أهم مستجدات الوضع، عالميا وعربيا ومغاربيا ووطنيا


عبد الله الحريف
الحوار المتمدن - العدد: 5950 - 2018 / 8 / 1 - 00:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     


ليس الهدف، في هذا المقال، القيام بتحليل شامل ومتكامل للوضع، على المستوى الدولي والعالم العربي والمغاربي والوطني. إنما طرح المستجدات التي قد تفرض علينا تدقيق تكتيكاتنا وشعاراتنا ومهامنا.
1. أهم مستجدات الوضع العالمي:
استمرار أزمة الرأسمالية وتعمقها بسبب الحلول المتبعة والمتمثلة، بالخصوص، في استمرار تطبيق الوصفات والسياسات النيولبرالية وكذا بسبب السياسات المتبعة من طرف إدارة ترامب.
هذه السياسات تؤدي، خاصة إلى الحروب التجارية والتراجع على الاتفاقيات الدولية فيما يخص البيئة والاتفاقية النووية مع إيران والاستمرار في سياسة حل النزاعات في الشرق الأوسط (سوريا واليمن…) باللجوء الى القوة، وإلى تعمق التناقضات، ليس مع الصين وروسيا وإيران فقط، بل أيضا مع حلفاء أمريكا الغربيين. كما أن هذه السياسات كحلول لأزمة الإمبريالية الأمريكية ستؤدي إلى تراجع التجارة العالمية مما سينتج عنه المزيد من ركود الاقتصاد العالمي وتفاقم أزمة نمط الإنتاج الرأسمالي وتسريع تدمير البيئة ومآسي اجتماعية لا حصر لها وتفتح الباب أمام المجهول: خطر حرب عالمية قد لا تبقي ولا تدر.
إن ما قد يدفع الاتجاه الأكثر عدوانية وسط الإمبريالية الأمريكية والذي يمثله ترامب نحو الحلول غير المحسوبة العواقب، هو محاولته فرض استمرار هيمنة أمريكا التي تقلصت وفرض استمرارها كقطب وحيد وتوفرها، بالرغم من التراجع النسبي لهيمنتها، على عناصر قوة لا يستهان بها: فلا زالت الامبريالية الأمريكية تتقدم منافسيها الأقربين في جميع الميادين. ولا زالت أكبر قوة عالمية على المستويات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. ويستمر احتكار أمريكا للعديد من المجالات التكنولوجية.
لذلك أعتقد أن الأوضاع المستجدة تتطلب عدم الاكتفاء بطرح بناء جبهة مناهضة للإمبريالية، بشكل عام، بل التركيز تكتيكيا، على العدو الأكثر شراسة حاليا، ألا وهو الإمبريالية الأمريكية والسعي إلى عزلها من خلال ربح كل القوى المتضررة من هيمنتها وكل القوى المحبة للسلم والسلام في إطار جبهة واسعة قد تضم أيضا القوى البرجوازية اللبرالية في العالم وقد تستطيع تحييد، إن لم يكن، جر إليها حلفاء أمريكا الغربيين.
2. أهم مستجدات الوضع في العالم العربي والمغاربي:
إن أهم مستجد، في هذه المنطقة، هو تشكل قطب يضم، بالأساس، الكيان الصهيوني والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية، قطب تبعي بالكامل للإمبريالية الأمريكية يسعى إلى بسط و/أو تأبيد الهيمنة المطلقة لهذه الإمبريالية على المنطقة العربية والمغاربية.
إن هذا القطب هو الذي يشكل النواة الصلبة والقاعدة الأمامية، الآن، للمشروع الإمبريالي الأمريكي في المنطقة. فهذا القطب هو الحامل، في المنطقة، لما يسمى ب”صفقة القرن” التي تعني التصفية النهائية للقضية الفلسطينية. وأصبح النظام السعودي يتعامل بعنجهية مع باقي دول المنطقة. ويتراكم سخط شعوب المنطقة ضده بسبب حربه القذرة ضد الشعب اليمني وتدخله السافر والمتعجرف في الشأن الداخلي اللبناني وتوظيفه للجماعات الإرهابية الوهابية لشن الحروب وزرع عدم الاستقرار ودعمه للفكر الديني الأكثر تزمتا وتخلفا.
لذلك، أعتقد أن الفترة الحالية تستوجب تركيز نضالنا على الأعداء الأكثر شراسة في المنطقة وهم الإمبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني والسعودية والإمارات وليس الإمبريالية، بشكل عام، والرجعية العربية، بشكل عام.
3. أهم مستجدات الوضع في المغرب:
منذ “طحن” محسن فكري والمغرب يعيش على إيقاع الموجة الثانية للسيرورة الثورية التي أطلقتها حركة 20 فبراير المجيدة.
إن هذه الموجة الثانية، إذ تؤكد سداد اعتبار أن بلادنا، على غرار العديد من بلدان المنطقة العربية والمغاربية تعرف سيرورات ثورية ستمتد لمرحلة بأكملها وستعرف فترات من المد والجزر، فترات من التطور “الهادئ” والبطيء وأخرى من القطائع الثورية والتغيرات السريعة. وذلك لأسباب عميقة وتراكمات لعشرات السنين أفرزت انفصاما تاما بين الأنظمة القائمة والشعوب التواقة إلى الحرية والديمقراطية والعيش الكريم. وتشكل أزمة النظام الرأسمالي المستديمة والعميقة عاملا أساسيا في انطلاق هذه السيرورات الثورية بينما توفر ولادة عالم متعدد الأقطاب إمكانيات أحسن لنضال الشعوب التي تعاني في منطقتنا من هيمنة الإمبريالية الغربية والصهيونية والرجعية العربية.
