الهستدروت ليست بريئة من الفقر العربي


اساف اديب
الحوار المتمدن - العدد: 2223 - 2008 / 3 / 17 - 08:19
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

اساف اديب, اسماء اغبارية-زحالقة

الهستدروت بقوتها وتأثيرها كان من الممكن ان تكون وسيطا للتغيير، ولكن المقال الذي نشره اثنان من قيادييها يشير الى العكس، ويثبت انه ليست هناك نية حقيقية لدى الهستدروت لاجراء التعديلات الضرورية، الامر الذي يكرس حقيقة ان الهستدروت هي شريكة في المسؤولية عن الفقر العربي.

(المقال هو رد فعل لمقال نشره جهاد عقل وساغي يانكو، من قياديي الهستدروت في "ذي مركر"، الملحق الاقتصادي لصحيفة "هآرتس"، 28/2)

للكاتب الامريكي الكبير مارك توين مقولة شهيرة مفادها "الجميع يتحدث عن احوال الطقس، ولا احد يفعل شيئا لتغييره". هذا هو الانطباع الذي يخلقه مقال المسؤولين في الهستدروت، ساغي يانكو وجهاد عقل، والذي نُشر في "ذي ماركر" (28/2). يقدم المقال الصورة القاتمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي العصيب في التجمعات العربية في اسرائيل، وهو واقع معروف وغير خاف على احد.

مشكلة المقال تكمن في انه بدل توضيح الاسباب التي ادت لهذا الوضع الكارثي وتقديم الاقتراحات للطرق الممكنة لمعالجته، اكتفى بسرد الحقائق الجافة. من قراءة المقال لا يبدو واضحا اذا كانت المشكلة في طريقها للحل، او في طريقها للتفاقم والاقتراب من انفجار جديد. كل ما يقترحه الكاتبان هو ضرورة تعاون الحكومة والهستدروت والمشغِّلين من اجل ايجاد حل. اما ما هي الخطوات الواجب اتخاذها حالا؟ ولماذا يتم التاعس عنها حتى الآن؟ ما هو دور الهستدروت في الوضع القائم؟ والى اي مدى يفيد التعاون الوثيق بين رئيس الهستدروت الحالي وبين ارباب الصناعة في حل المشكلة؟ هذه الاسئلة وغيرها لم تطرح ابدا في المقال.

اذا اردنا وضع النقاط على الحروف بالنسبة للفقر في الوسط العربي والسبل الكفيلة بحل المشكلة يجب ان نطرح اربع نقاط اساسية: الاولى، ان الفقر في الوسط العربي هو نتيجة مباشرة لسياسة التمييز المنهجية التي مارستها كل حكومات اسرائيل في مجال البنية التحتية، وخاصة في مجال الاراضي للتطوير والميزانيات للسلطات المحلية ولجهاز التعليم، والاستثمار في خلق اماكن عمل. دون سياسة تمييز ايجابي لصالح الوسط العربي في كافة المجالات لا يمكن احداث تحول في الاتجاه العام نحو تفاقم ظاهرة الفقر العربي.

النقطة الثانية تتعلق بارتفاع كبير في عدد العمال الذين يعملون بواسطة شركات القوى البشرية والمقاولين الفرعيين. فقد ادت هذه الظاهرة الى تردي ظروف العمل لدى الجميع، وخاصة العمال في الوظائف البدنية التي تعمل بها نسبة كبيرة من المواطنين العرب. انخفاض نسبة البطالة في البلاد في السنوات الاخيرة، لم يؤثر على منطقة الشمال والجنوب، ولا يزال الوسط العربي يعيش حالة من البطالة والاجور المنخفضة عموما.

النقطة الثالثة تتعلق بسماح الحكومة باستيراد مئات الآلاف من العمال الاجانب المستغلين، الذين يتم تشغيلهم باجور زهيدة، بفروع مثل البناء والزراعة ومساعدة المسنين. هذه السياسة التي تخدم اصحاب رؤوس الاموال المستفيدين من الايدي العاملة الرخيصة، كان لها تأثير مدمر على الجماهير العربية. رغم قرارات حكومية عديدة بالنسبة لوضع حد لاستيراد العمال الاجانب، الا ان شركات القوى البشرية تواصل استيراد هؤلاء العمال طالما تستمر الحكومة بالسماح بهذا الوضع.

القضية الرابعة هي تدني نسبة النساء المشاركات في سوق العمل اذ تتراوح بين 17%-22% حسب احصائيات مختلفة، في حين تصل نسبة النساء العاملات في الشارع اليهودي الى اكثر من 50%. تعاني النساء العربيات من شح فرص العمل، ولذلك تضطر العائلة العربية للاعتماد على معيل واحد لا يستطيع في معظم الحالات اخراج عائلته من تحت خط الفقر الذي يبلغ 4200 شيكل لزوجين مع ولدين واكثر. المجهود الذي تبذله جمعية معا اليوم لاشراك نساء عربيات في فرع الزراعة يلاقي صعوبة كبيرة، بسبب سياسة الحكومة التي تواصل استيراد عمال اجانب ارخص.

دون التطرق لهذه النقاط ومواجهتها، لن يكون اي معنى للكلام عن الفقر في الوسط العربي. ليس صدفة ان النقابيين في الهستدروت، يانكو وعقل، تجاهلا هذه النقاط. فالهستدروت لها دور هام في تطبيق سياسة الخصخصة الرأسمالية العنيفة. انقلاب رامون وبيرتس في عام 1994 ادى الى خصخصة شركة العمال، ولم تقم الهستدروت باي خطوة ضد آفة شركات القوى البشرية، كما غضت الطرف عن استيراد مئات آلاف العمال الاجانب، وهي تسمح لليوم لارباب العمل باستغلال العمال متجاهلة تماما قانون العمل وحتى الاتفاقات الجماعية التي وقعتها بنفسها. حتى اتفاق التقاعد الذي وقعته الهستدروت مؤخرا بادعاء الحرص على مصالح العمال الفقراء، هو في الواقع اتفاق هزيل لا يضمن لاحد الخروج من دائرة الفقر.

لا شك ان مشكلة الفقر في الوسط العربي خطيرة والوضع يتطلب مواجهة جريئة لجذور الازمة، وتحديدا واضحا لدور الحكومة المركزي في خلق المشكلة وفي حلها. المطلوب هو طرح الامور بوضوح، واثارة النقاط العينية التي من شأنها تغيير الواقع ومن ذلك: تعديل اساسي في سياسة تخصيص الميزانيات لتطوير البنية التحتية في الوسط العربي، تطبيق صارم للقرارات التي تنص على تقليص عدد العمال الاجانب وعدم المماطلة في الموضوع، ممارسة سياسة التفضيل الايجابي للنساء العربيات في السوق العمل، ومحاربة حقيقية لكل اساليب التشغيل التي تسيء للعمال.

الهستدروت بقوتها وتأثيرها كان من الممكن ان تكون وسيطا للتغيير، ولكن المقال الذي نشره اثنان من قيادييها يشير الى العكس، ويثبت انه ليست هناك نية حقيقية لدى الهستدروت لاجراء التعديلات الضرورية، الامر الذي يكرس حقيقة ان الهستدروت هي شريكة في المسؤولية عن الفقر العربي.