أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف الحساني - اليسار المغربي في الألفية الثالثة: سيرة الخذلان















المزيد.....

اليسار المغربي في الألفية الثالثة: سيرة الخذلان


أشرف الحساني

الحوار المتمدن-العدد: 7150 - 2022 / 1 / 31 - 00:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ التجربة السياسيّة لما سُميّ بـ«التناوب التوافقي» عام 1998، انتهى تاريخ اليسار في المغرب وتلاشت ملامحه وذاكرته في نفوس كلّ من آمنوا به سياسة وفكراً وطريقاً، حيث أصبح أكثر التيارات تلوّناً وغطرسة ينسج تواطؤات واضحةٍ مع السُلطة القائمة. فقد ولّى الزمن الذي كان فيه اليسار يحدث دوماً رجّة عميقة في النظام السياسي، ما أدّى منذ منتصف السبعينيات إلى تدخّل النظام في كبح جماح تأثير اليسار على المنظومة الاجتماعية وبناء سياسيّ جديدٍ قادر على إخراج المجتمع من الانحطاط السياسي الذي كان يعيش فيه، والمسنود أساساً على نوعٍ من الفولكلور السياسي الوطني الفارغ والمُدجّج بقيم التقليد وقمع الحرّيات الفرديّة التي بدأت تطفح في ثنايا النسيج الاجتماعي المغربي في ذلك الإبّان. فكان اليسار غزير الإنتاج السياسيّ في ما يتعلّق بالقرارات والتقارير والندوات والاحتجاجات، ما جعل الكثير من الأوساط الشعبيّة المغربيّة ينضوون تحت لواء هذا التوجّه السياسيّ والأيديولوجي القريب من الشعب.