إن ما يميز هذه الموجة الثانية كون الحراكات ركزت على مطالب اقتصادية واجتماعية وثقافية وعرفت مشاركة شعبية عارمة (منطقة الريف بكاملها وجل ساكنة مدينة جرادة) وتواصلت لمدة طويلة (أكثر من سنة في الريف، عدة شهور في جرادة) ولم تتوقف إلا بعد تدخل قمعي شرس خلف ما يناهز الألف معتقل وتركزت في المناطق التي تعاني من التهميش على مختلف المستويات (الريف، جرادة، زاكورة، اوطاط الحاج، تنغير…).
وقد اكتشفت جماهير الحراكات وطلائعها أن النضال المبدئي من أجل مطالب اقتصادية واجتماعية وثقافية، أي بكلمة من أجل رفع التهميش، يصطدم بالمافيا المخزنية باعتبارها الماسكة بزمام الأمور والممثل السياسي للكتلة الطبقية السائدة المكونة من ملاكي الأراضي الكبار والبرجوازية الكبيرة الوكيلة للشركات المتعددة الإستيطان. ذلك أنه من المستحيل أن يحقق الاقتصاد المغربي الحد الأدنى من العيش الكريم لشعبنا لكونه تبعيا للإمبرياية الغربية، وخاصة فرنسا الضعيفة اقتصاديا مقارنة مع ألمانيا مثلا، والذي بسبب ذلك وبسبب طبيعة الكتلة الطبقية السائدة التبعية والريعية والطفيلية يحتل موقعا متخلفا في قسمة العمل على المستوى الدولي (أنشطة اقتصادية جلها ذو قيمة مضافة ضعيفة) والذي ينخره النهب والافتراس والريع الذي يمارسه المخزن والكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية. وتفشي البطالة على نطاق واسع وانهيار التعليم والصحة وباقي الخدمات الاجتماعية تؤكد ذلك. ولذلك فشلت فشلا ذريعا ومدويا كل السياسات “الإصلاحية” للنظام في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. واكتشفت أيضا أنه لا يوجد جدار صيني بين المطالب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة والمطالب السياسية من جهة أخرى وأن تحقيق مكاسب اقتصادية واجتماعية وثقافية حقيقية تنتزع هذه المناطق من التهميش يتطلب التخلص من المافيا المخزنية، أي أنه نضال سياسي يستوجب بدوره بناء أدوات سياسية وعدم الاكتفاء بحركة ذات مطالب اقتصادية واجتماعية وثقافية.
هناك تحفظ واسع الانتشار وسط عموم الجماهير على الانخراط في الأحزاب المتواجدة التي يعتبرها البعض مجرد دكاكين أو بناء أحزاب جديدة. يمكن تفهم هذا التحفظ بسبب التمييع الخطير الذي يعرفه المشهد السياسي والحزبي في بلادنا وتفسخ الأحزاب المنحدرة من الحركة الوطنية. لكن لا مفر من أدوات سياسية (أحزاب وجبهات) تعبر عن مصالح الطبقات الشعبية، وفي مقدمتها الطبقات الكادحة، وتوحد نضالها، ليس من أجل إنتزاع مكاسب فئوية وجزئية فقط، بل أيضا وأساسا، من أجل انعتاقها من الاستغلال والاضطهاد ومن أجل التحرر الوطني والديمقراطية. فلا غرابة أن تنفق الامبريالية الأموال الطائلة من أجل نشر، على أوسع نطاق، لفكر ما بعد الحداثة الذي ينظر للعمل والنضال التجزيئي الفئوي ويضخم قضايا الهوية على حساب الصراع الطبقي الذي يتم نفيه وتمويل عدد هائل من المنظمات غير الحكومية التي تطبق هذا الفكر ومحاربة العمل السياسي الذي يستهدف التغيير لصالح الطبقات الشعبية.
وتستمر المقاطعة الشعبية لثلاث شركات تجسد ألعلاقات التبعية للامبريالية الفرنسية (شركة دانون) والاندماج بين المخزن والاقتصاد (شركة إفريقيا) والاستغلال الخصوصي لمورد طبيعي أساسي هو الماء. وهي شركات تحتل مواقع هيمنية في قطاعاتها وتفرض أثمان مرتفعة. هذه المقاطعة التي انطلقت وتستمر بفضل شبكات التواصل الاجتماعي، أي أنها لا تستند إلى حركة منظمة.
ويتأكد، يوما بعد يوم، تآكل المؤسسات المخزنية (برلمان وحكومة وأحزاب وجمعيات ومجالس موالية….) وفقدانها للمصداقية. هذه المؤسسات التي عجزت على لعب دور الوساطة في الحراكات وفي حملة المقاطعة التي لا زالت مستمرة.
إن ما سبق يعني أن أحد أهم مهام القوى السياسية التقدمية والحية المناضلة هو العمل من أجل ردم الهوة بينها وبين الحركات الشعبية المناضلة وتنظيم وتأطير النضال العفوي للشعب المغربي. هذا النضال الذي يجب أن يتوجه للعدو الأكثر شراسة، المافيا المخزنية، بواسطة توحيد كل القوى المتضررة من هيمنتها على كل مفاصل الدولة والاقتصاد.
كما أن تآكل النسق الرسمي يطرح على القوى السياسية والاجتماعية والمجتمعية التقدمية المناضلة تكثيف العمل والنضال من أجل ملء الفراغ وتقديم البدائل الضرورية.