الأوضاع السياسية في ظل ثورة تشرين وجائحة كورونا


الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي
الحوار المتمدن - العدد: 6680 - 2020 / 9 / 18 - 05:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ثورة تشرين فتحت افاقا مهمة وانسانية امام جماهير العراق، وتعد اكبر حدث في التاريخ المعاصر للشعب العراقي، للخلاص من القوى الطائفية القومية العشائرية وبناء دولة علمانية مبنية على المواطنة و فصل الدين عن الدولة ومساواة المرأة بالرجل و توفير العيش الكريم.
ان نزول الملايين بصدور عارية في مواجهة هذه القوى واجبار الحكومة على الأستقالة وودفع بالهيئة الحاكمة الى التخبط والدخول بازمة عميقة حيث لم تتمكن من تشكيل الحكومة لعدة شهور. وبغض النظر عن المواجهة القمعية بالحديد و النار و قتل اكثر من 800 متظاهر و جرح اكثر من 30الف شاب وشابة واخطاف واغتيال الناشطين والناشطات، استمرت الثورة وسيطر الثوار على اكثرية ساحات المدن كنموذج جديد للنضال الجماهيري مجبرين السلطة على التقوقع في المنطقة الخضراء وفرضوا عليها العزلة. كما اجبرت الثورة كل القوى على الأعتراف بالثورة و دورها وبانهم لا يستطعوا ان يخطوا اي خطوة بدون موافقة القوى الثورية في الساحات.
ان الثورة الحالية، مثل أي ثورة راديكالية، هي ضد الوضع الراهن برمته. إنها ضد الحكومة الدينية والعرقية والعشائرية والنظام والقوى المسيطرة على المناخ السياسي في العراق منذ حرب 2003. في السنوات الـ 17 الماضية، سلبت حتى أكثر المكونات أساسية للمجتمع المدني. وبالتالي فإن المهمة الأولى للثورة تتمثل بإقامة مجتمع مدني.
تُظهر تجربة العقدين الماضيين أن الطبقة الحاكمة العراقية - والبرجوازية الدولية التي شاركت في السياسة العراقية طوال العقدين الماضيين-- غير قادرى وغير راغبة في تأسيس مجتمع مدني في العراق. وبالتالي فإن مسؤولية النضال من أجل الحضارة والمجتمع المتحضر تقع على عاتق الطبقة العاملة وحزبها الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي. في عصر النظام العالمي الجديد ، والليبرالية الجديدة والتقشف الدولي والترامبية، فان الشيوعيين فقط هم من يدافع عن المجتمع المدني ويحملون راية الحضارة والإنسانية في العراق وفي الشرق الأوسط بأسره.
جائحة كورنا كوباء عالمي فرضت تغيرات في كل المجالات و لا يمكن الرجوع الى ما قبل وجود الوباء. في الوهلة الاولى ساعدت السلطة على تخفيف حدة الثورة و لم يكن ذلك في صالح الثورة حيث فرضت تقليل المتواجدين في ساحة التحرير والنضال في المدن الأخرى. تراجع عدد كبير من المتظاهرين الى الحجر الصحي للحفاظ على عدم تفشي الوباء. استغلت القوى الرجعية هذا الوضع لتمرير كابينة الكاظمي في ظل التغيرات في توازن القوى بين ايران و امريكا و فرض التراجع على ايران و القبول بمرشح توافقي بين كل القوى العالمية و الاقليمية و المحلية للخروج من الأزمة الذي كانت قد فرضتها الثورة في الساحة السياسية. وبسبب الجائحة و فرض حضر التجوال و توقف واغلاق الأسواق دفعت الملايين الى البطالة المتفشية اصلا، و تصاعد منحنى الفقر والجوع بشكل خطير. وفي نفس الوقت ازدادت النقمة الجماهرية بشكل واسع ضد السلطات.
اهم مهمة لحكومة مصطفى الكاظمي هي الان في اجهاض الثورة المليونية والخروج من الأزمة الخانقة للبرجوازية العراقية وانهاءها بالترغيب او الترهيب والسعى الى مشاركة بعض الناشطين في صفوف حكومتها، ومحاولة طرح تغيرات ترقيعية من قبيل اجراء "أنتخابات مبكرة " و"أصلاحات أقتصادية " و" حصر السلاح بيد الدولة " و " البحث عن قتلة المتظاهريين" وغيرها. وفي نفس الوقت فان ماكنة الاغتيالات تستمر في حصد ارواح الناشطين يوميا.
لم تتمكن حكومة الكاظمي ان توقف الثورة. ولا تزال الثورة مستمرة وقد شهد شهري تموز وآب تصعيدا مهما ورجع المتظاهرون الى الساحات و تحولت اكثرية المدن الى ساحات مواجهة بين المتظاهرين من جانب وقوات القمع الحكومية والقوات القمعية من جانب أخر. ثورة تشرين هي اكبر حركة اجتماعية سياسية جماهيرية مليونية. ولاول مرة تتدخل الجماهير في العراق بتحديد مصيرها السياسي و ترفض كل القوى الرجعية من خلال نضال جماهيري ثوري.

