أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إلياس التاغي - قراءة في رواية ورود تحترق من الفهم إلى التأويل .















المزيد.....


قراءة في رواية ورود تحترق من الفهم إلى التأويل .


إلياس التاغي

الحوار المتمدن-العدد: 6577 - 2020 / 5 / 29 - 01:24
المحور: الادب والفن
    


من الأعمال الروائية لراضية العمري:" مدن الحلم والدم". و" ورود تحترق". وهاته الأخيرة هي موضوع قراءتنا. من المعلوم أن فعل القراءة في الدرس المعاصر لم يعد فعلا استهلاكيا ، إنه إنتاج والظفر بالدلالة والمعنى. والمعنى صناعة متعددة ليست اللغة إلا إحدى عناصرها وبناء لا يعلو صرحه إلا بمشاركة القارئ الذي لم يعد دوره مجرد إدراك المعنى، وإنما المعنى صارت تتشكل على يديه من خلال القراءة والمعاشرة والمكاشفة والمغامرة ، والترحال والتنزه في محتوى العمل الإبداعي، والنظر بعين ثاقبة فاحصة ليتعرف على تضاريسه وثغراته، واختبار موقع ما على خريطته . ومن الملحوظ أن العمل الإبداعي الموسوم بـ " ورود تحترق" للأديبة المبدعة راضية العمري يحتوي على الكثير من القضايا، كأن الروائية لم تتحمل ما يثقل ذهنها من هموم وآلام وخيبات وانكسارات منها ما يرتبط بالواقع العربي بعد ربيعه الذي لم يعط ثماره كما ينبغي، سواء على المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الثقافي، فأفرغته دفعة واحدة متناسقة عضوية على صفحات كتابها.
العمل الذي بين أيدينا ليس أرضية مسطحة تشف عن المعنى، أو عمقا يختبئ فيه المعنى، وإنما هو حيز إبداعي تتعدد سطوحه وطبقاته، حسبنا محاولة الحفر والنبش قدر المستطاع في طبقاته لإنتاج المعنى. وإنتاج المعنى لا يُنتج إلا بالتكبد والصبر من خلال سلسلة من العمليات الذهنية المعقدة. ومع كل هذا فإن إدراك المعنى الكامل في هذا العمل غاية لا تدرك، فحسبي الاقتراب إلى أحوازه. فالقراءة في نهاية المطاف ـ حسب ريشارـ ما هي إلا ـ " مسار ممكن من مسارات أخرى تظل مفتوحة على وجه الدهر. والأثر الخالد هو الأثر الذي يكون مفتوحا على كل الرياح والصدف والذي يمكن أن نعبره في سائر الاتجاهات" . وما الكتاب إلا نزهة يقوم فيها الكاتب بوضع الكلمات ليأتي القارئ النموذجي لتنزه وبناء المعنى .
 قراءة أولى: نحو الفهم .
العنوان في العمل الروائي لاشك أنه الممر الأول نحو فناء النص، ولعله يعكس النص في خيمته الداخلية . فعنوان " ورود تحترق"، هو اختيار دقيق وذكي يعكس لب الرواية. فهو صيغ صياغة شعرية. والقارئ للعمل يرى بوضوح جلي أن المحفل السردي في هاته الرواية يتناول حكاية الشاعر رؤوف نادر المثقف الملتزم تجاه القضايا التي ترتبط بالواقع العربي، الذي انتحر بواسطة بندقية الصيد. ونتيجة لهذا الفعل، زوجته الدكتورة إلهام أستاذة التاريخ التي تعرفت عليه في مساء ربيعي خلال توقيع ديوانه الرابع" ورود تحترق"، ستعيش في جدلية بين الأمل واليأس، بين الجنون والعقل، بين النسيان والذكريات الجارحة، والخيالات المؤلمة. حياة قاسية كئيبة، أقل ما يقال عنها حفرة من جحيم.
وفي ظل الإشاعات التي تناثرت هنا وهناك حول الخبر المأساوي، اختلطت الأسباب بين ما هو شخصي وعام، فهناك من يذهب بالقول أن انتحار الشاعر نتيجة أزمة عاطفية. وهناك من يذهب بالقول أن الشاعر عاش أزمة نفسية حادة بعد أحداث الربيع العربي وما آلت إليه الأمور، فلم يتحمل ما يحدث من فظاعات وانكسارات. وبين هاتين الفرضيتين سيظهر الصحفي جلال المعتصم المعروف في عالم الصحافة بانحيازه الواضح لهموم البسطاء لمعرفة أسباب الحقيقية للانتحار الشاعر. لكن القدر له رأي آخر، فبعد البوح د. إلهام عن نفسها وعلاقاتها الاجتماعية، وأيضا عن الكثير من القضايا، ثم الحديث عن زوجها، بدءا من سياق وظروف وعوامل التي ساهمت في الارتباط، والبوح عن ماضيه و أخلاقه ومعاملته، إلى الحديث عن ظروف وسياق وعوامل التي جعلت الشاعر يخوض مجازفة ومغامرة الانتحار.
انطلاقا من هاته المقابلة اتضح أن انتحار الشاعر لم يكن عبثيا، بل كان نتيجة اليأس، و خيبة الأمل بعد أحداث الربيع العربي، وما عرفه الواقع العربي من الخراب والقبح، الدمار والدماء، والفظاعات والانتكاسات. فكان فعل الانتحار المثقف الملتزم كتعبير احتجاجي على الوضع القائم في البلدان العربية. تقول الساردة على لسان الشاعر رؤوف نادر: " إن انسحابي من هذه الحياة هو تعبير عن احتجاجي عليها، إنها طريقتي في قول كفى في وجه قساوتها" .
نشر الصحفي هذه المقابلة في مجلته على شكل أجزاء، وأضاف مقالا تحت عنوان:" انتحار الشاعر إدانة لنا جميعا". التي أثارت نقاشا واسعا. فلاحظت كأن المقال يتحدث بلسانها، فاستمر على تواصل معها حتى اقتحم قلاعها النفسي بذكائه العاطفي، فانتصرت لحبه وشجاعته وخياره الذي اجبر الجميع باحترامه. وعلى الرغم من تجربتها الثانية، غير أن الجرح العميق بداخلها لم يُشف مهما حاولت الهروب منه.
نمت الأحداث في اتجاهات متعددة، ومرت بمنعرجات ومنعطفات وقضايا كثيرة عبر مجموعة من الشخصيات الثانوية والعرضية التي شكلت الخيط الرابط للحكاية. وعلى رأس هاته الشخصيات د. إلهام رجائي، والصحفي جلال المعتصم، وصديقة د. إلهام د. كريمة، رحمة "الخادمة"، د. محسن، د. نجيب، دة. أمل، ووالدان، وأخان د. إلهام. معظم هاته الشخصيات، فهي مثقفة.

