عن ( الوهن / بحث للدكتوراة عن المنامات الصوفية )


أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن - العدد: 7897 - 2024 / 2 / 24 - 18:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

السؤال الأول :
هل ( الوهن ) يعنى المرض ام الضعف ؟
إجابة السؤال الأول :
مصطلح ( الوهن ) جاء فى قوله جل وعلا :
1 ـ ( ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) مريم )
( وهن العظم ) هنا هشاشته وقابليته للكسر . وهو مرتبط بالشيخوخة حين يقل بالتدريج قدرة الجسم على تكوين عظام جديدة ، وتفقد المفاصل مرونتها . هذا حسب معرفتنا ، وما لدى المتخصصين أعمق وأشمل.
2 ـ ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) العنكبوت )
الروعة هنا فى قوله جل وعلا :
2 / 1 : (اتَّخَذَتْ بَيْتاً ): أُنثى العنكبوت هى التى تتخذ البيت ، وبعد أن يلقحها الذكر تفترسه . ( تاء التأنيث ) فيها إعجاز علمى .
2 / 2 : ( وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ). لم يقل جل وعلا وان اهون الخيوط لخيط العنكبوت. الوهن هو فقط فى بيت العنكبوت ، يمكن أن تدمره الرياح والأمطار والأمواج ، وأن تدوسه اقدام الحيوانات والطيور والناس . ولكن خيوط العنكبوت غاية فى الصلابة .
2 / 3 : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ ): هنا ضرب مثل ينطبق على المشركين ، فهم إتّخذوا بارادتهم الحُرّة أولياء يقدسونهم ويؤلهونهم ويتوسلون بهم يعتقدون فيهم النفع بينما هم يهلكون أنفسهم ، مثل أُنثى العنكبوت التى تُعدُّ بيتها ليكون مهلكة لزوجها ، يأتى له مخدوعا كما يأتى المشركون للولى المقدس مخدوعين .
2 / 4 : ( لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ): لو كانوا يعلمون ويفقهون ما قدسوا بشرا حيا أو ميتا ، ولو كانوا (يعلمون ) علما فيزيائيا لأدركوا الاعجاز العلمى فى ضرب هذا المثل . قال جل وعلا بعدها : ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت ). المحمديون والمسيحيون والبوذيون والبهائيون..الخ يقدسون البشر والحجر . ينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ (43) العنكبوت ). المحمديون هم شرُّ أُمّة أخرجت للناس ، معهم القرآن الكريم يزعمون الايمان به بينما إتّخذوه مهجورا ، بينما يعبدون ما ينحتون .!
3 ـ ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ) (14) لقمان ). هذا عن مشقة الحمل ، تكرر فيه الوهن مرتين ، أى ضعفا على ضعف . المُلفت للنظر أن الوصية جاءت بالوالدين معا ( الأب والأمم ) بينما الأم هى التى حملت وعانت وقاست . والمعنى المراد أن الأب شريك لها ، وهو بجانبها يحنو عليها ويخفف عنها،أو هذا ما ينبغى أن يكون . أليس كذلك ؟ هو كذلك.!
4 ـ ( ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) الانفال ). الله جل وعلا يوهن أى يضعف كيد الكافرين ، وسيدفعون الثمن ولو بعد حين . قال جل وعلا : ( إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (15) وَأَكِيدُ كَيْداً (16) فَمَهِّلْ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (17) الطارق )
5 ـ ( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) آل عمران ). جاء هذا فى سياق الوعظ للصحابة بعد هزيمتهم فى موقعة ( أُحُد ) . قال جل وعلا : ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138) وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) آل عمران ) . وفى تدبره عبرةُّ لأولى الألباب .
السؤال الثانى :
أفكر فى موضوع للدكتوراة ، وقرأت كتاباتك عن التصوف والأحاديث ، واتفق معك فى أنها أديان أرضية تعبر عن أهواء الناس ، وهم يجعلونها من الوحى الالهى ، وبالتالى هى مجال للبحث التاريخى . أرجو ان تعطينى فكرة سريعة عن الاختلاف بين دينى السنة والتصوف فى موضوع الوحى الذى ينسبونه لله تعالى لأختار موضوعا منها .
