رمضان كريم ! كيف ولماذا؟


ياسين المصري
الحوار المتمدن - العدد: 6232 - 2019 / 5 / 17 - 16:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

لأن العربان والمتأسلمين بوجه عام أساتذة في الكذب والغش والتضليل، فهم مغرمون بالتهويل اللفظي والمبالغة في الكلام والريادة في اختراع الألقاب والشعارات المضلِّلة وتعبيرات التقديس والتبخيس لطمس الحقائق وخداع أنفسهم والآخرين. فنجد هنا وهناك مُدُنًا منوَّرة وأخرى مكرَّمة وبنايات مشرفَّة، وشهر كريم وكتاب كريم ونبي كريم ورجال أفاضل منهم من هو بحر العلوم ومنهم من هو آية الله العظمى أو امير المؤمنين أو كوكب الشرق أو قرة العين …إلخ. وعند الضرورة يدوسون بنعالهم كل هذا وغيره، ويدمِّرونه بأيديهم، ليعيدوا بناءه من جديد.
السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو لماذا يبالغ العربان والمتأسلمون الى هذه الدرجة فهل ذلك لتعويض الكسل والفشل والعجز وقلة الحيلة والضياع والبحث عن هوية، أو أنَّه بسبب الغباء والجهل أو بسبب واقعهم التعس وشعورهم بالنقص، أو بسبب كل هذا وغيره الكثير؟. هنا يجب التأكيد مرة أخرى على أن كل ما يقوله العربان والمتأسلمون عن أنفسهم من عبارات التقريظ والمديح كالكرم والأخلاق الحميدة والشجاعة والعدل … إلخ، كله كذب وخداع وتضليل وأن العكس منه هو الصحيح تمامًا.
جميع الناس تبالغ بغض النظر عن جنسياتهم أو قومياتهم، فالمبالغة جزء أساسي من طبيعة البشر، ولكن عندما تتعدى المبالغة جميع الحدود وتكسر جميع الارقام القياسية لتصل الى قدرة ربانية رهيبة تفوق كل التصورات، تصبح في ذاتها مجرد مزاعم فارغة لا تستند إلى اسس علمية، فالمتأسلمون مثلًا مغرمون بخلق الملاحم الخرافية، كملحمة غسل صدر نبيِّهم من الشوائب بناءً على قراءة سورة: {ألَمْ نشرح لك صدرَك}، مع أنَّ ”انشراح الصدر“ عبارة لاتدل إلَّا على السعادة. كما نسمعهم يزعمون أنَّ نبيهم هذا رغم مخازيه التي يندى لها جبين الرضيع، خير الخلق أو سيِّدهم أجمعين، وأنه كان افصح الناس في العربية وكانهم تناولوا طعام الغداء معه قبل دقائق. ويقولون أنَّ لغتهم أمُّ اللغات وقرآنهم أمُّ الكتب وأنَّ أوَّل انسان على الارض وهو آدم بحسب الاساطير الدينية تكلم العربية، وأنَّ حساب البشر يوم القيامة سيكون بلغتهم العربية، وان لغتهم العربية اغنى واجمل وافصح لغة في العالم رغم انهم لم يتعلموها مع حليب امهاتهم بل في المدارس كما يتعلمون اللغات الاجنبية، ولا يتقنها إلَّا قِلَّة قليلة منهم.
نعرف أن المبالغة وسيلة فعالة في الادب لاستعمالها بصورة خاصة كعنصر من عناصر البلاغة، وتسمى بالانجليزية hyperbole وهي كلمة يونانية قديمة تعني [الرمي أبعد من الهدف]. ونعرف أنَّ بعض الجرائد الرخيصة والرديئة النوعية التي تسمى tabloid/ gutter press او صحافة المجاري والمراحيض تستعمل المبالغة لتسويق البضائع الركيكة والفضائح والجرائم، معتمدة في ذلك على الكذب والغش والتضليل.
إنَّ عقل الإنسان هو وعاء اللغة التي يتعامل بها مع الآخرين، فإذا كانت اللغة محتشدة بالمبالغة القائمة على التهويل والتقديس أو والتهوين والتبخيس بكل مفرداتها وتراكيبها وجرسها الموسيقي، فإنها تشل عمل العقل، وتدمغ طرائقنا في التفكير والنظر إلى أمورنا الحياتية أو مشاكلنا التي تواجهنا، والتي « كان حريّ بنا أن نفككها عبر تفكير عقلاني منظم، حتى يكون بوسعنا أن نضع الحلول اللازمة لها التي تفرض الذهاب إلى المعنى من أقرب طريق وتلمس الحل المباشر دون مواربة والانخراط في الواقع بكل ما فيه من أتراح وأفراح حتى يمكن فهم دقائقه وتفاصيله والتعامل معها بمناهج العلم الحديث والمعاصر وأدواته» كما يقول الأستاذ عمار علي حسن:
أنظر:
الكف عن “المبالغة” شرطاً لتحرر العقل العربي
https://aljadeedmagazine.com/الكف-عن-“المبالغة”-شرطاً-لتحرر-العقل-العربي
المبالغة في أي شيء ترمي إلى أبعد من واقع الشيء نفسه، فتغلفه بهالة ضبابية معتمة، يصعُب على العقل النفاذ إليه، والتعامل معه. وعندما يصعب على العقل التعامل مع الواقع، يصاب بالخمول والكسل والفشل والعجز وقلة الحيلة ويتقلَّص أفقه إلى حد الغباء والجهل ومن ثم يمتلئ بِكمٍَ رهيب من الأساطير والخرافات والهذيانات أو الهلوسات التي يتم التعامل على أساسها مع الواقع. وقد اعتاد العربان والمتأسلمون على هذا الأمر، مما أدَّى إلى التدمير النفسي وخلل في الاتزان الذهني، وعدم الثبات الانفعالي لديهم، وعدم مواجهة المواقف بالتروي والتعقل. إنه إذن اضطراب الشخصية الهستيري الذي يتسم بردود الفعل العاطفية والميل إلى المبالغة والتهويل في وصف الأشياء والمواقف والأشخاص.
رمضان كريم!، لا شك في أن المقصور بالكرم المزعوم هو ما يتفضل به الأغنياء على الفقراء في هذا الشهر! ولكن لماذا في هذا الشهر وحده؟ لماذا لا يتفضل الأغنياء بفائض ما لديهم، ليس من الطعام وحده، بل من الأموال أيضًا على الفقراء في أي وقت من العام؟ ولماذا يظل الفقراء فقراء والأغنياء أغنياء يتصدقون على الفقراء بفتات ما لديهم فقط في الدول المتخلفة حتى النخاع، لماذا لا تكون هناك عدالة اجتماعية مقننة وشاملة بحيث لا يشعر الفقير بالدونية أو الاحتقار، ويناله نصيب مما حصل عليه الأغنياء وأغلبه تمَّ بطرق ملتوية وربما غير مشروعة في بلاد يعم فيها الفساد والانحطاط؟.
لا يوجد إذن شيء مكرَّم أو مشرَّف أو مبجَّل غير الإنسان وحده، فقط عندما يتوفر لدي البشر الإحساس بالكرامة الإنسانية التي مازالت مفقودة في عالم العربان والمتأسلمين بسبب ما ينعمون ويتمتعون به من اضطراب الشخصية الهستيري.