أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشيدة الشارني - تاريخ الخوف للدكتور فالح مهدي : مشروع للإصلاح والتأسيس















المزيد.....

تاريخ الخوف للدكتور فالح مهدي : مشروع للإصلاح والتأسيس


رشيدة الشارني

الحوار المتمدن-العدد: 7177 - 2022 / 3 / 1 - 16:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تزخر ذاكرة الشعوب بطقوس وتصوّرات ذات مضامين دينية مثيرة للرعب تقبلها الفرد وتكيّف معها باعتبارها مرتكزات لإيمانه ومسلمات لا يجوز مناقشتها ولقد عكس موقفه خشية من اهتزاز ثوابته وتخريب هالة الموروث الكامن فيه وخوفا من العقاب وترجم تعلقه بفكرة وجود عالم مواز لوجوده الحقيقي توقه إلى الطمأنينة وبرد اليقين فمنذ أن وعى حتمية الموت وهو في مواجهة مع سؤال المجهول وسعي حثيث لتلمّس أسرار الغيب ورفع الغموض عن مصيره ولئن خلقت مختلف المعتقدات والأديان منذ نشوء الحضارات الشرقية القديمة نواميس للتفكير وأشكالا للعبادة تروّض الروح وتمتص الخوف فإنها اتسمت بتعالي الخطاب وتحوّلت بدورها إلى سلطة مهيمنة توظّف الخوف وتبتكر آلياته وثقافته باعتباره الحقل الذي ينتج فكرا خاضعا ومتجانسا تسهل السيطرة عليه وتطويعه وتوجيهه ولقد حفّت محاذير كثيرة بمحاولات ملامسة ونقد النصوص التي انبثقت منها ثقافة الخوف لمكانة المقدس لدى الشعوب وطبيعة إشكالية الخوف التي تختزن أسرار الذات الإنسانية وأعمق أسئلتها و تتعالق فيها الالتباسات السياسية والاجتماعية مما جعل الفكر الحداثي في صدام متواصل مع هذه النصوص .
في هذا السياق يأتي كتاب " تاريخ الخوف" نقد المشاعر في الحيّز الدائري للمفكر العراقي المقيم في باريس الدكتور فالح مهدي زاخرا بالمعرفة حول موضوع الخوف وملما بسياقاته الزمنية والنفسية و المحاضن الثقافية الأولى التي بلورت هذا الشعور وصنعت منه أيديولوجيا قامت عليها الأديان لا سيما التوحيدية ومتوقفا عند سؤال الموت كجوهر أساسي لمخاوف الإنسان والجحيم بكلّ تفاصيله المرعبة معتمدا منهجا يجمع بين المقاربة الأنتروبولوجية والتاريخية والمقارنة بين الأديان وجدلية تبادل التأثير بينها في الحيّز الزمني مبيّنا ريادة قدماء العراقيين في نشأة الأديان، هو عمل علمي جاد ومثير يحفر في الذاكرة الإنسانية ويكشف التراكمات المخزنة داخلها ويمتزج فيه العلمي بالثقافي والسياسي ضمن أسلوب يتسم بالسلاسة والطرافة فجاء غنيّا بالمعلومات جريئا في طرحه متماسكا في رؤيته ومحافظا على روح الاختصاص العلمي للمفكر.
يتضمن الكتاب مقدمة وستة فصول شكّلت منهاج بحث ومثلت مشغلا لتطويق ظاهرة الخوف في الثقافات الشرقية وخلق موقف ضمني يقطع مع ضروب التوجّس والخضوع والاستكانة العالقة بالفكر العربي ويرمي إلى تأسيس فكر حرّ يقوم على العقلانية.
