حرب لن تنتهي إلاّ مع إسقاط النظام الطائفي


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 5134 - 2016 / 4 / 16 - 12:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي     

تصدر هذه الكلمات، في نقطة فاصلة بين محطتين، بالنسبة لنا، محطتين مفصليتين في حياة شعبنا ووطننا. الأولى الذكرى الـ 41 للحرب الأهلية التي بدأت في 13 نيسان 1975 والثانية المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب الشيوعي اللبناني.

ما يربط بين التاريخين، هو علاقة النقض، ما بين أسباب الحرب الأهلية وما يقدمه وقدمه الشيوعيون على مر التاريخ من برنامج للتغيير الديمقراطي في البلد. طبعاً هذا لا يعني ولم يعنِ يوماً أن الشيوعيين، كانوا خلال الحرب في موقع المراقب. بل هم جزء منها، وإن كان من موقع الدفاع عن خطهم الوطني ومشروع التغيير ولهم فيها ما لهم وعليهم ما عليهم. ولكن على الأقل يمكن القول بأنهم، بشعاراتهم وممارساتهم، حاولوا الابتعاد عن بشاعات هذه الحرب ووحولها ولكن حكماً أصابهم جزء من هذه الوحول وبشكل خاص أصاب مشروع التغيير الذي أقره المؤتمر الوطني الثاني للحزب الكثير من الرصاصات، التي كادت ان تكون قاتلة، لولا طبيعة الشيوعيين وتمسكهم وتموضعهم في مواقع ما زالت هي الناصعة، ليست في تاريخهم بل في تاريخ الوطن. الأول هو مقاومة العدو الخارجي، أياً كان هذا العدو وبالأساس مقاومة العدو الصهيوني وإعتداءاته واستمرار نهج المقاومة الذي يضيف إلى العدو الصهيوني، الإرهاب المتكامل معه. أما الثاني فهو موقع الحزب في الحركة الشعبية والدفاع عن مصالحها وحمل همومها.

وهنا لا نتحدث فقط عن النتائج. الأهم اننا لا نجد في تاريخ بلدنا محطة للدفاع عن مصالح العمال والموظفين والمعلمين وذوي الدخل المحدود ولا محطة للدفاع عن التعليم الرسمي والجامعة الوطنية، ولا عن حق اللبنانيين بالرعاية الصحية وحقهم بالكهرباء والخدمات وبيئة نظيفة، إلاّ وكان الشيوعيون في مقدمة أي حراك من أجل هذه الحقوق. بالتأكيد ليس وحدهم غالباً، ولكن بوجودهم دائماً.

* * * * * *

ما يربط بين الحدثين أيضاً. هي نظرتنا، أن الحرب الأهلية في لبنان، لم تنته بعد كي "تذكر ولاتنعاد". هي حرب أهلية مستدامة. منطقها موجود في طبيعة النظام اللبناني ذاته. فمنذ ما يسمى "الاستقلال"، أكثر من 10 حروب أهلية متفرقة، طائفية ومذهبية. بغض النظر عن مدة كل منها ودرجة العنف فيها، هذا في البعد الأمني، أما في البعدين الاقتصادي والاجتماعي وحروب النظام على المواطنين ومصالحهم، فحدث ولا حرج.

اعتادت قوى النظام، الطائفية والطبقية، أن تحاول رفع المسؤولية عنها برفع شعارين الأول، حروب الخارج على أرضنا. والثاني مصادرة مفهوم "الغبن" لتمتلكه زعامات الطوائف، محولة "الغبن" الى شعار وسلاح في مواجهة كل "المغبونين"...

