بالعروبة التقدمية الديموقراطية ستكمل الثورات ونحمي التغيير


خالد حدادة
الحوار المتمدن - العدد: 3564 - 2011 / 12 / 2 - 15:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

مرحلة حاسمة من الصراع في المنطقة. طرفا الصراع الأساسيان: الهجمة الأميركية ـ الرجعية من جهة، والشعوب العربية في حراكها من أجل حقها بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، يستنفران قواهما، فالهجمة تزيد من دفعها باتجاه احتواء بعض التحركات بالتنسيق مع قوى الأنظمة السابقة وما يسمى قوى «الإسلام المعتدل» إقليمياًً ومحلياًً، والحركة الشعبية بإمكاناتها المتواضعة تحاول في مصر، كما حاولت في تونس، الحفاظ على روح الثورة واستمراريتها، وجعلها سيرورة ومساراًً وليس محطة محددة.


وفي الدول الأخرى، بما فيها سوريا، يتصارع فيها نهج عسكرة الحراك وتحويله لأداة تخدم الهجمة المضادة وهذا ما يعبر عنه بعض المعارضة الخارجية المرتبط بشكل رئيسي، جاعلة من الدعم الخارجي المباشر أو غير المباشر عبر «جامعة الدول العربية» قوتها الأساسية، وبين الحراك الشعبي بشعاراته الديموقراطية الأساسية والممثل بالمعارضة الديموقراطية المتبنية لقضايا الناس الاجتماعية والسياسية والرافضة للتدخل الخارجي والتآمر العربي على سوريا وليس على نظامها.
هذا الحراك يضاعف مسؤولية القوى السياسية السورية في النظام وخارجه للإنحياز الى قضية الناس ومطالبها وإلا فإن الاستمرار في عدم رؤية الخطر والوقائع، يساهم تحديداًً في دعم الاستهدافات الخارجية، لذلك نجدد دعوتنا الآن وبسرعة لعقد مؤتمر وطني لكل القوى السياسية الممثلة في الشارع السوري والرافضة للهجمة الأميركية والتدخل الخارجي، بعيداًً عن تصنيفات الموالاة والمعارضة، لصياغة أسس بناء الدولة المدنية الديموقراطية، ببعدها الوطني المتصدي للخطر الأميركي الصهيوني.
وما يضاعف شدة الصراع، هو أنه يجري في ظرف دولي تضغط فيه أكثر الأزمة الرأسمالية العالمية وتدفع بالولايات المتحدة الأميركية لخوض وافتعال صراعات اقليمية في العالم، يدفع ثمنها دول وشعوب هذه المناطق في افريقيا والشرق الأوسط وأيضاًً أوروبا ودول العالم «الناهضة» من الصين الى الهند الى ايران الى غيرها...
وفي هذا الإطار تزيد الولايات المتحدة من وجودها العسكري في الخليج العربي، واستعمال «دول الخليج» رأس حربة للدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة، خاصة في ضوء الإنسحاب الإجباري لقواتها من العراق...
[[[
في موازاة هذا الواقع السياسي، تشهد المنطقة، عكس بطء المرحلة السابقة، كثافة في التحليل والاستنتاجات التي تطمح لأخذ صفة التحليل الفكري على المستويين السياسي والسوسيولوجي، ومعظمها يدفع للاستنتاج السريع... ينطلق التحليل أساساًً من ظاهرة «التقدم الاسلامي» والنموذج الاسلامي في المنطقة.
إن الثغرة الأساسية في هذا التحليل، هي في انه ينطلق من فكرتين متواجهتين أحياناًً، الأولى التي تنظر الى الوجود الاسلامي السياسي، كوجود مستجد، مفبرك من قبل الخارج الأميركي أو الاقليمي، السعودي والتركي... وفي ذلك قفز فوق تاريخ هذه الجماعات المتوفر لها في نموها التاريخي والشروط الطبقية، بما تمثله من مصالح البرجوازية وبشكل خاص في الريف العربي وكبار الملاكين فيه وأيضاًً شروط التعبئة الفكرية، باستخدامها الفكر الديني،لُُُبوساًًً ايديولوجياًً لمواقفها الطبقية والسياسية.
