مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة؟؟


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7949 - 2024 / 4 / 16 - 10:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

حسب مقالة نشرت في جريدة فاينانشيل تايمز البريطانية قبل يوم من هجوم ايران ضد اسرائيل، لقد كانت ايران وامريكا على اتصال مستمر عبر عمان وتركيا وجهات اخرى. لقد اخطرت ايران امريكا ومن خلالها اسرائيل بالهجوم. وقد اعلنت ايران الهجوم خمسة ساعات قبل وصول مسيراتها وصواريخها الى اسرائيل. ان موعد الهجوم والمنشئات المستهدفة، والاسلحة المستخدمة، كانت متطابقة مع ما جاء في هذه المقالة. لم تستهدف ايران اي اهداف مدنية او القنصليات الاسرائيلية في دول المنطقة او القواعد الامريكية في منطقة الشرق الاوسط. ولم يؤدِ الهجوم الى سقوط ضحايا. وبعد شن الهجوم الذي استمر خمس ساعات، هرعت ايران للإعلان بان الهجوم قد انتهى ولن تكون هناك المزيد من الهجمات ضد اسرائيل.



لقد شمل الهجوم مايزيد عن 300 طائرة مسيرة وصاروخ. حسب المعلومات المتوفرة لحد الان، لقد وصل عدد من الصواريخ ويعتقد انها فرط صوتية وعدد محدود من المسيرات الى اهدافها.



كما كان متوقعا، لقد اعلن الطرفان النصر. لقد اعلنت ايران بان الهجوم كان ناجحا وحقق اهدافه. من جهة اخرى اعلنت اسرائيل بانها تمكنت من اسقاط 99% من المقذوفات الايرانية وافشال الهجوم. لقد اعتبرت الحدث نصرا استراتيجيا لإسرائيل.



وقد سعت كل من الجمهورية الايرانية والحكومة اليمينية الاسرائيلية للاستفادة من الحدث وتضخيم انجازاتها وعملت الالة الدعاية للطرفين كل ما بوسعها لنشر سردية تخدم اليمين الفاشي، القومي والديني على الجانبين وتقوية النزعة القومية والدينية. وسعت ايران بشكل خاص الى اظهار العزم والقوة امام الجماهير في ايران وعملائها في المنطقة.



لقد قامت اسرائيل بالكثير من الهجمات ضد ايران مثل قتل علماء الذرة واعمال تخريبية ضد محطات الطاقة وانابيب نقل النفط والارشيف النووي والهجمات السبرانية لسنوات ولم تقم ايران بالرد. لقد اختارت ايران وقت مثالي للهجوم على اسرائيل. فعدا اليمين في اسرائيل لا يريد اي طرف الدخول في حرب على الاقل في الوقت الحاضر. على الرغم من وجود قطب خلف ايران وتمكنها من تفادي الحصار وقيام ايران ببناء ترسانة كبيرة من الصواريخ والمسيرات، الا ان الحرب هي ليست في مصلحتها وخاصة بسبب الوضع الاقتصادي حيث البطالة العالية والتضخم والفساد و الوضع الداخلي الهش والمعارضة الواسعة في الداخل لنظام الجمهورية الاسلامية. من جهة اخرى امريكا واوربا ليست على استعداد للتورط في حرب مع ايران، وخاصة ان امريكا تشهد حملة رئاسية. من المعروف بان ليس بإمكان الغرب من احتلال ايران، وان اي حرب سوف تقتصر على القصف الجوي. في مثل هذه الحرب سيكون بإمكان ايران من الحاق ضرر كبير بإسرائيل والقواعد الامريكية. ولكن الاهم سوف تؤدي الحرب الى غلق مضيف هرمز الذي تعبر ثلث الامدادات النفطية من خلاله. ان مثل هذا العمل سوف يؤدي الى زيادة جنونية في اسعار النفط الذي ستؤدي بدوره الى خسارة الديمقراطيين للانتخابات وربما سقوط الكثير من الحكومات الاوربية. ان المستفيد الاساسي من هذا السيناريو ستكون روسيا. ولهذا تحاول امريكا ثني حكومة نتنياهو من شن هجوم ضد ايران في الوقت الحاضر.



كما جاء الرد الايراني في وقت تمر اسرائيل في واحدة من اسوأ المراحل في تاريخها من كل النواحي بما فيها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية. اذ انها غير قادرة على القضاء على حماس وانهاء حملتها على غزة رغم مرور اكثر من ستة اشهر على تدخلها العسكري، واطلاق سراح الرهائن، واعادة المشردين الى المناطق الحدودية خاصة مع لبنان. وعدا الغرب، الذي يقف مع اسرائيل كدولة حليفة تقليدية وعدد قليل من الدول الاخرى، تعتبر اسرائيل دولة منبوذة ومجرمة وفاشية في نظر الغالبية العظمى من البشرية. كما جاء الهجوم الايراني بعد قيام اسرائيل بمهاجمة القنصلية الايرانية في دمشق والذي يعتبر عمل غير قانوني دوليا ومدان ويعطيها حق في الرد وخاصة ان مجلس الامن فشل في التنديد بما قامت به اسرائيل.



