معتز حيسو - باحث وكاتب وناشط يساري سوري - في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: عن أوضاع النساء السوريات زمن الحرب.


معتز حيسو
2017 / 12 / 24 - 21:58     


من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة، وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى، ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء، تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا -214- سيكون مع الأستاذ معتز حيسو - باحث وكاتب وناشط يساري سوري -  حول: عن أوضاع النساء السوريات زمن الحرب .


لغاية عام 2011، كانت أوضاع المرأة السورية أفضل من قريناتها في غير دولة عربية. علماً أن دعم الحكومة السورية الإشكالي للمرأة، وتمكينها من بعض المناصب السياسية والعامة وفتح أبواب العمل أمامها، لم يغيّر من واقع التمييز والنظرة الدونية لها. ويساهم في ذلك قانون الأحوال الشخصية الذي يقلّص بدوره من الحريات الأساسية العامة والفردية للمرأة، ومن حقها بالتكامل مع الرجل. ما يجعلها تابعة للرجل ومرتهنة لإرادته وأيضاً لمنظومة الأفكار الذكورية.
وكما بات واضحاً فإن الحرب فاقمت من تدهور أوضاع المرأة، ومن تعرّضها لكافة أشكال الانتهاكات. أمام هذا الواقع الجديد، وجدت المرأة السورية نفسها في مواجهة مباشرة مع تداعيات الحرب ومفرزاتها. فأصبحت في أغلب الأحيان، المُعيل الأساسي للأسرة. وذلك في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية بالغة الصعوبة والتعقيد. ما أسهم في تعرّضها لدورة متجددة من العنف المادي المباشر والرمزي. وكان لتراجع فرص العمل، مقابل ازدياد الضغوط المعيشية، ومشاركة أعداد كبيرة من الشباب في الصراع إضافة لتفشي ظواهر الاعتقال والخطف والقتل والتصفية، دوراً واضحاً في إجبار المرأة على العمل في ظروف تحط من قيمتها الآدمية، والاشتغال في أعمال لا تليق بمكانتها، ولا تتناسب مع أوضاعها الفيزيولوجية والاجتماعية والثقافية. هذا إضافة لانتشار زواج الأطفال«القاصرات» وإرغام أعداد من النساء على بيع أجسادهم. وإذا كانت أوضاع الحرب وتدهور الأحوال المعيشية في مناطق سيطرة النظام أحد الأسباب الأساسية وراء المظاهر المذكور. فإن ذات الأسباب، وأسباب أخرى مختلفة في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، جعلت من المرأة سلعة رائجة، وهدفاً لضعاف النفوس وتجار الأزمات والحروب.
لقد أدى استخدام العنف المفرط، والترويج له من قبل أطراف متعددة ومتباينة. إلى تحوّله لقيمة معيارية، ما أسهم في اتساع هامش سيطرته على طبيعة العلاقات الجندرية. فالدعوات إلى الحرية والديمقراطية التي من المفترض أن ترفع من شأن المرأة، تحولت بوتيرة متسارعة إلى دعوات للعنف والتطرف، فكانت المرأة أولى ضحايا العنف المتعدد الأشكال والمستويات، إضافة إلى إخضاعها لأشكال مختلفة من العبودية الجنسية. أما أسباب اعتماد العنف الجنسي ضد النساء يعود لارتباط شرف العائلة بنسائها، فتحولت نتيجة ذلك إلى أحد أخطر أدوات الإذلال والضغط بين الأطراف المتقاتلة. وكان لذلك انعكاسات واضحة على العلاقات الجندرية المسيطرة، وعلى موقع المرأة في سلّم التنمية الإنسانية، وكذلك دورها ومكانتها الاجتماعية. إن الانتهاكات التي تعرضت لها المرأة من قبل الفصائل المتصارعة، وبشكل الخاص الجهادية الإسلامية. ترتبط بجانب منها بالموروث الإسلامي. ما يجعل معاناتها أشبه بنكوص تاريخي. ويتزامن ذلك مع مفارقة تجمع بين استخدام أحدث وسائل التكنولوجيا للقتل والترويع، وممارسات قروسطية بحق النساء السوريات.
إن ضعف دور المرأة، وتردي أوضاعها خلال سنوات الصراع بشكل خاص، له علاقة بغياب المؤسسات النسوية المدنية الحكومية منها وغير الحكومية، وأيضاً ببنية العقل وآليات التفكير السائدة، وبطريقة إدارة الصراع، إضافة لطبيعة التحالفات بين أطراف الصراع الليبرالية مع قوى جهادية أصولية اعتمدت القوة العسكرية كخيار وحيد لإسقاط النظام. وتزامن ذلك مع تهميش الأطراف الدولية للقوى الديموقرطية السورية السلمية، وتجاهل مواقفها المتعلقة بالعنف والعلاقة مع القوى الجهادية.
