وقائع المؤتمر الصحافي للامين العام للحزب الشيوعي اللبناني


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 3425 - 2011 / 7 / 13 - 16:18
المحور: مقابلات و حوارات     

عقد الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني، اليوم، الاربعاء الواقع فيع 13 تموز/ يوليو2011 عند الساعة 12 ظهرا، في المقر الرئيسي للحزب –الوتوات. مؤتمرا صحافيا تناول فيه مواقف الحزب من تطورات الاوضاع الداخلية، ومن البيان الوزاري لحكومة ميقاتي

شارك في المؤتمر، نائب الامين العام للحزب د. ماري ناصيف الدبس، وعدد من اعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية للحزب، وبمشاركة مشكورة من وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.. وبنقل مباشر من إذاعة صوت الشعب. وبعد الوقوف دقيقة صمت عن روح فقيد الصحافة اللبنانية والعربية المناضل الشيوعي الذي ساهم في تحرير جريدة النداء لعقدين من الزمن سهيل عبود . تلاوة الامين العام لوقائع المؤتمر الصحافي، جرى نقاش مع الصحافيين تناول مواضيع أقليمية ووطنية عدة.

النص الكامل للمؤتمر الصحافي

المؤتمر الصحافي لأمين عام الحزب الشيوعي اللبناني الدكتور خالد حدادة

الرفيقات والرفاق

الزميلات والزملاء من وسائل الاعلام المرئي والمكتوب والمسموع.

نشكر لكم حضوركم، وتلبيتكم دعوتنا لتغطية هذا المؤتمر الصحافي.

في البداية كانت الرغبة في عقد هذا اللقاء معكم منذ اسبوع، عشية اعداد الحكومة لبيانها الوزاري ، وقبل ارساله الى المجلس النيابي، على ان نعرض فيه لما نراه مناسباً من مهام وقضايا وطنية تواجه اللبنانيين، والمتوجب على الحكومة وعلى المجلس النيابي مناقشتها وتبنيها، الا ان صدور القرار الظني، وتوقيته، والاجواء المشحونة التي رافقته، دفعتنا الى تأجيله، لا لشيء سوى انه لم يعد هناك بين أهل السلطة في الحكم والمعارضة آذان تسمع او عيون ترى. فالكل يناقش في مكان آخر بعيد كل البعد عن المشكلات، الداخلية والخارجية، التي يعيشها لبنان وعن حاجات اللبنانيين وهمومهم الاجتماعية والمعيشية والأمنية. وقد تابعتم على مدى ثلاثة ايام التباري في فنون الخطابة والشتم التي أعادت التذكير بأن الانقسام بين الأفرقاء قد تخطى الصراع السياسي الى ما لا تحمد عقباه، الى مشاريع فتنة كنا قد حذرنا منها منذ سنة ونيف، ربطا بالمحكمة الدولية والمسئل المتعلقة بما أسماه جماعة طاولة الحوار الخطة الدفاعية.

واذا كانت الظروف التي تمر بها البلاد اليوم تملي علينا التركيز على الوضع الداخلي، بشكل خاص، نتيجة هشاشته، فان ذلك لا ينسينا ابداً علاقته الوطيدة وارتباطه الوثيق بما يجري على الصعيد الاقليمي بشكل عام، والعربي بشكل خاص، حيث نشهد استمرار الانتفاضات والحراك الثوري الذي أطلقته الشعوب العربية ضد انظمة التسلط والقمع والفساد، من اجل تحررها من الظلم والاستبداد ومن اجل بناء مستقبلها الذي تنعم فيه بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، أي بكل مقومات العيش الكريم. في المقابل، نرى هجوما مضادا ترعاه الولايات المتحدة الاميركية وخلفها الحلف الاطلسي مع الانظمة البائدة ، وبقاياها حيث سقطت ، بالتحالف والتنسيق مع قوى الرجعية العربية، في محاولة يائسة لاجهاض هذه الثورات ومنعها من تحقيق اهدافها، وللحوؤل دون امتدادها الى سائر الانظمة الحليفة، مستخدمة في سبيل ذلك كل وسائلها وادواتها بدءا بالتسويق للنموذج التركي المرتكز الى التحالف بين الجيش وما يسمى "الاسلام المعتدل"، في محاولة لاستعادة السيطرة على الأنظمة بعد سقوط رموزها، ووصولا الى اثارة الانقسامات والحروب الطائفية والمذهبية والقبلية، انسجاماً مع مشاريعها في السيطرة ، ومنها مشروع الشرق الاوسط الجديد، وصولا، الى ما نشهده اليوم في مصر، على وجه التحديد أبرز مثال على ما نقول.

