أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الكوخي - الفتح الإسلامي أم الغزو العربي















المزيد.....

الفتح الإسلامي أم الغزو العربي


محمد الكوخي

الحوار المتمدن-العدد: 1969 - 2007 / 7 / 7 - 11:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


يحكى أنه أوتي للإسكندر الأكبر بأحد لصوص البحر ليحاكمه, فسأله الإسكندر: لماذا تسرق السفن؟ فأجابه القرصان: أنا أسرق بسفينة واحدة وأسمى لصا, وأنت تسرق
بلدانا بأكملها بواسطة أساطيل ضخمة... ويسمونك فاتحا

يعد موضوع الفتوحات الإسلامية واحدا من المواضيع التي أسالت مدادا كثيرا, وتم التطرق له بمنتهى الإسهاب حيث قام المؤرخون القدماء الذين كتبوا عن تاريخ الإسلام, بوصف دقيق لمراحل هذه الفتوحات وللنتائج التي ترتبت عنها وغيرت تاريخ المناطق المفتوحة وللأبد... لكن ما يهمنا من عملية التوسع الضخمة هذه والتي امتدت في ثلاث قارات وفي فترة وجيزة جدا, أنها تمت تحت راية الإسلام وبدافع نشر العقيدة الإسلامية وتحرير الناس من أغلالهم وباختصار ملئ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا... هذا ما يحلوا للمسلمين أن يدعوه لأنفسهم, لكن القارئ المتمعن للمصادر التاريخية يصدم عندما يكتشف أن الحقيقة عكس ذلك جملة وتفصيلا, سواء في الأسباب الحقيقية لهذه العمليات التي اتخذت طابعا عسكريا, أو في النتائج التي أدت إليها... وهو ما ينعكس سلبا على تصورنا لهذه العمليات العسكرية والتي يصطلح عليها بالفتح الإسلامي. وحينما نتساءل عن دلالات مصطلح الفتح نجده غامضا, حيث يبدو من شبه المستحيل التفريق بينه وبين الغزو المسلح, ف التعاريف المتداولة لمعنى الفتح تجعل منه مرادفا للحرب ذات الأغراض الدينية والتي تهدف إلى نشر الدين وتعاليمه... أما الغزو فهو عبارة عن هجوم مسلح ضد بلد أجنبي يهدف إلى استعمار هذا البلد واستنزاف خيراته واستغلال شعبه... باختصار إنه الاستعمار بكل معانيه. والمسلمون يسمون التوسع الذي قادته القبائل العربية ابتداء من القرن الأول هجري بالفتح الإسلامي, لأن أهدافه كانت دينية ( نشر الإسلام...), لكننا نندهش عندما نجدهم يرفضون تسمية الحروب الصليبية بالفتح المسيحي رغم أن أهدافها هي الأخرى كانت دينية ( رغم وجود أهداف أخرى سياسية واقتصادية... كانت السبب الحقيقي لتلك الحروب. ), فالأوروبيون قادوا تلك الحروب لتحرير مناطقهم المقدسة ( القدس وبيت لحم...) من أيدي المسلمين الذين يعتبرونه كفارا... أم أن الموضوع يدخل ضمن خانة حلال علينا حرام عليكم. وهذا النقص في النزاهة نجده عند غربيين أيضا والذين يسمون غزو أمريكا وإبادة سكانها بالفتح, والذي تم بمباركة الكنيسة المسيحية وتحت راية نشر الديانة المسيحية, رغم أن الجميع يعرف أن الأسباب الحقيقية كانت هي البحث عن الذهب, ويعرف الطريقة البشعة التي عامل بها المسيحيون سكان أمريكا الأصليين... ولعل نقص النزاهة هذا هو ما كان يقصده القرآن بقوله: " وكل قوم بما لديهم فرحون... "

