خطاب روشي سوناك، علامة ذعر الطبقة الحاكمة!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7909 - 2024 / 3 / 7 - 15:05
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في خطوة غريبة، عقد رئيس الوزراء البريطاني، روشي سوناك، مؤتمراً صحفياً مفاجئا، مرتب على عجل، على سلالم داونينج ستريت، مقر رئاسة الوزراء، يوم الجمعة الماضية، بعد ساعات من فوز جورج غالاوي في الانتخابات الفرعية في روتشديل. قبل الحديث عن السبب الحقيقي الذي وقف وراء هذا المؤتمر الصحفي تجب الاشارة الى ان هذا النمط من المؤتمرات الصحفية في بريطانيا، عادة ما يخصص للإعلان عن مسائل مهمة مثل اعلان موعد انتخابات، او مثل اعلان تاتشر النصر في حرب فوكلاند الخ.



رغم ادعاءات سوناك، لقد كان هذا المؤتمر، علامة ذعر كل الطبقة الحاكمة في بريطانيا من المشاكل والازمات التي تواجهها.

لقد نطق سوناك بالكثير من الهراء المعروف عن قادة المؤسسة الحاكمة في الغرب، ولكن ما يثير الانتباه هو ان يقول سوناك، وهو من اصول هندية " أن بريطانيا لها تاريخ عريق وكانت دائمًا في الجانب الصحيح من التاريخ".



وقال: "لا يوجد بلد مثالي، ولكنني فخور للغاية بالخير الذي حققته بلادنا".







دعنا عن ماضي بريطانيا القديم، من حروب و استعمار ونهب وافقار، وفرض العبودية على سكان قارات بأكملها، ولنركز على اخر ثلاثة عقود. هل كان فرض عقد من الحصار الاقتصادي على العراق او احتلاله او التدخل في ليبيا او سوريا، او الحصار على فنزويلا، او الحرب في اوكرانيا او دعم القاعدة وداعش وغيرها التنظيمات الارهابية في سوريا او دعم التطهير العرقي والابادة الجماعية في غزة وقوف على الجانب الصحيح من التاريخ!.



ان الخطاب المفاجئ لسوناك لم يكن للأسباب التي ذكرها مثل "الآن أصبحت ديمقراطيتنا نفسها مستهدفة " و "الزيادة المروعة في التطرف". او نمو " قوى الانقسام" و " المتطرفين الذين يريدون تمزيقينا" او " اختطاف شوارعنا من قبل مجموعات صغيرة معادية لقيمنا ولا تحترم تقاليدنا الديمقراطية".



وليس هناك اي دليل ان قوة ونفوذ " البعض" التي تحاول " تقويض انجاز بريطانيا عمدا، والدفع بأجندة ايدولوجية مثيرة للانقسام والكراهية" هي اكبر من اي وقت مضى.



اي ان قوى الاسلام السياسي واليمين المتطرف التي يتحدث عنها سوناك هي ليست اقوى اليوم من السابق. والاكثر من ذلك لقد اكتسب الاسلام السياسي قوته نتيجة لجرائم الغرب وبريطانيا في الشرق الاوسط وافريقيا ونتيجة الدعم الذي يقدمه الغرب لتنظيمات ارهابية مثل المجاهدين والقاعدة وداعش، ونتيجة للدعم التي حصل عليه الاسلام السياسي من خلال سياسات التعددية الثقافية وغيرها. كما ان اليمين الغربي المتطرف ينمو نتيجة لنفس السياسات التي تدفع بها الطبقة الحاكمة واعلامها من معاداة المهاجرين، التبليغ للأفكار الرجعية والمحافظة والعنصرية، والهستيريا ضد دول مثل الصين وروسيا الخ.



الطبقة الحاكمة في الغرب وبريطانيا بالذات مرعوبة لان المجتمع البريطاني يشهد تقهقر لم نجد له مثيل في الغرب في اخر 3 قرون. و تشير التقارير بان الاقتصاد البريطاني في انكماش، والتصنيع في تراجع، والقوى الشرائية تنخفض باستمرار والبنية التحتية تتآكل. كما يواجه كل النظام الرأسمالي العالمي خطر ازمة اقتصادية مرتقبة.

