أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سناء فهد هلال - نجحت العملية...لكن المريض مات















المزيد.....

نجحت العملية...لكن المريض مات


سناء فهد هلال

الحوار المتمدن-العدد: 7530 - 2023 / 2 / 22 - 15:15
المحور: الادب والفن
    


قرأت لكاتبة عربية قولا:
(ما دمنا على هذا القدر من الاحتقار للحياة الإنسانية، علينا ألا نتوقع من العالم احتراما لإنسانيتنا، فمن مذلّة الحمار صنع الحصانُ مجدَه).
وفي مقلب آخر المثل الشعبي الوضيع، والوضعي الدارج على ألسنة العامة من السوريين وغيرهم: (وين ما شفت الأعمى دبُّو ،إنت مش أرحم من ربّه).
ها نحن السوريون العميان اليوم نُحال’ من كفّ الاستبداد وكمّ الأفواه، إلى كفّ تجار الحرب والمتاجرين بالثورة، وسحق مُثلها العليا، إلى كفّ القدر وسحل الإيمان بعدالة إلهية مفترضة، إلى كفّ العدوان الإسرائيلي على المدن السورية وسحق الأمان وهزيمة الكرامة السورية لأجل غير مسمى، إلى كف الهلع بكوارث وركام إضافي وقيامة سورية موؤودة في مهدها، هل كنا نحتاج كفَّ التخلي أيضا كفاً إضافية ليستلذ بضعفنا ساديو وسادة هذا العالم ومبصروه؟
حتى يتسنى لهم رؤية أي جحيم يعيشه سوريو الداخل اليوم,خارج مانشيتات الأخبار العاجلة، بالوقوف على مهانة شعب ما كان ليصمت، لولا فواتير باهظة سددها بأمّ تجاربه الحية، فواتير دفعت بالدم لا بالمال، وبحناجر استل منها الكلام بسلطان رغيف الخبز، مذ أن قال أول سوري لا ولا ولن.
أما في الباب الأول والحصان صانع مجده على مذلة الحمار:
نحن السوريون المتروكون على قارعة الدهر، الذين اكتسبت الإنسانية إرثها القيمي الزاخر، وصورتها الوجدانية الآخاذة من عمقنا الحضاري، وفطرتنا على المعنى المجدي لفهم الإنسان للإنسان والضعيف لمعنى الضعف والعاجز لمعنى العطالة، يغدو فهمنا للإنسانية اليوم طوباية ساذجة من زمن متخيل، أو لذر الرماد في عيون وعينا المبكر عنها.
وعليه نحن السذّج، الواقفون في العراء، المتلظون تحت سقف خيمة والناجون بالصدفة، نعلن إلى العالم من مجاهل آدميتنا، أننا لم نكن في تاريخنا مطية، لكننا اعتقدنا (و لجهلنا) أن ما أُخذ بالقوة، لا يسترد بالقوة، وإنما بالحق المشروع الذي جعل منكم حصانا على ميدان مآسي البشرية، شرعية اكتسبتها منظماتكم، حين كان العالم لم يزل يحبو و يتعرف يوما إثر يوم إلى التقلبات، قبيل القفزات الصارخة في التحضر والتقنية و رأس المال، حين كانت بداياتكم تطاول بفروسيتها آمال الشعوب، رافضة أن تنضوي تحت لواء السياسة وسلطة الأقوى والشراهة للمال، ولم يتجاوز الضمير العالمي حينها خطوطا حمراء، كالرقص فوق جثثنا اليوم والانصياع للقوى والأقطاب المسيطرة.
كنا لنرى إليكم بعين الثقة، لو أنكم أقرنتم القول بالفعل على امتداد سنوات الحرب، أما اليوم فنحن المنسيون تحت الركام نشكر لكم شعور الشفقة على العالقين تحت الأنقاض، في مواجهة عدو طبيعي لا طائل للإنسان عليه، وهذا الأسى الذي أبديتموه على إراقةِ الطفولة، ولحفظ ماء الوجه الآدمي، كنا نتوقعه إيمانا منكم بالإنسانية والحقوق اللامجتزاة، إيمانا بالحق والكرامة الإنسانية، وليس تعاطفا مشوبا بالقدرية على مبدأ (يوم لك ويوم عليك).
على المحك وبعيد تفتيت سوريا العظيمة، نحن السوريون البسطاء، الذين أفقنا على العالم الجديد، بعد أن صدعت رؤوسنا نظريات حقوق الإنسان، أبصرنا كما لم نبصر يوما الهوة الواسعة و القطيعة بين الكلام الأرعن والتطبيق، بين الشعارات التي يتأبطها مجلس الأمن أوقات السلم والاسترخاء، وبين تحول استغاثات الشعوب الناهضة لحريتها تحت آلة الحرب إلى توسل واستجداء مُذِّل، ومهانة تضاف إلى سجلات عذاباتها ومعاناتها القائمة.
لقد عرفنا كل ذلك بشهادة أرضنا المحروقة وبلادنا المنكوبة، كيف تتقن تلك القوى مواراة ازدواجيتها، وكيف تنقلب من مواجهة حمير العالم وطغاته إلى جَلْد البردعة.
ذلكم أن الكلام عن مساواة البشر بالحقوق والكرامة لكونهم بشرا فقط، كلام شفوي، لا ينزل بحصانكم إلى الميدان، ليرى كيف تمضي الوحشية يوما إثر يوم على جغرافيا الوجع السوري، لتقويض كل ما هو إنساني وحضاري وخلاق على مرأى دعاة أمميين مخصيين، ووكلائهم المخزيين، في غابة بشرية لا حراس عليها، ولا ناظم لعبثية الموت فيها إلا الخذلان، خاصة لمن تعمق في ميدان الإنسانية بطوباوية وفكرة أفلاطونية عن العالم، فإذ به أمام نخاسين يسومون كرامة الإنسان بمصالحهم وحصصهم من الرفاه والمتع والمال المستثمر في تدجين الشعوب.