وحتى نكون قادرين على الحكم على هذا الموضوع بنزاهة, لا بد من قراءة المصادر التاريخية بموضوعية وبعيدا عن العواطف وإملاءاتها, ولابد من البحث عن الأسباب الحقيقية لهذا التوسع و عن الممارسات التي قام بها الفاتحون المسلمون ( الغزاة العرب؟) والطريقة التي عاملوا بها سكان تلك المناطق... وفي هذا الصدد يحكي ابن الأثير بعض ممارسات الفاتحين العرب, عندما حاول تفسير سبب ظهور ثورات الخوارج في شمال إفريقيا ( والتي أدت في النهاية إلى تأسيس إمارات مستقلة عن الحكم الأموي من بينها إمارة بني مدرار في سجلماسة والرستميين في تاهرت...), يقول: " ثم لم يزل أهل افريقية من أطوع أهل البلدان وأسمعهم إلى زمان هشام بن عبد الملك ( الخليفة الأموي السادس) حتى دب إليهم أهل العراق واستثاروهم فشقوا العصا, وفرقوا بينهم إلى اليوم, وكانوا يقولون لا نخالف الأئمة بما تجني العمال فقالوا لهم إنما يعمل هؤلاء بأمر أولائك, فقالوا حتى نخبرهم. فخرج ميسرة ( زعيم الخوارج بمنطقة طنجة ) في بضعة وعشرين رجلا فقدموا على هشام, فلم يؤذن لهم فدخلوا على الأبرش, فقالوا أبلغ أمير المؤمنين أن أميرنا يغزو بنا وبجنده ( العرب), فإذا غنمنا نفلهم ويقول هذا أخلص لجهادنا. وإذا حاصرنا مدينة قدمنا وأخرهم ويقول هذا ازدياد في الأجر, ومثلنا كفى إخوانه. ثم إنهم عمدوا إلى ماشيتنا فجعلوا يبقرون بطونها عن سخالها يطلبون الفراء الأبيض لأمير المؤمنين فيقتلون ألف شاة في جلد, فاحتملنا ذلك. ثم إنهم سامونا أن يأخذوا كل جميلة من بناتنا, فقلنا لم نجد ذلك في كتاب ولا سنة ونحن قوم مسلمون. فأحببنا أن نعلم أعن رأي أمير المؤمنين هذا أم لا؟ فطال عليهم المقام, ونفذت نفقاتهم. فكتبوا أسماءهم ودفعوها إلى وزراءه وقالوا إن سأل أمير المؤمنين عنا فأخبروه. ثم رجعوا إلى افريقية فخرجوا على عامل هشام فقتلوه, واستولوا على افريقية. وبلغ الخبر هشاما فسأل عن النفر, فعرف أسماءهم فإذا هم الذين صنعوا ذلك...(1)". إن ابن الأثير الذي أثبت هذا النص في معرض كلامه عن ثورة الخوارج بشمال إفريقيا سنة 122هجرية, حاول شرح أسباب هذه الثورة والتي تتجلى في الممارسات الشنيعة التي كان الغزاة العرب يقومون بها ضد سكان شمال إفريقيا الذين كانوا مسلمين, ومنها ما يندى له الجبين كأخذ الفتيات الجميلات جواري عند الخليفة وولاته, والقضاء على مواردهم الاقتصادية, واستخدامهم جنودا بدون مقابل... إنه باختصار نظام السخرة الذي كان الغزاة طوال التاريخ الإنساني الطويل يفرضونه على الشعوب المستعمرة, والمسلمون للأسف الشديد لم يكونوا استثناء من هذا التاريخ, مهما حاولنا أن نجمل صورة هذا الغزو بمسميات كالفتح الإسلامي ونشر الدين والدعوة إلى الله...( فهل كانت الدعوة إلى الله تتم بأخذ الفتيات الجميلات سبايا إلى قصور الخليفة ووزراءه ؟؟؟؟).