بالنسبة للبنان، فهو كان ولا يزال منذ أواخر ستينيات القرن الماضي محط هذا التآمر الدولي، بسبب مقاومته الوطنية للاحتلال الاسرائيلي التي واجهت، حتى الآن كل محاولات توظيفه في خدمة المشروع الاميركي - الاسرائيلي، والتي تجلت سابقا في اتفاقية 17 أيار ومن ثم في القرارين 1559 و1701، وصولاً الى القرار الدولي 1757 المتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

ايها الاعلاميون

لبنان اليوم، يشارف على تكرار واحدة من المحطات الكثيرة المؤلمة في تاريخ هذا البلد، حيث المشهد السياسي الحالي ينعقد مع التغيرات والتطورات التي تجري في المنطقة، بما يجعل من تركيبتنا الهشة القائمة على المحاصصة الطائفية المشرذمة، والانتماء الملتبس، آداة خطيرة تعرض مصير وطننا للخطر، كما تعرض شعبنا وشبابنا بشكل خاص لمخاطر الضياع و التطيف والهجرة، هذا عدا عن توظيف هذه الطاقات في صراعات داخلية وإستخدامها وقودا لحروب أهلية طائفية او مذهبية مدمرة. فبنية نظامنا في ظل تركيبة الطبقة السياسية الحاكمة- الطائفية، جعل لنا في" كل عرس قرص"، وحولنا اسرى للتوازنات الاقليمية والدولية، التي ٌتفرض علينا كلما تبدلت أو تغيرت فصول لعبة هذا التوزانات بصراعاتها وخلافاتها أو مفاوضاتها وصفقاتها، وأن نرقص على ايقاعها حربا أو سلما، دون أن يلتفت أحد ولو قليلا الى القضايا الوطنية الداخلية لتعزيز السلم الاهلي وتعميق الوحدة الوطنية والاهتمام بقضايا المواطن وحقوقه على كافة المستويات...

ان التطورات السياسية الاخيرة في البلاد، والمواقف والتصريحات والتحركات والاحداث الامنية التي شهدتها منطقة الشمال، وصولاً الى صدور القرار الظني والسجالات داخل المجلس النيابي تنبىء كلها اننا قادمون على اوضاع صعبة، ومتفجرة، حيث لا يزال فريق من اللبنانيين يراهن على المشاريع الدولية في الدعم وفي تغيير موازين القوى، والاستقواء بها للعودة الى السلطة، اذا لم نقل انه يتبرع ليكون آداة في صراعات المنطقة.

ان توقيت صدور القرار الظني وتزامنه مع تشكيل الحكومة (الجديدة)، ودخوله سلاحاً في المعارك السياسية الداخلية، يضيف حجة جديدة تعزز موقفنا الثابت والذي اعلناه بعد ايام من اغتيال الرئيس الحريري، ولم ننتظرالتجربة كوننا استفدنا من الواقع السياسي وميزان القوى الدولي، وتجارب القضاء الدولي في اكثر من منطقة في العالم ..

ان رفضنا للقرار 1559 وتحذيرنا من اقراره، وربط لبنان بالكامل بالسياسة الاميركية (والدولية شكلاً) استكمالاً لتبعية برجوازيته الاقتصادية للمؤسسات الدولية، تمهيدا لإلحاقه كليا في ركاب التبعية السياسية والامنية للمشروع الاميركي في المنطقة. ما يضعف لبنان ويفقده سيادته الوطنية واستقلاله، الامر الذي دفعنا بالاساس للتحذير من مخاطر قرار دولي جديد يضيف الى ما سبقه من تخلي عن السيادة الوطنية اللبنانية، ويجعل لبنان رهينة للعبة المشروع الاميركي - التفتيتي في المنطقة، وقد جاءت قضية اغتيال الرئيس الحريري لتشكل الدخان الكثيف الذي مرر في ظله القرار 1757 وانشاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان...

لقد ادان حزبنا وقتها هذه الجريمة النكراء، وكان سباقا في شباط 2005، بإعلان مطالبته عن تشكيل محكمة لبنانية تأكيدا لدور القضاء اللبناني، أو محكمة لبنانية - عربية خاصة، مهمتها دراسة كل الملف بصدقية وموضوعية، لإظهارالحقيقة كاملة، وتحقيق العدالة المطلوبة. وهذا ما يريده الشعب اللبناني وكل حريص على لبنان الوطني الديمقراطي.

