حول الملكية البرلمانية


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 5945 - 2018 / 7 / 26 - 10:07
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي     

أثير، من جديد، نقاش حول الملكية البرلمانية، وهته مساهمتي فيه:
من الناحية النظرية:
لقد أصبحت الملكيات في أوروبا رمزية إلى حد كبير. لماذا؟ لأن البرجوازية أنجزت مهام القضاء على الفيودالية التي شكلت القاعدة الطبقية لاستبداد الملكية وأقامت نظام الديمقراطية السياسية وبنت الدول-الأمم. واستطاعت بالتالي بسط هيمنتها على المجتمع وبناء الأجهزة الأيدلوجية والسياسية والاجتماعية والدعائية و الأمنية و العسكرية التي تجسد سيطرتها. وقد تطلب ذلك القيام بثورات شعبية قادتها البرجوازية. فالملكية البرلمانية هي إذن شكل من أشكال نظام الديمقراطية البرجوازية. فهل نتوفر في المغرب على برجوازية قادرة على القضاء على هيمنة الامبريالية والطبقات التابعة لها( البرجوازية الكمبرادورية أو الوكيلة للشركات المتعددة الاستيطان وملاكي الأراضي الكبار) التي تشكل الأساس المادي الاجتماعي للاستبداد وإنجاز شرط ضروري -وليس كافي- لإقامة نظام الديمقراطية البرجوازية الذي يشكل الأساس الذي انبنى عليه نظام الملكية البرلمانية؟
من المعلوم أنه مع تحول الرأسمالية إلى إمبريالية، أصبحت الطبقات الوسطى( “برجوازية وطنية” وبرجوازية متوسطة وصغيرة) في المحيط الرأسمالي عاجزة على انجاز مهام القضاء على الإقطاع والتحرر الوطني من هيمنة الامبريالية وأن هته المهام أصبح إنجازها منوطا بقيادة القوى الممثلة لمصالح الطبقة العاملة وعموم الكادحين للجبهة التي تضم كل الطبقات الشعبية. وتجربة حركات التحرر الوطني الذي قادتها البرجوازية الوطنية أو البرجوازية الصغرى واضحة في هذا المجال. وعلى العكس، فإن دول المحيط التي تم فيها انجاز هذه المهام هي روسيا والصين وفيتنام وكوبا وكوريا الشمالية حيث قامت الطبقة العاملة، بتحالف مع الفلاحين وبقيادة القوى المعبرة عن مصالح الكادحين، بالثورة.
من الناحية التاريخية:
لقد باءت محاولات إصلاح الملكية وتحولها التدريجي إلى ملكية برلمانية إلى الفشل للأسباب التالية:
-شكل النضال من أجل الاستقلال مناسبة مهمة لإصلاح الملكية. لكن تمت إضاعة هذه فرصة بسبب الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبه الحزب الشيوعي الذي ترك النضال من أجل الاستقلال في يد البرجوازية وعدم طرحه قضية الثورة الزراعية وبسبب الطبيعة البرجوازية للحركة الوطنية التي تخاف من أن يتجاوزها الزخم الشعبي الذي أطلقه النضال التحرري للشعب المغربي، ولذلك اكتفت، بعد الاستقلال الشكلي، بقبول تشكيل مجلس استشاري لوضع الدستور برئاسة المهدي بن بركة ما لبث النظام أن أقبره، وساهمت بالتالي في إجهاض النضال ضد الإقطاع ومن أجل الديمقراطية والقطع مع التبعية للامبريالية الفرنسية،
-أما المحطة الثانية، فهي قضية الصحراء التي ادعى النظام أنها فاتحة عهد جديد أطره بما سماه ب “المسلسل الديمقراطي” الذي انخرطت فيه قوى “الحركة الوطنية، بما فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بدون ضمانات إصلاحية جدية من طرف النظام. وتبين أنه مجرد غطاء للاستبداد والحكم الفردي للملك والذي استغله النظام لفرض “سلم اجتماعي” كان وبالا على الجماهير الشعبية التي أدت فاتورة الحرب وتواجد الجيش بكثرة في الصحراء وإرشاء بعض أعيانها وغيرها من النفقات. كما استغله لاجتثاث الحركة الماركسية-اللينينية المغربية وتقوية أركانه.