هذه الممارسات لم تقتصر على شمال إفريقيا فقط, فقد عرفتها جميع البلدان " المفتوحة!!", ومن أمثلة ذلك ما عرفته بلاد مصر من ممارسات للغزاة العرب والذين كانت أغراضهم الحقيقية هي الغنائم وليس دين الله, فالمقريزي يقول: " أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر إن من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته, وإنّ قبطيًا من أرض الصعيد يقال له بطرس ذكر لعمرو أن عنده كنزا فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد فحبسه في السجن وعمرو يسأل عنه,‏ هل تسمعونه يسأل عن أحد قالوا لا إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور, فأرسل عمرو إلى بطرس فنزع خاتمه, ثم كتب إلى ذلك الراهب أن ابعث إلي بما عندك وختمه بخاتمه فجاء الرسول بقلة شامية مختومة بالرصاص ففتحها عمرو فوجد فيها صحيفة مكتوب فيها ما لكم تحت الفسقية الكبيرة, فأرسل عمرو إلى الفسقية فحبس عنها الماء ثم قلع البلاط الذي تحتها, فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهبا مصريا مضروبة فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد فأخرج القبط كنوزهم شفقا أن يبغي على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس...(2)". إن ما فعله عمرو بن العاص ( الفاتح الإسلامي العظيم؟!!) هنا يدل على الأغراض الحقيقية التي كانت تحرك تلك العمليات العسكرية الواسعة‏, ألا وهي البحث عن الذهب, ولنا أن نتساءل عن الفرق بين الفاتحين المسلمين ( الغزاة العرب ) وبين المستعمرين الآخرين خصوصا إذا قرأنا ما يقوله المقريزي بأن " وكان عمرو بن العاص لما استوثق له الأمر أقر قبطها على جباية الروم...(3)". فما هو الفرق بين الروم والعرب؟ للأسف الشديد, لا يوجد فرق. هذا ويقول مؤرخ معاصر بأن " النظريات السياسية التي كانت سائدة في الشرق الأدنى عند الفتح الإسلامي والتي سار عليها الفرس والبيزنطيون تعد البلاد المفتوحة, أرضها وأهلها, ملكا للفاتح يتصرف به كما يشاء ومن يزرع الأرض من السكان يدفع ضريبة التاج للمالك للأرض شرعا ( بفتح الأرض ) وهذا يقابل الخراج. ويدفع كل فرد ضريبة على رأسه كرمز لعبوديته وخضوعه للغالب وهي تساوي الجزية. وهذا ما كان سكان العراق يدفعونه للساسانيين... ولما جاء الإسلام ووضعت التنظيمات المالية زمن الراشدين لم تحدث هذه أي تغيير في الأوضاع. فقد فرضت في العراق ضريبتي الجزية والخراج وبقيتا تحملان معناهما القديم من الخضوع للشعب الغالب. أما في إيران ففرضت ضريبة واحدة عامة تدعى مرة جزية ومرة خراجا وهي بدل الاثنين. ومعنى ذلك أن المغلوبين عدوا طبقة واحدة بنظر المسلمين...(4)". ومن الأمثلة الأخرى على ما فعله الغزاة العرب بسكان المنطق التي احتلوها, ما جاء على لسان أحد سكان خراسان ببلاد الفرس, حيث قال لعمر بن عبد العزيز ( الخليفة الأموي الخامس ونقطة الضوء الوحيدة في ظلام الأمويين الطويل...) وهو يشكو من تصرفات العامل الأموي بخراسان الجراح بن عبد الله الحكمي, فقد قال لعمر " يا أمير المؤمنين عشرون ألفا من الموالي ( المسلمون من غير العرب ) يغزون بلا عطاء ولا رزق ومثلهم عشرون ألفا أسلموا من الذمة يؤخذون بالخراج...(5)". ولن نندهش إذا علمنا أن أول قرار اتخذه عمر بن عبد العزيز بعد توليه الخلافة, أن أمر بوقف عمليات الفتح ( الغزو ) التي كنت تتم في كل الجهات, وإسقاط الجزية عن الذين أسلموا من سكان البلدان المفتوحة والتي كانوا يدفعونها رغم أنهم مسلمون, لا لسبب سوى لأنهم لم يكونوا عربا!!!. لقد حاول عمر بن عبد العزيز القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية, لكن محاولته باءت بالفشل في النهاية, إثر اغتياله من طرف أبناء عمومته من الأرستقراطية الأموية الذين كانوا مستفيدين من تلك الأوضاع. يقول المقريزي:‏ "‏ وضع عمر بن عبد العزيز الجزية على من أسلم من أهل الذمّة من أهل مصر وألحق في الديوان صلح من أسلم منهم في عشائر من أسلموا على يديه وكانت تؤخذ قبل ذلك ممن أسلم وأول من أخذ الجزية ممن أسلم من أهل الذمّة‏‏ الحجاج بن يوسف. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى حيان بن شريح‏:‏ أن تضع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة فإن الله تبارك وتعالى قال‏:‏ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم. وكتب حيان بن شريح إلى عمر بن عبد العزيز‏:‏ أما بعد‏ فإن الإسلام قد أضر بالجزية حتى سلفت من الحارث بن ثابتة عشرين ألف دينارًا تمت بها عطاء أهل الديوان فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بقضائها فعل فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد‏ فقد بلغني كتابك وقد وليتك جند مصر وأنا عارف بضعفك وقد أمرت رسولي بضربك على رأسك عشرين سوطًا فضع الجزية عن من أسلم قبح الله رأيك فإن الله إنما بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم هاديًا ولم يبعثه جابيًا ولعمري لعمر أشقى من أن يدخل الناس كلهم الإسلام على يديه‏...(6)".