وعند اغتيال الرفيق المناضل الكبير جورج حاوي، اكدنا مجددا على موقفنا، وجدد حزبنا عدم ثقته بالمؤسسات الدولية، وطالبنا الدولة اللبنانية والقضاء اللبناني للعمل على كشف وإظهار حقيقة اغتيال الرفيق جورج حاوي مطلق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد المحتل الصهيوني عام 1982، الى جانب رفاقه وحزبه وكل الوطنيين، والمؤسس مع الشهيد كمال جنبلاط لبرنامج الإصلاح والتغيير الديمقراطي في لبنان.

واليوم وبعد ما خلفته المحكمة من اجواء خلافية، وقد تكون صدامية في بلدنا، وبعد التشكيك المرتكز على كثير من الوقائع الذي طال مسارها خلال الفترة الماضية، نعود للتأكيد على حرصنا الحقيقي على اظهار الحقيقة وتحقيق العدالة والمحاسبة، بما يتوافق مع سيادة واستقلال لبنان وليس في التخلي عنهما، أو في ترك الامور تسير وفق مستلزمات اللعبة السياسية الدولية، التي لا تريد، ولا من مصلحتها تبيان ما يصبو اليه الشعب اللبناني من إظهار للحقيقة، ومن تحقيق للعدالة، وعلى أيدي من هو منحاز ومؤيد وداعم بالاساس لعدونا القومي والوطني، العدو الصهيوني.. ولذلك، نطرح ضرورة العمل الجاد والمسؤول للتوافق الوطني على إستعادة "الملف" بإجماع لبناني كضرورة وطنية لوأد الفتنة، ولإستكمال التحقيق الموضوعي والهادف الى إستعادة سيادة القانون اللبناني وحده، والى إظهار الحقيقة، وتحقيق العدالة الوطنية والإنسانية حقا.

في المقابل، لم تظهر التطورات السياسية على مدى خمسة اشهر، منذ استقالة او اقالة حكومة الرئيس سعد الحريري حتى تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وبيانها الوزاري، بان الفريق الآخر افضل حالاً لجهة تحمل المسؤولية عن اوضاع البلاد ، فقد سبق لنا ان ايدنا خطوة اقالة الحكومة ودعونا كي تكون مناسبة لادخال البلاد في مناخ سياسي جديد متحرر من المحاصصة الطائفية والارتهان الى الخارج، مناخ سياسي يؤسس لحياة وطنية ديمقراطية .

ولكن نعترف اليوم أن هذا الامل في التعويل على القيام بدور وطني- انقاذي، كان وهماً او ربما محاولة التمسك بقشة لانقاذ الوطن الذي اغرقوه مجتمعين....

ايتها الزميلات والزملاء،

قبل تحديد موقعنا من الحكومة الراهنة، لابد من الاشارة الى اننا بداية اعتقدنا للحظة ان اسقاط الحكومة السابقة لا بد أن يتبعها خطوات تكرس بداية مرحلة جديدة خارج إطار ما هو سائد. لكننا لم نعول كثيرا على الآمر لطبيعة بنية وتركيبة النظام السياسي - الطائفي لذلك، لم نفاجأ بطريقة تشكيلها التي لم تتميز عن منطق المحاصصة وتوزيع الوزارات على اساس" وزنها " وليس اهميتها بالنسبة للمواطنين، ولم يخفف من هذه الصفة التحاصصية ما ابداه الرئيس بري من مبادرة سهلت التأليف كونها تدخل اساساً في معركة التوازنات وكون القوى الشريكة الاخرى، كما "معارضة الاكثرية السابقة " سارعت للتأكيد على اعتبار خطوة الرئيس بري (استثناء على قاعدة لعبة التوازن والمحاصصة الطائفية)، خوفاً من ارتجاج يؤثر على الصيغة السياسية – الطائفية في مراحل لاحقة.. ومن حيث الشكل ايضاً وبعد مدة طويلة من تعطيل الحياة في البلد بين حكومة اعتكفت عن تصريف الاعمال وحكومة استعصت عن التأليف ، جاءت هذه الحكومة من حيث الشكل متخلفة عن الحكومات السابقة بغياب إشراك نصف المجتمع "المرأة" عن التشكيلة الوزارية ونسف كل القضايا التي تطالب بها لإلغاء كافة أشكال التمييز اللاحقة بها في نص البيان .

اما من حيث البيان الوزاري ، فالملاحظة الاولى هي التكرار الذي اصبح مملاً للوعود وللبيانات الوزارية وبشكل خاص ان هذا البيان الوزاري جاء بجزء اساسي منه وبشكل خاص ما يطال هموم المواطن في العدالة، والانماء جاء مطابقاً بجزء كبير منه، حتى من حيث النص، للبيانات الوزارية السابقة وبشكل خاص لحكومة " الاتحاد الوطني" وهذا ما يفقدها جزءاً كبيراً مما تبقى من صدقية لها ولوعودها...

