الحرب على العراق تخلق وضعاً جديداً، حيث سوف يعاد بناء الأولويات، لأن النتائج التي سوف تحدثها، سوف تقود إلى إعادة بناء الأهداف. فالقوات الاميركية سوف تكون قوات احتلال، ليس في العراق فقط، بل في الخليج وفي كل منطقة تتواجد فيها قواعد عسكرية اميركية، أو تدريب مشترك (مصر، الأردن، المغرب)، وحيث ستكون هذه القوات مهيأة للتوسّع إلى دول أخرى.
وبالتالي فإن مواجهة الوجود الصهيوني والاحتلال الاميركي سوف تحظيان بالأولوية في أي ترتيب سياسي قادم، أو في أي مشروع نهضوي عربي. وهذا يفرض المسائل التالية:
أ) أن تصبح القوات الاميركية محطّ مواجهة بصفتها قوة احتلال.
ب) أن تقاطع المصالح والسلع الاميركية، عبر الضغط كما عبر القوّة.
جـ) أن تقاطع الدولة الاميركية كونها دولة محتلة.
د) أن تطوّر القوى المعنية بمواجهة المشروع الصهيوني.
أن مواجهة التوحّش الرأسمالي الذي بدأ منذ نهاية الحرب الباردة، والصراع ضد العولمة المعبّرة عن النظام المتوحّش الذي تؤسسه الرأسمالية، يتحوّلان الآن إلى مواجهة الحرب الإمبريالية، ومقاومة القوة الاميركية التي باتت قوّة احتلال، وقوة سيطرة ونهب .لقد بتنا على تماس مباشر مع وحشية الإمبريالية الاميركية، بعد ما وصلت مخططاتها إلينا.
وإذا كانت الخطوة الاميركية قد قلبت الأولويات، وأضافت على المهام التحررية الديمقراطية العربية مهمة جديدة. فقد أدت كذلك إلى شطب النظام الإقليمي العربي، ليس لأن الدولة الاميركية أعلنت أن التغيير في العراق هو الخطوة الأولى في سياق تغيير شامل يطال دولاً عربية أخرى، بل لأن التحدي الاميركي أبان عجز هذا النظام الإقليمي، وإلتحاق دول أساسية فيه بالدولة الاميركية، وتبعيتها لها. وبالتالي أصبح النظام الإقليمي العربي محط سخرية، وبات هدفاً للتغيير الجذري، فالأنظمة العربية التي سحقت الحركة السياسية في بلدانها، تسعى الآن لسحق حركة «الشارع» المعبّرة عن التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية ومع العراق، والمطالبة بموقف عربي مواجه. وبالتالي غدت معيقاً حقيقياً لحركة المواجهة، ومدمّراً لها، كما أن كل التكوين الذين أسسته طيلة العقود الماضية، يتسم بأنه استبدادي وتابع للمراكز الإمبريالية ومتخلّف، مما أسهم في تدمير حركة النهوض القومي، وتدمير الاقتصاد والمجتمع عموماً، لتصبح «عودة الاستعمار» مسألة ممكنة، وسهلة.
ليمتزج من جديد «النضال» ضد الاستعمار، بالنضال ضد الاضطهاد والظلم والاستبداد، من أجل الأهداف القومية الديمقراطية .
ببدء الحرب على العراق تكون قد إنتهت مرحلة، وبدأت مرحلة جديدة.