بناء المغرب الكبير يتطلب البحث عن حل ديمقراطي سريع لقضية الصحراء


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 1251 - 2005 / 7 / 7 - 09:31
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير     

عبد الله الحريف: الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي يصرح لجريدة "الأيام" -عدد 188 من 15 إلى 21 يونيو 2005
بناء المغرب الكبير يتطلب البحث عن حل ديمقراطي سريع لقضية الصحراء

إن النهج الديمقراطي كاستمرارية سياسية وفكرية ونضالية لمنظمة "إلى الأمام" والحركة الماركسية – اللينينية المغربية عموما، قد اتخذ موقفا واضحامن قضية الصحراء عكسته العديد من بياناته وأكد عليه البيان الختامي لمؤتمره الوطني الأول الذي أكد على "ضرورة حل مشكلة الصحراء على أساس الشرعية الدولية التي ترتكز على استفتاء تقرير المصير ومبدأ المفاوضات والحلول السلمية لتجنيب المنطقة خطر الحرب ووضع أسس بناء مغرب الشعوب الذي يشكل ضرورة تاريخية لا مفر منها".

ومعلوم أن العديد من أعضاء النهج الديمقراطي المنحدرين من منظمة "إلى الأمام" قد تعرضوا للتنكيل والاختطاف، في بعض الأحيان لسنوات، وللاعتقال لسنوات طويلة وصلت إلى 17 سنة، بسبب موقفهم من النظام القائم ومن قضية الصحراء والداعي إلى تقرير المصير عبر استفتاء حر ونزيه وديمقراطي للصحراويين، بما يعني ذلك من اختيار إما للاستقلال أو الانضمام للمغرب.

وقد تبنت الدولة المغربية رسميا، منذ سنة 1981، مبدأ تقرير المصير بواسطة استفتاء تنظمه الأمم المتحدة. وهو ما يعني أن موقف منظمة "إلى الأمام" موقف سديد يحظى بدعم المنتظم الدوالي ولم تجد الدولة المغربية بدا من الإقرار به، غير أن طبيعة النظام المخزني اللاديمقراطي جعلته عاجزا على إيجاد أي مخرج ديمقراطي لمعضلة الصحراء.

فظل يقدم على عدد من المبادرات (التحضير للاستفتاء، المفاوضات مع البوليساريو، الحل الثالث...) بهدف المناورة إزاء ضغط المنتظم الدولي والرأي العام الخارجي، في حين ظل خطابه الموجه للرأي العام الداخلي يتناقض مع الشرعية الدولية ومبادئ الديمقراطية (استفتاء تأكيدي، قضية الصحراء انتهت...) وظل الهاجس الأمني يتحكم في تعامله مع الصحراء (اعتقالات، اختطافات، قمع الاحتجاجات...) كما ظل يراهن على استقطاب بعض أعيان القبائل وبعض أعضاء البوليساريو.

إن إقرار النظام بتقرير المصير بالنسبة للصحراويين يعني أحد أمرين:

- إما تنظيم الاستفتاء حول تقرير المصير تحت إشراف الأمم المتحدة واحترام الاختيار الحر والنزيه للصحراويين بين الاستقلال أو الانضمام للمغرب.

- إما القيام بمفاوضات مع جبهة البوليساريو والوصول معها إلى اتفاق سياسي وتقديمه للمصادقة بواسطة استفتاء حر ونزيه.

وفي كلتا الحالتين، فإن ذلك يعني حق الصحراويين في التعبير عن آرائهم والدعاية لها بشكل سلمي. لذلك فمن حق دعاة الاستقلال التعبير عن رأيهم والدعاية له ومحاولة إقناع الرأي العام به دون أن يتعرضوا للتنكيل والاختطاف والاعتقال، كما من حق الآراء الأخرى (الانضمام للمغرب، حكم ذاتي واسع...) أن تعبر عن نفسها بكل حرية.

