نقد الاقتصَاد السّياسي، مُقدمة الطبعة الألمانيَّة


محمد عادل زكى
الحوار المتمدن - العدد: 7440 - 2022 / 11 / 22 - 04:32
المحور: الادارة و الاقتصاد     

تصدر هذه الطَّبعة من نقد الاقتصاد السِّياسي، والمطابقة للطَّبعة السَّادسة، والموجهة في المقام الأول للقارىء العَرَبيّ في أورُوبا، في مُناخ تسوده الأزمة الاقْتِصَاديَّة الدَّوريَّة للرَّأسماليَّة المعاصرة، فما أن تعافى العالم نسبيًا من الوباء السَّاحق إلا وضربت أزمة طاحنة بجذورها في كل اتجاه؛ فلم تَسلم منها الأجزاء المتخلّفة ولا الأجزاء المتقدمة، ولا حتى الولايات المتحدة الأمريكية الَّتي اعتادت الربح دائمًا والخروج دومًا كمنتصر.
أعلنت الأزمة عن نفسها وبوضوح، بصفةٍ خاصَّة في الأجزاء المتخلّفة من النظام الرَّأسمالي العالميّ، في صورتَيها المعاصرتَين التقليديتَين: أزمة الطَّاقة وأزمة النقد، وما يتعلق بهما، بالضرورة، من أزمات مُترتبة ومُصاحبة: كتعمُّق أزمة الغذاء، والتهَاوِي بقوة في فخ الديون، والارتفاع الهستيري في الأسعار، والازدياد المُطَّرِد في أعداد مَن هم تحت خط الفقر، مع خلل واضح في جميع مؤشرات الاقْتصَاد الكلّي (المنتوج والدَّخل القوميين، ونسب التضخُّم، والديون الدَّاخليَّة والخارجيَّة، ومُعدَّلات الفقر والبطالة،... إلخ).
وفي الأجزاء المتقدمة، بصفةٍ خاصَّة في غرب أوروبا، أصبحت رفاهية الحياة اليوميَّة على المحك مع حروب فرض النفوذ الدَّائرة في شرق أوروبا، والَّتي رجَّت بعنفٍ أركان الحياة الاجْتماعيَّة، وأصابت النشاط الاقْتِصَاديّ بالشلل الجزئيّ، والمحتمل تحوله إلى شللٍ كلّي مع استمرار التباطؤ الاقتصَاديّ في ظل تضخُّم جامح، وانهيار فوضوي في قِيمة العُملة، وترقُّب يسود أسواق المال، وسياسات ماليَّة مُتضاربة أسفرت عن استقالة رؤساء للوزراء!
في ظل هذه الأجواء تبرز الحاجة الملحَّة إلى الْعِلم الاجْتماعيّ القادر على تفسير الأزمة بغية تجاوزها. العلم الَّذي يملك الأدوات الفكريَّة الَّتي تمكّن من فهم الأزمة هيكليًّا، الأزمة الَّتي تعبر دومًا عن نفسها في صورة أزماتٍ دوريَّة: ركود، فانتعاش، فازدهار، ففيض إنتاج، فانهيار، فركود،... إلخ. هذا العِلم هو علم الاقْتصَاد السِّياسيّ، والَّذي أعيد هنا تقديمه، بعد نقدِه، كعلم اجْتماعيّ يملك تلك الأدوات الفكريَّة الَّتي تسعفنا في سبيل فهم ما يجري على الصَّعيد العالميّ فهمًا ناقدًا يفتح لنا الآفاق رحبة للعَمل من أجل تجاوز الأزمات الطبيعيَّة للنظام الرَّأسماليّ المعاصر، أو على أقل تقدير يتيح الخروج من تلك الأزمات بأقل الخسائر الممكنة.
وأنني اتوجه بالشكر الجزيل للمفكر الكبير البروفيسور محمد الزكريّ الأستاذ بالجامعات الألمانيَّة، مؤسِّس دارة ابن الزكريّ للنشر المعرفيّ على تفضله بنشر الكتاب وتقديمه للقارىء العَرَبيّ في أوروبا، راجيًا له كل التوفيق في أعماله النبيلة ورسالته العِلميَّة الجليلة.
محمد عادل زكي
الإسكندرية 5/11/2022