أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ياسر عزت - سريلانكا: الجماهير في صدارة التغيير مجددًا















المزيد.....

سريلانكا: الجماهير في صدارة التغيير مجددًا


ياسر عزت

الحوار المتمدن-العدد: 7331 - 2022 / 8 / 5 - 10:14
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


شهد العالم خلال الأسابيع الماضية اندلاع ثورة شعبية في سريلانكا أشعلتها الجماهير الثائرة على نظام الحكم المسئول عن تردي الأوضاع السياسية والمعيشية للغالبية العظمي من السكان. أدت الثورة الجماهيرية إلى استقالة الحكومة بالكامل؛ ومن بينهم أفراد عائلة راجاباسكا المتقلدين أهم المناصب في الدولة، وعلى رأسهم الرئيس المخلوع جوتابايا، الذي حكم البلاد منذ 2019، وكان من قبل وزيرًا للدفاع من 2005 إلى 2015.

اندلعت الاحتجاجات منذ شهور ضد النظام احتجاجًا على الأزمة الاقتصادية المستمرة. الجماهير غاضبة من سوء إدارة وفساد الحزب الحاكم الذي عاش المنتمون له في رفاهية على حساب الطبقة العاملة والكادحين، الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وانقطاع التيار الكهرباء ونقص الوقود والعملات الاجنبية، والنقص الحاد في الدواء، مما أدى إلى انهيار منظومة الصحة. هذا علاوة على الانتهاكات بحق الصحفيين المعارضين للنظام وإغلاق المجال العام أمام المعارضة السياسية.

وإلى جانب تجريم الدولة لحق العمال في التنظيم، هناك الظروف الاقتصادية المجحفة التي تعيشها الطبقة العاملة السريلانكية وقد وضع هذان السببان السياسة كأداة بعيدة عن متناول الجماهير. وهذا أدى بدوره الآن إلى فراغ الساحة من المعارضة السياسية الفعالة التي ترى في نفسها بديل لهذا النظام المجرم.

إسقاط الرئيس
النظام الذي لم يسقط بالكامل بعد كان رهانه الدائم للاستمرار هو ضعف قدرات الجماهير السياسية في تمثيل تهديد حقيقي لسياساته وأهدافه، ولكن سرعان ما انقلبت الأمور رأسًا على عقب؛ فالجماهير التي أنهكها الفقر أدركت أنه لا سبيل للخلاص من الاستبداد سوى الثورة، وتأثرت بموجات شعوب ثارت من قبل فانتفضت غير مبالية بالمخاطر. وصلت حياة الغالبية العظمى من الشعب إلى النقطة التي لا رجعة فيها، وبعد مواجهات استمرت لأيامٍ طويلة مع الشرطة، نجحت الجماهير، في 14 يوليو الجاري، في إجبار الرئيس، الذي فرَّ في اليوم السابق إلى سنغافورة، على التنحي، ووجه رئيس الوزراء السريلانكي، الذي أصبح الرئيس المؤقت للبلاد، خطابًا متلفزًا أصدر فيه أوامره للجيش باتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لاستعادة النظام.

لكن الجماهير أصرت على رحيل جميع ممثلي الحكومة وقرروا الإضراب العام. توقفت الأعمال التجارية، واضطرت المتاجر والمصانع إلى الإغلاق، وكفَّت وسائل النقل العام عن العمل حيث انضم عمال القطارات والحافلات إلى الإضراب إلى جانب عمال الصحة، ودعا اتحاد عمال البريد أعضائه في جميع أنحاء الجزيرة إلى الخروج، وأغلق المعلمون المضربون المدارس.

لكن مع زيادة مشاركة العمال في الاحتجاجات تزداد اعتداءات الدولة، إذ كان الرئيس قد أعلن حالة الطوارئ وأدخل قوانين جديدة تقر المزيد من الصلاحيات للدولة من أجل سحق المعارضة. على سبيل المثال، تمنح هذه القوانين الشرطة صلاحيات اعتقال المشتبه بهم لفترات طويلة دون أي رقابة قضائية. ولكن، في تحدي لهذه القوانين التي فرضتها الحكومة، توجه الآلاف إلى العاصمة كولومبو للانضمام إلى احتجاج ضخم استولوا فيه على القطارات والشاحنات والحافلات التي لا يزال لديها وقود، وبمجرد وصولهم إلى العاصمة انضموا إلى مئات الآلاف من الآخرين الغاضبين من الانهيار الاقتصادي والسياسي.