 القراءة الثانية: نحو التأويل والنقد
1. ملامح سوسيولوجية في الرواية.
ننظر كباحثين في السوسيولوجيا للرواية بوصفها نصا وخطابا وممارسة اجتماعية. نسعى إلى فك شفرتها بغية إدراكها وفهمها وتأويلها. ذلك عبر تفكيك خطابها المتماسك المحبوك دلالة وشكلا، إلى بنيات جزئية فاعلة ومتفاعلة: داخله وخارجه بغية الحصول ـ على أكبر قدر ممكن ـ على مختلف المرجعيات الخطابية التي ساهمت في بناء وتشكل معمارها . وهذا يعني النظر في غمزات وإشارات وإيحاءات.
أ‌. ملامح في سوسيولوحيا المثقفين
إذا قمنا بقراءة عكسية، أي من نهاية الرواية إلى بدايتها سيتضح لنا بوضوح جلي أن الساردة شكلت برنامجها السردي على سؤال إشكالي عن المثقف بشكل أو بآخر.
قد تعاملت الساردة بحنكة وماهرة وفطنة وحذاقة عالية في برنامجها السردي حول تحديد من المثقف ودوره في المجتمع، وذلك عبر أحداث كثيرة، ومنعطفات عديدة عبر مجموعة من الشخصيات معظمها مثقفة متعلمة أو التي تعي كل الوعي بأهمية العلم ، شكلت الخيط الرابط للهيكل العظمي للعمل.
المثقف الذي تحدده الساردة على لسان د. إلهام ليس مثقفا غرامشيا عضويا منتميا، أي المثقف المفكر المنظم لطبقة اجتماعية معينة . أو المثقف الذي يلازم برجه العاجي، أي المثقف الذي يبحث عن المتعة في المعرفة وفقط، بدون النظر لدوره داخل المجتمع، مثل المثقف في قصة الرهان لأنطون تشيخوف. المثقف الذي تراه الساردة هو من يساهم في خلق جيل يتجاوز كل المعوقات التي تتحكم فينا وتجرنا إلى الوراء، ذلك من خلال بناء جيل متنور يدرك أهمية العلم والمعرفة ويساهم في تقعيد لثقافة جديدة تقطع مع الماضي الذي لا ينفع في حاضرنا. تقول الساردة على لسان د. إلهام:" أنا رسالتي في الحياة كانت هي رهاني الذي لن أحيد عنه، رهاني المساهمة في خلق جيل يتجاوز كل المعوقات التي علقنا بها ولازلنا نتخبط فيها" .
إذا، المثقف بهذا المعنى ليس من يمارس وظيفية فكرية فقط، بل يحمل هما ورسالة وقضية تؤرقه تجاه مجتمعه الغارق في الماضي المتناقض مع حاضره. المثقف بمعنى من العاني، يتجسد وضعه بالدور الذي يقوم به في المجتمع كمشرع ومعترض ومبشر بمشروع، أو على الأقل صاحب رأي وقضية. إنه الشخص الذي همه أن يحدد ويحلل ويعمل أبحاث علمية مفيدة للإنسانية جمعاء، والمساهمة في تجاوز العوائق التي تقف أمام بلوغ نظام اجتماعي إلى الأفضل، نظام أكثر إنسانية وعقلانية ومعقولية . وفي هذا السياق تقول الساردة على لسان د. إلهام:" كنت أقول لزملائي الذين كان غالبيتهم لا يروقهم رأيي: إن ضعف وندرة أبحاثنا العلمية المفيدة للإنسانية التي قد تساهم في تطوير هذا العالم نحو الأفضل، راجع لعدة أسباب، منها الانشغال بأشياء واهتمامات أخرى قد يقوم بها أي كان بدل التركيز على المهمة الأساسية الموكلة إلينا، وهي بناء جيل متنور يدرك عظمة العلم ويساهم في تأسيس ثقافة تقطع مع سلبيات كثيرة ينوء بها ماضينا وواقعنا المليء بالتناقضات" .
ب‌. ملامح في سوسيولوجيا الثورة .
في ظل غياب دور وسائل الإعلام الرسمية التنويرية، وغياب الأحزاب التي لم تعد سوى دكاكين لتوزيع الأكاذيب على المواطنين صار من الضروري القيام بثورة ثقافية التي تتغير معها الأفكار والذهنيات التي تتحكم فينا وتجرنا إلى الوراء.
في هذه الثورة يكون دور المثقف حاسم فيها، ذلك في نقده للأفكار المتوارثة القابعة في الأذهان التي تشل قدرة الأفراد في التفكير والسير نحو بناء نظام اجتماعي أفضل وأكثر انسانية . يكون له أيضا دور حاسم في نقد الأعراف والتقاليد و الأفكار المتوارثة والمتجذرة والمتفق عليها في المجتمع تجاه صورة المرأة ووضعها... إنها ثورة المفاهيم التي تشكل قوالب الأفكار التي ندرك بها العالم، إنها ثورة التصورات والأحكام المسبقة عن المرأة. إنها ثورة تأخذ بعين الاعتبار حتى العنف اللغوي. تقول الساردة:" لقد كانت إلهام لا تحب وصف" الخادمة"، إنه تحقيري في رأيها. كانت لا تسمح بوصفها بذلك من طرف أي كان، بل تقول عنها دائما إنها مدبرة للمنزل" . اللغة تسهم في إنجاز الهيمنة والسيطرة بعض الناس على بعض الناس الآخرين. والوعي بها يعد خطوة أولى نحو التغيير والتحرر والتقدم .
