عمال البناء: حملة ضد حوادث العمل تفتح فرصة لتغيير الواقع المر


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 5085 - 2016 / 2 / 25 - 12:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

عمال البناء: حملة ضد حوادث العمل تفتح فرصة لتغيير الواقع المر
اذا كانت التطورات في فرع البناء تتجه منذ عام 1993 الى المزيد من الفوضى وغياب الحماية للعمال، الأمر الذي أدى الى مقتل العديد من العمال او تعرضهم لإصابات خطيرة، فإن الحملة الحالية تفتح دون شك فرصة فريدة من نوعها لتغيير مسار الامور.

اسامة ناطور من عرعرة فقد والده توفيق (64 عام عند مقتله) في حادث عمل مروع في ورشة بناء في تل ابيب بعام 2007. خلال متابعته للتحقيق في ملابسات الحادث تبين بأن سبب الحادث الاليم كان وجود سقالة غير صالحة، هي التي سقط منها والده الى موته. رغم وضوح الاهمال الاجرامي بحق العمال في هذه الورشة، ورغم انه تبين فيما بعد ان المقاول الذي كان مسؤولاً عن تركيب السقالة عمل بدون رخصة، فقد استمرت المداولات في المحاكم مدة 3 سنوات وانتهت بصفقة قضائية هزيلة. المقاول الرئيسي ومقاول السقايل ومدير العمل، حكم على كل واحد منهم ب-6000 شيكل تعويض لعائلة المرحوم و-6 شهور من العمل لصالح الجمهور للمقاول الرئيسي فقط(!).
الشعور بالغضب والإحباط لدى اسامة وكافة افراد العائلة كان مفهوماً وواضحاً اذ عكس هذا الحكم الخفيف مقابل عملية قتل واهمال اجرامي الموقف الرسمي من عمال البناء بشكل عام ومن العمال العرب بشكل خاص. في اطار العمل الميداني المكثف الذي قامت به نقابة “معاً” العمالية في موضوع حوادث العمل وحقوق عمال البناء، وجد اسامة سنداً ودعماً لرغبته في إسماع صرخة مدوية. يقول اسامة: “لا يمكنني ان اعيد والدي الى الحياة لكن من الواجب علينا كأفراد عائلة عامل كان ضحية هذا الاهمال ان نساهم بكل مجهود لتغيير الواقع في ورشات البناء ولإنقاذ حياة العمال الآخرين”.
حملة اعلامية قوية في موضوع حوادث العمل
في الشهور الاخيرة، بدأت في اسرائيل حملة شعبية وإعلامية واسعة النطاق في موضوع حوادث العمل. للمرة الاولى تكاتفت نقابات عمالية وجمعيات حقوقية وعمال بناء وناشطين اجتماعيين لترفع صوتها ضد الاهمال السائد بكل ما يتعلق بالوقاية في فرع البناء والذي كان من وراء الزيادة الخطيرة في عدد الحوادث القاتلة وفي عدد العمال اللذين يتعرضون لإصابات خطيرة. الحملة المكثفة جعلت الصحف الاسرائيلية وقنوات التلفاز والإذاعات تخصص مقالات يومية للموضوع. وأثار الامر ايضاً تحرك غير مسبوق في الكنيست حيث عقدت لجنة العمل والرفاه جلستين في الموضوع خلال شهرين، كما خرج اعضائها برئاسة عضو الكنيست الي الالوف من حزب “كلنا” الى الميدان ليزوروا ورشة البناء التي قتل فيها العامل الفلسطيني احمد البيراوي قبل شهر.
من خلال هذه الحملة تم الكشف عن ان عدد العمال اللذين تعرضوا لاصابات خطيرة قد ارتفع في السنوات الخمس الاخيرة بوتيرة 20%، وقد وصل في عام 2014 الى 569 عامل(!). هذه الارقام المذهلة يجب اضافتها الى قائمة العمال اللذين قتلوا في حوادث عمل والتي وصلت بعام 2015 الى 35 عامل(!).
انهيار العمل المنظم