والحقيقة أن أغلب مثقفينا وجل أحزابنا قد استبطنوا، إلى حد كبير، الثقافة المخزنية، مما جعلهم يعيشون نوعا من الكسيزوفرينيا، فهم يتظاهرون بأنهم أكبر الديمقراطيين في علاقتهم مع الرأي العام الخارجي. لكن قناعاتهم الديمقراطية سرعان ما تتبخر حين يتعلق الأمر بما يسمى بالمقدسات. فهم لا يجرءون على انتقاد دستور يشرعن الحكم الفردي المطلق والاستبداد المخزني ولا على المطالبة بإلغاء الفصل 19 من الدستور. كما أنهم يغضون الطرف عن القمع الذي يواجه به النظام من ينادي بتقرير المصير في الصحراء أو بالاستقلال. بل إنهم كثيرا ما يحرضون النظام على قمع حرية الرأي والتعبير والتظاهر حين تكون تلك الحقوق تتناقض مع أفكارهم.

إن النظام استعمل ويستعمل قضية الصحراء لتقوية أركانه وتقوية الطبقات السائدة. هكذا وظف النظام قضية الصحراء، بعد الانقلابات العسكرية في بداية السبعينات، لبناء "إجماع" حوله مكنه إدخال قوى المعارضة التقليدية في "مسلسل ديمقراطي" مزعوم تحكم فيه بالكامل للحفاظ على جوهره الاستبدادي. وظل يستعمل قضية الصحراء للتنفيس عن أزماته وأزمات الطبقات السائدة وتحميل عبئها للجماهير الكادحة. كما أن قضية الصحراء فتحت إمكانيات هائلة للنهب من طرف المافيا المخزنية، حيث تنفق ميزانيات خيالية، خاصة من طرف الجيش، من دون حسيب أو رقيب.

وقد وظفت قضية الصحراء أيضا لتبرير المزيد من الإذعان للامبريالية وتقديم التنازلات لها على المستوى السياسي (التطبيع الشبه الرسمي مع إسرائيل، دعم مخططات الامبريالية الأمريكية في المنطقة، انعقاد "منتدى المستقبل" في بلادنا كأول حلقة في مخطط "مشروع الشرق الأوسط الكبير وشمال إفريقيا"...) والاقتصادي (اتفاقية التبادل الحر...) والأمني (قيام المغرب بالأعمال الوسخة كتعذيب الإرهابيين المفترضين لحساب أمريكا...) والعسكري (المناورات المشتركة، منح قاعدة عسكرية في درعة...).

إن قضية الصحراء شكلت كارثة حقيقية بالنسبة للشعب المغربي حيث ساهمت في التدهور المريع للأوضاع الاجتماعية للجماهير الشعبية، عبر الأموال الطائلة التي نهبت أو أنفقت، بالخصوص على الجيش والأمن وعلى شراء الذمم، وعبر تعميق التبعية وما تؤدي إليه من تطبيق للسياسات الليبرالية الأكثر توحشا. وقد عمقت كذلك من التبعية السياسية للإمبريالية، وخاصة الأمريكية، وما يمثله ذلك من خطر على شعوب المنطقة وشعوب العالم العربي. كما أن نزاع الصحراء خلق عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمعطوبين والمختطفين والمعتقلين.

إن بناء المغرب الكبير، مغرب الشعوب، يتطلب البحث عن حل ديمقراطي سريع لقضية الصحراء. وعلى القوى الديمقراطية الحقيقية في المنطقة أن تنبذ الشوفينية وأن تأخذ المبادرة للاتصال فيما بينها من أجل بحث سبل حل ديمقراطي في الصحراء يحترم مبدأ تقرير المصير ويفتح الباب أمام التقدم الجديد في بناء مغرب الشعوب، وذلك استحضارا منها للمسؤولية الملقاة على عاتقها في تجنيب المنطقة خطر الحروب وفي نشر ثقافة الوحدة والأخوة بين الشعوب وفرض خيار الديمقراطية والحرية في المنطقة ضدا على الاستبداد والانزواء والوطنية الضيقة.

الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي