تأصيل الأثر فى تبرئة ابن حجر من بيع الحشيش للبشر .. يا أيها البقر ..!!


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 7898 - 2024 / 2 / 25 - 19:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

مقال نسينا نشره
مقدمة
نشرت جريدة ( اليوم السابع ) ما يلى يوم الخميس، 27 أكتوبر 2011 تحقيقا حول فيديو للمفتى وقتها ( على جمعة) يقول فيه إن الإمام ابن حجر العسقلانى كان يبيع الحشيش أمام الأزهر. ننقله :
العنوان :
( معركة المفتى والحوينى تشتعل بين أنصارهما) ( ومرشح لحزب النور يصف كلامه بالإفتراء.. والأزهريون يردون بوقفة تضامنية مع المفتى ) :
الموضوع :
( فى الوقت الذى طالب محامى الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية بضم رئيس قناة الحكمة وسام عبد الوارث لقضية السب والقذف المرفوعة من المفتى ضد الشيخ أبو إسحاق الحوينى، انتشر فيديو بين أنصار الحوينى للشيخ على جمعة يقول فيه إن: "الشيخ بن حجر العسقلانى كان يبيع الحشيش أمام الجامع الأزهر"، وهو ما اعتبره أنصار الحوينى تجاوزاً وافتراءً فى حق أحد أعلام الأمة، مطالبين الأزهر بتصحيح ما قاله المفتى.
فيما أعلن علماء الأزهر الشريف وأئمة وزارة الأوقاف والطرق الصوفية ونقابة الأشراف عن تنظيم وقفة تضامنية اليوم بالجامع الأزهر الشريف، تضامناَ مع الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية فى مواجهة الوقفات التى نظمها السلفيون ضده خلال الفترة الماضية، كما أعلن مكتب رسالة الأزهر الذى يرأسه الدكتور أسامة الأزهرى عن تنظيم وقفة تضامنا مع مفتى الجمهورية. ووفقا للفيديو يقول الدكتور على جمعة: "كان الشيخ الفرغل خارج الأزهر على الباب فى القرن الثامن الهجرى والتاسع يبيع حشيش فجاء ابن حجر العسقلانى شارح البخارى، وكان قاضى القضاة فقال له ما هذا فقالوا له الشيخ الفرغل، فحدث نفسه، وقال لو كان وليا ما أقامه الله فى هذا المقام، فدخل العسقلانى ليصلى بالناس فنسى الفاتحة، فقال له الناس فعلت شيئا"، فقال والله الراجل اللى بره ده قلبى لم يرتاح له وأنا داخل الجامع لأنه بيعمل ذنب وهو بيع الحشيش"، فقالوا له الناس اذهب له استسمحه لتعرف حكايته، فقال له ابن حجر الفاتحة فرد الفرغل فتشنى أنا لم آخذ منك شيا فاتحة أيه، فرد ابن حجر قائلا: "مش كدا دانا قاضى القضاة فرد الفرغل" قائلا: "توب إلى الله هو فى حد قال لك أتريق على خلق الله هو الدين قال لك ذلك، فقال ابن حجر يا مولانا ما أنت بتبيع حشيش، فقال له الفرغل اجلس بيع معى، جلس ابن حجر يبيع معاه وبعدين قاضى القضاة أخذ وقال شوف أى واحد بياخذ الحشيش منى إيه اللى بيحصله فاختار واحد ومشى ورآه وبعد شربه للحشيش استقام وبطل شربه، فقال الفرغل لابن حجر يا حبيبى إنا بقى لى 20 سنة لم يشترى من أحد الحشيش ورجع تانى أبدا ، هؤلاء مشايخ كانوا يعرفون ربنا وهنا هناك ناس يقولون إن الشيخ بيقول". ومن جانبه طالب الشيخ مدحت عمار مرشح حزب النور فى انتخابات مجلس الشورى بدائرة شمال الجيزة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، بضرورة الرد على ما وصفه بافتراء المفتى على أحد علماء الأمة ابن حجر العسقلانى قائلا: "العسقلانى الذى سمى باسم الحافظ بهذا الاسم لكثرة حفظه للقرآن والسنة يقال عنه إنه يبيع حشيش هذا افتراء عليه".وتساءل مدحت هل هذا الكلام قال به أحد غير المفتى، وإن لم يقل فأين علماء الأزهر فى الرد على ما قيل فى حق أحد أعلام الأمة، كما تساءل ماذا لو قال بهذا الكلام أحد دعاة السلفية فى مصر لقامت الدنيا وبرامج التوك شو لمهاجمة هذا الشيخ.وقال مدحت إن منصب الإفتاء هو منصب رفيع المستوى والكل يحترم هذا المنصب ولكن الكلام هنا عن شخص على جمعة وليس منصب المفتى، متسائلا من الذى عينه مفتيا للبلاد أنه الرئيس المخلوع حسنى مبارك.من جانبه استنكر الاتحاد العالمى لعلماء الصوفية فى بيان له ما يقوم به السلفيون، وحذر الاتحاد، الشعب المصرى من الانسياق خلفهم، مطالباً بالتصدى لهم بكل الوسائل الممكنة شرعاً وقانوناً.ودعا الاتحاد جميع المصريين من أنصار المنهج الأزهرى لحضور الوقفة التضامنية مع فضيلة الدكتور على جمعة مفتى الجمهورية، غدا الخميس فى تمام العاشرة صباحاً بالجامع الأزهر الشريف.) إنتهى الخبر.