إجابة السؤال الثانى :
1 ـ بدأ تدوين الأحاديث السنية والشيعية من القرن الثانى ، وجعلوها دينا ووحيا كالقرآن الكريم بالاسناد المزعوم الذى يصلها زورا بالنبى محمد عليه السلام. بإهمال هذا الاسناد فإن متن الحديث يعتبر مصدرا للتاريخ الاجتماعى والدينى والسياسى للعصر الذى قيل ودُوّن فيه . الملاحظ أن الأحاديث بدأت بحوالى ألف حديث فى موطا مالك ، ثم قفزت الى عدة آلاف فى كتاب الأم للشافعى فى مطلع القرن الثالث الهجرى ، ليصل عددها الى ملايين بعد بضع قرون . إذ صارت مرآة لعصرها تحوله الى دين .
2 ـ أما التصوف فقد بدأ على إستحياء فى القرن الثالث الهجرى ، متمتعا بالهجوم عليه من متطرفى السنيين ( الحنابلة ) ، ثم دخل فيه العوام لأنه لا يتطلب تبحرا فى العلم ، فكان سهلا لأى من أوباش العوام الذى لا يعرف القراءة والكتابة أن يزعم الكرامات وأنه يخاطب الله جل وعلا ويراه فى المنام ويرى النبى فى المنام واليقظة . ويجد من يصدقه ويؤمن به ويعتقد فيه ، بانتشاره وخضوع أربابه للحكام ـ عكس الفقهاء الحنابلة ـ تمتع التصوف بالحظوة لديهم فأقاموا المؤسسات الدينية للصوفية .
3 ـ بانتشار التصوف أصبح ندّا لدين السنة ، وظهر الغزالى ت 505 الذى عقد الصلح بين التصوف والسنة لصالح التصوف وكتب فى ذلك كتابه المشهور ( إحياء علوم الدين ) ، جاء بعده الفقيه الحنبلى المؤرخ ابن الجوزى فى القرن السادس الهجرى ، وقد كان متأثرا بالتصوف مع عدائه للصوفية وهجومه عليهم فى كتابه ( تلبيس إبليس ) ، ومثلهم يروى المنامات ، وقد ملأ بها تاريخه ( المنتظم ) ، وكتب ابن الجوزى مثلهم فى ( المناقب )، وله كتاب فى مناقب ابن حنبل حشد فيه أكاذيب المنامات ، ومنها إفتراءات عن رب العزة جل وعلا.
4 ـ أعلام الصوفية المتعلمين شاركوا مبكرا فى إختراع ونشر الأحاديث الخاصة بهم ، ومنها حديث ( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب ) المذكور فى البخارى ، والحديث المشهور ( عبدى أطعنى تكن عبدا ربانيا تقول للشىء كن فيكون )، وحديث : ( كنت نبيا وآدم بين الماء والطين ، وكنت نبيا وآدم لا ماء ولا طين .) ( أول ما خلق الله نورنبيك يا جابر ) وهذا تعبير عن عقيدة الصوفية فى الحقيقة المحمدية . أى إن التصوف لم يقتصر على زعم الوحى بالأحاديث بل أضاف لها : المنامات ، وقول أحدهم : حدثنى قلبى عن ربى ، ومزاعم الهاتف ..
5 ـ بالتصوف إنتشرت المنامات وتحظى بالتصديق مهما بلغ إسفافها ، وأسهمت فى صياغة عقول الناس . وهى باب هام جدا للبحث التاريخى . ومن الممكن أن تأخذ المنامات الصوفية فى العصر العباسى أو العصر المملوكى بحثا لك تحلل من خلالها ثقافة عصرها الذى كُتبت فيه ، فهى تعكس أحلام اليقظة والعلاقات والصراعات . وهى ــ شأن كل مخترعات الأديان الأرضية ـ كاذبة من حيث نسبتها للنبى أو لرب العزة أو من قالها ، ولكنها صادقة فى التعبير عن المسكوت عنه فى عصرها.
6 ـ يلزمك أولا أن تدرس العصر ( العباسى أو المملوكى ) دراسة وافية سياسيا واجتماعيا من خلال مصادره التاريخية وأهم المؤلفات فيه فى السنة والتصوف ، وأعلام السنة والحديث ، وظروفهم ، وأن تفهم مصطلحات التصوف والسنة ، ثم تبحث المنامات المذكورة فى كتب المناقب بكل تنوعاتها وكتب التاريخ ، وتحللها فى ضوء معرفتك بكاتبها وعصره .
7 ـ ونرجو لك التوفيق .