اما الملاحظات على البيان الوزاري فسنضعها امامكم ضمن ثلاثة عناويين:

أولا: على المستوى السياسي:

1- افتقد البيان الوزاري، أولا الى أي إشارة واضحة او صريحة نحو الإصلاح والتغيير، ولم يلامس بند من بنود البيان الوزاري رائحة العمل على بناء الدولة المدنية الديمقراطية، لناحية غياب الموقف من موضوع تجاوز النظام الطائفي والاكتفاء بتكرار الالتزام بالطائف دون اية صياغة لجوانب هذا الالتزام وآلياته . وهذا ما ينم عن تمايزات خطيرة في الائتلاف السياسي المكون للحكومة اقله لجهة المواقف المعلنة سواء تجاه الغاء الطائفية أو قانون انتخابي ديمقراطي تمثيلي، او مشروع القانون المدني للاحوال الشخصية وسواها. أو حقوق المرأة والشباب بما فيها خفض سن الاقتراع.. الخ

2- خلو البيان الوزاري من مسألة التركيز على قانون الانتخاب، فبرغم تسجيلنا ايجابية ورود كلمة "نسبية " للمرة الاولى في البيان الوزاري ولكن على ما يبدو نجحت بعض القوى المكونة للحكومة في تعطيل التعهد بقانون للانتخابات ديمقراطي يقوم على اساس النسبية وخارج القيد الطائفي، مما يجعل الصيغة المقرة، عرضة للالغاء بسبب من ميزان القوى داخل الحكومة او داخل المعارضة الجديدة..

3- خلو البيان الوزاري من اي تعهد بخطة تضمن استقلالية وإصلاح القضاء الوطني خصوصاً لجهة وضع آلية مستقلة للتعيينات القضائية، وهذا ما يدفعنا للخوف من طغيان المحسوبيات والمحاصصات الطائفية، وبالتالي الزبائينية على هذه التعيينات، مما يفاقم أزمة القضاء وصدقيته والتي نحن بامس الحاجة لها في الظرف اللبناني الخاص.

4- ان التمسك بآلية التعيينات المقرة في الحكومة السابقة للمواقع القيادية في الادارة، لا يطمئن اللبنانيين، خصوصاً وان هذه الآلية تركت حق الاستنساب تحت اسم الرعاية للحكومة وللقرار السياسي وهذا ما يفقد الكلام الكثير عن الاصلاح الاداري ومواجهة الفساد فيه ، الذي ينقصه الكثير والكثير من الصدقية.

ثانياً : على المستوى الاقتصادي – الاجتماعي :

ان السياسات المالية التي اتبعت مع الحكومات السابقة " حكومات الوحد ة الوطنية" ، ادت الى اثراء القلة وافقار فئات واسعة من المواطنين ودفعت اكثر من ثلث الخريجين الجامعيين الى الهجرة اضافة الى تدمير المقومات التنافسية للاقتصاد اللبناني ومؤسساته، الاخطر ان هذه السياسات ادت الى جعل كل اللبنانيين رهائن لمديونية عامة ثقيلة جداً تقارب ارقامها الفعلية مستوى 65 مليار دولاراً اميركياً واكثر، شكلت الذريعة على مدى السنوات الماضية لتعطيل اي استثمار عام في تجهيز الكهرباء واستغلال مصادر المياه وانشاء نظام التقل العام وتطوير شبكة المواصلات وتعميم الضمان الصحي وتطبيق الزامية التعليم ومجانيته .

وشكلت هذه المديونية ، الذريعة المناسبة لتجميد الاجور وزيادة عبء الضريبة غير المباشرة على الاستهلاك والخدمات، ولا سيما الاتصالات والمحروقات، ما قلص القدرات الشرائية للأسر ورفع اكلاف الانتاج على نحو دراماتيكي وحول الاقتصاد نحو النشاطات الريعية المرتكزة على التدفقات المالية الخارجية.

هذا التفاقم في المشكلات المشار لها، وسًم الهوة الكبيرة بين زيادة الاسعار والاجور المثبتة منذ عام 1996، خصوصاً وان معدل التضخم التراكمي لامس 110% بحسب معظم الاحصاءات الخاصة.

