حاوريني يا طيطة


السيد نصر الدين السيد
الحوار المتمدن - العدد: 5226 - 2016 / 7 / 17 - 21:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

"الحوار"، "حوار الحضارات"، "حوار الاديان"، "حوار الثقافات" كلمة وعبارات نلتقي بها كثيرا فيما هو مطبوع على الورق وما هو موضوع على صفحات الانترنت. ويخبرنا محرك الجوجل ان هناك حوالي 55 مليون موقع به كلمة "حوار"، و 1,630,000 موقع بها عبارة "حوار الحضارات"، 451000 موقع بها عبارة "حوار الأديان"، أما عبارة "حوار الثقافات" فتوجد في 313,000 موقع.
ويدفعنا هذا الوجود الغزير لكلمة حوار والعبارات التي تدخل في تكوينها الى التساؤل عن المقصود من هذه الكلمة. وهو تساؤل مبرر فـ "الحوار" Dialogue هو أحد اشكال التواصل اللغوي بين البشر الذي تتعدد اشكاله والتي منها، على سبيل المثال: "المناقشة" Discussion و"الجدل" Debate و"التشاور" Deliberation و"التفاوض" Negotiation. ولكل شكل من هذه الاشكال هدف يسعى لتحقيقه فالتفاوض يهدف اتمام صفقة ما، والتشاور يهدف الى اتخاذ القرارات المناسبة لمواجهة موقف بعينه، وهدف الجدل هو هدم أفكار الطرف الآخر. اما هدف "الحوار"، موضوع اهتمامنا، فهو تأسيس قاعدة للتعاون بين اطرافه وذلك عبر زيادة الفهم المتبادل وتقريب وجهات نظرهم. فكل طرف يسعى للتعرف على رؤى بقية الأطراف المتعلقة بموضوع الحوار وعلى منظومة القيم والمعايير التي تحكم سلوكهم.
الا أن الحوار يتميز عن اشكال التواصل اللغوي الأخرى بأربعة خصائص هي: "الاستقلال"، "الندية (أو التكافؤ)"، "التعاطف" و"الانفتاح". وأولى هذه الخصائص، الاستقلال، تعني أن الحوار فعل اختياري وحر نابع من قناعة أطرافه بأهمية التواصل فيما بينهم وبأن نتائج هذا الفعل سيستفيد منها الجميع، وأنه ليس فيها، كالجدل، غالب ومغلوب. أما الندية، ثاني هذه الخصائص، فتعني ببساطة أن الكل سواء وقناعة كل طرف بأنه ند للطرف الآخر. وتؤكد الخاصية الثالثة، التعاطف، على ضرورة أن يضع كل طرف من أطراف الحوار نفسه محل الأطراف الأخرى فيفكر مثلهم ويحاول محاكاة مشاعرهم وذلك حتى يتفهم اسباب ودوافع افكارهم او مواقفهم. ان التعاطف هو الطريق الى "التسامح" بما يعنيه من احترام لرؤى الآخرين. واخيرا الخاصية الرابعة، الانفتاح، التي تعني استعداد كل طرف لمراجعة ما يتبناه من أفكار وما يتخذه من مواقف، وقابليته لتغيير بعضها.
انها اذن الخصائص الأربعة التي تتكامل سويا لتجعل من الحوار واحدا من اهم اشكال التواصل اللغوي. الا انها أيضا تضع الشرط الصارم الذي يحدد الأطراف المؤهلة للحوار مع بعضها البعض. ان هذا الشرط هو استعداد تلك الأطراف لقبول الفكر الآخر ان تبينت صحته والتخلي عما تؤمن به ان اتضح خطأه. أو بعبارة أخرى قناعات كل أطراف الحوار بانها لا تملك الحقيقة المطلقة وبأن ما تعتقد أنه صحيح قد لا يكون كذلك. وبهذا فان أي كيان، فردا كان أو مجموعة، يعتقد أن رؤاه هي الصواب الأصوب الذي لا تجوز مناقشته هذا الكيان هو بالضرورة غير مهيأ للدخول في أي حوار.
كان هذا ما ذكره لنا اهل الاختصاص عن مفهوم الحوار. وهم بذلك يكونوا قد قدموا لنا آداه ذهنية تمكنا من دارسة وتقييم أطراف أي حوار قائم او مرتقب. ولنأخذ على سبيل المثال الحوارات التي يكون الدين أحد الأطراف المشاركة فيه. والدين، طبقا لـ دنيت، أستاذ الفلسفة بجامعة توفتس Tufts الأمريكية، هو "منظومة اجتماعية يؤمن المنتمين إليها بوجود قوة، أو قوى، فوق طبيعية عليهم الالتزام بما تمليه عليهم" (Dennett, 2006) ص. 9). وفى العادة تتمثل إملاءات هذه القوة على هيئة نصوص أو أقوال يضفي عليها أصحاب الديانة صفة القداسة ويؤمنون بصحتها إيمانا مطلقا لا يقبل النقاش. وتتضمن هذه النصوص ردودا على كافة الأسئلة التي تحير الإنسان ولا يجد إجابة لها وتقدم له توجيهات وأوامر صارمة لما ينبغي عليه القيام به من أفعال.