هتفوا معًا: “جوتا يجب أن تذهب”، في إشارة إلى الرئيس جوتابايا راجاباكسا وعائلته من الحكومة. وأقاموا حواجز مرتجلة لمنع الشرطة والجيش من تفريق الاحتجاجات. حتى أنهم استولوا على خراطيم المياه وألقوا رجال الشرطة من عرباتهم وكتبوا على جانبها “أعيدوا أموالنا المسروقة”.

وعلى مسافة ليست بعيدة، حطم المتظاهرون شاحنة عسكرية للاستيلاء على البوابة الأخيرة بينهم وبين قصر الرئيس. تدفق المئات من الجماهير واحتلوا المنزل الفاخر الذي تركه راجاباكسا على عجل حين أعلن استقالته. وبحلول المساء، انتقل الثوار المحتشدون إلى منزل رئيس الوزراء حيث أضرموا النيران وسط تعالي صوتهم بالهتافات. هو أيضًا اضطر لإعلان استعداده للتنحي لصالح حكومة وحدة وطنية، فتحوَّل هذا اليوم إلى احتفال جماهيري حاشد.

لكن الأزمة الاقتصادية تتعمق مع نفاد الإمدادات من كل أنواع السلع الأساسية، والسياسيون والطبقة الحاكمة يائسون من محاولة استعادة الوضع القديم (أي قبل خلع الجماهير للرئيس وحكومته)، وهناك حديث عن حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأحزاب الرئيسية وربما انتخابات جديدة. لكن الهدف الرئيسي لأي إدارة جديدة سيكون على الأرجح إخماد الاحتجاجات وإبرام صفقة مع صندوق النقد الدولي تتضمن تخفيضات ضخمة في الإنفاق الاجتماعي من أجل سداد الديون.

أزمة اقتصادية عنيفة
تجدر الإشارة إلى الظروف الاقتصادية التي جعلت الآن سريلانكا فريسة لأنياب صندوق النقد الدولي ومموليه. ارتفعت تكلفة المعيشة في سريلانكا هذا العام بشكل كبير، حيث زادت أسعار الطعام بنسبة تصل إلى 30% عن العام السابق. وفي نهاية عام 2019، كان لدى سريلانكا 7.6 مليار دولار من احتياطي العملات الأجنبية، لكن بحلول مارس 2020 انخفض الاحتياطي إلى 1.93 مليار دولار، ومؤخرًا قالت الحكومة إنه لم يتبق سوى 50 مليون دولار.

أما عن الديون، فقد تراكمت على الحكومة لصالح دول، من بينها الصين، في هيئة مشاريع بنية تحتية. وعندما أصبح نقص العملات الأجنبية مشكلة خطيرة في أوائل العام الماضي، حاولت الحكومة الحد منه عن طريق حظر استيراد الأسمدة الكيماوية، وطلبت من المزارعين استخدام الأسمدة العضوية من مصادر محلية بدلًا من ذلك، الأمر الذي أدى إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية على نطاق واسع وكان على سريلانكا أن تكمل مخزونها الغذائي من الخارج، الأمر الذي فاقم من نقص العملة الأجنبية لديها. وفرضت السلطات في سريلانكا حظرا على مبيعات البنزين والديزل لعدم وجود ما يكفي من عملات أجنبية لدفع ثمن الواردات.

ثارت الجماهير رغم كل هذه الظروف القاسية، التي في الغالب ما تزيد من الإحباط لدى هذه الجماهير نفسها، بالأخص أن الأحزاب السياسية الرئيسية في سريلانكا ملتزمةٌ بسياسات صندوق النقد الدولي، ولا ذكر لقوى يسارية تتمتع بقواعد كبرى تتحدى هذه السياسات.