يعدّ الخوف كمفهوم جزء من مشروع المؤلف الذي استهله سنة 2015 بكتابه (نقد العقل الدائري: الخضوع السّني والإحباط الشيعي) ويقول في المقدّمة أنه لم يعتمد على أيّة إيديولوجيا وإنما "يلج بابا قامت عليه الإيديولوجيا في كل الأديان" ذاكرا مفارقة طبعت النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي الذي"سعى إلى تخليص البشرية من الخوف باعتباره مصدر كل المخاوف" فجاء بنظام قائم على الخوف ويرى أن نقد الدين بحاجة إلى فهم مؤسساته متسائلا عن سبب لجوء كل الأديان إلى الخوف لكي تقوم ويستقيم أمرها وموضحا مهمته المتمثلة في "الكشف عن آليات فعله والغرض من قيامه وأهدافه " مشيرا إلى انتباه ياسين الحافظ إلى مسألة الخوف ولكنه يرى أنه لم يبحث في جذوره وإنما اكتفى بنقد "بؤس الحاضر" ويقارن بين أوروبا التي "لم تخرج من الخوف إلاّ في القرن التاسع عشر" و"المجتمعات الشرقية الإسلامية التي "لا تزال محكومة بالحيّز الجماعي " مؤكدا أن الخوف الممنهج المثقل بثقافة الموت هو مقصد بحثه وجوهره .
انطلاقا من هذا الاحتضان المنهجي تبدو أهداف الباحث مبنية عن وعي بأهمية الإشكال الذي يخوضه وحرص على رفع اللبس والغموض وهدم الحدود القائمة بين ما يمثله المقدّس وما يفرضه ميدان البحث العلمي من مواقف على ضوء الحقائق التي توصل إليها، إن الخطاب الممعن في التخييل والغلوّ والتلاعب بوعي الإنسان و أسطرة التاريخ والتعصّب ليست إلاّ أساليب قتل أخلاقي للعقل والذي نستشفه أن الدكتور فالح مهدي قد انتبه إلى هذه الأسباب الموصولة بالأيديولوجيا الدينية فسعى إلى الوقوف عندها والبحث في منابعها الأولى وكشف أسرارها وفك الارتباط بين ما يمثل مشاعر فطرية نقية وما يشكل بنية إيديولوجية تتغذى على الخوف وتستثمره وتستخدمه في قمع العقل.
شكلت الفصول الستّ من الكتاب رحلات في الفكر الإنساني رصد فيها الباحث جذور الخوف وتطوره وارتباطه بعدة عوامل صاغته في شكل مظاهر حضارية متشبعة بالبعد المأساوي أسست لمقولة المقدّس ويعد الفصل الأوّل: "رحلة في الزمن "مدخلا ذكيا لولوج تابو الموت وكشف العوالم التي تحف به فتصوّر الزمن هو الذي أدى إلى خلق ثقافة الموت حسب رأي الباحث فهو اللحظة المؤسسة التي بنى عليها الإنسان معارفه وعلومه منذ أن لاحظ تعاقب الليل والنهار وتغيّر الفصول ومراحل نموّه وانتهائه بالموت ويذكر مفاهيم كثيرة للزمن فهناك الزمن الدائري الذي يبدأ بنقطة وينتهي عند نقطة أخرى و الزمن التوحيدي الذي ظهر في الثقافة المسيحية على شكل "سهم أو قوّة موجّهة في اتجاه واحد" والزمن الأفقي النسبي المعاصر الذي جاءت به نظرية النسبية مبيّنا أنّ أنشتاين " لم يتطرق إلى الزمن الذاتي الذي يستحيل قياسه ويعرف لدى الفلاسفة الوجوديين بالزمن الوجودي والزمن الإيديولوجي الذي رافق المسيرة البشرية وظهر لدى السومريين والأكديين ويفسر لجوء الإنسان البدائي إلى التقويم القمري بالرغبة في إثبات دائرية الزمن، إنّ توصل السومريون إلى اكتشاف الكتابة مكننا نحن أبناء اللحظة الراهنة من فهم تصوّرهم للزمن وكيفية تشكل النظام المعرفي في القديم .