ح‌. الخطاب التقديمي والسينوغرافيا في الرواية.
الخطاب التقديمي هو ما يسبق النص من مقدمات تكون من وضع الكاتب أو غيره. والغاية من وضعها تختلف باختلاف واضعها. أما السينوغرافيا هي الطريقة التي يخفي بها الكاتب مقاصده. وهي ظاهرة نصادفها في كل الخطابات، سواء أكانت شفوية أو مكتوبة، واستثمارها يختلف من خطاب إلى آخر. وهي ليست معرضا تعرض فيه الأفكار أو مجرد إطار، إنها تشكل مكون من مكونات الخطة، إذا استبدلت بأخرى، يحصل أيضا تغيير في فحوى الرسالة المضمَنة في الخطاب. إنها ببساطة، تفاعل الفكرة وإطارها. وتكون على سبيل التضمين و الايحاء ، كأن نجد في بداية رواية ما أو في بداية فصلها مقولات الفلاسفة أو الروائيين أو الشعراء... ولا يكون وضعها اعتباطيا، بل وضعها لغاية محددة من الكاتب(ة) لتحقق الغرض المطلوب.
القارئ المتمعن في رواية" ورود تحترق" يلاحظ أن المؤلفة لم تحدد عناوين الفصول ذات معاني مباشرة تلخص الحدث وتعبر عنه، حسبها اكتفت بإيحاءات وغمزات عبر ثلاث اقتباسات.
الاقتباس الأول، للشاعر الأردني تيسير السبول " لقد أصبحت عاجزا حتى عن الكتابة، وأنت تعلمين أن الكتابة عندي حياة وحين أتوقف عنها فأنا أتوقف عن الحياة". بهذا المعنى فإن فعل الكتابة أفضل ما حدث، وما يمكن أن يحدث للكاتب. إنها أفضل طريقة ممكنة للعيش والبقاء على قيد الحياة . ووقوفه عن الكتابة وقوفه عن استمرار في الحياة. هذا ما حدث للشاعر رؤوف نادر توقف عن الكتابة والأنشطة الثقافية تماما فتوقف تماما عن استمرار في الحياة، فاحتج على الواقع وقساوته بطريقته الخاصة كما فعل الكثير من الأدباء والشعراء والفلاسفة.
الاقتباس الثاني، للشاعر محمود درويش " على هذه الأرض ما يستحق الحياة". هكذا ناضل وقاوم المثقف الملتزم الشاعر الفلسطيني ضد القهر والجور والظلم حتى آخر رمق من حياته، فأبدع أروع القصائد عن القضية الفلسطينية، عرَف العالم أجمع بقضيته التي يدافع عنها. وهكذا فعل ويفعل الكثير من المثقفين الملتزمين الحق. فالكتابة والحرف ترياق وسم للمثقف، هي الوسيلة للاحتجاج والمقاومة ضد الظلم والقهر و الحيف. فاللغة والحرف والنقد رأسمالهم، على الرغم من خيبة الأمل إزاء السياسة والواقع الفظيع البشع، فهم يحسون ويدركون أن نقدهم غالبا ما لا يعود مجديا إزاء خطابات " تتطبع" و"لغة تتخشب" وأمام واقع عنيد. ومع ذلك لا يأبهون به. إن خيبتهم أمام السياسة والواقع المخجل ، تقوي إيمانهم بأهمية السياسي والتغيير، فيركزون مجهوداتهم من خلال دروبا ملتوية وطرقا غير مباشرة لتفعل الثقافة في السياسة. إن نضال المثقف ينصب على اللغة والحرف. فاللغة ـ حسب رولان بارط ـ سم وترياق، وهي مجال نضاله. فالاشتغال على اللغة ومراوغة اللغة هما أداتان وسلاحان للمثقف للاحتجاج . وهذا ما تؤكده الساردة على لسان د. إلهام بشكل أو بآخر" يؤلمني أن يا حبيب الروح والقلب بأن رفضك بهذه الطريقة لا يعبر إلا عن موقف مغرق في الانهزامية، موقف لا جدوى منه البتة... يؤلمني أيضا أنني أخالفك الرأي بينما أنت غائب عني، ويتعذر علي أن أنظر في عينيك وأخبرك بأن ما أقدمت عليه لا يزيدني إلا يقينا على أنك كنت مخطئا في تقديرك وحكمك، ومن الصعب أن تقنعني أن ما أقدمت عليه في حق نفسك وفي حقي وفي حق قرائك كان انتصارا، بل لقد خذلتنا جميعا وأثبت أن هناك شرا واحدا فقط ألا وهو إنكار الحياة ".
الاقتباس الثالث، للكاتب رسول حمزاتوف" شيئان يستحقان الصراع: وطن حنون و امرأة رائعة". فالوطن الحنون، وطن فيه العدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة والمساواة بين المواطنين يستحق الصراع والدفاع عنه إلى آخر الرمق، إنه الأم الثانية تحقق لنا شروط الوجود و البقاء على قيد الحياة بكرامة وشهامة. وامرأة رائعة، هي المسكن والمأوى والاطمئنان والاستقرار النفسي إنها "الأنا" الآخر للمرء لكي يبقى في الوجود ، فتستحق من المرء الصراع والوقوف منتصب القامة أمام أي اكراهات كانت.