-والمحطة الثالثة تمثلت في ما سمي ب”التناوب التوافقي” التي طبلت له جل القوى السياسية، بما فيها قوى يسارية، ونظر له باعتباره تجسيدا للانتقال الديمقراطي. والذي اعتبره النهج الديمقراطي استسلاما تاما للمخزن من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. هذا “التناوب” المفترى عليه والذي كان مجرد تناوب مخزني، أي استمرارا وتقوية للمخزن والذي ساعد على “تجاوز” الأزمة الاقتصادية العميقة التي سماها الملك السابق ب”خطر السكتة القلبية” على حساب الفئات المفقرة والكادحة بالأساس وسهل الانتقال السلس للسلطة من ملك إلى آخر.
وشكلت حركة 20 فبراير محطة رابعة كانت فرصة مهمة لإصلاح الملكية. غير أن الملكية والقوى الموالية لها أجهضتها مرة أخرى. والسبب هو شبه غياب الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين وغياب ممثليهم السياسيين وشبه غياب جبهة الطبقات الشعبية.
لماذا إذن تفشل هذه المحاولات؟ هل لأن الملكية ومستشاريها بارعين في المناورات والحيل؟
لا أعتقد ذلك. لماذا إذن؟ لأن الانتقال من الملكية الاستبدادية إلى الملكية البرلمانية يعني، في العمق، التقدم في إقرار ديمقراطية حقيقية. الشيء الذي يتطلب القضاء على أسس الاستبداد المتمثلة في هيمنة الكتلة الطبقية السائدة والامبريالية. فلا ديمقراطية حقيقية بدون تحرر وطني. وكما أوضحنا أعلاه، يستوجب ذلك التدخل الواعي والمنظم لجبهة الطبقات الشعبية بقيادة حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، وذلك لتقويض الأسس الطبقية للاستبداد( الإقطاع الذي تحول الجزء الأكبر منه إلى ملاكي أراضي كبار والكمبرادور الذي تحول إلى برجوازية وكيلة الشركات المتعددة الاستيطان) والخلاص من التبعية للامبريالية وتفكيك الأجهزة المخزنية.
إن بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين وجبهة الطبقات الشعبية سيرورة معقدة ستعرف فترات من التطور البطيء وأخرى من التغيرات السريعة. و من بين ما يتطلبه ذلك إبداع تكتيكات ملائمة ترتكز إلى تحديد العدو الأكثر شراسة في كل فترة محددة.
في المغرب، لعبت الملكية، وتحت إشراف الإمبريالية، و خاصة الفرنسية، دورا أساسيا في:
— تهيكل الكتلة الطبقية السائدة ككتلة تضم البرجوازية التابعة و ملاكي الأراضي الكبار.
–إعادة بناء الدولة التي ورثتها عن الاستعمار و التي كانت تتشكل من إدارة عصرية استعمارية تتحكم في إدارة مغربية عتيقة، إعادة بناء الدولة كدولة مخزنية بطلاء عصري.
إن هذا الواقع يفسر العلاقة العضوية بين الملكية و المخزن و الكتلة الطبقية السائدة. فواقع الكتلة الطبقية السائدة( ترعرها في كنف الدولة و تبعيتها للأمبريالية) جعلها عاجزة وتبعية للملكية وللمخزن الذي يشرف على خلق أحزاب إدارية تلعب دور ممثلها السياسي، بينما تلعب الملكية دور ناطقها الرسمي. والملكية هي ضامن وحدة وتماسك المخزن. إن الكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية في حاجة إلى الاستبداد المخزني لفرض هيمنتهما و استغلالهما المكثف للطبقة العاملة والكادحين و نهبهما لخيرات البلاد. والملكية في حاجة إلى الاستبداد لفرض هيمنتها وتأمين افتراسها للاقتصاد الوطني. والمخزن في حاجة للملكية المطلقة لتبرير الاستبداد الذي يمكنه من مراكمة الثروات بدون حسيب أو رقيب.
لكل ما سبق، من الخاطئ الضن بأنه من السهل تفكيك العلاقة العضوية بين هذا الثالوث. إن احتداد التناقضات وسطه رهين بقوة وعمق النضال الشعبي. ولذلك، فإن مهمة اليسار المناضل، الآن وهنا، ليست ترديد شعار الملكية البرلمانية، بل هي تركيز كل الجهود من أجل تقوية وتوسيع وتعميق النضال الشعبي. وأحد شروط ذلك هو محاربة كل الكوابح والمعيقات التي تقف في وجه توحيد كل القوى الحية التي يجب أن تسعى، بكل ما أوتيت من قوة، إلى الالتحام بالنضالات الشعبية وتأطيرها وتوجيهها ضد العدو الأكثر شراسة: المخزن، وخاصة نواته الصلبة المافيا المخزنية.