يتطرق الباحث أيضا إلى لغز الرقم سبعة في الحضارات الشرقية القديمة وعلاقته بخلق الكون والأفلاك التي برع فيها البابليون ويتوقف عند ملحمة كلكامش والإلياذة والأوديسة لتصوير المشاعر المأساوية الناتجة عن الموت وتوق الإنسان إلى الخلود ويدرج نصوصا شعرية تعبر عن تأملات الإنسان في وجوده ومصيره ويسبر أغوار النصوص المقدسة مثل سفر حزقيال وسفر إشعياء ليرصد التقاءها وتأثرها بالديانات العراقية القديمة ويبيّن أن مفهوم الزمن التوحيدي أخذه العبرانيون من العراقيين والمصريين القدماء وأن مفهوم الجنة في الزرادتشية ظهر قبل ذلك في الثقافة الدينية الرافيدينية و بحث في مفهوم الزمن الهندوسي و النيرفانا والزمن الإلهي المقدس وتطرّق إلى مفهوم الخوف من أسلحة الدمار الشامل في الزمن المعاصر ورأى أن الفكر يحتاج إلى بداية أخرى .
تزوّد الباحث بجملة من المناهج الحديثة مكنته من فهم الفكر الديني بوصفه وليد إفراز ثقافي واجتماعي وخطابا يستوجب إدراك تفاعلاته الداخلية والخارجية وطبيعته ومثّل تحليل مفهوم الزمن مدخلا نظريا إلى بنية المقدس وعملية تنزيل للحقائق في سياقاتها والواضح أن امتزاج العقلاني بالمتخيل جعل التجربة الإنسانية كثيفة ومتنوّعة فجاءت المفاهيم المتعلقة بإشكالية الخوف عديدة ويعد موضوع الذاكرة والزمن بابا ثانيا لمقارباتها .
يقصد الباحث بالذاكرة الجماعية الذاكرة المؤدلجة و" مجموعة التمثلات التي تتولى فيها جماعة من الناس نيابة عن الآخرين صناعة فعل التذكر عبر الأساطير والكتابات وتوظيفها في توجهات معيّنة " وهي محكومة بسلطة سياسية مهيمنة تعمل على خلق ذاكرة متخيّلة تستجيب لنزعاتها وغاياتها وعلى ارتباط وثيق بالمقدس كأحد عوامل الخوف ويتعرض في هذا السياق إلى رأي إدغار موران حول حقيقة رفض الإنسان للموت وإلى رمزية بناء القبور وصناعة الأدوات وعلاقتها بفكرة استمرارية الحياة ومعنى الخلود ويستنتج أن الماضي الذي تصنعه الذاكرة الجماعية لا يموت ويفسر ذلك بكونها ذاكرة انتقائية قائمة على الزيف ولا يمكنها أن تستمر دون الفعل الإيديولوجي ويتطرق إلى ما حدث من حرق ونهب للإرث الثقافي في العراق عند احتلاله من قبل القوات الأمريكية ويرى أن سؤال الموت مطروح في كلّ الثقافات وهو لا يعني انتهاء الكائن الإنساني لأن ذاكرة الآخر المتعلقة به تظل حيّة وموجوعة ويبيّن دور المخيّلة في فعل التذكر واستعادة الماضي والتفكير بالمستقبل وأن الذاكرة الاستطرادية تقوم بتقوية المكتسبات الوراثية .