إن سينوغرافيا التي وضعتها المؤلفة، باعتبارها مشهدا تلفظيا، لم يكن اعتباطيا، فاستحضار ثلاث اقتباسات، بالإضافة إلى الاقتباس من الرواية نفسها في ظهر الرواية، كانت نافذة وغمزات وإيحاءات يناسب الرسالة والفكرة والمقاصد الثاوية التي يهدف إليها العمل، فهي تلخص وتكثف عن الحدث وتعبر عنه، وتفصح عن الرؤية التي توجه هذا العمل الإبداعي. وهذا خطأ في نظرنا، إنه إفشاء أسرار اللعبة، وتعبير عما لا ينبغي تعبيره عنه. فهي في إمكان أن تصرف القارئ عن قراءة العمل ليكتفي بها ويتوقف عندها. وإذا قرأ العمل كان مستندا إليها قارئا العمل على ضوئها محروما من متعة التزه والترحال المباشر والقراءة الحرة في الكثير من القضايا التي تشكل اللحم على الهيكل العظمي للعمل.
خ‌. ظاهرة التناصَ في الرواية:
يعد التناصَ الصريح والمستتر ظاهرة لافتة لانتباه في رواية "ورود تحترق". فثمة نصوص أدبية وفنية وأخرى فلسفية و علمية .. وضعتها الروائية في مواطنها المناسبة مما جعلها تخدم المتن السردي.
أبرز رواد في هذه الحقول الحاضرين بشكل معلن في المتن، نجد: تشارلز داروين، سيجموند فرويد، مارك توين، أرسطو، ببوب مارلي، الإمام الشافعي، كانط، ديفيد هربرت لورنس، محمود درويش، فاطمة المرنسي.
يمكن ارجاع هذا التعدد لاتساع دائرة القراءات في حقول ومجالات متعددة للروائية والأديبة راضية العمري مما جعلها تشكل بناء المعماري لعملها متشبعا بنصوص متزامنة مع نصها وأخرى سابقة عليها، فكان نسيج من اقتباسات وإحالات واصداء من نصوص سابقة ومعاصرة تخترقه بالكامل.
على سبيل الختام أمكننا القول على هذا العمل لا يمكن في رأينا فهمه وإدراكه إدراكا تاما بدون النظر في الأحداث التي عرفها المجتمع العربي بعد ربيع العربي والأثار التي خلفها على المثقف العربي. فالظفر بالدلالة والمعنى بشكل دقيق وعميق لا يمكن الكشف عنها من خلال النص وفقط، إنما عبر المستتر المخفي والمسكوت عنه. لهذا يتطلب الكثير من النظر الواعي فيه انطلاقا من النتائج التي خلفها الربيع العربي على المثقف العربي عموما، هذا من جهة، ومن جهة أخرى النظر في الاحالات والغمزات والإشارات والاقتباسات والأصداء من النصوص السابقة والمعاصرة التي تخترقه بالكامل، كما لاحظ ذلك رولان بارط سابقا في دراسته للأدب . ذلك أن النص الجديد يقوم بفهم وتمثل وتحويل بشكل أو بآخر النصوص التي سبقته أو معاصرة له ، ببساطة، الكاتبة راضية العمري وكل المؤلفين لا يستطيعون الخلاص من الوقوع في شرك جدلية القراءة والكتابة. وفي جملة واحدة يبدو هذا العمل فيه جهد واجتهاد في صياغته ورصد قضايا شائكة يعرفها المجتمع العربي عموما، والمغربي خصوصا، بأسلوب أدبي بديع لا يخلو من المتعة والتشويق.






