وبالطبع يمكن استخدام هذه الأداة الذهنية الحوارات التي يكون الدين، أي دين، أحد أطرافها الا اننا سنختار الإسلام لمجرد الالفة. ولننظر الآن عن قرب لمل يقوله أحد الإسلاميون عن الحوار. ولقد وقع اختيارنا على محمد ساجد القاسمي أستاذ الأدب العربي بالجامعة الإسلامية دار العلوم التي تعتبر أكبر وأقدم جامعة إسلامية أهلية في شبه القارة الهندية وتقع في بلدة دیوبند. وقد كان وراء هذا الاختيار أسلوبه المباشر والصريح عن الحوار من المنظور الإسلامي.

وكما كانت قصائد الشعر الجاهلي تبدأ بالبكاء على الاطلال فإن كتابات الإسلاميين، ومنهم السيد ساجد، تبدأ بالتأكيد على أن الإسلام يشجع على الحوار مستشهدين بآيات من القران الكريم غير مبالين بما قد يشوب حديثهم من تعسف في تأويل النصوص او تحميل الكلمات معاني أكثر مما تحتمل. انها استراتيجية "الادعاء" التي تؤمن بان النص المقدس يحتوي على كل ما انتجه عقل الانسان من معرفة (السيد, 2016).

وأول ما يستوقفنا هو وصفه لهدف الحوار. فطبقا له فإن "الحوار بين الأديان ..... مطلبٌ شرعي لازم لتوضيح الصورة الصحيحة لعقائد الإسلام وآدابه وأحكامه، وهو وسيلة من وسائل دعوة أتباع الأديان إلى الإسلام، والدعوة إلى الله تعالى موجهةٌ لكل الناس، وإقناعهم بالحق هدف شرعي مطلوب" (القاسمي, 2013). وهكذا يتحول الحوار من أداة تدعم التعاون بين أطرافه الي أداة لفرض ما يراه أحد الأطراف صحيحا على بقية الأطراف. كما يهدر هذا التعريف خاصية "الندية" التي تميز الحوار عن غيره من أشكال التواصل اللغوي.

ويصنف ساجد الحوارات الى ثلاثة أنواع هي: "الدعوة" و"التعايش" و"التقارب". وبالطبع لا توجد أي مشكلة مع حوار الدعوة فهو، كما جاء في الفقرة السابقة "مطلب شرعي".
أما كلا من حواري "التعايش" و"التقارب" فكليهما يتضمن ما يعتبره السيد ساجد إنكار أمور معلومة في دين الإسلام وواضحة فيه، مثل:
 إلغاء الجهاد في سبيل الله وما يتبعه من أحكام، مثل استرقاق الأسرى والغنائم تحت مسمَّى "السلم العالمي"،
 الإعراض عن الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله، تحت مسمَّى "المحبة والاحترام المتبادل" والأخوة الإنسانية" و "نبذ التعصب"،
 إبطال حد الردة، وتمكين الكفار من الدعوة إلى دينهم وبناء معابدهم، ونشر كتبهم تحت مسمى "حرية التدين" و "التعددية الدينية" و "التعرف على الآخر"،
 السماح للكافر بنشر كفره في المجتمعات الإسلامية باسم "حقوق الأقليات"،
 إلغاء أحكام أهل الذمة تحت مسمى "العدالة الاجتماعية" و "حقوق الإنسان".
وكل هذا يعتبر إنكاره كفرٌ مخرج من الملة؛ لأنه تكذيب للنصوص الشرعية الدالة عليه.

والجملة الأخيرة تخرج الباحث عن تجديد المفاهيم الدينية من الملة الا انها في نفس الوقت تخرج الدين، أي دين، من قائمة الكيانات التي يمكن دعوتها للحوار، أي حوار.

المراجع
Dennett, D. 2006. Breaking the Spell: Religion as a Natural Phenomenon. New York: Penguin Books.
السيد, ا. ن. ا. 2016. حكاية المنظومتين. الحوار المتمدن, 5195(16 يونيو ): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=520780.
القاسمي, م. س. 2013. الحوار بين الأديان: مدلوله وحكمه من منظور إسلامي. مجلة الداعي, 9-10: http://www.darululoom-deoband.com/arabic/magazine/tmp/1373874152fix1373874154sub1373874154file.htm.