وبعد بحث حزبنا للجانب الاقتصادي – الاجتماعي في بيان الحكومة نسجل الاستنتاجات التالية :

1- لم يتمكن البيان الوزاري من الخروج من دائرة العموميات وإعلان النوايا، التي غالباً ما طغت على البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة. بل أن هذا البيان انطوى على قدر اقل من الوضوح والحسم إزاء عدد من المسائل الاقتصادية والاجتماعية المفصلية، التي كان سبق لحكومة الاتحاد الوطني المستقيلة ان تناولتها في بيانها الوزاري. ومن هذه المسائل مثلاً، قضايا اقتصاد الريع والفورات العقارية والخلل بين المناطق وهجرات الشباب وتفاقم البطالة وسوء توزيع الدخل والتشوهات في بنية الضريبة والأجور والأسعار وغيرها من القضايا. ويدفع هذا الأمر الى التساؤل عما اذا كانت مقايضة ما قد حصلت بين القوى السياسية الحاضنة للتشكيلة الحكومية الحالية، وأفضت الى تقديم تنازلات في الشأن الاقتصادي ـ الإجتماعي في مقابل انتزاع توافق ما على مسائل سياسية أساسية تهمّ بعض أطراف هذه التشكيلة. ان هذا الواقع يعكس استمرار مسألة العلاقة الملتبسة ـ حتى لا نقول المتخلعة ـ بين نهج التحرير والمقاومة من جهة ونهج الإصلاح السياسي والاقتصادي ـ الاجتماعي من جهة أخرى.

2- ان مضمون البيان الوزاري لم يتمخض في شقه الاقتصادي ـ الاجتماعي عن إرادة حاسمة في التمايز الواضح والصريح عن النهج العام للحكومات السابقة المتعاقبة، التي أمعنت في إخضاع السياسات الكلية لمصلحة النواة الضيقة للتشكيلة الطبقية المسيطرة، وفي زيادة نطاق وأليات ظاهرة التهميش والإقصاء الاجتماعيين في البلاد. وتتمثل هذه النواة في التحالف المرصوص القائم بين القابضين على السلطة وحفنة من كبار المصرفيين والمستوردين وممتهني المضاربات المالية والعقارية، الذين دأبوا على تحصين مواقعهم عبر تلك السياسات العامة المتحيزة، وعبر شبكة من العلاقات الزبائنية التي توسلوها كأداة مصطنعة للإيحاء دوماً ـ وعن خطأ ـ بأن توازن المنافع المتبادلة بين "نخب الطوائف" هو التجسيد الحي للتوازن المفترض بين الفئات الطبقية والاجتماعية المختلفة على المستوى الوطني. وبهذا المعنى، فان البيان الوزاري يعتبر، في أفضل الأحوال، أقرب الى محاولة لإدخال تحسينات نسبية وجزئية في الأوضاع القائمة، منه الى إصلاح جذري في السياسات المتعاقبة منذ عقدين ونيّف.

3- تناول البيان الوزاري، وإن بصيغ شديدة الاختزال، طائفة واسعة من المشكلات والمعضلات المهمة، وأعلن في فقرات متفاوتة التفصيل والوضوح عن توجهات لمعالجتها. وقد شملت هذه المسائل، قضايا العدالة الاجتماعية والخطط الإنمائية والبنى التحتية الأساسية وإصلاح الإدارة العامة، وضبط المالية العامة والدين العام، إضافة الى موضوعات الفقر والأجور والتعليم والتربية والتأمينات الصحية والاجتماعية، والعديد من الموضوعات القطاعية (الزراعة، الصناعة، السياحة، البيئة، الاتصالات، النقل، النفط...) واذا كانت الحكومة في ما يتعلق بمرافق البنى التحتية بما في ذلك النفط قد تميّزت بقدر من الجدية، إلا أن الملاحظ أن الغالبية العظمى من باقي التوجهات بقيت في صيغة نوايا ورغبات، ولم ترتق الى مصاف المشاريع أو برامج العمل المحددة والمزمّنة. فبإستثناء موضوع البنى التحتية، بدا أن الإلتزامات المحددة والمزمنة التي أوردها البيان الوزاري، قد اقتصرت على عدد قليل من المحاور والموضوعات، مع وجوب لفت النظر الى أن بعض هذه الإلتزامات كانت إما مجرد استكمال أو تكرار لإلتزامات سبق لحكومات متعاقبة أن أخذتها على عاتقها من دون تنفيذها ـ مثل "مشروع استهداف الأسر الفقيرة " أو "مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية" أو "مشروع اللامركزية الإدارية الموسعة" أو تفعيل عمل المجلس الاقتصادي الاجتماعي... أو أنها انحصرت في مشاريع ثانوية وذات أثر محدود، بالنسبة للآمال العريضة المعقودة على الإصلاح المنشود... وانطلاقاً من ذلك، يمكن التأكيد مرة أخرى أن البصمات التغييرية الفعلية في البيان الوزاري بقيت في المصلحة العامة متواضعة ومحدودة الأثر، وهي لا تعد بفتح الأبواب أمام دخول البلد في نمط للتنمية من نوع جديد.