الهوامش:
1. نعيمة سعدية: تحليل الخطاب والإجراء العربي ـ قراءة في القراءة ـ ، مجلة الأثر، ب.ن، ص 80.
2. حاتم عبيد: في تحليل الخطاب، دار ورد الأردونية، ب. ن، ط 1، سنة 2013، ص 43.
3. نعيمة سعيدية، المرجع المذكور، ص نفسها.
4. حاتم عبيد، المرجع المذكور، ص نفسها.
5. عبد العزيز السراج: انفتاح النص وحدود التأويل ـ امبرتو إيكو ـ . رابط الموضوع:
https://www.aljabriabed.net/n67_07saraj.htm ساعة الدخول على الرابط في الساعة السادسة والنصف. بتاريخ: 28.5.20.
6. مرحلة الفهم هي المرحلة الأولى من إدراك المستوى الأول من النص "القانعة بالمعنى الذي يجري في ظاهر ألفاظه". حاتم عبيد، المرجع المذكور، ص 41.
7. أحمد الشراك: الرواية والسوسيولوجيا. في السياسية والأحواز والهوامش، حلقة الفكر المغربي، فاس، ط1، سنة 2019، ص 16.
8. راضية العمري،: رواية ورود تحترق، دار الأمان، الرباط، سنة 2019، ص 76.
9. مفهوم التأويل له تحديدات عدة، لكن نشير ما أضحى ثابتا بين الباحثين، وهو أن " التأويل لحظة يتجاوز فيها الفكر مرحلة الفهم إلى مرحلة ينصب فيها عمل الفكر على إدراك ما يثوي في قرارة النص وباطنه من معان وما تتضمنه ألفاظه من رموز وإيحاءات" وغمزات "لا تنكشف إلا إذا جعلنا ذلك النص بسبب من مرجعه والسياقات التي نشأ فيها والذات المتلفظة التي صدر عنها". حاتم عبيد، نفسه، ص 41. لا نقصد هنا بالنقد، الرفض والنقض العمل، والنقص والانتقاص منه، بل احتوائه واحتضانه ومحاولة متواضعة لتسجيل ملاحظة بسيطة حوله (وهناك احتمال أن تكون ملاحظتي خاطئة أكثر من احتمال أن تكون صحيحة).
10. نعيمة سعدية، المرجع المذكور، ص نفسها.
11. أنطونيو جرامشي: كراسات السجن، ترجمة: عادل غنيم، دار المستقبل العربي، القاهرة، ط1، سنة 1994، ص 21.