أما الاتجاه الآخر، فهو الذي لا يرى في نظرته للأمور، ان ما يجري من استعادة وزن القوى الاسلامية كجزء من المساومة التاريخية التي عرضها، أوباما في خطابه في جامعة القاهرة والذي حدد فيها اطار التحالف السياسي الجديد، الذي بواسطته ستعمد، وهي تعمد الآن، الولايات المتحدة لتثبيت سيطرتها على المنطقة وثرواتها بشكل خاص.
الجامع في الاتجاهين الفكريين هو نعي «الفكر القومي» وبالتالي تثبيت حالة انتصارية لـ«الفكر الديني» على مرحلة سيطرة «الفكر القومي» التي بدأت منذ منتصف القرن الماضي على أنقاض الموقف الرسمي العربي حينها والذي تميز بالتآمر حول القضية الفلسطينية.
ومن هذه الحالة تفوح رائحة «الانتقام» الذي تمارسه العائلات المالكة وبشكل خاص عائلة آل عبد العزيز وآل ثاني وأنسباؤهم، من ضمن الخطة الأميركية ضد مرحلة النهوض القومي والمرحلة الأولى من حركة التحرر الوطني العربية التي اعتبرتهما التهديد المباشر لممالكها وإماراتها والتي بحجة مواجهتها ورغبة ببقاء سلطتها قايضت هذه السلطة واستمرارها، بالسيطرة الأميركية الغربية على النفط والثروات العربية...
[[[
وعلى وقع مفرقعات الانتصار هذا، تغيب عن بعض المحللين، بما فيهم اليساريين والتقدميين القدرة على القراءة الموضوعية، وعن استقراء النتائج وصياغة المهام، مما يوقع هذا البعض في دوامة الاحباط وأحياناًً اليأس الذي يدفع باتجاهين، الأول، بالتسليم بما قدرته الولايات المتحدة وحصان طروادتها في الخليج العربي لأمتنا، والثاني، الذي يحمل ما جرى، ليس للهجمة المضادة للثورات، بل للحركات الجماهيرية وللثورات نفسها، دامجاًً معظم الأحيان بينها وبين المؤامرة، وجاعلاًً من الجماهير العربية المنتفضة جزءاًً من المؤامرة نفسها.
هذان الإتجاهان، يدفعان ايضاًً باتجاه نمطين خاطئين، في التصدي للمؤامرة واستهدافاتها. الأول، هو استعادة تجربة الخمسينيات من القرن الماضي والتمسك بالوضع الراهن للفكر القومي وإنتاجاته. وبشكل خاص التمسك بالمرحلة التي شكلت، إحدى عوامل الانهيار العربي من خلال سيطرة اليمين الممثل للبرجوازية التابعة للقرار الأميركي وللخليج بدءاًً من اتفاقيات كمب ديفيد الى كل التحولات الاقتصادية ـ الاجتماعية، المتراجعة عن انجازات المرحلة الأولى من حركة التحرر العربية...
أما النمط الثاني، فهو الذي يفتش عن المواجهة من الإطار الفكري الإيديولوجي (الديني) نفسه، فيدفع باتجاهين ايضاًً، الأول، التحريض على إقامة محور آخر يتم التقديم له على قاعدة المواجهة، ولكنه بشكل أو بآخر يصب في خدمة شعار الهلالين المتصادمين، السني والشيعي. وبالتالي يخدم المشروع نفسه الهادف الى إحلال الصراعات المذهبية والإتنية مكان الصراع الرئيسي مع العدو الصهيوني، وبالتالي فإن هذا الاتجاه، من حيث لا يدري، أو يدري، مروجوه، يقفز فوق القضيتين الرئيسيتين لشعوبنا العربية، القضية الفلسطينية والتنمية واستعادة الثروة. ويجعل من الأنظمة بحد ذاتها ايقونة بديلة عن حقوق الشعوب.
والاتجاه الثاني، هو الاتجاه الذي يقدّّّّّّم مقولة تحالف الاقليات، في مواجهة «الأكثرية»، وهذا الاتجاه يحاول استعادة تجربة الانطلاقة الأولى للفكر القومي العربي، في مواجهة «الإسلام العثماني» مستفيداًً من الدور التآمري الذي يلعبه حكام تركيا اليوم وأوهامهم الذين جعلتهم جزءاًً كامل العضوية في الخطة الأميركية...