ولا بد أن نتساءل عن وضعية سكان المناطق المحتلة من طرف العرب, والذين كانوا قد دخلوا الإسلام بعد أن استطاعوا التفريق بين ممارسات العرب وبين مبادئ الإسلام وقيمه... لقد كان هؤلاء يعرفون في العصر الأموي ب" الموالي", وقد كان العرب ينظرون بنوع من الاستعلاء الأرستقراطي إلى الذين " جاءهم العرب بالإسلام لينقدوهم من الظلمات ويخرجوهم إلى النور...". ورغم أن وضعيتهم كانت وضعية أناس أحرار, إلا أنه من الناحية الواقعية كانوا يعتبرون من مرتبة أدنى من العرب وكان هناك تمييز اجتماعي وحواجز سياسية في وجههم, وكانوا محرومين من أي نصيب من الغنائم حتى لو شاركوا في الفتح جنودا, إنها باختصار وضعية تشبه وضعية العمال الآسيويين في دول الخليج العربي اليوم...(7). ومن أمثلة ذلك " أن العرب لم يكونوا يزوجون بناتهم للموالي ( وهل يفعلون اليوم؟) وكانوا لا يكنونهم بالكنى ولا يدعونهم إلا بالأسماء والألقاب ولا يمشون في الصف معهم ولا يتقدمونهم في الموكب وإن حضروا طعاما قاموا على رؤوسهم, وإن أطعموا المولى لسنه وفضله وعلمه أجلسوه في طرف الخوان, لئلا يخفى على الناظر أنه ليس من العرب ولا يدعونهم يصلون على الجنائز إذا حضر أحد من العرب...(8)". ويحكى في هذا الصدد أن واحدا من الأرستقراطية القبلية العربية قدم رجلا من الموالي يصلي به, ولما عجب الناس من ذلك قال " إنما أردت أن أتواضع لله بالصلاة خلفه (9)". ويروى أن أحد الموالي قال لعربي " لا كثر الله في أمثالك", فأجابه العربي " كثر الله فينا مثلك", فلما سئل أيدعو عليك وتدعو له؟ قال " نعم يكنسون طرقنا ويخرزون خفافنا ويحوكون ثيابنا...(10)". لقد ظل الموالي يعيشون هذه الوضعية طوال العصر الأموي وهو ما دفعهم إلى المشاركة في عدة ثورات كثورة الزنوج سنة وثورة ابن الأشعث سنة 80 هجرية, وثورة الخوارج في شمال إفريقيا سنة 122 هجرية... وفي النهاية استطاعوا إسقاط الدولة الأموية بعد أن قاموا بدعم العباسيين ( خصوصا الفرس ).