ونقول :

أولا :
هى معركة بين السلفيين والصوفية ، وهم أُخوة أشقّاء فى الجهل العريق . وننصحهم ـ لو كانوا يقرأون ـ أن يقرأوا لنا موسوعة التصوف بأجزائها ، خصوصا الجزء الخاص بأثر التصوف فى الانحلال الخلقى . وفيه إن الصوفية هم من إكتشف الحشيش ، وهم الذين جعلوا تناوله دينا وأطلقوا عليه ( لقيمة الذكر والفكر ) أى يعينهم على التعمق فى دينهم ، وهم الذين نشروه وحاربوا الفقهاء الذين حرّموه ، وعمل بعض الصوفية فى بيعه ، ودافعت عنهم الكرامات الصوفية . وقلنا فيه : عن اثر التصوف فى الانحلال الخلقى عن الحشيش :
( كانت الكرامات كالعادة هى طريقة الصوفية فى ستر انحلالهم الخلقى ،ومنه تناول الحشيش وبيعه ، ويبدو ذلك فى ترجمة الشريف المجذوب فى طبقات الشعرانى ، يقول فيه ( وكان له كشف ومثاقلات للناس الذين ينكرون عليه ، وكان رضى الله عنه يأكل فى نهار رمضان ويقول أنا معتوق أعتقنى ربى ، وكان كل من أنكر عليه يعطبه فى الحال .. وكان رضى الله عنه يتظاهر ببيع الحشيش فوجدوها يوما حلاوة ) .( الطبقات الكبرى للشعرانى 2 / 135 ) . وهكذا تحول بيع الشريف المجذوب للحشيش إلى مجرد تظاهر، وتحول الحشيش على يده إلى حلاوة، أى (أنه كان يغش فى الصنف ).! ويكرر الشعرانى نفس الأسطورة ونفس التعليل فى ترجمته للشيخ أبوبكر الدقدوسى ( وكان له صاحب) من الأولياء يصنع الحشيش بباب اللوق ، ( فكان الشيخ رضى الله عنه يرسل له أصحاب الحوائج فيقضيها لهم) أى كان ذلك الحشاش من أصحاب التصريف والحملات ، ( قال سيدى عثمان رضى الله عنه فسألته يوما عن ذلك ، وقلت المعصية تخالف طريق الولاية ، فقال : ياولد ليس هذا من أهل المعاصى ، إنما هو جالس يتوب الناس فى صورة بيع الحشيش ، فكل من اشترى منه لا يعود يبلعها أبدا) ( الطبقات الكبرى للشعرانى 2 : 96 )
وحتى يرهب الشعرانى الفقهاء فى عصره من الاعتراض على الأولياء الصوفية مدمنى الحشيش فقد اخترع هذه الحكاية يقول فى كتابه ( لواقح الأنوار 100 : 101 ) :
( روى عن شيخ الإسلام صالح البلقينى أن والده الشيخ سراج الدين مرّ باب اللوق فوجد هناك زحمة ، فسأل عنها ،فقالوا شخص من أولياء الله يبيع الحشيش ، فقال : " لو خرج الدَجال حينئذ فى مصر لاعتقدوه من شدة جهلهم ، كيف يكون شخص حشاش من أولياء الله ، إنما هو من الحرافيش . " ثم ولى، فسُلب الشيخ جميع مامعه حتى الفاتحة ، فتنكرت عليه أحواله ، وصارت الفتاوى تأتى إليه فلا يعرف شيئا ، ونسى ما قال فى حق الحشاش ، فمكث كذلك فى مدرسته بحارة بهاء الدين ثلاثة أيام ، فدخل عليه فقير فشكى إليه حاله ، فقال : " هذا من الحشاش الذى أنكرت عليه ، فإن الفقراء أجلسوه هناك يتوب الناس عن أكل الحشيش ، فلا يأخذها أحد من يده ويعود إلى أكلها أبدا حتى يموت ، فأرسل إليه يرد عليك حالك ." فأرسل إليه فبمجرد ما أقبل الرسول أنشده الشيخ شعرا ، وقال : " لو كنا عصاة نبيع الحشيش ماأقدرنا الله على سلب شيخ الإسلام "، ثم قال له :" سلم على شيخ الإسلام، وقل له أعمل أربعة خراف معاليف شواء وأربعمائة رغيف وتعال اجلس عندى ، وكل من بعته قطعة حشيش زن له رطلا واعطه رغيفا "، فشق ذلك على شيخ الإسلام ، فما زال به أصحابه ، حتى فعل ذلك، وصار يزن لكل واحد الرطل ويعطيه الرغيف والشيخ يبتسم ، ويقول : " نحن نحليهم فى الباطن وأنت تحليهم فى الظاهر "، إلى أن فرغ الخرفان ، ثم قال له : " اذهب إلى الديك الذى فوق سطح مدرستك فاذبحه وكل قلبه يرد عليك علمك ، فبالله عليك كيف تتكبر على المسلمين بعلم حمله الديك فى قلبه "، فمن ذلك اليوم ماأنكر الشيخ البلقينى على أحد من أرباب الأحوال ) .
وفى هذه الأسطورة المضحكة لم يتفضل علينا الشعرانى بإسم ذلك الشيخ الصوفى الحشاش الذى سلب علم شيخ الإسلام ووضعه فى قلب ديك ، ولم يكن سراج الدين البلقينى من الخفاء بحيث يحدث له هذا الحادث الخطير المضحك دون أن يكتب ذلك فى مؤلفاته الكثيرة ، أو يكتب ذلك عنه أحد رفاقه وهم كثيرون فى عصره . ولكن الشعرانى بموهبته الفائقة فى الاختراع كسى هذه الحكاية كثيرا من التشويق والترهيب بحيث يجعل القارىء فى عصره يصدق أن وليا صوفيا مجهولا يتاجر فى الحشيش ويرغم شيخ الإسلام البلقينى فى القرن التاسع على أن يجلس على " دكة" إلى جانبه وهو يبيع الحشيش . ) .
الخلاصة :
1 ـ إن جهل المفتى السابق لا يفوقه سوى جهل الحوينى وأمثاله . هم يستحقون جائزة ( نوفل ) فى الجهل .!
2 ـ ابن حجر العسقلانى لا شأن له بالموضوع ، وإن كان فى كتاباته التاريخية قد تعرض للحشيش والصوفية . يبدو إن ( على جمعة ) سمع قصة من بعض الصوفية ، جعلوا فيها ابن حجر مكان البلقينى . ولا أتصور إن ( على جمعة ) يعرف شيئا عن أسرة البلقينى فى العصر المملوكى .
ثانيا : عن إبن حجر العسقلانى
درسنا مؤلفاته وما قيل عنه بعد موته فى العصر المملوكى ، وهو صاحب مؤلفات كثيرة ، ليس فيها إبتكار ، وإنما شرح وتلخيص ، وقد كان من أشد القضاة فسادا ، وفى كتابنا المشور هنا : ( تطبيق الشريعة السنّية لأكابر المجرمين في عصر السلطان المملوكى الأشرف برسباى ) ، قلنا فى مقدمة الكتاب : ( كان هناك هدفان آخران لهذا الكتاب عن عصر السلطان برسباى : فضح أكابر المجرمين من الفقهاء السنيين وعلى رأسهم ابن حجر العسقلانى المعرف ب ( امير المؤمنين في الحديث ) وكان قاضيا للقضاة ومؤرخا ، ومشاركا في الفساد ، والى جانبه قاضى القضاة بدر الدين العينى ، وكان أيضا مؤرخا وفاسدا ، وكلاهما قام بشرح ( صحيح البخارى ) في عصر إعتاد إقامة مناسبة سنوية لتلاوة البخارى وتقديسه تحت رعاية السلطان وحضوره في أغلب الأحيان .) . وتوقفنا مع ابن حجر فى الفصل الثانى بعنوان : ( مؤرخو عصر برسباى ): المؤرخ القاضي ابن حجر العسقلانى الذى كان من أكابر المجرمين المفسدين . المؤرخ أبو المحاسن (813 :874 ) الذى كان من أكابر المجرمين . المقريزى : أعظم المؤرخين الذى لم يكن من أكابر المجرمين ).