ما نستنتجه أن الذاكرة الجماعية لعبت دورا كبير في تخزين اللحظات المفصلية في تاريخ الجماعة وبلورة تصوراتها وصناعة خصوصياتها والوقوف على معاني الخير إذ كان اللجوء إلى المتخيّل وليد الحاجة الملحة للأمان ومتنفسا لبواطن النفس ومنطلقا لظهور ممارسات وطقوس في علاقة وطيدة بفعل التذكر أنتجت زعامات دينية اشتغلت على الخوف وصنعت ذاكرة جماعية تعيش تحت وطأة ما بعد الموت وهو مبحث الفصل الثالث الذي حمل عنوان: الخوف الأعظم: الموت أوّلا
يذهب الباحث إلى أن أشكال الخوف قد تغيّرت فالخوف المعاصر اختلف عن الخوف في المجتمعات الدائرية ولكن هذه الغريزة لم تستطع تجاوز تابو الموت فهو أعظم المخاوف والحقيقة المأساوية والدافع الأساسي لنشوء الأديان ويفسر خوف الإنسان في القديم باستفحال الموت لكثرة الأمراض والأوبئة فلكي نحيا أحررا ينبغي" أن نتوقف عن القلق الذي يسببه التفكير بالحياة بعد الموت "على حد قول بول ريكور و قبول فكرة أن الموت حق ويتعرض أيضا إلى دور المخيّلة في نشأة القبور وطقوس الدفن في ثقافته جنوب العراق و يتوقّف عند مفهوم العالم السفلي والعالم العلوي الذي تخيّله السومريون وطوّره الآكديون وصاغته الزرادتشية ثمّ الديانات التوحيدية لا سيما المسيحية والإسلام ويقول " كلما تكثفت قراءتي في هذا المجال ازددت يقينا بأن العبرية كدين ونمط تفكير وليدة الدين والثقافة الرافدينية " ويذكر عدّة مصادر ومقارنات لسانية دقيقة في صناعة عالم القيامة وحيّز جهنم وصنوف العذاب معلقا بأن المخيلة التي صاغت ذلك مريضة ويقارن بين الموت عند قدماء الإيرانيين حيث كانت جثة الميّت تترك في العراء والموت في وادي الرافدين حيث تحفظ الجثة في وضع جنيني داخل قبر على شكل مهبل ويتحدث عن الخوف من عودة الميّت في القرون الوسطى ويرى أن جبروت العقل الدائري هو الذي يؤدي إلى لقاء الثقافات وأن الموت ارتبط بفكرة الخلود عند المصريين القدماء إذ تعبر الأهرامات عن نمط تفكيرهم كما عبرت ملحمة كلكامش عن نمط تفكير قدماء العراقيين فعملية التحنيط ما هي إلا إنكار للموت ويتطرق إلى يوم الحساب في الأيديولوجيا الفرعونية وطقوس الموت في الأيديولوجيا اليهودية التي لا تختلف عن ثقافة بلاد الرافدين ويستشهد بآيات من سفر التكوين ليبيّن تشبّع التوراة بالثقافة البابلية أما الموت في الثقافة الهندوسية فيمثّل رحلة للروح يكرّم فيها الميّت بإحراق جثمانه للاعتقاد بأنه سيولد ثانية في السماء مما يخفف من الخوف والوجع ولكن لا مفر من الموت ولا شيء يثبت استمرارية الروح، يقول بوذا "لا توجد أيّة وسيلة للناس المولودين تجعلهم يتجنبون الموت، يأتي الموت بعد الهرم، هذا ما تريده طبيعة الكائنات الحيّة "
بلغت الثقافة الدينية في القرون الوسطى الغربية مستوى عجيبا وصادما وهو العالم الذي يصوره الباحث في الفصل الرابع "الخوف الأكبر الجحيم ثانيا" إذ اقترن الخوف بالجحيم والعذاب نتيجة تشبع المجتمعات في أوروبا بهذا الشعور ويستشهد المؤلف بالرسوم والمنحوتات التي تحويها الكنائس والكاتدرائيات حيث يلمس المتأمّل عالم الرعب الذي يجسده الخطاب الديني بالإضافة إلى تكبيل الإنسان بمفهوم الخطيئة وقد أنتج ذلك وضعا مأزوما وخروجا عن تعاليم المسيح ومقاصد كلامه فتصوّر أن الجحيم يقوم على فكرة العذاب وأن الله سيّد المنتقمين يزعزع ثقة الإنسان في مصيره وهذا ما أدى إلى ظهور دجالين يستثمرون في الخوف عبر بيع تعاويذ وصكوك الغفران وقد أفضى ظهور الطاعون الأسود و الزحف المغولي والتركي والانشقاق المسيحي في أوروبا وتردي الأخلاق البابوية إلى القول بمأساوية الوجود إذ شاعت آراء تبشر بنهاية العالم والانبعاث بعد الموت ويتعرض الباحث إلى كتاب القديس أوغسطين (مدينة الله ) ليشرح هذه الفكرة و يناقشها مبيّنا أن الثقافة المسيحية أوجدت تراتبية جهنمية وأن المخيّلة لعبت دورا هاما في صياغة سلوكيات الناس وتوجيهها بناء على نظام الترهيب وهي مخيلة تعيدنا إلى الزمن الرافيديني .