"حرب الخارج على أرضنا"، كذبة وجريمة يتمسك بها، المستفيدين من النظام الطائفي والمستفيدين من الحروب المستدامة ومن هدناتها المتكررة. نعم للخارج دور. ولكن من أمن شروط التبعية للخارج وبالمفرق؟ من جعل الدولة اللبنانية هشة، هي الأضعف بين مجموع الدويلات المذهبية والطائفية المتصارعة والتي تربط كل منها علاقات بالخارج تتيح وجوده اليومي في تفاصيل حياتنا وتجعله قادراً على ممارسة، رغبته الدائمة في ان يكون لبنان موقعاً لنفوذه؟

ألم تستخدم هذه القوى والزعامات الطائفية، النفوذ الخارجي كأساس في تكوين "قوتها الحاسمة" في وجه الفئات الشعبية، في وجه عمال لبنان شبابه ونسائه، معلمين وأيضاً في وجه الاقتصاد الوطني؟

نعم شكل التدخل الخارجي، مضافاً الى الطغمة المالية التي شوهت الاقتصاد الوطني ودمرته وجعلته تابعاً للخارج. وبالتالي فإن قوى النظام اللبناني الطائفي، هي في وجهيها، الاقتصادي والسياسي، قوى تابعة للخارج قوة دعم النظام ومستقوية به في مواجهاتها "الثانوية" وفي مواجهتها الرئيسية مع الشعب اللبناني وطموحاته.

وإرتباطاً بذلك، مفهوم الغبن، ففعل الغبن يمارسه التحالف السياسي ـ الطبقي الحاكم، بقيادة "ابو رخوصة"، ضد المغبونين من أبناء شعبنا.

* * * * * *

إن الحزب الشيوعي اللبناني، والقوى الديمقراطية في لبنان، أمام تحد جدي. فمواجهة الحرب الأهلية ونتائجها، الحرب الأهلية المستمرة. تنطلق من مواجهة الوعاء الذي يقدم سمها. تنطلق من مواجهة عاملين متلازمين، الخارجي ما يمثله الخطر الملازم لتاريخ المرحلة الحديثة من تاريخ وطننا، أي الخطر الصهيوني وما يرتبط في كل مرحلة من مخاطر إرهابية. أما الثاني فهو حكماً من يؤمن شروط فعل الخطر الخارجي ويحميه بل ويستقوي فيه. أي خطر النظام السياسي الطائفي في لبنان. انهما خطران متكاملان، وأية محاولة للفصل بينهما، هي اضعاف لمنطق مواجهتهما ولو تحت شعارات مواجهة ومقاومة.

لقد حدد المؤتمر الوطني العاشر، موقع حزبنا في مواجهة هذين الخطرين: مقاومة الأول وتغيير الثاني. وانطلق من خلفية، ان قوة الحسم السياسي والاجتماعي للنظام، تنطلق من ارتباطه الإقليمي والدولي (المتنوع) من جهة ومن كونه إلاطار السياسي الذي اختارته الرأسمالية اللبنانية التابعة إطاراً لإستمرار سيطرتها وتجديد هذه السيطرة.

وبهذا المعنى، كانت دعوة المؤتمر الوطني العاشر، الى "مؤتمر وطني للإنقاذ" هذه الدعوة التي ربما شوهت من قبل دعوات استعادت هذا الاسم أو قاربته من منطق آخر يعكس أزمة النظام الطائفي بعد سنوات من دعوتنا، كانت دعوتنا وما زالت، ترتكز بشكل أساسي، إلى مبدأ بناء "الحركة الشعبية" كحامل اجتماعي لشعار التغيير الديمقراطي.

وبالتالي ترتكز إلى تشكيل "قوة حسم" شعبية تواجه التحالف السياسي ـ الطبقي، الداخلي والخارجي الذي يحمي النظام في لبنان ويؤمن شروط استمرار الحروب الأهلية.

لقد ساهمنا في السنوات الماضية، من خلال المعارك الاجتماعية والشعبية التي تراكم نتاجها رغم اصطدامها بحائط النظام الطائفي. من حركة اسقاط النظام الطائفي، الى الحراك الشعبي، مروراً بحركة هيئة التنسيق والتحركات الاجتماعية والعمالية المختلفة.

إننا، في المؤتمر الوطني الحادي عشر، مدعوين لاستمرارية هذا الخط وهذه النضالات، مدعوين لإغنائها بتجديد عناصر قوتها باتجاه بناء الحركة الديمقراطية الشعبية، قوة التغيير من أجل الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة، دولة الرعاية الاجتماعية.

هذه طريقنا لتثبيت السلم الأهلي ولإنهاء الحرب الأهلية المستدامة. وهذه قناعتنا بأن من يحافظ على تاريخه ونضالاته، هو القادر على الحفاظ على موقعه في المستقبل.