4- إن ما ورد في الفقرات المبعثرة في البيان الوزاري حول السياسة الاجتماعية والخلل في توزيع الأعباء الضريبية، يشكل مصدراً لتساؤلات مشروعة وقلق جدي. فبالرغم من حديثه عن ضرورة إعادة توزيع العبء الضريبي، يتعامى البيان عن ذكر أي إجراءات محددة تسمح بتحقيق هذا الهدف، مثل زيادة المنحى التصاعدي في ضريبة الدخل والأرباح او استحداث ضريبة تصاعدية على التحسين العقاري او إدخال مختلف عناصر الثروة في الوعاء الضريبي. وفي حديثه عن موضوع الأجور، يغفل البيان ذكر مسألة تفاقم الغلاء وأثرها الكابح للقوة الشرائية للأجر، كما يعفي نفسه من أي التزام لتصحيح هذا الأخير ولو بشكل تدريجي، بهدف ردم الهوة المتراكمة بين تطور أسعار الاستهلاك وتطور الأجور منذ عام 1996. كذلك يكتفي البيان في المجال الصحي بتبني مبدأ مواصلة تنفيذ المشاريع القائمة راهناً (البطاقة الصحية، مراكز الرعاية الأولية، المستشفيات الحكومية). وهو يحرر بذلك نفسه من بلورة مقاربة كلية بديلة وشاملة تؤدي الى إصلاح جذري في تدخلات الدولة في هذا القطاع، وإن كان البيان قد حاول في فقرة أخرى الايحاء ـ من دون أي تحديد أو تفصيل أو التزام ـ بإمكان البحث في تعميم الحماية التأمينية الصحية على جميع اللبنانيين. أما في المجال التربوي، فباستثناء بعض الاقتراحات المحددة التي تتناول التعليم والجامعة اللبنانية، لم يأت البيان الوزاري على أي إلتزامات محددة، وبخاصة في مجال النهوض بمستوى التعليم الرسمي ما قبل الجامعي، لا سيما في مراحل التعليم ما قبل الثانوي، التي تؤثر أكثر ما تؤثر في الفئات الإجتماعية الفقيرة وما دون المتوسطة.

5- إن مسائل أساسية أخرى قد غابت أو كادت تغيب عن فقرات البيان الوزاري. من ذلك مثلاً، السياسة النقدية وإخضاعها شبه الكامل لمتطلبات السياسة المالية ولهموم تأمين التمويل اللازم للقطاع العام ـ الذي يعمّ الهدر فيه ويفتقد الى الضوابط في الإنفاق ـ عبر اعتمادها على اصدارات سندات الخزينة وعلى الاقتراض المتزايد من مصرف لبنان. وينطبق هذا الغياب أيضاً على موضوع أزمة السكن، المتفاقمة باستمرار، والتي بات قسم كبير من اللبنانيين معرضين بسببها للاقصاء الاجتماعي والتهجير داخل البلد وخارجه، من دون وجود أي رؤية من جانب الدولة لمعالجة الأسباب العميقة لهذه الأزمة. كذلك لا يشير البيان، لا من قريب ولا من بعيد، الى ما أثبتته الكثير من الوقائع والتحليلات على معظم أسواق الإنتاج الداخلية، مع ما ينجم عن ذلك من زيادة متمادية في أسعار الاستهلال وتكاليف الانتاج، وذلك وسط استمرار غياب قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار، واستمرار تغطية الدولة عملياً لقوانين التمثيل التجاري. على صعيد آخر، أفرد البيان الوزاري فقرات واسعة بشأن الإجراءات المطلوبة لإصلاح وإعادة هيكلة الإدارة العامة. وإذا كان بعض هذه الإجراءات الجزئية يصب مبدئياً في الاتجاه الصحيح، إلا أن الاصلاح المقترح يتجاهل جوانب أساسية من المشكلة. وتتمثل هذه الجوانب في تغاضي الدولة عن واقع وجود "سرعتين" ترعيان الإدارة العامة في لبنان، واحدة تخص الوزارات والإدارات المعنية بشؤون "العامة" من الناس، والتي تعتبر في المنطق الرسمي السائد أقل شأناً وأهمية. كما تتمثل تلك الجوانب أيضاً في خلل الإدارة العامة، الناجم عن جمع مهمات التخطيط والتمويل والتنفيذ العائدة الى الشأن الانمائي في إدارات عامة محددة ـ لاسيما مجلس الانماء والاعمار ـ على حساب دور معظم الوزارات الأخرى في هذا الشأن. ومن اللافت ان البيان الوزاري لم يلامس هذا النوع من المشكلات الإدارية ذات الطابع البنيوي، وهذا ما يتهدد باضعاف فعالية الاجراءات الجزئية المقترحة للشأن الإداري أو بافراغ هذه الاجراءات من مضمونها.