لا يختلف الكلام عن جهنم في الإسلام عن الثقافة المسيحية في القرون الوسطى فلغة القرآن جاءت شديدة وصارمة لا لبس فيها ويستشهد الباحث بالآيتين 57 و56 من سورة النساء لبيّن فنون العذاب الذي ينتظر الكفار ويتطرق إلى الحيزّ الإنساني الذي يعيد إنتاج نفسه باستخدام أدوات تعذيب نابعة من تلك المخيّلة الجهنمية التي تصنع الخوف وتحوّله إلى مادة للرعب والإرهاب فيوم القيامة في الإسلام يبدأ بالذعر من النفخ في الصور وعذاب النار وتصوير حال الكفار وحال الأتقياء والصراط المستقيم وجهنم وهي مسائل نهلت من ثقافات الشرق الأوسط القديمة وأعادت صياغتها وتشكيلها.
خصص الباحث الفصل الخامس للحديث عن دور الخطيئة في صناعة الخوف فهذا المفهوم الذي ارتبط بآدم واعتبرت ثقافة الحيّز الدائري حواء مصدرا له تختلف النظرة إليه في الهندوسية والديانات التوحيدية الثلاث التي ارتبط فيها بالعقاب وسوء المصير فعندما حصد الطاعون ثلث سكان أوروبا ساد اعتقاد أنه عقاب من الرب نتيجة خطايا البشر ويرى المؤلف أن الكنيسة والطاعون والعنف ثلاثة عوامل ساهمت بالتحوّل الذي حصل في أوروبا ويناقش مفهوم الخطيئة على ضوء الأديان والفلسفة اليونانية القديمة مستنتجا أن الدين المسيحي قريب من الثقافات الدينية الإغريقية وأن التأثير الأكبر جاء من العبرية فخطيئة آدم هي تمرّد وعصيان والتيه في الصحراء والعجل الذهبي والسير في طريق الخطيئة هي أيضا خطايا كبرى ويحلل هذا المفهوم على ضوء مقاربات الفلاسفة المعاصرين إذ اعتبر جون جاك روسو الخطيئة ولدت مع الإنسان الاجتماعي بينما لا يعتقد كانط بوجودها إلا عند ممارسة الحرية أما فرويد فقد ذهب إلى " أن الخطيئة الأولى تمثلت بقتل الأب" ويرى سارتر وكامو أننا "سجناء تراث يضعنا في تضاد مع ذواتنا. ذلك التراث الذي يمنعنا من العيش بسلام "
يمثل الفصل الأخير: الخروج من الخوف ملاحظات وانطباعات حوصلة للعمل ورؤية متجددة لهذا الموضوع الشائك يتوقف فيها الباحث عند هايدغر الذي ميّز بين الموت والرهبة منه كحقيقة يخرج فيها الإنسان من معادلة الزمن مستنتجا أن "البناء الذهني الذي شيّدته الأيديولوجيا الدينية رسم كل سلوكيات الأفراد والجماعات" فالصلاة التي تقوم عليها الأديان علاوة على أنها تعبير عن الخوف من غضب الرب هي شكل من أشكال المقايضة إذ أن العقل الدائري "لجأ إلى كلّ ما هو غير أخلاقي من أجل إرضاء القوى العليا" ويسأل هل يحتاج الرب إلى كل تلك المذابح حتى يعفو عنك ...؟ إلى جانب المقايضة يذكر الابتزاز الإيديولوجي وفعل التكرار الذي يساهم في برمجة الخوف والشفاعة التي تمكن "أخطر المارقين وأحط السفلة"من الفوز بالجنة ويتعرض إلى التطيّر والسلوكيات الاجتماعية والاقتصادية ونبذ الموسيقى كنتائج للخوف ويختم بالحديث عن الخوف السياسي الذي يقوم على زراعة الرعب ونشره منتقدا عديد الأنظمة العربية التي طوّعت المؤسسة الدينية وفاضحا حجم القمع والإرهاب الذي مارسته السلطة البعثية في العراق مستنتجا أن الخوف ينتهي"عندما يحكم هذه البلدان أناس شرفاء، أبناء اللحظة المعاصرة " و" إذا بنيت مدارس أكثر من الجوامع وإذا انتهت القبيلة كمؤسسة"
ما ميّز "تاريخ الخوف " للدكتور فالح مهدي هو القدرة على الربط بين العلمي والثقافي والسياسي واعتماد أسلوب سلس يجمع بين صرامة البحث العلمي والطرافة الأدبية وبالنظر إلى مضامين الكتاب التي حفر فيها في الزمن وكشف عن أثر القديم في المستحدث والماضي في الحاضر عبر البحث في المفاهيم الموصولة بالخوف و أطواره وملابساته والعوامل التي جعلته يتنامى بشكل متزايد يستخلص القارئ أن عمله لم يكن مجرد استعراض لتاريخ الخوف و محاولة لنقد الدين بل تجاوز ذلك إلى وضع مدخل ذكيّ لكشف آليات عمل الأيديولوجيا الدينية و تقديم مشروع حقيقي للإصلاح والتأسيس يقوم على رؤية مشبعة بنظرة متأملة مهمومة بالبحث عن سبل تنقية الذات الإنسانية من الشوائب وتحريرها من أوهام الجحيم و خلق شخصية متوازنة تقطع مع العنف الأيديولوجي للدين وتنبذ البشاعة التي كرسها فتاريخ الخوف وإن انطلق من الماضي فإن المستقبل هو هدفه وما الشعور الفطري بالخوف وحضور الضمير إلاّ نواقيس خطر ومنبهات قد تغنينا عن كلّ إيديولوجيا .
________________________________________________________
*تاريخ الخوف نقد المشاعر في الحيز الدائري صادر عن بيت الياسمين2020



#رشيدة_الشارني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الخوف للدكتور فالح مهدي : مشروع للإصلاح والتأسيس


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية: مجلس الخبراء مظهر من مظاهر الديمقراطي ...
- روسيا.. محكمة في بيلغورود تقرر طرد كاميروني متورط في دعم جما ...
- من هم خلفاء المرشد الأعلى المتوقعون بعد وفاة رئيسي؟
- انتخابات 2024 ودعم إسرائيل.. لمن سيصوت اليهود الأميركيون؟
- أمين عام حزب الله اللبناني يبرق إلى المرشد الأعلى الإيراني م ...
- أمين عام حزب الله اللبناني يبرق إلى المرشد الأعلى الإيراني م ...
- فرحة الأولاد كلها مع قناة طيور الجنة! استقبل التردد الجديد ع ...
- القوى الوطنية والإسلامية تدعو إلى تضافر الجهود لوقف جرائم ال ...
- -فرنسا، تحبها ولكنك ترحل عنها-... لماذا يختار مسلمون ذوو كفا ...
- شيخ الأزهر يوجه رسالة لإيران بعد تغريده بالفارسية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رشيدة الشارني - تاريخ الخوف للدكتور فالح مهدي : مشروع للإصلاح والتأسيس