وهنا مع هذا الفصام سرعان ما تغير الإنسانية المزعومة في عهد زناتها فطرتَها، وتغادر مهدها وتشيخ وتدخل في سبات مرضي، تنحاز فيه القوى الفاعلة إلى سرطان الأمر الواقع، أو تقدم نفسها بالعجز النصفي أوالشلل الكلي، ذلكم أن تلك المنظمات الدولية ليست بنخوة أهل دير الزور و جودهم، ولا هي من أهل البيت حتى تناصر المستغيث أمام أعين الجاني، ولتميز البسالة من الجبانة، بعد أن خرج بفعل صمت الجهات الفاعلة الجبان العفنُ التاريخي، واختلطت الأوراق أو تم خلطها بالغباء السياسي المزمن، أو السذاجة الفكرية لشعب كان يعتقد أن غودو، وإن تأخر، فإن طاولة الحوار في النهاية وفي أروقتكم وبعد كل هذه البربرية سيجلس عليها أناس متأنقون ومفكرون يطمرون التاريخي والديني العفن في الكتاتيب، أناس لا يقولون رفعت الأقلام وجفت الصحف، بعد أن مات من مات وتشرد من تشرد وتهدم ما تهدم، واغتصبت ما اغتصبت من الكرامات والأرواح المنتظرة حلولا سماوية، بعد أن فشلتم في بناء جسر عبور آمن للشعوب المكتسح حقها، والتي تنتظر ما لا يأتي، كما تؤكدون يوما بعد يوم أن الثورة لا تؤتِ أكُلُها وقرابينها، إلا من الفقراء والأبرياء.
بَيدَ أن قلقكم الذي أبديتموه مرارا، والذي لِقُصر ذات يده، وخطابه المخاتل، صار مثار تندر وسخرية لدى الشعوب المستضعفة، ولدى السوريين خاصة، الذين صاروا ليروا الإنسانية منكم، بعين أهل المريض الذين يقال لهم بعيد انقضاء الأمر، (لقد نجحت العملية الجراحية، لكن المريض مات)، القلق الذي تحول في جوهره إلى مبدأ قابل للمساومة على الوجود، مثله مثل أن يساوم الجراح على عمر المريض تحت مبضعه، إذا خرج عن التعليمات والمحظورات، فيما يخص سبل الوقاية والسلامة، أو فيما إذا خرج القطيع عن السياق المرسوم له، نحو النهوض وثورات التحرر .
التخلي عن المسألة السورية اليوم، مثله مثل أن يمر خطأ طبي قاتل، أو فيروس مصطنع موجه على أسماع العالم مرور الكرام، لأن المريض بعد إثني عشر عاما، أصبح ميتا سريريا، ولا جدوى من محاولة إنقاذه، حالها حال أن يثبت أن استخدام السلاح الكيماوي في بقعة جغرافية، لم ينتج عنه أضرارا محتسبة، ولا جنسية ضحايا تصل لمستوى التدخل الحتمي والطارئ، مثلنا أيضا مثل تعامل منظمات الأمم المتحدة مع قضيتنا السورية على طريقة الأمراض المستعصية، رغم أن أمراضنا موغلة في القدم، وتشخيصها معروف، لكن ما من أحد يريد أن يضعنا على طاولة العمليات الفوري، لأن تخديرنا على نية التدخل الجراحي، أقل كلفة آلاف المرات من إنقاذ الوعي الصاعد والمعتقل، واجتراح العلاج الفوري لمجتمعاتنا الناهضة، كل هذا يحدث على مرأى العالم بالصوت والصورة، وفي ظل رهان السوريين على الضمير العالمي، ومراهقاتهم السياسة التي بددت جسد البلاد، بالفوضى والدم والخواء، لدرجة إفراغ فكرة الحياة نفسها من معناها ومثلها العليا، بنصرة دعاة الإنسانية لمن هو منتصر أصلا، و متجاوز بخطوات نحو الحياة المثلى، وتخليها عما هو متعثر مسبقا في تحقيق العدالة والسلام، لأن السوري وفي غمرة صراعه للانعتاق، شكل سجونه الفكرية والظلامية والجهوية، فتركتموه للهاوية وجحيم الاستبداد وأقفلتم فكرة الثورات بالشمع الأحمر و قضيتم على حلم كل من يتلمس صحوة شاملة وصوته مغيب ومخنوق.



#سناء_فهد_هلال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين موتين!
- عن اللغة الإبداعية شعرا والتوليد.
- عن اللغة الإبداعية في الشعر والتوليد


المزيد.....




- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...
- مصر.. تأييد الحكم بالسجن 3 سنوات للمتسبب في مصرع الفنان أشرف ...
- بعد مسرحية عن -روسيات ودواعش-.. مخرجة وكاتبة تواجهان السجن ف ...
- بقضية الممثلة الإباحية.. -تفاصيل فنية- قد تنهي محاكمة ترامب ...
- مصر.. القبض على فنان شهير بالشيخ زايد بتهمة دهس سيدتين
- صلاح الدين 25 .. متابعة مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 25 م ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سناء فهد هلال - نجحت العملية...لكن المريض مات