إن ما ورد حول تفعيل المجلس الإقتصادي الإجتماعي، ايجابي، ولكنه يجب ان يتطور الى تعديل في قانونه ونظامه الداخلي يعيد له دوراً فاعلاً أفرغته الحكومات السابقة وبشكل خاص يعزز مشاركته عبر إعطائه حق الفيتو على بعض الجوانب الأساسية في الاقتصاد اللبناني والمشاريع الإجتماعية.

وكذلك فإن الوضع الحالي يستدعي إطلاق حرية العمل النقابي، عبر إطلاق سراحه من سجن المحاصصة عبر وزارة العمل ولنا بوجود الوزير شربل نحاس على رأس هذه الوزارة أمل كبير في تطوير وتعزيز استقلالية العمل النقابي. (وبمناسبة، وردا على السيد الحريري في حديثه يوم أمس حول الشيوعية، نقول : لقد جمع الحريري صدفتين: صدفة بيولوجية وصدفة مالية، وهو في كلامه عن الشيوعية يكرر ما يقوله له اسياده، فهو لا يتابع ولا يقرأ ولا يدري بما يجري في العالم وما يصيب الراسمالية من ازمة خانقة، حتى هو نفسه يعاني من تلك الازمة، ولا يعلم ان من ادعى نهاية التاريخ قدم اعتذاراً صريحاًعن ذلك.

ولانه جامع صدف من غير تاريخ في هذا البلد فهو لا يعلم ان الشيوعيين على مجدى تاريخهم صنعوا انجازات في هذا البلد في الدفاع عن الطبقة العاملة وفقراء لبنان وفلاحيه وسائر الكادحين، وهم من اطلقوا المقاومة الوطنية للاحتلال.

وانهم سيتصدون لكل نهج اقتصادي واجتماعي شبيه بالنهج الذي اتبعه الحريري في لبنان وسبب المآسي لاكثرية الشعب اللبناني في عيشه وكرامته وادى الى هجرة شبابه وارهق البلد في مديونية خطيرة تجاوزت الـ 65 مليار دولار بسبب الفساد والسرقة والنهب والهدر لصالح حفنة من المتمولين وكبار الراسماليين). وبهذا الإطار ايضاً أصبح ملحاً إعطاء حق التنظيم النقابي للموظفين في القطاع العام.

وعلى الحكومة ايضاً أن تساعد وتضغط لإقرار القوانين الموجودة في مجلس النواب مثل قوانين سلامة الغذاء، وحماية الإنتاج الوطني وهذا مدخل جدي للتعاطي مع قضية الفقر في لبنان وليس كما هو وارد في البيان الوزاري حول دعم "مشروع استهداف الاسر الفقيرة"

إن فقراء لبنان هم الذين دافعوا عنه وحموه وحرروه ولهم حقوق على دولتهم ولا ينتظرون منها "شحادة" أو"تسول" والتكرار الممل نفسه، يظهر في الحديث عن جوانب التنمية والخدمات الإجتماعية وعن قضايا وحقوق المرأة والصحة وغيرها. وما لفت هو التراجع في التعاطي مع قضايا التعليم الرسمي، حيث تمت مساواته ومساواة الجامعة اللبنانية بالقطاع الخاص.. ونحن نعتبر أن للتعليم الخاص، مؤسسات خاصة تدعمه وتطوره فإن مسؤولية الدولة تنحصر في دعم التعليم الرسمي ومراقبة التعليم الخاص وسياسته التعليمية وجودته وليس كما هو وارد في البيان الوزاري.

ثالثاً: على المستوى الوطني وقضية المقاومة..

إن طرح هذه الحكومة من خلال بيانها الوزاري، لنفسها، حكومة مواجهة مع المخططات الإسرائيلية وإعتداءات الكيان الصهيوني وآخرها الإعتداء على الثروة النفطية والحدود البحرية، والتمسك بمنهج المقاومة الى جانب دور الدولة والشعب هو خيار نؤكد عليه ونعتبره تقدماً اساسياً في طبيعة الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال حتى الآن...

ولكن لا بد في هذا المجال ايضاً من تسجيل بعض الملاحظات التي لا تخدم هذه الوجهة بل تخرج عنها أحياناً.