وفي الوقت الذي كان فيه كثيراً من المدافعين عن الديمقراطية يتطلعون إلى موجة جديدة من الديمقراطيات. أتت دعوات التسلّح لتغيّر مسارات الصراع السياسي، وتحوّله إلى حرب أقرب ما تكون إلى حرب معولمة. وتوصيف الحرب في سوريا بالعولمية لا يتوقف فقط على عدد الدول والأطراف المشاركة والفترة الزمنية، أو ما نجم عنها من كوارث إنسانية وبيئية واجتماعية. لكن له علاقة بما سينتج عنها من تغيرات في بنية النظام العالمي وأيضاً طبيعة التحالفات والتوازنات الدولية، ويندرج في السياق ذاته ما يجري من تغيرات على المنظومات الفكرية السائدة. ونشير أيضاً إلى أن الحرب السورية كشفت عن إشكاليات واضحة تتعلق بدور الأمم المتحدة في عمليات التفاوض والتسوية السياسية وبناء السلام، قابل ذلك تفاقم سيطرة غير دولة على إدارة الحرب وظيفياً، وبشكل خاص موسكو وواشنطن. وكما بات معلوماً فإن الحرب في سورية ليست كغيرها من الحروب، فهي من أكثرها تعقيداً. فحرب الوكالة أفرزت العديد من المنظمات الإرهابية التي باتت تهدد أمن العالم واستقراره.
إن تراجع دور المرأة السورية في التغيير. وتحوّلها إلى مشردة ولاجئة ومُعيلة، وسبيّة ومقموعة ومقهورة. يدلل على أن تجاوز أوضاعها الناجمة عن الأنظمة الاحتكارية. يحتاج إلى تغيير ثقافي وسياسي ديمقراطي تراكمي. أما محاولات إسقاط الأنظمة الشمولية المستبدّة بقوة السلاح والحصار، إضافة لاعتماد الحركات الأصولية المسلّحة كأداة للتغيير. فإنه يشكَّل مدخلاً لنكوص أوضاع النساء إلى أحط مراحلنا التاريخية.
من زاوية مغايرة فإن النساء في المجتمعات المتخلفة تشكّل الحلقة الأضعف، ويتجلى ذلك من خلال إخضاعها لأشكال مركبة من الاستغلال والقمع والتمييز المقترن غالباً بسلطة القوة وقوة السلطة. ولذلك علاقة ببنية الوعي وآليات التفكير. فالرجل يمثّل سلطة القوة البطريركية التي تُعيق تحرر المرأة، وتحدُّ من فرص تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية التي تطمح النساء لتحقيقها. في هذا السياق يجب التأكيد على ضرورة النظر إلى مسألة المساواة بين الرجل والمرأة من منظور التضامن والتكامل والتفاعل والتشارك. فتهميش المرأة وإقصائها عن ممارسة حقوقها، أحدث خللاً اجتماعياً وأعاق الارتقاء الاجتماعي. وتقاطع ذلك في ظل الصراع المحمّل بأثقال التخلف التاريخي مع تغييب البُعد الإنساني للمرأة، وتفاقم انتهاك حقوقها التي أقرتها شرعة حقوق الإنسان، وأيضاً إخضاعها لفتاوى الجهل التي يطلقها »علماء« يدّعون تمثيل الإسلام. فاختزال المرأة في البعد الجسدي، يدلل على عمق التخلف الاجتماعي ويكرس إبقاءها في سجنها التاريخي، كونها تُشكل بالنسبة للكثيرين مصدراً لإغراء الرجل وإغواءه. ويُعتبر ذلك انتهاكاً لعقل المرأة وجسدها. وبذات اللحظة يشكّل احتقاراً لعقل الرجل الذي يتم اختزاله في جسد المرأة. يضاف لذلك استمرار النظر للمرأة على أنها ناقصة عقل ودين. ما يعني استمرار إخضاعها لهيمنة الرجل الذي يمثل من منظور الوعي السائد سلطة الدين والعقل والأخلاق والقانون.