إن خطورة هذه النظرة، تجعل من القومية العربية، ملجأ فكرياًً سياسياًً قسرياًً للأقليات الطائفية، وبالتالي تضعها من حيث لا تدري، أو تدري، في مواجهة مصلحة الشعوب العربية، بفئاتها الاجتماعية الفقيرة، والتي تتناقض مصالحها مع استهدافات الهجمة الأميركية ومع مصالح العائلات المالكة ومع ما تمثل الحركات الاسلامية «المعتدلة» من مصالح طبقية للفئات البرجوازية والمتحالفة والمدعومة من قبل إمارات وممالك الخليج...
[[[
إنها عروبة تقدمية ديموقراطية، ذات وجه مدني علماني، مواجهة للمخطط الأميركي وحاملة لقضية فلسطين ولاستعادة الثروة ولمصالح الفئات الشعبية الفقيرة، والتي تشكل الغالبية العظمى لشعوبنا العربية التي نحن بحاجة لإيجاد أطرها، الفكرية والسياسية في مواجهة اطراف الهجمة المضادة.
ولأنها كذلك، فهذه «العروبة التقدمية الديموقراطية»، لا يمكن ان تكون إلاّّّّ استمراراًً لنبض الشارع العربي الذي انتفض من تونس الى مصر الى كل العالم العربي، في مواجهة حالة النظام الرسمي العربي السابق وأيضاًًً المستمر اليوم، في مواجهة أطراف التحالف الأميركي المتجدد في المنطقة.
إنها عروبة، لا ترى في التقدم الشكلي المدعوم بملايين الدولارات للقوى الاسلامية والمدعوم بالفكر السائد المسيطر، إلاّّّّ مرحلة تدفع للالتفاف حول شباب الثورات العربية، من أجل استكمال مسار الثورة، التي لم تتوقف ولا يبدو أن أحدا قادراًً على إيقافها.
إنها عروبة، تتصدى لمحاولة حرف التحركات الشعبية، باتجاه أن تشكل عملاًً عسكرياًً، ينتمي باستهدافه لشروط نجاح الهجمة المضادة وليس للحراك الشعبي، الذي تحاول مصادرة شعاراته.
إنها عروبة تقدمية، تجعل من الانتماء العربي، إنتماء لكل المواطنين كمواطنين عرب وليس منتمين لأكثرية أو أقلية.
عروبة في قلبها قضية فلسطين واستعادة حقوق شعبها، في وجه من يتآمر عليها والذي يشكل حاضناًً للقوى التي تطفو على السطح اليوم. عروبة تتصدى للنظام الرسمي العربي القديم، المسمى «جامعة عربية»، والتي صرح باسمها أحد أمراء النفط، دون ادنى حياء، انها لم تأخذ إجراءات في موضوع غزة وفي مواجهة اسرائيل لعدم توفر «القوة والإرادة»... إنها أيضاًً عروبة تطرح مهمة بناء نظام عربي جديد قائم على ثالوث التحرر والديموقراطية والتنمية الشاملة.
إنها إذن عروبة تقدمية، تنطلق من مصلحة الطبقات الكادحة في عالمنا العربي، هذه الطبقات التي تحمّّّّّل ابناؤها عبء الدم والعرق والنضال من أجل قضايا الأمة.
ليس حلماًًًً هذا الذي نطرحه، بل هو مهمة آنية وحاضرة، تجد قاعدتها بالعملية الديموقراطية نفسها التي أثبتت انه برغم الدعم والتزوير (الذي أقر به المراقبون الأجانب) فإن القوى المتصدرة اليوم لم تستطع القفز الى حدود تتجاوز الـ40% مع مقاطعة فئات حقيقية داخل الحراك الثوري للانتخابات في تونس وفي مصر برغم تشتت هذه القوى.
مهمة تجد أسسها في تاريخ التصدي للمؤامرة الأميركية - الصهيونية وتجد أسسها في الشباب المستمر بحراكه الثوري رغم كل التهديدات ومحاولات المصادرة.