ويحدق الغرب في هزيمة كبيرة في اوكرانيا، ويتصاعد الانقسام بين موقف المؤسسة الحاكمة والجماهير في الغرب بما فيه بريطانيا حول جرائم اسرائيل. ومن شبه المؤكد ان الحزب الحاكم سيواجه هزيمة انتخابية كبيرة في الانتخابات القادمة وليس لحزب العمال هو الاخر اي رؤية لحل المشاكل التي تواجه بريطانيا.



في هذا الوضع المتأزم يفوز جورج غالاوي في الانتخابات الفرعية ويصل الى البرلمان وهذا الامر ارعبهم. قال سوناك " وفي الليلة الماضية، أعادت انتخابات روتشديل الفرعية مرشحًا يرفض فظاعة ما حدث في 7 أكتوبر، ويمجّد حزب الله، ...... هذه النتيجة مقلقة للغاية". يجب الاشارة ان غالاوي وصل الى البرلمان من خلال انتخابات نزيهة وهو نتيجة اختيار سكان روتشديل.

ان خوف المؤسسة الحاكمة من غالاوي هو ليس لأنه سيطالب بالاشتراكية او حتى سيكون قادرا على احداث اي تغير في سياسة بريطانيا الداخلية او الخارجية. ان فوزه يكشف حجم الفجوة بين المؤسسة الحاكمة وبين الجماهير، ويكشف افلاس هذه المؤسسة، و انه سيفضح دور بريطانيا والغرب في تمكين الابادة الجماعية في غزة. فجورج غالاوي ركز بشكل كبير في حملته الانتخابية على الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بتأييد من الغرب. وفوز جورج غالاوي قد يشجع شخصيات اخرى على اليسار مثل جيرمي كوربن وعلى اليمين مثل نايجل فراج على خوض الانتخابات وزيادة ازمة ومازق النظام.

ان خطاب سوناك هو محاولة لتمهيد الطريق لفرض المزيد من التراجع على الحريات السياسية وحق التعبير. ان تقييد الحريات السياسية وحرية التعبير مهمة جدا لنظام متأزم. لم يعد بإمكان النظام الالتزام بتلك الحريات، لذا نجدهم مثلا يمنعون المظاهرات المؤيدة لفلسطين، ويتم اعتقال الناس لرفع اعلام معينة او ارتداء ملابس ورموز معينة.



يقول سوناك "يجب أن نضع حدًا لهذه الاحتجاجات. إن وحدتنا ومرونتنا والتزامنا بالقيم الديمقراطية ستنتصر. دعونا نواصل بناء بريطانيا معاً، ونقف ضد التطرف ونحمي مستقبلنا المشترك".



وقال إنه أوضح خلال اجتماعه مع كبار ضباط الشرطة أنه "يتوقع من الشرطة أن يقوموا ليس فقط بإدارة هذه الاحتجاجات بل بضبطها".

وأضاف: "وأقول هذا للشرطة: سندعمكم عندما تتخذون إجراءات". واضاف "ولكن إذا كنا نطلب المزيد من الشرطة، فعلينا نحن، الحكومة، أن ندعم هذه الدعوة بالعمل".

وقال سوناك ستضاعف الحكومة دعمها لبرنامج منع التطرف، وسيطالبون الجامعات بوقف النشاطات المتطرفة في الحرم الجامعي، وسيعملون على منع الأشخاص الذين "يهدفون إلى تقويض قيم البلاد" من دخولها.

وقال أيضًا إن وزير الداخلية قد أصدر تعليمات بأن أولئك الموجودين في المملكة المتحدة بتأشيرات دخول والذين يختارون "بث الكراهية" سيتم سحب حقهم في التواجد في البلاد.

ستقوم الدولة بتحديد من هو المتطرف، ومن الذي يمزق المجتمع، ومن يدعو الى ايدولوجية انقسامية الخ، وتطلب من الشرطة بمعاقبتهم، اليس هذا ما ينددون به عندما تقوم به حكومات بلدان اخرى.

ما نراه هو علامات تقهقر وتأزم النظام الرأسمالي حتى في مركزه " الليبرالي". هذا التقهقر يولد الحاجة الى القمع وسلب حرية التعبير والتنديد بنتائج انتخابات نزيهة.