من جانب آخر فقد تحولت اللاجئات السوريات إلى سلعة يتهافت عليها نهشاً الجهلاء والطامعون والغاصبون لكرامتها تحت ذرائع ومسميات يحكمها الجهل والانتقام. ولم يشفع للاجئات السوريات الذي تجاوز عددهم 2،1 مليون، كافة الشرائع السماوية والأرضية من ظلم الفرد الذي انحدر في سلوكياته لأحط المستويات. لقد تحولت المرأة في زمن الصراع إلى أداة للمقايضة والاستغلال، وضحية للعنف السياسي، ولموجات العنف التكفيري الجهادي. وجميعها عوامل تشير إلى أنه من الصعوبة بمكان ضبط وتحديد أبعاد ومستويات وانعكاسات وكذلك النتائج النفسية والعصبية التي تواجه المرأة السورية.
كذلك أفاد تقرير «هدر الإنسانية» الذي أعدّه المركز السوري لبحوث السياسات بالتعاون مع الأمم المتحدة عام 2014، أن «تدهور التعليم من شأنه أن يترك أثراً سلبياً كبيراً على جودة رأس المال البشري، الذي يشكل أحد المصادر الرئيسة للتنمية البشرية والنمو الاقتصادي». ووفق تقديرات الأمم المتحدة فإن الحرب أخرجت أكثر من خمسة آلاف مدرسة عن الخدمة، وتسببت بتشريد مليوني طفل، وإخراجهم من مقاعد الدراسة و« وفق تقرير أصدرته «يونيسف» فإن 2.4 مليون طفل سوري خارج المدارس». بالمقابل أقامت «جبهة النصرة» و«داعش» في مناطق سيطرتها أعدداً كبيراً من الصفوف التعليمة التي يدرَّس فيها «تعاليم دينية متشددة»، إضافة إلى دعم نشاط المساجد والشيوخ لتلقين الأطفال التعاليم الدينية المتشددة وإلحاق أعداداً منهم بمعسكرات تدريبية تشرف عليها الفصائل المتشددة وتموِّلها جمعيات خليجية. وبلغ عددها وفق مصادر«جهادية» خمسة عشر معسكراً. ويفيد التقرير ذاته أن «سوريا أصبحت بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية العام 2013، كما أن 20 في المائة من إجمالي السكان لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الغذائية الأساسية، ويزداد الوضع سوءاً في المناطق المحاصرة والساخنة» وبحسب التقرير الذي أُعدّ بالتعاون مع «الأونروا»، فإن الحرب في سوريا، أدت لارتفاع معدل البطالة إلى 54.3 %، أي أن 3.39 ملايين شخص هم عاطلون عن العمل، منهم 2.67 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدّى إلى فقدان المصدر الرئيس لدخل 11.03 مليون شخص يتوزعون بنسب متفاوتة بين المحافظات. أيضاً فإنَّ هجرة الكوادر العلمية، والتي تقدرها مصادر إعلامية غربية بـ 78% من أعداد المهاجرين. سوف يكون له انعكاسات كارثية على مستقبل التنمية البشرية والاقتصادية. ويستفيد من هذه الأوضاع حكومات دول غربية تشتغل على توظيف المهاجرين لتأمين يد عاملة رخيصة، ولتغطية حاجتها من الكوادر المؤهلة علمياً، وأيضاً لمعالجة أزمة الشيخوخة نتيجة ارتفاع متوسط العمر، وانخفاض نسبة الولادات، وللتعويض عن المسنين المحالين إلى التقاعد.
أخيراً: ساهم الصراع في تفاقم حدة العنف والقهر والحقد والكراهية والاستقطاب. وأيضاً في بروز أسوء ما في المجتمع السوري من مظاهر الانحطاط والتخلف والتكفير والتعصّب. وهذا يدلل على أن العقل والعقلانية كانا هدفاً للعنف الذي قوّض آمال السوريين في الانتقال إلى مجتمع الحرية والكرامة والعدالة. وتقاطع ذلك مع استبعادهم عن ساحة الفعل السياسي، وإجهاض حقهم في التعبير. مع ذلك فإن المرأة السورية تقاوم كافة أشكال التحديات والمعاناة والضغوط المعيشية والنفسية والعصبية والاجتماعية والسياسية، ومازالت تخلق الحياة، كما الأرض التي لا ينضب معينها. وتتمسك بالحياة وتزرع حبّها في أطفالها، وتواجه آلامها وجراحها بالصبر والأمل. وتشمخ بقامتها أمام آلة الطغيان والقهر. وتتسلح بالصبر والعمل لمواجهة الفقر. في وقت ما زالت ترى أن تمسكها بالحياة والتضحيات التي تقدمها لمواجهة تجليات الأزمة الراهنة ستكون منارة لمستقبل مختلف، ومدخلاً لتجاوز محنة السوريين.