ولم تكُن للشبيبة اليسارية الواعدة في مغرب منتصف ستينيات وأوائل سبعينيات القرن المنصرم داخل المُنظّمة النقابيّة لـ«الاتحاد الوطني لطلبة المغرب» (أوطم) داخل الجامعة أيّ صلةٍ بالمفهوم الديكارتي للشك. بحيث كان ثمّة نوع من التعاقد الاجتماعي بين الكتلة الشعبيّة واليسار. وهذا التلاحم حقّق أهدافاً ناجعة لم تكُن تدخل في مدار تفكير السُلطة وتنانينها، بخاصّة على مُستوى الإضرابات والتضحيات الجسيمة التي قدّمها بعض المناضلين في سبيل التحرّر وإعادة إنتاج واقعٍ سياسيّ مغربي أصيل يحتكم إلى أخلاقيّات وأدبيّات اليسار فكراً و«مُعتقداً» رغم ارتفاع منسوب القمع والعنف داخل الأوساط السياسيّة وتفاقم هذا العُنف بشكل واضحٍ مع منتصف السبعينيّات، حيث سيدخل المغرب في ما سُميّ لاحقاً بـ«سنوات الرصاص» أو «سنوات الجمر» كتعبير صارخٍ عن يقظة السُلطة تجاه المدّ اليساري الذي أخذ ينثر رماده وبهجته في صفوف الشبيبة اليسارية الجديدة وانفتاح الفكر السياسي المغربي على ترجمة مؤلّفات ومقالات وحوارات لكبار القادة السياسيين والزعماء اليساريين والمُنظّرين في الفكر الماركسيّ ودخول المجلّات المشرقية وتعاضدها سياسياً مع تجربة اليسار الجديد، كما نظّر له المفكّر الفرنسي لوي ألتوسير (1918-1990)، وبقية الكتابات الفكريّة - السياسيّة العربيّة لكل من حسين مروة والطيّب تيزيني وكريم مروة ومهدي عامل. وهي كتابات بقدر ما غذّت الوعي السياسي المغربي كشفت عن بعض مآزق وتصدّعات هذا اليسار خلال الثمانينيات عبر طرح مفاهيم تتّصل بالنقد الذاتي والشك والمسافة النقديّة ونقد الموروث السياسي والعمل التنظيمي النقابي.
هكذا بدأت فكرة اليسار تتوهّج في عيون الناس وقلوبهم وبدأوا يُؤمنون حقاً أنّه رغم التصدّع الاجتماعي وأهوال الفقر والتخلّف، فإنّ المغرب قادرٌ على تحقيق ثورة سياسيّة تُخرج المغاربة من قلقهم اليومي صوب مناخاتٍ جديدةٍ من الانعتاق السياسي القادر على احترام حرّية الأفراد والتعبير ودحض التباين الطبقي والإكلشيه المخزني وعاداته وتقاليده في التعامل مع الجماهير الشعبيّة.
والحقيقة أنّه في الوقت الذي بدأ فيه اليسار يحدث رجّات هائلة وشرخاً في النظام السياسي ودحض سُلطته وتصوّراته وأفكاره، بدأت الدولة تتعمّد الاصطدام العنيف في قهر رغبة الناس في التحرّر. غير أنّ هذا القمع بقدر ما بدأ يتكرّر بشكلٍ يوميّ تزداد مع رغبة الجماهير الشعبيّة في الاحتجاج النزعةُ الثورية وخروج الأحزاب اليسارية إلى الشارع والطلبة للتجمهر أمام البرلمان والمؤسّسات الرسميّة، وغالباً ما كانت هذه الاحتجاجات تُقمع ويتم اعتقالات آلاف الناس والزج بهم في السجون وتمريغ كرامتهم في المحاكم ومخافر الشرطة. لكنْ في هذا الأفق السياسي القائم على التشظي والمعارضة، بين تأصيل فكرة اليسار داخل النسيج السياسي المغربي والرفض القاطع للدولة لإحداث مثل هذا النوع من المُعارضة التي تتدخّل في أمور وقضايا تهم بالدرجة الأولى الدولة.
فطنت هذه الأخيرة إلى الدور الذي يُمكن أنْ يلعبه «الرأسمال الدّيني» والزجّ به في سوق المُضاربات السياسيّة بين اليسار والدولة. هكذا تمّ تسييس الدّين وإدخال بعض الحركات الإسلامية إلى عمق الجامعة المغربيّة لتكسير شوكة اليسار والقضاء عليه من الداخل التنظيمي الذي كان يرعى تكتلاته ونقابات الشباب داخل الجامعة. وفي كثيرٍ من المرّات كانت تنشأ صدامات دمويّة بين الشبيبة اليسارية وأتباع الحركات الأخرى داخل حلقات الجامعة (كانت تُناقش فيها أدبيات الفكر الماركسي) قبل أنْ تتدخّل الشرطة بمُختلف أسلاكها لحل هذا النزاع. غير أنّ هذا التشابك الأيديولوجي، لم يكُن يُضمر في طيّاته إلاّ تصوّراً واضحاً حول مآزق السُلطة ونظرتها العنيفة إلى تجربة اليسار.
وستكون هذه المرحلة في علاقة الدّيني بالسياسيّ مُؤثّرة في الواقع السياسي المغربي الحالي، وستكون الأحزاب اليمينية التقليدية هي المُستفيد الأكبر من هذا التسييس للدّين وشرعنته وجعله خطاباً سياسياً شعبياً يتشدّق به زعماء أحزاب سياسيين (عبد الإله بنكيران نموذجاً) يمزجون في خطاباتهم بين السياسة والدّين، في وقتٍ أنّ المطلوب منهم هو تقديم أجوبة شافية وحلول سياسية واقعيّة وعينيّة تستجيب لمُتطلّبات الناس البُسطاء والعاملين في المعامل والفلّاحين والطلبة والمُعطّلين، بدل تقديم مواعظ دينية من المُمكن أنْ تُقدّم في المَساجد وليس في قبّة البرلمان أو من سدّة الإعلام الرسمي.
لكنْ مع مجيء تجربة «التناوب التوافقي»، ستدخُل فيه المُعارضة (اليسار) إلى الحكومة كنوعٍ من تحقيق الانتقال الديموقراطي وإنهاء مسلسل الصراع بين السُلطة والدولة برئاسة الكبير عبد الرحمن اليوسفي (1924-2020). غير أنّ هذا التناوب لم يُحقّق ما كانت تصبوا إليه الشبيبة اليسارية ولم يؤيّد الكثير منهم مفهوم «التناوب» سياسياً، على أساس أنّ هذا الدخول في سراديب السُلطة سيُنهي تاريخ اليسار، بوصفه فكراً مُستقلاً عن الأنظمة الرسميّة. ولمّا بدأت الأقلام الصحافيّة تنهال على التجربة السياسيّة الواعدة خرج المُفكّر التلفزيوني لتبرير هذا الفشل وتسويغ أجندات اليسار المُدجّن بأفكار السُلطة. هكذا بات الناس يسمعون بفكرة «إعادة التفكير» في أدبيّات اليسار المغربي على ضوء بعض التغييرات السياسيّة التي باتت تُبشّر بها قنوات فرنسيّة وأميركيّة تهمّ حركة اليسار في العالم.
والحقيقة أنّه لم يكُن هناك أيّ تفكير ولا تنظير من لدن السياسيين وأتباعهم، بل فقط تكريس وتحقيق فكرةٍ لهم قائمة على: كيف نُفكّر في جعل اليسار وسيلة من وسائل تضليل الرأي العام وتقوية أواصر السُلطة الجديدة داخل الاجتماع المغربي؟



#أشرف_الحساني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- استطلاع: ثلث طلاب الجامعات البريطانية المرموقة يعتبرون هجوم ...
- ضابط استخبارات أمريكي سابق: من تبقى من الأوكرانيين ليسوا مست ...
- لماذا النسيان مفيد؟
- روسيا.. تنظيم يانصيب للفوز برحلات عائلية للحج خلال مهرجان إس ...
- -أنت مطرود.. أخرج من هنا يا جو!-.. ترامب يسخر من بايدن ويهاج ...
- النيجر ومالي وبوركينا فاسو تتفق على الصيغة النهائية لتشكيل ا ...
- إلغاء عشرات الرحلات في ثاني أكبر مطارات ألمانيا إثر احتجاجات ...
- كاليدونيا الجديدة: السلطات الفرنسية تبدأ -عملية كبيرة- للسيط ...
- البرلمان العراقي يخفق في انتخاب رئيس له بعد جلسة متوترة
- الرياض وواشنطن تبحثان الاتفاقيات الإستراتيجية والأوضاع في غز ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أشرف الحساني - اليسار المغربي في الألفية الثالثة: سيرة الخذلان