يريد شعب العراق التخلص من الميليشيات والقوى الإسلامية والطائفية والعرقية والعشائرية وكل الجرائم والفقر والتمييز والمآسي التي فرضوها على المجتمع. ولأجل القيام بذلك، لا يجب فقط إسقاط الحكومة الحالية وأي حكومة مكونة من هذه القوى الرجعية المتطرفة من القرون الوسطى فحسب، بل أيضًا يجب طرد هيمنة الطبقة الحاكمة التي تحتاج إلى هذه القوى وتدعمها.

تعاني الثورة ولحد الآن، من ضعف القيادة والتنظيم على كلا المستويين الحزبي والجماهيري. وان انتصارها مرهون بتوفير قيادة شيوعية ثورية بافاق ثورية واضحة. الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي لديه القدرة على انجاز هذه المهمة وملأ هذا الفراغ في الثورة . القائد المحتمل للثورة موجود، وهو حزبنا. يمثل برنامجنا وتمثل سياساتنا وأنشطتنا ما تريده الجماهير حقًا وما يحتاجون إليه ليكونوا أحرارًا بالفعل. لكن يجب أن تتطور قيادتنا المحتملة إلى قيادة فعلية.
الحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي نفسه هو ظاهرة وعامل سياسي مهم في تطور المجتمع. إن وجود الحزب الشيوعي الثوري في حد ذاته يعني أن الجماهير والمعسكر الثوري لديهم بديل للحكومة يمكن أن يمثل قوة الشارع والثورة، يمثل سلطة الجماهير في المجالس او المنظمات التي هي من نوع المجالس، بمثابة حكومة. هذه هي أخطر وأهم مهمة تواجه حزبنا. يمكن للحزب، ويجب، أن يصبح قوة موثوقة وجديرة بثقة الجماهير، ويظهر في طليعة احتجاجات ونضالات الشعب، حزب يمثل الافاق الاشتراكية للطبقة العاملة إمام الجماهير الثورية ، ويظهر كمدافع عن الإرادة المباشرة للجماهير في ادارة المجتمع، وتعرف كقوة اساسية لتشكيل دولة مجالسية في المجتمع.
الحزب يضع قيادة الثورة على عاتقه. وبناءا على ذلك يضع المهام التالي في اولوياته لانجاز هذه القيادة:
1- رفض اي التفاف حول اهداف الثورة واجهاضها ووضع النضال من اجل اسقاط كل النظام "المهمة الأساسية للثورة " بكل اجنحتها في المرتبة الأولى وتعرية كل القوى القومية والأسلامية بكل تياراتها و مشاربها المشاركة في السلطة .

2- قيادة الجماهير بدون اي تردد الى النصر النهائي حتى تحقيق كل اهداف الثورة . أن تمضي الثورة قدما حتى تغيير النظام كله جذريا. لذلك فإن إحدى المهام الرئيسية لحزبنا هي فضح وتحييد القوى في الحكومة والمعارضة التي تريد تشويه الثورة والتنازل عنها ووقفها في منتصف الطريق.

3- النضال من اجل تنظيم الجماهير في منظمات جماهيرية في ساحات النضال و تحويل الساحات الى مراكز ادارة للعراق وتبنى شعار "كل السلطة للتحرير" في الساحات المركزية في المدن بمثابة الخطوة الأولى لاسقاط النظام و تشكيل الحكومة المنبثقة عن الثورة التي تستمد شرعيتها وسلطتها من الثورة في المقام الأول وعلى المدى القصير. يجب أن يستمر اعتماد الدولة على سلطة الجماهير الثورية في شكل الاعتماد على الأشخاص المنظمين في المجالس (اي أجهزة ممارسة الإرادة المباشرة للشعب). يمكن للحكومة أن تمثل الشعب والثورة إذا اكتسبت شرعيتها ومصداقيتها مباشرة من الأشخاص المنظمين في المجالس وتكون مسؤولة أمام المجالس.

قرار الاجتماع الموسع (البلنيوم) الرابع عشر للجنة المركزية للحزب الشيوعي العمالي اليساري العراقي
13-9-2020