12. راضية العمري، نفسه، ص 38.
13. محمد عابد الجابري:المثقفون في الحضارة العربية، محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ـ لبنان ـ ، ط2، 2000، 24ـ 25.
14. راضية العمري، نفسه، ص 39 .
15. راضية العمري، نفسه، ص 13.
16. روث فوداك، وآخرون: مناهج التحليل النقدي، المركز القومي للترجمة، القاهرة، ترجمة وتحقيق: حسام فرج ـ عزة شبل، مراجعة وتقديم: عبد اللطيف عماد، ط1، سنة 2014 ص7ـ8.

17. عبيد حاتم، المرجع المذكور، ص 57ـ59.
18. ماريو غارسا يوسا: رسائل إلى روائي شاب، ترجمة: صالح علماني، دار المدى، بيروت، ط3، سنة 2013، ص 6.
19. عبد السلام بن عبد العالي: الفلسفة فنا للعيش، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، سنة 2012، ص 37.
20. راضية العمري، نفسه، ص 79.
21. رولان بارت: من الأثر الأدبي إلى النص، ترجمة عبد السلام بنعبد العالي، مجلة الفكر العربي المعاصر، العدد 28، سنة 1989، بيروت، ص 115.
22. عبد الغني عماد: علم الاجتماع والبحث العلمي. الإشكالية، المنهج، المقاربات، دار الطليعة، بيروت، ط1، سنة 2016، ص 132.



#إلياس_التاغي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أكثر من 300 لوحة.. ليس معرضا بل شهادة على فنانين من غزة رحلو ...
- RT العربية توقع اتفاقات تعاون مع وكالتي -بترا- و-عمون- في ال ...
- جامع دجينغاربير.. تحفة تمبكتو ذات السبعة قرون
- حملة ترامب تطالب بوقف عرض فيلم -ذي أبرنتيس- وتتهم صانعيه بال ...
- ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي
- فنانو مسرح ماريوبول يتلقون دورات تدريبية في موسكو
- محاكمة ترامب.. -الجلسة سرية- في قضية شراء صمت الممثلة الإباح ...
- دائرة الثقافة والإعلام الحزبي تعقد ندوة سياسية في ذكرى النكب ...
- كراسنويارسك الروسية تستضيف مهرجان -البطل- الدولي لأفلام الأط ...
- كيت بلانشيت تدعو السينمائيين للاهتمام بقصص اللاجئين -المذهلة ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إلياس التاغي - قراءة في رواية ورود تحترق من الفهم إلى التأويل .