من وجهة نظر الطبقة العاملة ، ومن وجهة نظر الشيوعيين، ان انتهاء هذه المواجهة بين هاتين القوتين المغرقة في الرجعية الى هذه النتيجة هو شيء ايجابي. بإمكان جماهير المنطقة على الاقل لحد الان تنفس الصعداء. ان حدوث دمار كبير او سقوط عدد كبير من الضحايا، كان سيجعل من الصعب على اسرائيل والغرب عدم الرد وحتى اشتعال حرب اقليمية واسعة تكون كارثية على جماهير المنطقة والعالم.ان المواجهة بين ايران واسرائيل هو صراع رجعي على النفوذ، وكسب الشرعية وليس له اي ربط بمصالح وحقوق جماهير غزة. لقد تراوحت الردود في المنطقة بين التوهم بايران وهجومها واعتباره ثأرا للفسلطينين وبين الاستهزاء بها، كون ما قامت به كان مسرحية. ان الحملة التي شنها التيار القومي العربي مثل البعثيين للاستهزاء بالهجوم الايراني، هو موضع استهجان. يود هؤلاء نشوب حرب تدميرية مادام هذا سيشعل حرب بين الغرب وايران غير مباليين بحياة الملايين من البشر.



ولكن من وجهة نظر سياسة لي الاذرع بين ايران واسرائيل وبين القطب الغربي من جهة والقطب الصيني-الروسي من جهة اخرى، فان هذا الهجوم كان نصرا لإيران والقطب الذي يقف خلفها. فهذا الهجوم انطلق من الاراضي الايرانية، ورغم علم اسرائيل بالهجوم ورغم العون من امريكا وبريطانيا وفرنسا والاردن لقد تمكنت بعض المسيرات والصواريخ من الوصول الى اهدافها وضرب قاعدة نافتيم ومطار رامون ومكتب للموساد في تل ابيب ومركز للتنصت في الجولان. كما كان هذا الهجوم استعراض للقوة، حيث اطلقت ايران صواريخ تفوق مداها 500 كلم. وهناك تقارير بان بعض هذه الصواريخ كانت متطورة جدا، وتتمكن من التحايل على الدفاعات الجوية عن طريق اطلاق اكثر من عشرين راس غير حربي، مما يعني حصول ايران على تكنلوجيا متطورة من الصين و او روسيا في هذا المجال. كما بين هذا الهجوم بان ليس بإمكان اسرائيل مواصلة حرب استنزافية من هذا القبيل. اذ انفقت اسرائيل 1.3 مليار دولار خلال ساعات. وقد بين هذا الحدث بان بإمكان ايران اغراق الدفاعات الجوية الاسرائيلية اذا ما اطلقت عدد اكبر من المسيرات والصواريخ وخاصة بشكل مباغت. اذ ليس لإسرائيل عدد غير محدود من الصواريخ المضادة للصواريخ والمسيرات. كما لم تتمكن من صد الصواريخ المتطورة التي استخدمتها ايران. ان هذا الهجوم قد غير المعادلات في المنطقة، اذ قالت ايران من خلال هذا الهجوم بان اي اعتداء عليها، سوف لن يمر بدون ردع. لم يكن هدف هذا الهجوم الحاق اذى باسرائيل بل كان انذار عمّا بإمكان ايران القيام به ضد اسرائيل وحتى القواعد الامريكية. لهذا هناك الكثير ممن يعتقدون بان يساهم هذا الهجوم في ردع الجميع من التصعيد.



ان هذا الوضع يبرهن للمرة الالف الطبيعة الاجرامية والميل للعنف لكل النظام الرأسمالي وبشكل خاص التيارات القومية والدينية البرجوازية. ليس لهم ادنى تردد لجر كل المنطقة الى حرب كارثية على حياة الملايين من اجل حساباتهم السياسة والايدولوجية. ان خطر الحرب لم ينتهِ، رغم انه يقل مع مرور الوقت. اذ يصعب على بنيامين نتنياهو واليمين الاسرائيلي ابتلاع هذه الصفعة بسهولة. ان عدم رد اسرائيل، سوف يعمق ازمة دولة اسرائيل، لذا فان خطر قيام اليمين الاسرائيلي بمخاطرة باقي، رغم ضغط الغرب وحتى قادة الجيش الاسرائيلي الذين يفهمون جيدا بان بإمكان ايران شن هجمات اكبر وليس بامكان اسرائيل لوحدها بدون استخدام الاسلحة النووية من توجيه ضربة مؤثرة ضد الجمهورية الاسلامية. ربما تقوم اسرائيل بشن هجوم محدود على بعض المنشات الموجودة على سطح الارض والادعاء بانها اعاقت البرنامج النووي الايراني الذي يقع تحت الارض و يستحيل الوصول اليه. واذا لم ترد اسرائيل بشكل مباشر، يتوقع ان تسعى اسرائيل والغرب الى تقوية وكلائهم في ايران و زيادة النعرات الطائفية والقومية وحتى محاولة دفع نضال الجماهير الايرانية ضد الجمهورية الاسلامية في مسارات رجعية تخدم مصالحهم. ان وظيفة الشيوعيين هي الوقوف ضد اليمين القومي-الديني في كل من ايران واسرائيل واي محاولات لجر المنطقة للحرب واي مسعى للتدخل في نضال الجماهير الايرانية ضد الجمهورية الاسلامية الرجعية.