القرآن لم يٲمر بضرب الزوجة


مصطفى راشد
الحوار المتمدن - العدد: 6246 - 2019 / 5 / 31 - 14:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

القرآن لم يٲمر بضرب الزوجة
==============================
وصلنى سؤال من الاستاذة الصحفية نورا الفوارى بجريدة الصباح المغربية عن معنى ضرب الزوجة فى بالاية 34 من سورة النساء والمقصود منه تحديدا وللإجابة على هذا السؤال
يجب ان ننتبه عندما نقرأ تفاسير القرآن فإننا لا نقرأ كلام الله , بل نقرأ آراء المفسرين وهي رهن بالمستوى المعرفي للمفسِّر ومدى رجاحة عقله , وهي ظروف شخصية وعقلية قد لا تسمح بالوصول للمعاني الحقيقية للقرآن ومقاصده الشرعية , وما توفر للمفسر من علمُ ورجاحةُ العقل ولا سيما في العصور الخوالي التي سادها ظلام التخلف , ولم تسلم أمة من الأمم من الجهالة عبر تاريخها ، وتبايُن التفاسير لا يقدح في ثبات النص وقدسيته , إنما يعني اختلاف العقول المنتجة لها كما أسلفنا ، ولا يُلام المفسرون إن أخطأوا , فقد كان عليهم الاجتهاد فاجتهدوا, ولكن ليس علينا التسليم بما انتهوا إليه ، ولا يمكن الوصول لمعاني النص ما لم نبحث عنها , فهي لن تسقط علينا كتفاحة نيوتن , بل هي كالكنز المدفون عليك أن تنبش الأرض كي تحصل عليه ، وعليه جاء في القرآن الكريم ما فهمه البعض بأنه حض على ضرب المرأة : ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ) النساء/34 . ولما كانت معاني الفاظ القرآن تُستخلص من القرآن نفسه , فبتتبع معاني كلمة (ضرب) في القرآن الكريم وفي صحيح لغة العرب , نرى أنها تعني في غالبها المفارقة ، والمباعدة ، والانفصال والتجاهل , خلافا للمعنى المتداول الآن لكلمة (ضرب ) , فمثلا الضرب على الوجه يستخدم له لفظ ( لطم ) , والضرب على القفا ( صفع ) والضرب بقبضة اليد ( وكز) , والضرب بالقدم ( ركل) ، وفي المعاجم يقال : ضرب الدهر بين القوم أي فرّق وباعد بينهم , وضرب عليه الحصار أي عزله عن محيطه ، وضرب عنقه أي فصلها عن جسده ، فالضرب إذن يفيد المباعدة والانفصال والتجاهل ، والعرب تعرف أن زيادة (الألف) على بعض الأفعال تؤدي إلى تضاد المعني : نحو (ترِب) إذا افتقر و (أترب) إذا استغنى , ومثل ذلك (أضرب) في المكان أي أقام ولم يبرح (عكس المباعدة والسياحة في الأرض) ، وهذا قوله تعالى :( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لَّا تَخَافُ دَرَكاً وَلَا تَخْشَى)سورة طه/ 77 , أي افرق لهم بين الماء طريقا ، وقوله تعالى : (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ )سورة الشعراء /63-67 , أي باعد بين جانبي الماء ، وايضا يقول الله تعالى فى سورة يس 78 ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ ۖ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) فضرب هنا للٲمثال والشرح ، والله يقول ايضا : (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ) أي مباعدة و سفر, وقوله تعالى : ( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ) المزمل/ 20, وقوله تعالى : ( فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ ) الحديد/ 13, أي فصل بينهم بسور، وضرب به عُرض الحائط أي أهمله وأعرض عنه احتقارا، وذلك المعني الأخير هو المقصود في الآية المظنون أنها حض على ضرب الزوجة : (فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) والآية تحض على الهجر في المضجع والاعتزال في الفراش ,أي لا يجمع بين الزوجين فراش واحد , وإن لم يجدِ ذلك فهو ( الضرب ) بمعنى المباعدة ، والهجران ، والتجاهل , وهو أمر يأخذ به العقلاء ، لٲنه من غير المعقول ان الله تعالى الذى يقول فى سورة الروم آية 21 ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) وهى ان الركن الٲساسى فى الزواج قائم على المودة والرحمة اى اذا غابت المودة والرحمة فى الزواج انتفت عرى الزوجية فكيف يٲمر بضرب الزوجة الضرب الجسدى والزواج اساسه وركنه هو المودة والرحمة فٲين المنطق والعقل .
اللهم بلغت اللهم فاشهد
الشيخ د مصطفى راشد عالم ازهرى ومفتى استراليا ونيوزيلندا ورئيس الاتحاد العالمى لعلماء الإسلام أجل السلام --- للسؤال ت وواتساب 0061452227517