ومن أجل فهم الأسباب الحقيقية لما يسمى بالفتح الإسلامي, لا بد من فهم الظروف التاريخية التي سبقت هذه الظاهرة أيام حروب الردة زمن أبي بكر الصديق (ض), فهناك يكمن مفتاح الموضوع برمته. فمن المعلوم أن القبائل العربية كانت قد أسلمت بعد فتح مكة وإسلام قريش, لكن إسلامهم لم يكن سوى خضوع لسلطان رجل قوي وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وليس اقتناعا برسالته. وما إن علمت القبائل بمرض النبي وقرب وفاته حتى ارتدت عن الإسلام. فما كان من خليفته أبي بكر إلا أن حاربهم وأخضعهم من جديد. فنشأ عن هذه الحروب وضع قلق على صعيد الأمن الداخلي, إذ كان من الممكن في أي لحظة أن تنفجر المنطقة ويثور العرب على حكم قريش وحلفائها وتعود الأمور إلى ما كانت عليه من قبل. وقد ورث عمر بن الخطاب (ض) هذا الوضع غير المستقر بعد توليه الخلافة, ولحل هذا المشكل لجأ إلى حيلة قديمة لطالما استخدمت على مر التاريخ لحل مثل هذه الأوضاع الداخلية القلقة وإنهاء حالة الحرب الأهلية في الجزيرة العربية, وهو الدخول في حرب خارجية مع عدو أجنبي لضمان حالة من الوحدة الداخلية... وهو حل استخدم طوال التاريخ لإخماد النزاعات الداخلية, فالإسكندر الأكبر قام بغزواته الشهيرة لإنهاء الحرب الأهلية التي كانت تعرفها بلاد الإغريق, والزعيم المغولي جنكيزخان هاجم المناطق المجاورة لبلاده لوقف الاقتتال الداخلي بين القبائل المغولية... وفي العصر الحديث قام نابليون بإشعال حروبه في أوروبا لإنهاء حالة الحرب الأهلية والاضطرابات التي أعقبت الثورة الفرنسية سنة 1789 م... فالمصادر التاريخية تحكي أن عمر بن الخطاب (ض) هو الذي دشن الفتح الإسلامي, حيث ارتأى بعد توليه الخلافة تجنيد القبائل العربية, قريش وغيرها من القبائل الأخرى سواء تلك التي ارتدت أو التي لم ترتد, على قدم المساواة وتوجيه الجميع لفتح فارس وإمبراطورية الروم. ويؤثر عنه في هذا الصدد أنه قال:‏ " إنه ليقبح بالعرب أن يملك بعضهم بعضا ( في إشارة إلى الصراع بين قريش والقبائل الأخرى ) وقد وسع الله وفتح الأعاجم... واستشار في فداء سبايا العرب في الجاهلية والإسلام إلا امرأة ولدت لسيدها... وقال عمر, لا ملك على عربي...(11)". وهكذا قام بندب أهل الردة للفتح " فأقبلوا سراعا من كل أوب فرمى بهم في الشام والعراق...(12)".

لكن هذا الحل لحالة الحرب الأهلية العربية والذي دفع ثمنه سكان المناطق المفتوحة, لم يقم سوى بتأجيل حالة الانفجار الداخلي, حيث ستؤدي تراكم الثروات التي حصل عليها الفاتحون ( الغزاة العرب ) إلى ظهور فوارق كبيرة في الثروة , فقد أدى الإجراء الذي أقدم عليه عمر بن الخطاب بترتيب الناس في العطاء على أساس القرابة من الرسول والسابقة في الإسلام, إلى تكديس الثروة في أيدي مجموعة معينة. ورغم أنه لاحظ بنظره الثاقب, هذه الأمور وقام بمجموعة من الإجراءات للتخفيف من حدة هذه الفوارق, إلا أن عجلة التاريخ كانت أكبر منه ومن إجراءاته الترقيعية, فسارت الأمور إلى نتيجتها المنطقية وهي الانفجار الداخلي للمجتمع الإسلامي وظهور ما يعرف " بالفتنة الكبرى ", والتي أودت بحياة اثنين من الخلفاء الراشدين, عثمان بن عفان (ض) والذي دفع ثمن إجراءات عمر. وعلي بن أبي طالب (ض) الذي حاول أن يوقف عجلة التاريخ ويعود بالزمن إلى الوراء, لكنه دفع حياته ثمنا لذلك. وانتهت الأمور في النهاية إلى الأمويين الذين جعلوا من الدولة الإسلامية إمبراطورية استعمارية كبيرة تقوم على استنزاف الشعوب الأخرى واستغلالهم تحت شعارات نشر الدين الإسلامي والجهاد في سبيل الله...

فلتكن لدينا الشجاعة للاعتراف بذلك..



المراجع:

(1) ابن الأثير, الكامل في التاريخ ج3 ص92

(2) تقي الدين المقريزي, المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار ج1 ص17

(3) المصدر نفسه ج1 ص 18

(4) عبد العزيز الدوري, مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص71

(5) ابن الأثير, الكامل في التاريخ ج5 ص51

(6) تقي الدين المقريزي, المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار ج1 ص18

(7) محمد عابد الجابري, العقل السياسي العربي ص244

(8) ابن عبد ربه, العقد الفريد ج3 ص326

(9) المصدر نفسه ص326

(10) المصدر نفسه ص 327

(11) الطبري, تاريخ الأمم والملوك ج2 ص304

(12) المصدر نفسه, ج2 ص362



#محمد_الكوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد الكوخي - الفتح الإسلامي أم الغزو العربي