غلق مضيق باب المندب، محطة تاريخية مهمة!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7837 - 2023 / 12 / 26 - 04:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

أعلنت حركة أنصار الله (الحوثيين) في اليمن، يوم 14 تشرين الثاني عن غلق مضيق باب المندب (المرر المائي الضيق بين اليمن وجيبوتي في جنوب البحر الأحمر) امام حركة السفن التي تمتلكها او تشغلها اسرائيل وتلك المتعاملة معها أي التي تبحر من والى موانئها. لقد قامت بالفعل بشن سلسلة من الهجمات على السفن في البحر الأحمر.
تجدر الإشارة بان البحر الأحمر ممر بحري مزدحم، اذ يمر خلاله 12% من النفط العالمي المنقول بحرا و8% من الغاز الطبيعي السائل وأكثر من 20% من تجارة الحاويات.
لقد وضعت هذه الحركة التي تعتبر حكومة امر الواقع في أجزاء كبيرة من اليمن، كل الغرب في مازق محرج جدا.
لهذا العمل عواقب هائلة على الاقتصاد العالمي وسوف يؤدي الى نمو وتيرة التضخم من جديد إذا استمر هذا الوضع. ولكن الأهم من هذا هو انه يعكس محطة مهمة في مسيرة عملية صعود عالم متعدد الأقطاب.
في خضم احداث انهيار القطب الشرقي وانتهاء الحرب الباردة، عندما كان هناك اعتقاد ساد بان عالم القطب الواحد سيحكم العالم لفترة طويلة وبانه ليس لقوة أمريكا من حدود، اشار منصور حكمت بان عالم القطب الواحد سوف لن يترسخ ولن يدوم. لقد بدأت مسيرة انهياره منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي، ولكن تسارعت هذه العملية في السنوات الأخيرة وخاصة منذ الحرب في أوكرانيا. لقد فشل الغرب مجتمعا في هزيمة روسيا. لقد فشل الحصار الاقتصادي لحد الان فشلا ذريعا اذ يشهد الاقتصاد الروسي نمو بمعدل 3.5%، وقتل أكثر من 400 ألف جندي اوكراني وجرح ما يقارب المليون، وتم تدمير اقتصاد هذا البلد ولم تنفع كل الاسلحة التي زودها الغرب، اذ تم تدمير معظم الأسلحة الغربية، وقد استنفذ الغرب ما عنده ليمنحه لأوكرانيا التي بات انهيارها مسألة وقت. وفي السنتين الأخيرتين فاق اجمالي الناتج القومي لدول مجموعة بريكس المؤلفة من خمسة دول، أي قبل ضم الأعضاء الجدد، اجمالي الناتج القومي لدول مجموعة السبع. كما تمكنت برجوازيات عدة دول افريقية من الخروج من قبضة الغرب من خلال ترتيب انقلابات عسكرية على الأنظمة الحاكمة الخاضعة للغرب.
ان قيام الحوثيين بهذا العمل هو لأهداف منها كسب التأييد الداخلي في اليمين، اذ ان الجماهير في اغلب دول العالم والمنطقة هي بالضد من جرائم الدولة الإسرائيلية. كما ان هذا العمل سوف يعزز مكانة الحوثيين فيما يسمى ب " محور المقاومة" الذي يشمل إيران وسوريا وحزب الله والمليشيات في العراق التابعة لإيران والحوثيين في اليمن والفصائل الفلسطينية". وسوف يعزز مكانة هذه الجماعة على المستوى الدولي وخاصة كأداة في يد القطب المعادي للغرب. بهذا العمل لم يعبر الحوثيون عن الدعم للفلسطينيين ومعاداة إسرائيل من خلال الاقوال فحسب كما هو حال بقية أطراف "محمور المقاومة" بل من خلال العمل أيضا من خلال قصف ايلات وغلق مضيق باب المندب.
لقد أعلنت أمريكا في تشكيل تحالف بحري متعدد الجنسيات ضد الحوثيين لضمان حركة التجارة البحرية باسم تحالف " حارس الازدهار".
اكدت أمريكا بان عشرين دولة من ضمنها كل من بريطانيا والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشل واليونان وأستراليا انضمت لهذا التحالف. ولكن 8 بلدان من مجموع عشرين دولة رفضت الإعلان عن مشاركتها وقالت دول أخرى إن مشاركتها في حماية التجارة في البحر الأحمر ستأتي في إطار اتفاقات بحرية قائمة بدلا من عملية جديدة تقودها أمريكا. ولكن تبين بان بريطانيا تشارك بمدمرة واحدة وهي عرضة لعطلات متكررة، ومشاركة كندا مثلا تقتصر على ثلاث اشخاص من البحرية الكندية ونفس الشي ينطبق على دول اخرى.
ومن المهم الإشارة الى ان الدولة العربية الوحيدة التي شاركت في التحالف هي البحرين التي ليس لها قوة بحرية والتي توصف كرصيف يركن فيه الاسطول الخامس الأمريكي وهو رد الجميل لقمع الانتفاضة التي حدث في 2011 بمساعدة السعودية وبماركة أمريكا والغرب.
ان ضعف هذا التحالف يعكس من جهة ضعف الغرب، وعدم الانسجام داخل صفوفه، وعدم الثقة بقيادة أمريكا. ويعكس بشكل واضح عدم قدرة أمريكا على تشكيل جبهات عالمية قوية كما حدث في الحرب ضد العراق في عام 1991. ومن جهة أخرى هذا الضعف ناتج من طبيعة العملية والاحداث الحالية في فلسطين. بغض النظر عن رأينا بجماعة أنصار الله، وبغض النظر عن أهدافهم الحقيقية، الا ان مطالبهم ليست غير منطقية، اذ يطالبون بوقف المجاوز ضد سكان غزة والسماح بدخول المساعدات الى القطاع.
في النهاية ان هذا التحالف ليس بالقوة التي يصورونها وفي صفوفه شقوق كبيرة وفي النهاية ان هذا التحالف يعني أمريكا وان مشاركة اغلب الدول الأخرى هي رمزية للغاية.
ويجدر الذكر أيضا، ان هذا التحالف لا يبث الاطمئنان لدى شركات النقل البحرية، اذ اغلبها بدأت تلتجا الى طرق بديلة مثل الالتفاف حول افريقيا او الاستخدام النقل الجوي. وانخفض حجم المرور في البحر الاحمر بمعدل 35% علما ان الحوثيين لا يستهدفون الا جزء قليل من الملاحة.
ان مازق أمريكا يكمن في انها تواجه الخيارين احلاهما مر. فاذا لم تنفذ تهديدها بضرب الحوثيين سوف يؤثر هذا على مصداقيتها ويعكس عجزها في مواجهة قوة هي ليس حتى دولة وستنهار ادعاءاتها بحماية التجارة الدولية بما فيه مضيق هرمز. وإذا نفذت التهديد وشنت الحرب على الحوثيين سوف لن يكون بإمكانها هزيمة هذه الحركة. بإمكان أمريكا التسبب في اضرار كبيرة، ولكن لا يمكنها النصر. أي تدخل سوف ينتهي الى نتيجة يمكن تفسيرها بسهولة كنصر للحوثيين. اذ ليس بإمكان امريكا القيام بتدخل بري ضد الحوثيين الذين يمتلكون أكثر من 100 ألف مقاتل متدرب بشكل جيد والكثير منهم اكتسب خبرة قتالية خلال الحرب التي بدأت في 2014. ان كل القوى العسكرية الامريكية في الوقت الحاضر هي 472 ألف عسكري. لا يمكن نقل عدد كافي منهم الى الأراضي اليمنية لشن حرب برية ضد الحوثيين. وحتى إذا تم الامر، النتيجة سوف لن تكون أفضل من العراق او أفغانستان. من جهة أخرى ان القصف الجوي ضد الحوثيين سيكون غير مؤثر لعدم وجود اهداف عسكرية ثابتة يمكن قصفها. وقد تأقلمت جماعة أنصار الله مع القصف الجوي خلال التسع سنوات الماضية حيث تعرضت الى 24 ألف عملية قصف جوي بنفس الطائرات والقنابل والصواريخ الامريكية. لقد حاولت السعودية هزيمة الحوثيين بنفس السلاح الأمريكي وفشلت. ان تغير الجنود السعوديين والأمارتين بالجنود الأمريكيين سوف لن يأتي بنتائج أفضل. وسوف لن يكون بإمكان