التحرك الاعلامي والحقوقي الملفت للنظر يحدث بغياب نقابة عمال البناء ومشاركتها الفعالة رغم كونها عنصر اساسي لا بد منه في تطبيق التشريعات والقوانين والأوامر في الميدان. في بريطانيا، على سبيل المثال، بذلت جهود هامة في مجال الوقاية أدت الى انخفاض عدد الضحايا خلال عشرين عام الى النصف بحيث أصبح معدل العمال المقتولين في مجال البناء 1.6 لكل 100 الف عامل، ذلك مقابل 11.6 لكل 100 الف في اسرائيل(!). الفرق الكبير يعود الى نشاط نقابة عمال البناء هناك وغياب نشاطها المطلق هنا.
خلال العقدين الأخيرين، وخاصة منذ اغلاق الضفة وغزة المحتلتين امام خروج العمال واشتراط ذلك بالبطاقات الممغنطة (ابتداءاً من عام 1993)، شهد فرع البناء في اسرائيل تحولات جوهرية تتعلق بسيرورة الاقتصاد الرأسمالي في اسرائيل الذي يدفع باتجاه الخصخصة وتفتيت قوة العمل من خلال مقاولين فرعيين وشركات قوى بشرية. اضافةً لذلك ونتيجةً لسلبية الهستدروت – التي تسيطر على نقابة عمال البناء – ازاء هذه الظاهرة، شعرت شركات البناء الكبرى بأنه لا توجد هناك اية قوى تضغط باتجاه تنظيم العمال او حماية حقوقهم وحياتهم. النتيجة تظهر اليوم في ورشات البناء الكبرى في ظل موجة بناء ضخمة ومشاريع عامة وخاصة على نطاق كبير يتم تنفيذها بواسطة عشرات المقاولين الصغار دون علاقة مباشرة بين الشركة المبادرة او المسؤولة عن المشروع وبين العمال، ودون ان يتم تأهيل العمال للعمل الخطير والمعقد المعتمد على التكنولوجيات الجديدة.
ضرورة اشراك العمال في الحملة
اذا كانت التطورات تتجه منذ عام 1993 الى المزيد من الفوضى وغياب الحماية للعمال– الامر الذي ادى الى الحالة المأساوية التي عاشها اسامة ناطور أمام غياب الاهتمام بمقتل والده والعقاب الهزيل الذي فرض على المسؤولين– فإن الحملة الحالية تفتح دون شك فرصة فريدة من نوعها لتغيير مسار الامور.
كاتب المقال كان على مدى 15 عام، شريك في المجهود المبذول لإثارة الاهتمام بمصير العمال العرب في فرع البناء، كما كانت نقابة “معاً” العمالية التي اعمل كمديرها سباقة في تنظيم العمال في اطار نقابي جديد وفي الاهتمام بحالة العائلات الثكلى التي فقدت ابنائها في حوادث العمل. لكن مجهودنا الكبير لم يستطع بمفرده ان يحدث انعطافاً ايجابياً في هذا المجال، ذلك بسبب التعتيم الاعلامي والشعبي على مستوى الرأي العام الاسرائيلي بسبب العنصرية تجاه العمال العرب وعلى مستوى الرأي العام العربي بسبب الاستهتار بالعمال والفقراء عامةً.
اننا نرى في الحملة الحالية التي بدأت كمبادرة من حقوقيين بمثابة رافعة لإثارة الاهتمام والنشاط في الموضوع في اواسط العمال العرب الذين يشكلون اكثر من 50% من مجمل العمال في فرع البناء (من ضمن 217 الف عامل بناء في اسرائيل). هناك نشاط هام في الكنسيت مقابل مديرية السلامة المهنية في وزارة الاقتصاد يهدف الى زيادة عدد المفتشين في الميدان والمحققين في الحوادث الخطيرة والى تغيير نمط العمل في الشرطة والنيابة بحيث تتمكن المحاكم من انزال عقوبات رادعة على المقاولين والمدراء المهملين. بالإضافة الى هذا النشاط “فوق” على المستوى العالي، يجب ان نصب اهتمامنا ايضاً على النشاط “تحت” على مستوى الميدان والعمال وتعزيز فهمهم لموضوع الوقاية وثقتهم بأن من حقهم ايقاف العمل في حالة شعروا بأية خطورة. بجب ان تنظم لجنة شعبية لعائلات العمال المقتولين يكون بإمكانها رفع صوت قوي ضد الاهمال الاجرامي بحق العمال.