مدينة جلجامش و الكولونيل الياباني ماساهيسا ساتو*


نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن - العدد: 6952 - 2021 / 7 / 8 - 12:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

( 1 )

تجمع اهل مدينة السماوة حول قائد المفرزة العسكرية اليابانية الليفتانت كولونيل ماساهيسا ساتو وهو يدخل مدينتهم بأول رتل عسكري لقوات الدفاع الذاتي اليابانية وقد علت الابتسامة الحقيقية وجهه ، وتشاركت تماما مع تلك التقاليد التي تعودت عليها الروح اليابانية في إظهار الاحترام للأخر من خلال الحركة وإيماءة الابتسام في الملامح .
وكان اول أسئلتهم للقائد الياباني الذي يقود جحفلا استطلاعيا قبل ان تأتي كامل القوة المكونة من 1000 مقاتل من قاعدتها الخلفية في الكويت .
اول الأسئلة كانت : تعبر بشيء من الدهشة والفرح والأمل من ان اليابان ستسعى لتطور السماوة تكنلوجيا فتأتي ببعض مصانع تويوتا وتوشيبا ومسيو بيشي وهيتاشي ، فينتعش الاقتصاد ويختفي الفقر والبطالة من هذه المدينة .
لكن الكولونيل رد على التساؤلات وبذات الابتسامة :انهم جاءوا فقط للدعم الإنساني . والمساهمة في التخفيف من معاناة المدينة في الكثير في تهدم بنيتها التحتية.
سأله احدهم : وبنادقكم هذه ؟
رد الكولونيل بذات الابتسامة : أننا جنود والبندقية من مستلزمات مهمة الجندي .وليس بالضرورة ان نطلق الرصاص منها عندما نشعر ان السلام موجودا هنا ، وعلينا ان نتحول الى بُناة وليس محاربين ، وبالرغم من هذا هي معه . فقد يدافع بها عن نفسه من الذئاب وليس البشر.
صاح احدهم : إذن ابقوا يا حضرة الضابط في داخل المدينة ولا تذهبوا الى بادية السماوة فالذئاب كثيرة هناك.
ترك الضابط محدثيه من الصحفيين واهل المدينة وتوجه صوب منطقة موحلة على ضفاف نهر الفرات ليقيموا عليها اول قاعدة عسكرية يابانية في منطقة نائية جدا عن جغرافية البلاد الذي لم يقدها قدرها التاريخي لتذهب بجنودها ابعد من الفلبين ولاوس وإندونيسيا والصين وكوريا .
لكنهم وصلوا الى بلد جلجامش وربما كان عليهم ان يستعينوا بقسم الدراسات الشرقية ورجال الآثار الذين زاروا المدن الأثرية في جنوب العراق اور والوركاء ولكش ولارسا واوروك التي لا تبعد عن مدينة السماوة كثيرا وهي المدينة التي حكمها الملك الأسطوري جلجامش .
وليس بعيدا عن هذا الموقف الذي سجل تفاصيل اللقاء الاول بين طلائع الجيش الياباني الداخل الى السماوة . وبين مشاعر الارتياح التي سكنت الكثير من القلوب .مر رجل كهل وهو يجذف بقاربه في النهر القريب واندهش من غرابة الوجوه المدورة والتي يراها لأول مرة . سكنه الغيظ قليلا ثم نادى الجميع :قائلا .حي الله بالوجوه المنتفخة.
في اول ليلة في المعسكر الذي قد بدأ ليكون خياما لحين تشييد المنشآت وقاعات الجنود ونقاط الحراسة ومخازن الدعم الإنساني واللوجستي .
ربما فكر الكولونيل ماساهيسا بكلام الرجل السَماوي الذي تحدث عن ذئاب البادية واحتاج لتفاسير من المترجم الذي سيصطحب مفرزته طوال مدة تكليفهم بالمهمة الأبعد عن التراب الياباني التي وافق عليها البرلمان . وفي الصباح أوضحوا له ان بادية السماوية الممتدة حتى حدود المملكة العربية السعودية تحمل تاريخا مضطربا ، ففيها اشهر السجون العراقية واقساها حيث يشبه المنفى في الصحراء القاحلة وكان يسجن فيه الوطنيين الذين يقاومون الدكتاتوريات المستبدة .وهي ايضا كانت مكانا قسريا يشبه الجحيم لإيواء المنفيين والمهجرين من أكراد شمال العراق واغلبهم من العائلة البرزانية خلال حرب سبعينيات القرن الماضي بين الكرد والحكومة المركزية في بغداد. والمكان ايضا تحول لاحقا الى مقابر جماعية للمؤنفلين تهجيرياً من أبناء هذه العائلة الكردية .
وأخيرا فأن بادية السماوة هي اليوم مقبرة للألة العسكرية العراقية التي دمرت في حرب الخليج وتسمى مقابر السكراب وبعض الياتها المدمرة تحمل إشعاعات نووية من اليورانيوم المنضب الذي كانت تطلى به بعض مقذوفات الدبابات الأمريكية لتخترق بسهولة ابدأن الدبابات العراقية ( روسية الصنع ) تي 72.
ضحك الكولونيل وقال : حاليا نبقى نعمر في السماوة ومدنها القريبة . حقا تلك البادية قد تكون ممتلئة بالذئاب .

*مقالات متسلسلة ننشرها عن الوجود الياباني في العراق اول سنوات الاحتلال الأمريكي للعراق.