أمريكا ادامة حملة قصف لنقص العتاد. كما ان أي مواجهة مع الحوثيين سوف تكون كارثية من الناحية الاقتصادية والعسكرية، فعدا غلق المضيق بشكل كامل، ان الحرب ستعني إطلاق أمريكا صواريخ تتراوح أسعارها بين 1-6 مليون دولار لمواجهة مسيرات تكلف بين 2-10 ألف دولار. كما ان الحوثيين يعلمون جيدا ان مخازن الحاملات الامريكية من الصواريخ المضادة للصواريخ والمسيرات محدودة وليس لأمريكا القدرة على إعادة تزويدها بالذخيرة بشكل سريع يمكن ادامته. من جهة أخرى هناك دائما احتمال ان يتمكن الحوثيون من إطلاق عدد كبير من الصواريخ والمسيرات في ان واحد يفوق قدرة السفن الحربية الامريكية على مواجهتا مما يعني إصابة هذه السفن وحتى خطر اغراقها. ان قيام الحوثيين بشيء عملي " لنصرة غزة" هو ليس لان حسهم القومي والديني تجاه غزة هو اعلى من بقية أطراف " محور المقاومة" بل هو لأسباب موضوعية تمكنهم من التحرك، وليس هناك الكثير ليفقدوه في حين هناك الكثير من المكاسب.
رغم ما يقال فان جماعة الحوثيين حصلوا ويحصلون على إمكانات عسكرية واستخباراتية من دول مثل إيران وربما حتى روسيا. اذ ان قدرتهم على كشف محاولات الإسرائيليين التمويه والتهرب من خلال رفع اعلام دول أخرى واستخدام طواقم اجنبية تدل على قدرة استخباراتية عالية.
لهذه الاسباب من الحماقة ان تخوض أمريكا في مواجهة مع الحوثيين. انها خسرت المواجهة في اللحظة التي بدأت بتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة.
ان خيارات أمريكا قليلة جدا. رغم كل التحاليل التي تتحدث بان أمريكا حشدت قوتها البحرية وعززت قواتها المتواجدة في المنطقة من اجل شن حرب واسعة في المنطقة بما فيه مهاجمة إيران الا ان الوقع يشير ان حشد السفن الحربية في المنطقة كان من اجل ردع قوى مثل حزب الله وايران من الدخول في الحرب. ان احتمال لجوء أمريكا وحتى الغرب بشكل جمعي الى خيار الهروب الى الامام من خلال توسيع رقة الحرب عن طريق توجيه ضربات الى ايران وهو ما تريده إسرائيل هو احتمال ضعيف جدا وهو خيار بمثابة الانتحار. لا يمكن احتلال إيران بالقوة التي لدى الغرب. كما ان اللجوء الى ضربات جوية محدودة لا يمكن ادامتها، يعني تعرض إسرائيل وكل القواعد الامريكية في المنطقة التي تأوي حوالي 70 ألف عسكري الى التدمير وتعرض مضيق هرمز الى الغلق الامر الذي سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. إذا لم يكن بإمكان الغرب منع الحوثيين من غلق باب المندب فكيف يمكنه منع ايران من غلق مضيق هرمز، مهما كان نظام ايران مكروها داخليا؟
الخيار الاخر لأمريكا هو اصدار امر الى حكومة نتنياهو لوقف العمليات العسكرية في غزة والسماح بدخول المساعدات، ولكن لا يبدو بان بإمكان أمريكا لسبب او لأخر ان تلجأ الى هذا الخيار.
ان الخيار الأفضل لأمريكا هو القيام بلا شيء وتحمل عمليات الحوثيين وانتظار ان تنهي إسرائيل عملياتها في غزة.
حرب أوكرانيا قد زعزعت مكانة أمريكا والغرب وغلق مضيق باب المندب من قبل الحوثيين قد فضح ضعف أمريكا والغرب وسوف يعجل من هبوط مكانتهم. والعالم باسره يدخل مرحلة قاتمة من عدم الاستقرار السياسي وخطر الحروب، والإرهاب الدولي مثل تفجير خط السيل الشمالي وسد الممرات المائية، والتغير المناخي، والأزمات الاقتصادية التي تتعمق الخ. وللأسف لايزال البديل الاشتراكي غير حاضر بقوة لبدء انهاء هذه الوضعية.