بعد إسقاط الرئيس، من الضروري أن تقوم حركة الجماهير التي أنهت عهد عائلة راجاباكسا بإعداد نفسها لمعارك أكبر في المستقبل. صحيح أن الاحتجاجات والإضرابات أجبرت الحكومة على التنحي، لكن التخلص من بضع أفراد ليس كافيًا للقضاء على النظام وإحداث تحول شامل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

ماذا عن مصر؟
بمقارنة هذه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بنظيرتها في مصر، ليست هناك اختلافات كبرى، فهناك الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تضرب الاقتصاد المصري والتي نجد الحكومة تواجهها بمزيدٍ من الإجراءات التي لا يدفع فواتيرها سوى الفقراء من غالبية الشعب.

ومن ضمن هذه الإجراءات تعزيز مشاركة القطاع الخاص في الاستثمار بهدف أن يصل نصيبه إلى 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة في غضون أربع سنوات بدلًا من حصته التي كانت تبلغ 30%. وهذا يتضمن بيع أصول مملوكة للدولة بقيمة 40 مليار دولار للشراكة مع القطاع الخاص المصري والأجنبي في غضون أربع سنوات وبمعدل 10 مليار دولار كل عام.

ومن الملاحظ هذا العام ارتفاع معدلات التضخم في مصر بوتيرة هي الأعلى منذ نوفمبر 2018. ففي أبريل الماضي أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أن معدل التضخم السنوي سجل 12.1% لشهر مارس مقابل 4.8% لنفس الشهر العام الماضي. ثم في مطلع مايو أعلن الجهاز ارتفاعًا جديدًا لمعدلات التضخم في أبريل الماضي لتصل إلى 14.9% مقابل 4.4% لنفس الشهر العام الماضي، مسجلًا بذلك ارتفاعًا قدره 3.7% عن شهر مارس أي خلال شهر واحد.

وتسببت معدلات التضخم هذه في ارتفاع إجمالي في أسعار السلع الغذائية الأساسية بنسبة 29,3% في المتوسط. والأدهى أن الدولة المصرية تسعى للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وسوف يترتب على ذلك نتائج أكثر كارثية على حياة الغالبية العظمى من المواطنين.

ليست الحياة السياسية في مصر هي الأخرى أفضل من سريلانكا، بس أسوأ بمراحل، إذ تمضي الدولة في غلق جميع المنافذ أمام المعارضة السياسية الفعلية التي تريد أي تغيير حقيقي في اتجاه تحسين أوضاع الجماهير المعيشية والسياسية.

اندلعت الثورة في سريلانكا ولم تندلع في مصر، رغم أن الظروف في مصر تزداد سوءًا وتقع على كاهل الغالبية العظمى من الجماهير. الثورة ليست لحظةً تنفجر فيها الجماهير دفعةً واحدة، بل عملية طويلة من النضال الدؤوب الطويل وتسبقها موجات طويلة الأمد من الجزر الذي لا تبدو له نهاية في الأفق. لكنها تتوقف أيضًا على درجة تنظيم الجماهير واستعدادها للتحرك أملًا في تغيير ملموس في حياتها. وهذا ما يفرض على الثوريين اليوم، أولئك المؤمنين بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية أن ينخرطوا في أصغر المعارك من أجل المعتقلين ومن أجل حتى أبسط الحقوق الاقتصادية، في معارك طويلة النفس قد تستمر سنينًا وعقودًا من الزمن.



#ياسر_عزت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مشتبه به يرمي -كيسًا مريبًا- في حي بأمريكا وضابطة تنقذ ما دا ...
- تعرّف إلى فوائد زيت جوز الهند للشعر
- مطعم في لندن طهاته مربيّات وعاملات نظافة ومهاجرات.. يجذب الم ...
- مسؤول إسرائيلي: العملية العسكرية في معبر رفح لا تزال مستمرة ...
- غارات جوية إسرائيلية على رفح.. وأنباء عن سماع إطلاق نار على ...
- من السعودية والإمارات.. قصيدة محمد بن راشد في رثاء بدر بن عب ...
- شاهد.. أولى الدبابات الإسرائيلية تسيطر على الجهة الفلسطينية ...
- هل انتقلت الحرب الروسية الأوكرانية إلى السودان؟
- فيديو: ارتفاع حصيلة القتلى جرّاء الفيضانات والأمطار في كينيا ...
- فيديو: آلاف المجريين يخرجون في مظاهرة معارضة لرئيس الوزراء ف ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ياسر عزت - سريلانكا: الجماهير في صدارة التغيير مجددًا