إن اصرار الحكومة على تبني المبادرة العربية، في الظرف العربي الراهن وعلى ضوء ما جرى من تقدم على مستوى استعادة وحدة الشعب الفلسطيني وانكشاف سياسة أوباما والإدارة الأميركية واستهدافاتها في عملية السلام، هو اساءة لمنطق المقاومة... فالنظام الرسمي العربي الذي أقر هذه المبادرة المندرجة تحت عباءة السلام الأميركي، قد انهار ولذلك فنحن مدعوون لطرح تطبيق قرارات الأمم المتحدة وتبني السعي لإعلان الدولة الوطنية الفلسطينية وعاصمتها القدس في إطار معركة مع منطق الاستسلام الأميركي الذي تتبنا، الأنظمة التي دفعت لتبني المبادرة العربية المشار لها..

وفي ما يخص الوضع اللبناني، فنحن قد وضعنا منذ البدء ملاحظاتنا على القرار الدولي 1701 واعتبرناه قراراً مقيداً للبنان وجيشه ومقاومته ويضع لبنان في موقع المعتدي عبر آلية انتشار قوات الطوارئ في الأراضي اللبنانية حصرا،ً وبالتالي مطلقاً يد العدو الصهيوني في اعتداءاته البرية والبحرية والجوية شبه اليومية، وبالتالي هو مس بسيادة لبنان واستقلاله.

وإذا كانت عشية إعتداءات تموز2006 وكلفة الصمود البطولي للمقاومة والجيش والشعب، قد جعلتنا نفهم (ولا نوافق) موقف الحكومة والمقاومة من هذا القرار فإننا اليوم ندعو الحكومة لإعادة النظر بهذا القرار بما يعيد معالجة البنود التي تخرق السيادة الوطنية وتحصن العدو الصهيوني..

وفي مجال المفقودين اللبنانيين في الداخل والخارج، إننا نرحب بما ورد في البيان الوزاري في هذا المجال مع أننا كنا نتوقع اشارة واضحة تتعلق بجثامين الشهداء الذين سقطوا ضد المحتل الصهيوني وما زالوا داخل تراب فلسطين المحتلة. وكذلك للأسرى في سجون العدو الإسرائيلي كما لقضية استمرار الاعتقال غير القانوني وغير الديمقراطي داخل السجون الفرنسية للمناضل اللبناني جورج ابراهيم عبدالله.

وللأسف أيضاًً أن النص عن الحقوق الإنسانية والمدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في لبنان لم يراع التقدم الحاصل عبر الاجماع الوطني على هذه الحقوق والتي تأخرت طويلاًً، بما في ذلك إعادة إعمار نهر البارد ...

أيتها الزميلات والزملاء،

خلال المرحلة المقبلة سنكون من موقعنا الطبقي والسياسي داعمين حكماًً لأية خطوة إصلاحية، أو لخطوات مكافحة الفساد والهدر الوطنيين، ووضع آليات للمحاسبة.. ونقف الى جانب كل الخطوات العملية لدعم الصمود الوطني في وجه العدوان والتآمر ضد الوطن، ولكن ما ورد في البيان الوزاري وما عرضناه سابقاًً يدفعانا بأمانتنا لمواقفنا وثوابتنا وسعينا "لإسقاط النظام الطائفي" وطموحنا للتغيير الديمقراطي، ولتثبيت منطق المقاومة الوطنية بجوانبه المختلفة، وانطلاقاًً من انحيازنا الكامل للحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية لفقراء لبنان وعماله ومثقفيه وفلاحيه وموظفيه ومعلميه وأساتذته وطلابه ونسائه وشبابه..



انطلاقاًً من كل ذلك، نؤكد على موقفنا الوطني المعارض من الموقع الديمقراطي العلماني المستقل والمقاوم... طالما أن البيان الوزاري، والحكومة التي نالت الثقة، لم تتعهد القيام ولو بخطوة باتجاه الإصلاح السياسي والاجتماعي المنشود، ولم تقترب أو تلامس عمق الازمة الوطنية اللبنانية، بل أكتفت بالتوصيف والاكثار من وعود حفظها شعبنا عن ظهر قلب. ولن يصدقها.

الازمة الوطنية متجذرة وعميقة، وما لم يتلازم مشروع التحرير مع مشروع التغيير الديمقراطي ، فالازمة الوطنية الى مزيد من التعقيد والتطييف، مهما كان شكل الحكومة، وطالما جوهرها الطبقي واحد، وبياناتها تشكل عنوانا للمزيد من الازمة الياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية..

إن النقاط المطروحة في البيان الوزاري ونقاشنا لها ستشكل أساس للبرنامج النضالي الذي سيتابع الشيوعيون العمل تنفيذه جنبا الى جنب مع كافة القوى الديمقراطية السياسية والاهلية وفق برنامج مرحلي، ينطلق من قانون الانتخاب ، والاحوال الشخصية، والاجور.. وينتهي الى تحقيق كامل عملية التغيير الديمقراطي.



بيروت في 13 تموز 2011