جحيم الحادي عشر من سبتمبر أن الغضب الأمريكي سيختلف كثيرا عن غضب أي دولة أخرى من عملية ميونيخ إلى تفجير الطائرات على أرض الأردن أو تفجير بان أمريكان فوق لوكيربي الاسكتلندية.
عندما يكتب التاريخ الحقائق بدون رتوش سيعرف أولادنا وأحفادنا أننا كنا أحجارا فوق رقعة الشطرنج, يتلاعب بنا الكبير والصغير, ويخرج من صلبنا طابور خامس أسود يعمل لصالح قوى الاستعمار, فالغزو الاسرائيلي لجنوب لبنان كان بحجة الرد على اصابة السفير الصهيوني في لندن, ومئات الملايين من أموال شعبنا الليبي ستذهب إلى ضحايا لوكيربي, وانتهاء العصر العربي بدأ في مركز التجارة العالمي بنيويورك مع سقوط البرجين التوأمين.
صدام حسين لم يصنع الجحيم بمفرده فنحن كلنا صمتنا على جرائمه, وجورج بوش الابن ابن مخلص لقوى امبريالية قائمة على السلاح والمال والقوة والحروب وصراع المرشحين واللوبي اليهودي. حتى هذه اللحظة لم تشتعل المنطقة بعد وتم رفض المبادرة الاماراتية وفشلت جامعة الدول العربية وتعانق الملوك والرؤساء العرب!



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المطاوعة .. الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف
- تصفية القضية الفلسطينية في صراع الأشقاء
- لماذا لا يكترث حكام الخليج لخطر التواجد الآسيوي؟
- حوار بين منقبتين في أحد الأسواق الشعبية
- هل تَحَوّل الأفارقة كلهم إلى محتالين؟
- استدعاء عاجل لصدام حسين من قبره
- الكتاب الأخضر في القارة السمراء .. أوهام العقيد
- ليلة القبض على سوريا
- لماذا لا يؤمن المصريون بأن مصر بلدهم؟
- ارفعوا أيديكم عن المغرب
- رسالة عتاب من إبليس إلى المسلمين
- السجونُ الأردنيةُ تخرج لسانها للسجون العربية
- العراق يحترق بنار الطائفية والكراهية و .. قوات الاحتلال
- التونسيون يتنفسون بأمر الرئيس
- محاولات لتخريب الشخصية المصرية
- لماذا أحلم بحبل المشنقة حول عنقك؟
- مدونة تجديد الدعوة للعصيان المدني في مصر
- المسلمون خصوم المسلمين، فكيف لنا أن نتحاور؟
- يا ولاد ستين ألف كلب
- الفلسطينيون يحققون أهداف اسرائيل


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد المجيد - الشيطانان