وكل ما نكتبه هو بالمصادر الأصلية مع تحليل لها من واقع المعرفة الدقيقة بالعصر المملوكى ، والذى كان موضوع بحثنا فى رسالة الدكتوراة . وقد فصّلنا فى هذا الكتاب بعض مفاسد ابن حجر وسرقاته ، مما قاله عنه معاصروه ، ومما إعترف به نفسه عن نفسه ومحاولاته التبرير ، وفى كل الأحوال هم نموذج حقير لعلماء السلطان ، وقد إشتهر إبن حجر فى عهد السلطان برسباى وهو من أشهر السلاطين المماليك فجورا وفسادا . وقد كان إبن حجر أحد النعال فى قدم برسباى . ما الذى يعرفه على جمعة والحوينى عن برسباى ؟
بالمناسبة :
1 ـ فى عصر تطبيق الشريعة السنية فى العصر المملوكى :
1 / 1 ـ كان هناك ديوان ( البذل والبرطلة ) ، وهو لبيع الوظائف ، ومنها مناصب قضاة القضاة . يشترى أحدهم المنصب ثم يستعيد بالفساد والظلم أضعاف ما دفعه . ويعزله السلطان ليولى غيره ، والمعزول يعود يتسابق ليشترى المنصب بما سبق أن سرق من أموال . إبن حجر ( أمير المؤمنين فى الحديث ) كان أشهر قاضى للقضاة الشافعية ، وهو منصب يتسيد القضاة الثلاثة ( الحنفى والحنبلى والمالكى ) ، والذى كانت له صلاحيات ليست لغيره ، يكتسب منها الأموال . وتعرّض إبن حجر للعزل عدة مرات ، وعاد عدة مرات .
1 / 2 : فى ظل تطبيق الشريعة السنية ورعاية قُضاة الشرع الشريف أمثال إبن حجر كان البغاء مباحا ، وكانت الدولة المملوكية تفرض عليه ( ضريبة المغانى )، وكانت للمومسات حارات ، ومن يدخلها ترغمه ضامنة المغانى على الزنا أو أن يدفع أموالا لتسدد الضريبة المقررة عليها . هل يعرف هذا المطالبون بتطبيق الشريعة السنية ؟
2 ـ لنا كتاب عن تطبيق الشريعة السنية فى عصر قايتباى ، لم نستطع نشره فى مصر، وهو منشور هنا بعنوان ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى ) إشتهر قايتباى بالعبادة وتلاوة الأوراد الصوفية ، ولم يمنع هذا ظلمه الشديد ، فقد كان الظلم مباحا ومرتبطا بتطبيق الشريعة السُّنيّة . ولكن فساد قايتباى كان أقل من فساد ( قضاة الشرع الشريف ) الى درجة أنه ـ فى سابقة تاريخية ـ عزل كل القضاة ، وأجرى لهم إمتحانا ، وصار يقضى بين الناس بنفسه ، فلما ضجر وعجز أعادهم متسامحا مع فسادهم . الغرض من هذا الكتاب هو الرد على المواشى البشرية التى تطالب بتطبيق الشريعة السنية الشيطانية .
أخيرا
1 ـ العسكر المملوكى الغريب وصل بمصر الى أن تكون مركز العالم ، امبراطوريتها تمتد من جنوب تركيا وغرب العراق شرقا الى طبرق غربا ، ومن الحجاز الى شمال السودان ، وهم الذين أوقفوا زحف المغول ، وهم الذين أسروا لويس التاسع ، وإستأصلوا الوجود الصليبى فى الشام ، وعمائرهم الدينية لا تزال ترصّع القاهرة . كانوا غاية القسوة فى معاملة المصريين ، ولكن لم تصل قسوتهم الى الدرجة التى إنحطّ اليها العسكر المصرى الخائب الخائن الذى يحتلُّ مصر من عام 1952 ، وهبط بها من الحضيض الى أسفل سافلين ، والذى لم ينتصر إلا على الشعب المصرى الأعزل المسكين !.
2 ـ ولكن يشترك عسكر المماليك والعسكر المصرى الحالى الخائب الخائن فى إعتمادهما على أكابر المجرمين من الفقهاء السنيين وشيوخ التصوف، وهذا مع الفارق ، فابن حجر بمؤلفاته لا يصل الى مستوى قدميه شيخ الأزهر والحوينى وعلى جمعة . ألا لعنة الله جل وعلا عليهم أجمعين .
3 ـ وتعجبون من سقمى ؟ صحتى هى العجب .!!